معاني




فهرس معاني الكلمات001 الفاتحة ►002 البقرة ►003 آل عمران ►004 النساء ►005 المائدة ►006 الأنعام ►007 الأعراف ►008 الأنفال ►009 التوبة ►010 يونس ►011 هود ►012 يوسف ►013 الرعد ►014 إبراهيم ►015 الحجر ►016 النحل ►017 الإسراء ►018 الكهف ►019 مريم ►020 طه ►021 الأنبياء ►022 الحج ►023 المؤمنون ►024 النور ►025 الفرقان ►026 الشعراء ►027 النمل ►028 القصص ►029 العنكبوت ►030 الروم ►031 لقمان ►032 السجدة ►033 الأحزاب ►034 سبأ ►035 فاطر ►036 يس ►037 الصافات ►038 ص ►039 الزمر ►040 غافر ►041 فصلت ►042 الشورى ►043 الزخرف ►044 الدخان ►045 الجاثية ►046 الأحقاف ►047 محمد ►048 الفتح ►049 الحجرات ►050 ق ►051 الذاريات ►052 الطور ►053 النجم ►054 القمر ►055 الرحمن ►056 الواقعة ►057 الحديد ►058 المجادلة ►059 الحشر ►060 الممتحنة ►061 الصف ►062 الجمعة ►063 المنافقون ►064 التغابن ►065 الطلاق ►066 التحريم ►067 الملك ►068 القلم ►069 الحاقة ►070 المعارج ►071 نوح ►072 الجن ►073 المزمل ►074 المدثر ►075 القيامة ►076 الإنسان ►077 المرسلات ►078 النبأ ►079 النازعات ►080 عبس ►081 التكوير ►082 الإنفطار ►083 المطففين ►084 الانشقاق ►085 البروج ►086 الطارق ►087 الأعلى ►088 الغاشية ►089 الفجر ►090 البلد ►091 الشمس ►092 الليل ►093 الضحى ►094 الشرح ►095 التين ►096 العلق ►097 القدر ►098 البينة ►099 الزلزلة ►100 العاديات ►101 القارعة ►102 التكاثر ►103 العصر ►104 الهمزة ►105 الفيل ►106 قريش ►107 الماعون ►108 الكوثر ►109 الكافرون ►110 النصر ►111 المسد ►112 الإخلاص ►113 الفلق ►114 الناس ►

الجمعة، 18 فبراير 2022

الجامع لروائع البيان في تفسيرآيات القرآن (9) سيدمبارك

الجامع لروائع البيان في تفسيرآيات القرآن (9)
سيدمبارك 
 
 
تفسير الجزء التّاسع 
 
بقية سورة الأعراف من الآية 88-إلى الآية 206
وسورة الأنفال من الآية 1-إلى الآية 40
{قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (88)}
إعراب مفردات الآية ([1])
(قال) فعل ماض (الملأ) فاعل مرفوع (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع نعت للملأ (استكبروا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. والواو ضمير في محلّ رفع فاعل (من قوم) جارّ ومجرور متعلّق بحال من فاعل استكبروا و(الهاء) ضمير مضاف إليه (اللام) لام القسم لقسم مقدّر (نخرجنّ) مضارع مبنيّ على الفتح في محلّ رفع.. و(النون) نون التوكيد و(الكاف) ضمير في محلّ نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن (يا) أداة نداء (شعيب) منادى مفرد علم مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب (الواو) عاطفة (الذين) موصول في محلّ نصب معطوف على ضمير المخاطب في (نخرجنّك)، (آمنوا) مثل استكبروا (مع) ظرف مكان منصوب متعلّق ب (آمنوا)، و(الكاف) ضمير مضاف إليه (من قرية) جارّ ومجرور متعلّق ب (نخرجنّ)، و(نا) ضمير في محل جرّ مضاف إليه (أو) حرف عطف (اللام) مثل الأول (تعودنّ) مضارع مرفوع «[2]» وعلامة الرفع ثبوت النون المحذوفة لتوالي الأمثال و.. الواو المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل مرفوع «[3]». و(النون) نون التوكيد (في ملّة) جارّ ومجرور متعلق بمحذوف حال من فاعل تعودنّ و(نا) ضمير مضاف إليه «[4]»، (قال) مثل الأول (الهمزة) للاستفهام الإنكاري (الواو) واو الحال [5]»، (لو) حرف موصول «[6]»(كنّا) فعل ماض ناقص- ناسخ- مبنيّ على السكون.. و(نا) ضمير في محلّ رفع اسم كان (كارهين) خبر كنّا منصوب وعلامة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ }
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانها إجمالاً ما نصه:-{ قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ } وهم الأشراف والكبراء منهم الذين اتبعوا أهواءهم ولهوا بلذاتهم، فلما أتاهم الحق ورأوه غير موافق لأهوائهم الرديئة، ردوه واستكبروا عنه، فقالوا لنبيهم شعيب ومن معه من المؤمنين المستضعفين: { لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } استعملوا قوتهم السبعية، في مقابلة الحق، ولم يراعوا دينا ولا ذمة ولا حقا، وإنما راعوا واتبعوا أهواءهم وعقولهم السفيهة التي دلتهم على هذا القول الفاسد، فقالوا: إما أن ترجع أنت ومن معك إلى ديننا أو لنخرجنكم من قريتنا.
فـ { شعيب } عليه الصلاة والسلام كان يدعوهم طامعا في إيمانهم، والآن لم يسلم من شرهم، حتى توعدوه إن لم يتابعهم - بالجلاء عن وطنه، الذي هو ومن معه أحق به منهم.
فـ { قَالَ } لهم شعيب عليه الصلاة والسلام متعجبا من قولهم: { أَوَ لَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } أي: أنتابعكم على دينكم وملتكم الباطلة، ولو كنا كارهين لها لعلمنا ببطلانها، فإنما يدعى إليها من له نوع رغبة فيها، أما من يعلن بالنهي عنها، والتشنيع على من اتبعها فكيف يدعى إليها؟".اهـ ([7])
{قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (89)}
إعراب مفردات الآية ([8])
(قد) حرف تحقيق (افترينا) فعل ماض مبنيّ على السكون.. و(نا) ضمير في محلّ رفع فاعل (على اللّه) جارّ ومجرور متعلّق ب (افترينا)، (كذبا) مفعول به منصوب «[9]»(إن) حرف شرط جازم (عدنا) مثل افترينا، والفعل في محلّ جزم فعل الشرط «[10]»، (في ملّتكم) مثل في ملّتنا (بعد) ظرف زمان منصوب متعلّق ب (عدنا)، (إذ) اسم ظرفيّ مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه (نجّانا) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف ومفعوله (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (من) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (نجّانا)، (الواو) عاطفة (ما) نافية (يكون) مضارع تامّ بمعنى ينبغي مرفوع (اللام) حرف جرّ و(نا) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يكون)، (أن) حرف مصدريّ ونصب (نعود) مضارع منصوب، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن «[11]»، (فيها) مثل منها متعلّق بمحذوف حال. والمصدر المؤوّل (أن نعود) في محلّ رفع فاعل يكون.
(إلّا) حرف للاستثناء (أن يشاء) مثل أن نعود (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (ربّ) نعت للفظ الجلالة مرفوع مثله و(نا) ضمير مضاف إليه. والمصدر المؤوّل (أن يشاء اللّه) في محلّ نصب على الاستثناء من عموم الأحوال أي إلّا حال مشيئة اللّه «[12]».(وسع) فعل ماض (ربّنا) فاعل مرفوع، و(نا) ضمير مضاف إليه (كلّ) مفعول به منصوب (شيء) مضاف إليه مجرور (علما) تمييز منصوب محوّل عن الفاعل (على اللّه) جارّ ومجرور متعلّق ب (توكّلنا) وهو مثل افترينا (ربّ) منادى مضاف منصوب محذوف منه حرف النداء و(نا) ضمير مضاف إليه (افتح) فعل أمر دعائيّ، والفاعل أنت (بين) ظرف منصوب متعلّق ب (افتح)، و(نا) مثل المتقدّم (الواو) عاطفة (بين) مثل الأول ومعطوف عليه (قوم) مضاف إليه مجرور و(نا) مثل المتقدّم (بالحقّ) جارّ ومجرور متعلّق ب (افتح) بتضمينه معنى احكم (الواو) استئنافيّة (أنت) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (خير) خبر مرفوع (الفاتحين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا }
-قال السعدي- رحمه الله-في تفسيرها إجمالاً ما نصه:{ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا } أي: اشهدوا علينا أننا إن عدنا إليها بعد ما نجانا اللّه منها وأنقذنا من شرها، أننا كاذبون مفترون على اللّه الكذب، فإننا نعلم أنه لا أعظم افتراء ممن جعل للّه شريكا، وهو الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يتخذ ولدا ولا صاحبة، ولا شريكا في الملك.
{ وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا } أي: يمتنع على مثلنا أن نعود فيها، فإن هذا من المحال، فآيسهم عليه الصلاة والسلام من كونه يوافقهم من وجوه متعددة، من جهة أنهم كارهون لها مبغضون لما هم عليه من الشرك. ومن جهة أنه جعل ما هم عليه كذبا، وأشهدهم أنه إن اتبعهم ومن معه فإنهم كاذبون.
ومنها: اعترافهم بمنة اللّه عليهم إذ أنقذهم اللّه منها.
ومنها: أن عودهم فيها - بعد ما هداهم اللّه - من المحالات، بالنظر إلى حالتهم الراهنة، وما في قلوبهم من تعظيم اللّه تعالى والاعتراف له بالعبودية، وأنه الإله وحده الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له، وأن آلهة المشركين أبطل الباطل، وأمحل المحال. وحيث إن اللّه منَّ عليهم بعقول يعرفون بها الحق والباطل، والهدى والضلال..اهـ([13])
{ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}
-قال ابن كثير-رحمه الله-في تفسيره لهذه الجزئية من الآية: -{ وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا } وهذا ردّ إلى المشيئة، فإنه يعلم كل شيء، وقد أحاط بكل شيء علمًا، { عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا } أي: في أمورنا ما نأتي منها وما نذر { رَبَّنَا افْتَحْبَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ } أي: افصل بيننا وبين قومنا، وانصرنا عليهم، { وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ } أي: خير الحاكمين، فإنك العادل الذي لا يجور أبدًا.اهـ([14])
- وزاد القرطبي-رحمه الله- في بيان قوله تعالي:{ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} فقال:- قال قتادة: بعثه الله إلى أمتين: أهل مدين، وأصحاب الأيكة «[15]». قال ابن عباس: وكان شعيب كثير الصلاة، فلما طالتمادي قومه في كفرهم وغيهم، ويئس من صلاحهم، دعا عليهم فقال:{ ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين } فاستجاب الله دعاءه فأهلكهم بالرجفة.اهـ([16])
{وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90)}
إعراب مفردات الآية ([17])
(قال الملأ.من قومه) مرّ إعراب نظيرها«[18]»،(اللام) موطّئة للقسم (إن) حرف شرط جازم (اتّبعتم) فعل ماض مبنيّ على السكون في محلّ جزم فعل الشرط. و(تم) ضمير فاعل (شعيبا) مفعول به منصوب (إنّ) حرف مشبه بالفعل- ناسخ- و(كم) ضمير في محلّ نصب اسم إنّ (إذا) حرف جواب لا عمل له «[19]»
(اللام) لام القسم التي تفيد ربط الجواب بالقسم «3» وهي المزحلقة من غير القسم،(خاسرون) خبر إنّ مرفوع وعلامة الرفع الواو.
روائع البيان والتفسير
{وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ}
-قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله- في تفسيرها: يقول تعالى ذكره: وقالت الجماعة من كفرة رجال قوم شعيب وهم"الملأ" الذين جحدوا آيات الله، وكذبوا رسوله، وتمادوا في غيِّهم، لآخرين منهم: لئن أنتم اتبعتم شُعَيبًا على ما يقول، وأجبتموه إلى ما يدعوكم إليه من توحيد الله، والانتهاء إلى أمره ونهيه، وأقررتم بنبوَّته { إنكم إذًا لخاسرون }، يقول: لمغبونون في فعلكم، وترككم ملتكم التي أنتم عليها مقيمون، إلى دينه الذي يدعوكم إليه وهالِكُون بذلك من فعلكم.اهـ([20])
{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91)}
إعراب مفردات الآية ([21])
(الفاء) عاطفة (أخذت) فعل ماض.. و(التاء) للتأنيث و(هم) ضمير مفعول به (الرجفة) فاعل مرفوع (الفاء) مثل الأولى (أصبحوا) فعل ماض ناقص- ناسخ- مبنيّ على الضمّ.. والواو ضمير في محلّ رفع اسم أصبح (في دار) جارّ ومجرور متعلّق بجاثمين وهو خبر أصبح منصوب وعلامة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها ما نصه:- أخبر تعالى هاهنا أنهم أخذتهم الرجفة كماأرجفوا شعيبًا وأصحابه وتوعدوهم بالجلاء، كما أخبر عنهم في سورة "هود" فقال: { وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } [هود:94] والمناسبة في ذلك -والله أعلم -أنهم لما تهكموا بنبي الله شعيب فيقولهم: { أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ } [ هود: 87 ] فجاءت الصيحة فأسكتتهم وقال تعالى إخبارا عنهم في سورة الشعراء: { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [الشعراء:189] وما ذاك إلا لأنهمقالوا له في سياق القصة: { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِإِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } [الشعراء:187] فأخبر أنهأصابهم عذاب يوم الظلة، وقد اجتمع عليهم ذلك كله: أصابهم عذاب يوم الظلة،" وهي سحابة أظلتهم فيها شرر من نار ولَهَب ووهَج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم، فزهقت الأرواح، وفاضت النفوس وخمدت الأجساد، { فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ }.اهـ[22])
{الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92)}
إعراب مفردات الآية ([23])
(الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (كذّبوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. والواو فاعل (شعيبا) مفعول به منصوب (كأنّ) مخفّفة من الثقيلة، واسمها محذوف تقديره كأنهم (لم) حرف نفي وجزم وقلب (يغنوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون.. والواو فاعل (في) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يغنوا)، (الذين كذّبوا شعيبا) مثل الأولى (كانوا) مثل أصبحوا «[24]»، (هم) ضمير فصل (الخاسرين) خبر كانوا منصوب.
روائع البيان والتفسير
{الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ }
-قال أبو جعفر الطبري-رحمه الله- في تفسيرها: يقول تعالى ذكره: فأهلك الذين كذبوا شعيبًا فلم يؤمنوا به، فأبادَهم، فصارت قريتهم منهم خاوية خلاءً{ كأن لم يغنوا فيها }، يقول: كأن لم ينزلوا قطّ ولم يعيشوا بها حين هلكوا. اهـ([25])
-وأضاف السعدي-رحمه الله- في بيان قوله تعالي:{ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِين} فقال:
أي: الخسار محصور فيهم، لأنهم خسروا دينهم وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين لا من قالوا لهم:{ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ}.اهـ([26])
{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93) }
إعراب مفردات الآية ([27])
(الفاء) عاطفة (تولّى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (عن) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (تولّى)، (الواو) عاطفة (قال) فعل ماض، والفاعل هو (يا) حرف للنداء (قوم) منادى مضاف منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على ما قبل الياء المحذوفة للتخفيف و(الياء) المحذوفة ضمير
مضاف إليه (اللام) لام القسم لقسم مقدّر (قد) حرف تحقيق (أبلغت) فعل ماض مبنيّ على السكون.. و(التاء) فاعل و(كم) ضمير مفعول به (رسالات) مفعول به ثان منصوب وعلامة النصب الكسرة (ربّ) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على ما قبل الياء و(الياء) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (نصحت) مثل أبلغت (اللام) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (نصحت)، (الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر (كيف) اسم استفهام مبنيّ في محلّ نصب حال عامله (آسى) وهو مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا (على قوم) جارّ ومجرور متعلّق ب (آسى)، (كافرين) نعت لقوم مجرور مثله وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ }
-قال الشنقيطي- رحمه الله- في تفسيره للآية ما مختصره: بين جل وعلا الرسالات التي أبلغها رسوله شعيب إلى قومهفي آيات كثيرة كقوله: {وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان} الآية [11 \ 84]، ونحوها من الآيات، وبين نصحه لهم في آيات كثيرة كقوله: {ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد} الآية [11 \ 89]، وقوله تعالى: {فكيف آسى على قوم كافرين} [7 \ 93]، أنكر نبي الله شعيب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام الأسى، أي: الحزن على الكفار إذا أهلكهم الله بعد إبلاغهم، وإقامة الحجة عليهم مع تماديهم في الكفر والطغيان لجاجا وعنادا، وإنكاره لذلك يدل على أنه لا ينبغي، وقد صرح تعالى بذلك فنهى نبينا صلى الله عليه وسلم عنه في قوله: {وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين} [5 \ 68]، ومعنى لا تأس:
لا تحزن.اهـ([28])
-وفسرها ابن كثير- رحمه الله-فقال ما مختصره: - أي: فتولى عنهم "شعيب" عليه السلام بعد ما أصابهم ما أصابهم من العذاب والنقمة والنكال، وقال مقرعًا لهم وموبخًا: { يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ } أي: قد أديتُ إليكم ما أُرْسِلْت به، فلا أسفة عليكم وقد كفرتم بما جئتم به، ولهذاقال: { فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ }؟.اهـ[29])
-وزاد السعدي- رحمه الله- في تفسيره لقوله تعالي:{ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} فقال: أي فكيف أحزن على قوم لا خير فيهم، أتاهم الخير فردوه ولم يقبلوه ولا يليق بهم إلا الشر، فهؤلاء غير حقيقين أن يحزن عليهم، بل يفرح بإهلاكهم ومحقهم. فعياذا بك اللهم من الخزي والفضيحة، وأي: شقاء وعقوبة أبلغ من أن يصلوا إلى حالة يتبرأ منهم أنصح الخلق لهم؟.اهـ([30])
{وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94)}
إعراب مفردات الآية ([31])
(الواو) استئنافيّة (ما) نافية (أرسلنا) فعل ماض مبنيّ على السكون. و(نا) ضمير في محلّ رفع فاعل (في قرية) جارّ ومجرور متعلّق ب (أرسلنا)، (من) حرف جرّ زائد (نبيّ) مجرور لفظا منصوب محلّا مفعول به (إلّا) حرف للحصر (أخذنا) مثل أرسلنا (أهل) مفعول به
منصوب و(ها) ضمير مضاف إليه (بالبأساء) جارّ وجرور متعلّق بفعل أخذنا بتضمينه معنى عاقبنا (الواو) عاطفة (الضرّاء) معطوفة على البأساء مجرور (لعلّ) حرف للترجّي والنصب-ناسخ-و(هم) ضمير في محلّ
نصب اسم لعلّ (يضّرّعون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير
{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ }
-قال أبو جعفر الطبري-رحمه الله-في بيانها إجمالاً: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، معرِّفَه سنّته في الأمم التي قد خَلَت من قبل أمته، ومذكّرَ من كفر به من قريش، لينزجروا عما كانوا عليه مقيمين من الشرك بالله، والتكذيب لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{ وما أرسلنا في قرية من نبي }، قبلك{ إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء}، وهو البؤس وشَظَف المعيشة وضِيقها و"الضراء"، وهي الضُّرُ وسوء الحال في أسباب دُنياهم {لعلهم يضرعون }، يقول: فعلنا ذلك ليتضرّعوا إلى ربهم، ويستكينوا إليه، وينيبوا، بالإقلاع عن كفرهم، والتوبة من تكذيب أنبيائِهم.اهـ([32])
{ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95)}
إعراب مفردات الآية ([33])
(ثمّ) حرف عطف (بدّلنا) مثل أرسلنا (مكان) مفعول به ثان مقدّم «[34]»منصوب (السيّئة) مضاف إليه مجرور (الحسنة) مفعول به منصوب على حذف مضاف أي مكان الحسنة (حتى) حرف غاية وجرّ (عفوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ المقدّر على الألف المحذوفة.. والواو فاعل (الواو) حرف عطف (قالوا) فعل ماض وفاعله (قد) حرف تحقيق (مسّ) فعل ماض (آباء) مفعول به مقدّم منصوب و(نا) ضمير مضاف إليه (الضرّاء) فاعل مرفوع (السرّاء) معطوف على الضرّاء بالواو (الفاء) عاطفة (أخذنا) مثل أرسلنا و(هم) ضمير مفعول به (بغتة) مصدر في موضع الحال من فاعل أخذناهم أو من مفعوله «[35]»،(الواو) حاليّة (هم) ضمير في محلّ رفع مبتدأ (لا) نافية (يشعرون) مضارع مرفوع. والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير
{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }
-قال السعدي-رحمه الله-في بيانها: -{ثُمَّ } إذا لم يفد فيهم، واستمر استكبارهم، وازداد طغيانهم.
{ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ } فَأدَرَّ عليهم الأرزاق، وعافى أبدانهم، ورفع عنهم البلاء { حَتَّى عَفَوْا } أي: كثروا، وكثرت أرزاقهم وانبسطوا في نعمة اللّه وفضله، ونسوا ما مر عليهم من البلاء. { وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ } أي: هذه عادة جارية لم تزل موجودة في الأولين واللاحقين، تارة يكونون في سراء وتارة في ضراء، وتارة في فرح، ومرة في ترح، على حسب تقلبات الزمان وتداول الأيام، وحسبوا أنها ليست للموعظة والتذكير، ولا للاستدراج والنكير حتى إذا اغتبطوا، وفرحوا بما أوتوا، وكانت الدنيا، أسر ما كانت إليهم، أخذناهم بالعذاب { بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } أي: لا يخطر لهم الهلاك على بال، وظنوا أنهم قادرون على ما آتاهم اللّه، وأنهم غير زائلين ولا منتقلين عنه.اهـ([36])
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (96)}
إعراب مفردات الآية ([37])
(الواو) عاطفة (لو) حرف شرط غير جازم (أنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- (أهل) اسم أنّ منصوب (القرى) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة (آمنوا) مثل قالوا (الواو) عاطفة (اتّقوا) مثل عفوا.
والمصدر المؤوّل (أنّ أهل القرى..) في محلّ رفع فاعل لفعل محذوف تقديره ثبت أي: لو ثبت إيمان أهل
القرى وتقواهم.
(اللام) واقعة في جواب لو (فتحنا) مثل أرسلنا (على) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (فتحنا) بتضمينه معنى صببنا (بركات) مفعول به منصوب وعلامة النصب الكسرة (من السماء) جارّ ومجرور متعلّق بنعت لبركات (الواو) عاطفة (الأرض) معطوفة على السماء مجرور (الواو) عاطفة (لكن) حرف للاستدراك (كذّبوا) مثل قالوا (الفاء)- عاطفة سببيّة (أخذنا) مثل الأول و(هم) ضمير مفعول به (الباء) حرف جرّ للسببيّة(ما) حرف مصدريّ «[38]»(كانوا) فعل ماض ناقص واسمه (يكسبون) مثل يضرّعون. والمصدر المؤوّل (ما كانوا يكسبون) في محلّ جر بالباء متعلّق ب (أخذناهم) بتضمينه عذّبناهم.
روائع البيان والتفسير
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها:- قوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا } أي: آمنت قلوبهم بما جاءتهم به الرسل، وصدقت به واتبعته، واتقوا بفعل الطاعات وترك المحرمات، { لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ } أي: قطر السماء ونبات الأرض. قال تعالى: { وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } أي: ولكن كذبوا رسلهم، فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم.اهـ[39])
-وزاد السعدي- رحمه الله-في بيان قوله تعالي{فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }فقال: بالعقوبات والبلايا ونزع البركات، وكثرة الآفات، وهي بعض جزاء أعمالهم، وإلا فلو آخذهم بجميع ما كسبوا، ما ترك عليها من دابة. { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }.اهـ([40])
{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (97)}
إعراب مفردات الآية ([41])
(الهمزة) للاستفهام الإنكاريّ (أمن) فعل ماض (أهل) فاعل مرفوع (القرى) مضاف إليه مجرور (أن) حرف مصدريّ ونصب (يأتي) مضارع منصوب و(هم) ضمير مفعول به (بأس) فاعل مرفوع و(نا) ضمير مضاف إليه (بياتا) ظرف زمان منصوب «[42]»متعلّق ب (يأتي)، (الواو) واو الحال (هم) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (نائمون) خبر مرفوع وعلامة الرفع الواو.
روائع البيان والتفسير
{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ }
-قال القرطبي- رحمه الله- في تفسيره: والمراد بالقرى مكة وما حولها، لأنهم كذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم وقيل: هو عام في جميع القرى. {أن يأتيهم بأسنا} أي عذابنا.اهـ([43])
-وأضاف البغوي- رحمه الله- ما نصه:{ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى } الذين كفروا وكذبوا، يعني: أهل مكة وما حولها، { أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا } عذابنا، { بَيَاتًا } ليلا { وَهُمْ نَائِمُونَ }.اهـ([44])
{أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)}
إعراب مفردات الآية ([45])
(أو أمن..وهم) تعرب كنظيرتها المتقدّمة، والواو بعد الاستفهام عاطفة (يلعبون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير
{أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ }
-قال البغوي- رحمه الله- في تفسيرها: أي: نهارا، والضحى: صدر النهار، ووقت انبساط الشمس، { وَهُمْ يَلْعَبُونَ } ساهون لاهون.اهـ([46])
{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (99)}
إعراب مفردات الآية ([47])
(الهمزة) مثل الأولى (الفاء) عاطفة (أمنوا) فعل ماض وفاعله (مكر) مفعول به منصوب (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (الفاء) تعليليّة «[48]»، (لا) نافية (يأمن) مضارع مرفوع (مكر) مفعول به منصوب (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (إلا) أداة حصر (القوم) فاعل مرفوع (الخاسرون) نعت للقوم مرفوع وعلامة الرفع الواو.
روائع البيان والتفسير
{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ }
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانها إجمالاً ما نصه:
{ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ } حيث يستدرجهم من حيث لا يعلمون، ويملي لهم، إن كيده متين، { فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } فإن من أمن من عذاب اللّه، فهولم يصدق بالجزاء على الأعمال، ولا آمن بالرسل حقيقة الإيمان.
وهذه الآية الكريمة فيها من التخويف البليغ، على أن العبد لا ينبغي له أن يكون آمنا على ما معه من الإيمان.
بل لا يزال خائفا وجلا أن يبتلى ببلية تسلب ما معه من الإيمان، وأن لا يزال داعيا بقوله: " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك "([49]) وأن يعمل ويسعى، في كل سبب يخلصه من الشر، عند وقوع الفتن، فإن العبد -ولو بلغت به الحال ما بلغت - فليس على يقين من السلامة.اهـ([50])
{أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (100)}
إعراب مفردات الآية ([51])
(الهمزة) مثل الأولى وللتوبيخ (الواو) عاطفة (لم) حرف نفي وجزم وقلب (يهد) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف حرف العلّة (اللام) حرف جرّ (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق ب (يهد) بتضمينه معنى يتّضح ويتبيّن (يرثون) مثل يلعبون (الأرض) مفعول به منصوب (من بعد) جارّ ومجرور متعلّق ب (يرثون)، (أهل) مضاف إليه مجرور (ها) ضمير مضاف إليه (أن) مخفّفة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف (لو) حرف شرط غير جازم (نشاء) مضارع مرفوع والفاعل ضمير تقديره نحن (أصبنا) فعل ماض
وفاعله و(هم) ضمير مفعول به. والمصدر المؤوّل (أن لو نشاء...) في محلّ رفع فاعل يهد «[52]»، أي أو لم يتّضح للوارثين إصابتنا إيّاهم بذنوبهم لو شئنا ذلك. (بذنوب) جارّ ومجرور متعلّق ب (أصبنا) والباء للسببيّة و(هم) ضمير مضاف إليه (الواو) استئنافيّة (نطبع) مثل نشاء (على) قلوب جارّ ومجرور متعلّق ب (نطبع)، و(هم) مثل الأخير (الفاء) عاطفة (هم) ضمير منفصل مبتدأ (لا) نافية (يسمعون) مثل يلعبون.
روائع البيان والتفسير
{أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ }
-قال أبو جعفر الطبري في بيانها: يقول: أوَلم يَبن للّذين يُسْتخلفون في الأرض بعد هلاك آخرين قبلهم كانُوا أهلها، فساروا سيرتهم، وعملوا أعمالهم، وعتوا عن أمر ربهم{ أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم }، يقول: أن لو نشاء فعلنا بهم كما فعلنا بمن قبلهم، فأخذناهم بذنوبهم، وعجّلنا لهم بأسَنا كما عجلناه لمن كان قبلهم ممن ورثوا عنه الأرض، فأهلكناهم بذنوبهم{ ونطبع على قلوبهم }، يقول: ونختم على قلوبهمفهم{لا يسمعون}، موعظةً ولا تذكيرًا، سماعَ منتفع بهما.اهـ([53])
{تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (101) }
إعراب مفردات الآية ([54])
(تي) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (اللام) للبعد و(الكاف) للخطاب (القرى) بدل من تلك أو عطف بيان «[55]»، (نقصّ) مضارع مرفوع والفاعل نحن للتعظيم (على) حرف جرّ و(الكاف) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (نقصّ)، (من أنباء) جارّ ومجرور متعلّق ب (نقصّ)، و(ها) ضمير مضاف إليه (الواو) استئنافيّة (اللام) لام القسم لقسم مقدّر (جاءت) فعل ماض.. و(هم) ضمير مفعول به (رسل) فاعل مرفوع و(هم) مضاف إليه (بالبيّنات) جارّ ومجرور متعلّق ب (جاءتهم)، (الفاء) عاطفة (ما) حرف نفي (كانوا) ماض ناقص- ناسخ مبنيّ على الضمّ والواو ضمير اسم كان (اللام) لام الجحود (يؤمنوا) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام.. والواو فاعل (الباء) حرف جرّ (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ بالباء متعلّق ب (يؤمنوا)، والعائد محذوف. «[56]»، (كذّبوا) فعل ماض وفاعله (من) حرف جرّ (قبل) اسم مبنيّ على الضمّ في محلّ جرّ متعلّق ب (كذّبوا). والمصدر المؤوّل (أن يؤمنوا) في محلّ جرّ باللام متعلّق بمحذوف خبر كانوا أي: ما كانوا مؤهّلين أو مستعدّين للإيمان.
(الكاف) حرف جرّ «[57]»، (ذلك) اسم إشارة مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف مفعول مطلق عاملة يطبع (واللام) للبعد، و(كاف) لخطاب (يطبع) مضارع مرفوع (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (على قلوب) جارّ ومجرور متعلّق ب (يطبع)، (الكافرين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ }
-قال أبو جعفر الطبري في تفسيره للآية: يقول تعالى ذكره: هذه القرى التي ذكرت لك، يا محمد، أمَرها وأمر أهلها يعني: قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب{نقص عليك من أنبائها} فنخبرك عنها وعن أخبار أهلها، وما كان من أمرهم وأمر رُسل الله التي أرسلت إليهم، لتعلم أنا ننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا على أعدائنا وأهل الكفر بنا، ويعلم مكذبوك من قومك ما عاقبة أمر من كذَّب رسل الله، فيرتدعوا عن تكذيبك، وينيبوا إلى توحيد الله وطاعته{ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات}، يقول: ولقد جاءت أهل القرى التي قصصت عليك نبأها،{رسلهم بالبينات}، يعني بالحجج: البينات {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل}.اهـ([58])
- وأضاف ابن كثير –رحمه الله-زيادة بيان في تفسيره للآية فقال: { وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } أي: بالحجج على صدقهم فيما أخبروهم به، كما قال تعالى: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا }[الإسراء:15] وقال تعالى: { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ } [هود:101، 102]
وقوله تعالى: { فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ } الباء سببية، أي: فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل بسبب تكذيبهم بالحق أول ما ورد عليهم. حكاه ابن عطية، رحمه الله، وهو متجه حسن، كقوله: { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون َ } [الأنعام:110، 111]؛ أي: ولقد وجدنا أكثرهم فاسقين خارجين عن الطاعة والامتثال. والعهد الذي أخذه عليهم هو ما جبلهم عليه وفطرهم عليه، وأخذ عليهم في الأصلاب أنه ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو، فأقروا بذلك، وشهدوا على أنفسهم به، فخالفوه وتركوه وراء ظهورهم، وعبدوا مع الله غيره بلا دليل ولا حجة، لا من عقل ولا شرع، وفي الفطر السليمة خلاف ذلك، وجاءت الرسل الكرام من أولهم إلى آخرهم بالنهي عن ذلك، كما جاء في صحيح مسلم يقول الله تعالى: "إني خلقت عبادي حُنَفَاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحَرّمَتْ عليهم ما أحللتُ لهم"([59]). وفي الصحيحين: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه"([60]) الحديث. وقال تعالى في كتابه العزيز: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ } [الأنبياء:25] وقال تعالى: { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [الزخرف:45] وقال تعالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ }[النحل:36] إلى غير ذلك من الآيات.اهـ[61])
{وما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (102)}
إعراب مفردات الآية ([62])
(الواو) عاطفة (ما) حرف نفي (وجدنا) فعل ماض وفاعله (لأكثر) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من عهد «[63]»و(هم) ضمير مضاف إليه (من) حرف جرّ زائد (عهد) مجرور لفظا منصوب محلّا مفعول به عامله وجد (للواو) عاطفة (إن) مخفّفة من الثقيلة، مهملة «[64]»، (وجدنا) مثل الأول (أكثر) مفعول به أوّل منصوب و(هم) مثل الأخير (اللام) هي الفارقة (فاسقين) مفعول به ثان منصوب وعلامة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
{وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ }
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانها إجمالاً ما نصه:{ وَمَا وَجَدْنَا لأكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ } أي: وما وجدنا لأكثر الأمم الذين أرسل اللّه إليهم الرسل من عهد، أي: من ثبات والتزام لوصية اللّه التي أوصى بها جميع العالمين، ولا انقادوا لأوامره التي ساقها إليهم على ألسنة رسله.
{ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ } أي: خارجين عن طاعة اللّه، متبعين لأهوائهم بغير هدى من اللّه، فاللّه تعالى امتحن العباد بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وأمرهم باتباع عهده وهداه، فلم يمتثل لأمره إلا القليل من الناس، الذين سبقت لهم من اللّه سابقة السعادة.
وأما أكثر الخلق فأعرضوا عن الهدى، واستكبروا عما جاءت به الرسل، فأحل اللّه بهم من عقوباته المتنوعة ما أحل.اهـ([65])
{ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103)}
إعراب مفردات الآية ([66])
(ثمّ) حرف عطف (بعثنا) مثل وجدنا (من بعد) جارّ ومجرور متعلّق ب (بعثنا) «[67]»، و(هم) ضمير مضاف إليه (موسى) مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف (بآيات) جارّ ومجرور متعلّق ب (بعثنا)، و(نا) ضمير في محلّ جرّ مضاف إليه (إلى فرعون) جارّ ومجرور متعلّق ب (بعثنا)، وعلامة الجرّ الفتحة لامتناعه من الصرف للعلميّة
والعجمة (الواو) عاطفة (ملأ) معطوف على فرعون مجرور و(الهاء) مضاف إليه (الفاء) عاطفة (ظلموا) مثل كذّبوا (الباء) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (ظلموا) بتضمينه معنى كفروا «[68]»، (الفاء) استئنافيّة (انظر) فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (كيف) اسم استفهام مبنيّ في محلّ نصب خبر كان مقدّم (عاقبة) اسم كان مرفوع (المفسدين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيره ما نصه:-: يقول تعالى: { ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ } أي: الرسل المتقدم ذكرهم، كنوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، صلوات الله وسلامه عليهم وعلى سائر أنبياء الله أجمعين. { مُوسَى بِآيَاتِنَا } أي: بحججنا ودلائلنا البينة إلى { فِرْعَوْنَ } وهو ملك مصر في زمن موسى، { وَمَلَئِهِ } أي: قومه، { فَظَلَمُوا بِهَا } أي: جحدوا وكفروا بها ظلما منهم وعنادا، كقوله تعالى: { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } [النمل:14]. أي: الذين صدوا عن سبيل الله وكذبوا رسله، أي: انظر -يا محمد -كيف فعلنا بهم، وأغرقناهم عن آخرهم، بمرأى من موسى وقومه. وهذا أبلغ في النكال بفرعون وقومه، وأشفى لقلوب أولياء الله -موسى وقومه -من المؤمنين به.اهـ(ـ[69])
-وأضاف الشنقيطي- رحمه الله-:بين تعالى هنا أن فرعون وملأه ظلموا بالآيات التي جاءهم بها موسى، وصرح في النمل بأنهم فعلوا ذلك جاحدين لها، مع أنهم مستيقنون أنها حق لأجل ظلمهموعلوهم ; وذلك في قوله: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّ}-النمل.اهـ([70])
{وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104)}
إعراب مفردات الآية ([71])
(الواو) استئنافيّة (قال) فعل ماض (موسى) فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف (يا) حرف نداء (فرعون) منادى مفرد على مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب (إنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- و(الياء) ضمير في محلّ نصب اسم إنّ (رسول) خبر مرفوع (من ربّ) جارّ ومجرور متعلّق ب (رسول)، (العالمين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{وَقَالَ مُوسَى يَافِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
-قال السعدي في بيانها-رحمه الله-:{ وَقَالَ مُوسَى } حين جاء إلى فرعون يدعوه إلى الإيمان.
{ يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } أي: إني رسول من مرسل عظيم، وهو رب العالمين، الشامل للعالم العلوي والسفلي، مربي جميع خلقه بأنواع التدابير الإلهية، التي من جملتها أنه لا يتركهم سدى، بل يرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين، وهو الذي لا يقدر أحد أن يتجرأ عليه، ويدعي أنه أرسله ولم يرسله.اهـ([72])
{حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (105)}
إعراب مفردات الآية ([73])
(حقيق) خبر ثان للحرف المشبّه بالفعل إنّ «[74]»، (على) حرف جرّ (أن) حرف مصدري ونصب (لا) حرف ناف (أقول) مضارع منصوب بأن، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا (على اللّه) جارّ ومجرور متعلّق ب (أقول) بتضمينه معنى ادّعي (إلا) أداة حصر (الحق) مفعول به منصوب «[75]»
والمصدر المؤوّل (أن لا أقول..) في محلّ جرّ ب (على) متعلّق ب (حقيق) على معنى حريص «[76]»
(قد) حرف تحقيق (جئت) فعل ماض وفاعله و(كم) ضمير مفعول به (ببيّنة) جارّ ومجرور متعلّق ب (جئتكم) (من ربّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لبيّنة «[77]»
، و(كم) ضمير مضاف إليه (الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر (أرسل) فعل أمر والفاعل أنت (مع) ظرف مكان منصوب متعلّق ب (أرسل)، و(الياء) ضمير مضاف إليه (بني) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء فهو ملحق بجمع المذكّر السالم (إسرائيل) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة فهو ممنوع من التنوين للعلميّة والعجمة.
روائع البيان والتفسير
{حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ }
-قال ابن كثير-رحمه الله في تفسيره: { حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ } فقال بعضهم: معناه: حقيق بأن لا أقول على الله إلا الحق، أي: جدير بذلك وحري به.
وقالوا و"الباء" و"على" يتعاقبان، فيقالرميت بالقوس" و"على القوس"، و"جاء على حال حسنة" و "بحال حسنة"،وقال بعض المفسرين: معناه: حريص على ألا أقول على الله إلا الحق.
وقرأ آخرون من أهل المدينة: { حَقِيقٌ عَلَيّ } بمعنى: واجب وحق عَلَيّ ذلك ألا أخبر عنه إلا بما هو حق وصدق، لما أعلم من عز جلاله وعظيم سلطانه.اهـ([78])
-وأضاف أبو جعفر الطبري -رحمه الله-في تفسيره لقوله تعالي: {قد جئتكم ببينة من ربكم} ما نصه: يقول: قال موسى لفرعون وملئه: قد جئتكم ببرهان من ربكم، يشهدُ، أيها القوم، على صحة ما أقول،وصدق ما أذكر لكم من إرسال الله إياي إليكم رَسولا فأرسل يا فرعون معي بني إسرائيل.اهـ([79])
{قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106)}
إعراب مفردات الآية ([80])
(قال) فعل ماض والفاعل هو (إن) حرف شرط جازم (كنت) فعل ماض ناقص- ناسخ- في محل جزم فعل الشرط، و(التاء) اسم كان (جئت) فعل ماض وفاعله (بآية) جارّ ومجرور متعلّق ب (جئت)، (الفاء) رابطة لجواب الشرط (ائت) فعل أمر مبنيّ على حذف حرف العلّة، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (الباء) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (ائت)، (إن كنت) مثل الأولى (من الصادقين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر كنت، وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها:- أي: قال فرعون: لست بمصدقك فيما قلت، ولا بمطيعك فيما طلبت، فإن كانت معك حجة فأظهرها لنراها، إن كنت صادقًا فيما ادعيت.اهـ.([81])
{فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (107) }
إعراب مفردات الآية ([82])
(الفاء) عاطفة (ألقى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (عصا) مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف و(الهاء) ضمير مضاف إليه (الفاء) عاطفة لربط المسبّب بالسبب «[83]»، (إذا) فجائيّة «[84]»، (هي) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع
مبتدأ (ثعبان) خبر مرفوع (مبين) نعت لثعبان مرفوع.
روائع البيان والتفسير
{فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ }
-{ فَأَلْقَى } موسى { عَصَاهُ } من يده { فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ } والثعبان: الذكر العظيم من الحيات، فإن قيل: أليس قال في موضع:{كأنها جان}(النمل-10)، والجان الحية الصغيرة؟ قيل: إنها كانت كالجان في الحركة والخفة، وهي في جثتها حية عظيمة. قاله البغوي-رحمه الله-في تفسيره اهـ ([85])
{وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)}
إعراب مفردات الآية ([86])
(الواو) عاطفة (نزع) فعل ماض والفاعل هو (يد) مفعول به منصوب و(الهاء) مضاف إليه (فاذا هي بيضاء) مثل فإذا هي ثعبان (للناظرين) جارّ ومجرور متعلّق ب (بيضاء) بمعنى عجيبة.
{وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها: وقوله: { وَنزعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ } أي: نزع يده: أخرجها من درعه بعد ما أدخلها فيه فخرجت بيضاء تتلألأ من غير بَرَص ولا مرض، كما قال تعالى: { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } [النمل:12]
وقال ابن عباس في حديث الفتون: أخرج يده من جيبه فرآها بيضاء{ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } يعني: من غير برص، ثم أعادها إلى كمه، فعادت إلى لونها الأول. وكذا قال مجاهد وغير واحد.اهـ([87])
{قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (109)}
إعراب مفردات الآية ([88])
(قال الملأ) فعل ماض وفاعله المرفوع (من قوم) جار ومجرور متعلّق بحال من الملأ (فرعون) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة للعلميّة والعجمة (إن) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ (ها) حرف تنبيه (ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ نصب اسم إنّ (اللام) تفيد التوكيد (ساحر) خبر مرفوع (عليم) نعت لساحر مرفوع.
روائع البيان والتفسير
{قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ}
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيره:-:أي: قال الملأ -وهم الجمهور والسادة من قوم فرعون -موافقين لقول فرعون فيه، بعد ما رجع إليه رَوْعه، واستقر على سرير مملكته بعد ذلك، قال للملأ حوله -: { إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } فوافقوه وقالوا كمقالته، وتشاوروا في أمره، وماذا يصنعون في أمره، وكيف تكون حيلتهم في إطفاءنوره وإخماد كلمته، وظهور كذبه وافترائهم، وتخوفوا من معرفته أن يستميل الناس بسحره فيما يعتقدونفيكون ذلك سببا لظهوره عليهم، وإخراجه إياهم من أرضهم والذي خافوا منه وقعوا فيه، كما قال تعالى: { وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ } [القصص:6] فلما تشاوروا في شأنه، وائتمروا فيه، اتفق رأيهم على ما حكاه الله تعالى عنهم.اهـ ([89])
- وزاد أبو جعفر الطبري- رحمه الله-:{إن هذا}، يعنون موسى صلوات الله عليه{لساحر عليم}، يعنون: أنه يأخذ بأعين الناس بخداعه إياهم، حتى يخيل إليهم العصا حية، والآدم أبيض، والشيء بخلاف ما هو به. ومنه قيل: "سَحر المطرُ الأرضَ"، إذا جادها، فقطع نباتها من أصوله، وقلب الأرض ظهرًا لبطن، فهو يَسْحَرُها سَحْرًا"، و"الأرض مسحورة"، إذا أصابها ذلك. فشبه "سحر الساحر" بذلك، لتخييله إلى من سحره أنه يرى الشيء بخلاف ما هو به، ومنه قول ذي الرمة([90]) في صفة السراب:
وَسَاحِرَةِ العُيُونِ مِنَ المَوَامِي...تَرقَّصُ في نَوَاشِرِهَا الأرُومُ
وقوله{عليم} يقول: ساحر عليم بالسحر.اهـ([91])
{يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ (110)}
إعراب مفردات الآية ([92])
(يريد) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (أن) حرف مصدري ونصب (يخرج) مضارع منصوب و(كم) ضمير مفعول به والفاعل هو (من أرض) جارّ ومجرور متعلّق ب (يخرج)، و(كم) ضمير مضاف إليه (الفاء) استئنافيّة- أو عاطفة- «[93]»، (ما) اسم استفهام مبتدأ في محلّ رفع (ذا) اسم موصول في محلّ رفع خبر، (تأمرون)- بفتح النون- مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون... والواو فاعل. والمصدر المؤوّل (أن يخرجكم) في محلّ نصب مفعول به.
روائع البيان والتفسير
{يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ }
-قال السعدي- رحمه الله- في تفسيره للآية: موَّه عليهم لعلمه بضعف عقولهم، أن هذا من جنس ما يأتي به السحرة، لأنه من المتقرر عندهم، أن السحرة يأتون من العجائب، بما لا يقدر عليه الناس، وخوَّفهم أن قصده بهذا السحر، التوصل إلى إخراجهم من وطنهم، ليجدوا ويجتهدوا في معاداة من يريد إجلاءهم عن أولادهم وديارهم،اهـ([94])
-وأضاف القرطبي-رحمه الله- في بيانها:{من أرضكم}أي من ملككم معاشر القبط، بتقديمه بني إسرائيل عليكم. {فماذا تأمرون} أي قال فرعون: فماذا تأمرون. وقيل: هو من قول الملأ، أي قالوا لفرعون وحده فماذا تأمرون. كما يخاطب الجبارون والرؤساء: ما ترون في كذا. ويجوز أن يكون قالوا له ولأصحابه.اهـ([95])
{قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (111)}
إعراب مفردات الآية ([96])
(قالوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. والواو فاعل (أرجه) فعل أمر مبنيّ على السكون الظاهر على الهمزة المحذوفة للتخفيف أصله أرجئ«[97]».. و(الهاء) ضمير مفعول به، والفاعل ضمير
مستتر تقديره أنت (الواو) عاطفة (أخا) معطوف على الضمير المتّصل الغائب، منصوب وعلامة النصب الألف و(الهاء) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (أرسل) مثل أرجئ (في المدائن) جارّ ومجرور متعلّق ب (أرسل) بتضمينه معنى انشر (حاشرين) مفعول به منصوب- وهو نعت لموصوف محذوف أي رجالا حاشرين-.
روائع البيان والتفسير
{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيره:-: قال ابن عباس: { أَرْجِهِ } أخّره. وقال قتادة: احبسهُ. { وَأَرْسِلْ } أي: ابعث { فِي الْمَدَائِنِ } أي: في الأقاليم ومعاملة ملكك، { حَاشِرِينَ } أي: من يحشر لك السحرة من سائر البلاد ويجمعهم.اهـ([98])
- وزاد البغوي- رحمه الله-:{ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ } يعني الشرط والمدائن، وهي مدائن الصعيد من نواحي مصر، قالوا: أرسل إلى هذا المدائن رجالا يحشرون إليك من فيها من السحرة، وكان رؤساء السحرة بأقصى مدائن الصعيد، فإن غلبهم موسى صدقناه وإن غلبوا علمنا أنه ساحر.اهـ([99])
{يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (112)}
إعراب مفردات الآية ([100])
(يأتوا) مضارع مجزوم جواب الطلب، وعلامة الجزم حذف النون.. والواو فاعل و(الكاف) ضمير مفعول به (بكلّ) جارّ ومجرور متعلّق ب (يأتوك)، (ساحر) مضاف إليه مجرور (عليم) نعت لساحر مجرور مثله.
روائع البيان والتفسير
{يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ }
-قال ابن كثير –رحمه الله- في تفسيرها: وقد كان السحر في زمانهم غالبا كثيرا ظاهرا. واعتقد من اعتقد منهم، وأوهم من أوهم منهم، أن ما جاء موسى، عليه السلام، من قبيل ما تشعبذه سحرتهم؛ فلهذا جمعوا له السحرة ليعارضوه بنظير ما أراهم من البينات، كما أخبر تعالى عن فرعون حيث قال: { قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى. فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى. قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى. فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى } [طه:57-60].اهـ([101])
{وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (113)}
إعراب مفردات الآية ([102])
(الواو) استئنافيّة (جاء) فعل ماض (السحرة) فاعل مرفوع (فرعون) مفعول به منصوب، ومنع من التنوين للعلميّة والعجمة (قالوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. والواو فاعل (إنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- (اللام) حرف جرّ و(نا) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (اللام) للتأكيد (أجرا) اسم إنّ مؤخّر منصوب (إن) حرف شرط جازم (كنّا) فعل ماض ناقص مبنيّ على السكون في محلّ جزم فعل الشرط.. و(نا) ضمير في محلّ رفع اسم كان (نحن) ضمير فصل «[103]»، (الغالبين) خبر كان منصوب وعلامة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
{وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ }
-قال السعدي- رحمه الله-في بيانها ما نصه:{ وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ } طالبين منه الجزاء إن غلبوا فـ { قَالُوا إِنَّ لَنَا لأجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ }؟.اهـ([104])
-وزاد ابن كثير-رحمه الله-:يخبر تعالى عما تشارط عليه فرعون والسحرة الذيناستدعاهم لمعارضة موسى، عليه السلام: إن غلبوا موسى ليثيبنهم وليعطينهم عطاء جزيلا. فوعدهم ومناهم أن يعطيهم ما أرادوا، ويجعلنهم من جلسائه والمقربين عنده.اهـ([105])
{قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)}
إعراب مفردات الآية ([106])
(قال) مثل جاء، والفاعل هو (نعم) حرف جواب (الواو) عاطفة (إن) مثل الأول و(كم) ضمير اسم إنّ (اللام) هي المزحلقة للتوكيد (من المقرّبين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر إنّ.
روائع البيان والتفسير
{قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ }
-قال القرطبي-رحمه الله- في بيانها: فقال لهم فرعون: {نعم وإنكم لمن المقربين} أي لمن أهل المنزلة الرفيعة لدينا، فزادهم على ما طلبوا. وقيل: إنهم إنما قطعوا ذلك لأنفسهم في حكمهم إن غلبوا. أي قالوا: يجب لنا الأجر إن غلبنا. وقرأ الباقون بالاستفهام على جهة الاستخبار. استخبروا فرعون: هل يجعل لهم أجرا إن غلبوا أو لا، فلم يقطعوا على فرعون بذلك، إنما استخبروه هل يفعل ذلك، فقال لهم" نعم" لكم الأجر والقرب إن غلبتم. اهـ([107])
{قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115)}
إعراب مفردات الآية ([108])
(قالوا) مثل السابق «[109]»، (يا) حرف نداء (موسى) منادى مفرد علم مبنيّ على الضمّ المقدّر على الألف في محلّ نصب (إمّا) حرف تخيير (أن) حرف مصدري ونصب (تلقي) مضارع منصوب، والفاعل أنت. والمصدر المؤوّل (أن تلقي) في محلّ رفع مبتدأ خبره محذوف تقديره مبدوء به «[110]».
(الواو) عاطفة (إمّا) مثل الأول (أن نكون) مثل أن تلقي، والفعل ناقص ناسخ، واسمه نحن، (نحن الملقين) مثل نحن الغالبين «[111]»والمصدر المؤوّل (أن نكون)مثل المصدر المؤوّل الأول.
روائع البيان والتفسير
{قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ }
-قال القرطبي- رحمه الله-في تفسيره للآية: تأدبوا مع موسى عليه السلام فكان ذلك سبب إيمانهم.اهـ([112])
-وزاد ابن كثير في تفسيرها فائدة فقال- رحمه الله-هذه مبارزة من السحرة لموسى، عليه السلام، في قولهم: { إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ } أي: قَبْلك. كما قال في الآية الأخرى: {وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى } [طه:65] فقال لهم موسى، عليه السلام: { أَلْقُوا } أي: أنتم أولا قبلي. والحكمة في هذا -والله أعلم -ليري الناس صنيعهم ويتأملوه، فإذا فُرغ من بهرجهم ومحالهم، جاءهم الحق الواضح الجلي بعد تطلب له والانتظار منهم لمجيئه، فيكون أوقع في النفوس. وكذا كان. اهـ([113])
{قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)}
إعراب مفردات الآية ([114])
(قال) فعل ماض، والفاعل هو (ألقوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والواو فاعل (الفاء) عاطفة (لمّا) ظرف بمعنى حين مبنيّ في محلّ نصب متعلّق بالجواب سحروا (ألقوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ المقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين.. والواو فاعل (سحروا) مثل قالوا «[115]»، (أعين) مفعول به (الواو) عاطفة (جاؤوا) مثل قالوا «[116]»(بسحر) جارّ ومجرور متعلّق ب (جاؤوا) «[117]»(عظيم) نعت لسحر مجرور.
روائع البيان والتفسير
{قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ }
-قال أبو جعفر الطبري-رحمه الله-في تفسيرها إجمالاً ما نصه: يقول تعالى ذكره: قال موسى للسحرة:{ألقوا} ما أنتم ملقون! فألقت السحرة ما معهم، فلما ألقوا ذلك{سحروا أعين الناس}، خيلوا إلى أعين الناس بما أحدثوا من التخييل والخُدَع أنها تسعى {واسترهبوهم}، يقول: واسترهبوا الناس بما سحروا في أعينهم، حتى خافوا من العصيّ والحبال، ظنًّا منهم أنها حيات "وجاؤوا" كما قال الله، {بسحر عظيم}، بتخييل عظيم كبير، من التخييل والخداع.اهـ([118])
-أضاف الشنقيطي- رحمه الله-ما يبين المراد من الآية فقال: لم يبين هنا هذا السحر العظيم ما هو؟ ولم يبين هل أوجس موسى في نفسه الخوف منه؟ ولكنه بين كل ذلك في «طه» بقوله:{فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى} [66 - 96]، ولم يبين هنا أنهم تواعدوا مع موسى موعدا لوقت مغالبته مع السحرة، وأوضح ذلك في سورة «طه» في قوله عنهم: {فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى قال موعدكم يوم الزينة} الآية [58 - 59].اهـ([119])
{وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (117)}
إعراب مفردات الآية ([120])
(الواو) استئنافيّة (أوحينا) فعل ماض مبنيّ على السكون. و(نا) ضمير فاعل (إلى موسى) جارّ ومجرور متعلّق ب (أوحينا)، وعلامة الجرّ الفتحة المقدّرة على الألف ممنوع من الصرف (أن) حرف تفسير (ألق) فعل أمر مبنيّ على حذف حرف العلّة، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (عصا) مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف و(الكاف) ضمير مضاف إليه.
(الفاء) عاطفة (إذا) فجائية لا محلّ لها (هي) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (تلقف) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به «[121]»(يأفكون) مضارع مرفوع، والواو فاعل، والعائد محذوف أي يأفكونه.
روائع البيان والتفسير
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ }
- قال ابن كثير –رحمه الله- في بيانها ما نصه: يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله موسى، عليه السلام، في ذلك الموقف العظيم، الذي فرق الله تعالى فيه بين الحق والباطل، يأمره بأن يلقي ما في يمينه وهي عصاه، { فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ } أي: تأكل { مَا يَأْفِكُونَ } أي: ما يلقونه ويوهمون أنه حق، وهو باطل.اهـ([122])
{فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (118)}
إعراب مفردات الآية ([123])
(الفاء) عاطفة (وقع) فعل ماض (الحقّ) فاعل مرفوع (الواو) عاطفة (بطل) مثل وقع (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع فاعل «[124]»، (كانوا) فعل ماض ناقص مبنيّ على الضمّ... والواو اسم كان (يعملون) مثل يأفكون.
روائع البيان والتفسير
{فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
-قال أبو جعفر الطبري – رحمه الله- في تفسيره للآية ما نصه: يقول تعالى ذكره: فظهر الحق وتبين لمن شهده وحضره في أمر موسى، وأنه لله رسول يدعو إلى الحق{وبطل ما كانوا يعملون}، من إفك السحر وكذبه ومخايله.اهـ([125])
{فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (119)}
إعراب مفردات الآية ([126])
(الفاء) عاطفة (غلبوا) ماض مبنيّ للمجهول مبنيّ على الضمّ. والواو ضمير في محلّ رفع نائب الفاعل (هنالك) اسم إشارة مبنيّ في محلّ نصب ظرف مكان متعلّق ب(غلبوا) و(اللام) للبعد و(الكاف) للخطاب
حدث بينما المعنى أن العصا تلقّفت الحبال والعصيّ؟ إلّا إذا ضمّنا تلقّف معنى تبطل فحينئذ يصحّ كونها مصدريّة. (الواو) عاطفة.
(انقلبوا) فعل ماض وفاعله (صاغرين) حال منصوبة من فاعل انقلبوا، وعلامة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
ر{فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ }
-قال السعدي –رحمه الله- في بيانها:{فَغُلِبُوا هُنَالِكَ } أي: في ذلك المقام { وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ } أي: حقيرين قد اضمحل باطلهم، وتلاشى سحرهم، ولم يحصل لهم المقصود الذي ظنوا حصوله.
وأعظم من تبين له الحق العظيم أهل الصنف والسحر، الذين يعرفون من أنواع السحر وجزئياته، ما لا يعرفه غيرهم، فعرفوا أن هذه آية عظيمة من آيات اللّه لا يدان لأحد بها.اهـ([127])
{وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (120)}
إعراب مفردات الآية ([128])
(الواو) عاطفة! (ألقي) فعل ماض مبنيّ للمجهول، (السحرة) نائب الفاعل مرفوع، (ساجدين) حال منصوبة من نائب الفاعل وعلامة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
{وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ }
-قال البغوي- رحمه الله-:{ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } لله تعالى. قال مقاتل: ألقاهم الله. وقيل: ألهمهم الله أن يسجدوا فسجدوا. وقال الأخفش: من سرعة ما سجدوا كأنهم ألقوا.اهـ([129])
{قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (121)}
إعراب مفردات الآية ([130])
(قالوا) مثل انقلبوا، (آمنّا) مثل أوحينا، (برت) جارّ ومجرور متعلق ب (آمنّا)، (العالمين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الياء.
روائع البيان والتفسير
{قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ }
-قال أبو جعفر الطبري-رحمه الله-في بيانها: يقولون: صدقنا بما جاءنا به موسى، وأنّ الذي علينا عبادته، هو الذي يملك الجنّ والإنس وجميع الأشياء، وغير ذلك ويدبر ذلك كله.اهـ([131])
{رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (122)}
إعراب مفردات الآية ([132])
(ربّ) بدل من ربّ الأول مجرور «[133]»، (موسى) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة المقدّرة على الألف ممنوع من المصرف.
(الواو) عاطفة (هارون) معطوف على موسى مجرور مثله وعلامة الجرّ الفتحة فهو ممنوع من الصرف للعلميّة والعجمة.
روائع البيان والتفسير
{رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ }
-قال البغوي- رحمه الله ما نصه: فقال فرعون: إياي تعنون فقالوا، { رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ }.اهـ([134])
-وأضاف السعدي: أي: وصدقنا بما بعث به موسى من الآيات البينات.اهـ([135])
{قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123)}
إعراب مفردات الآية ([136])
(قال) فعل ماض (فرعون) فاعل مرفوع (آمنتم) فعل ماض مبنيّ على السكون.. و(تم) ضمير فاعل، وهمزة استفهام قبله محذوفة وهي للإنكار والتوبيخ (الباء) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ حرف مصدري ونصب (آذن) مضارع منصوب، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا (اللام) حرف جرّ و(كم) ضمير في محل جرّ متعلّق ب (آذن)، (إنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- (ها) حرف تنبيه (ذا) اسم إشارة مبني في محلّ نصب اسم إنّ (اللام) هي المزحلقة تفيد التوكيد (مكر) خبر مرفوع (مكرتم) مثل آمنتم و(الواو) زائدة إشباع لحركة الميم و(الهاء) مفعول به (في المدينة) جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من فاعل مكرتم «[137]»، (اللام) لام العاقبة أو للتعليل- (اخرجوا) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام، والواو فاعل (منها) مثل به متعلّق ب (تخرجوا) (أهل) مفعول به منصوب و(ها) ضمير مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل (أن تخرجوا..) في محلّ جرّ باللام متعلّق ب (مكرتموه)، (الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر (سوف) حرف للمستقبل (تعلمون) مثل يعملون «[138]»، ومفعول تعلمون مقدّر أي عاقبة فعلكم.
روائع البيان والتفسير
{قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ}
- قال السعدي- رحمه الله-: فـ { قَالَ } لَهُمْ { فِرْعَوْنَ } متهددا على الإيمان: { آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ } كان الخبيث حاكما مستبدا على الأبدان والأقوال، قد تقرر عنده وعندهم أن قوله هو المطاع، وأمره نافذ فيهم، ولا خروج لأحد عن قوله وحكمه، وبهذه الحالة تنحط الأمم وتضعف عقولها ونفوذها، وتعجز عن المدافعة عن حقوقها، ولهذا قال اللّه عنه: { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } وقال هنا: { آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ } أي: فهذا سوء أدب منكم وتجرؤ عَليَّ.اهـ([139])
{ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها ما مختصره:- أي: إن غَلَبَه لكم في يومكم هذا إنما كان عن تشاور منكم ورضا منكم لذلك، كقوله في الآية الأخرى:
{ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ } [طه:70] وهو يعلم وكلّ من له لب أن هذا الذي قاله من أبطل الباطل؛ فإن موسى، عليه السلام، بمجرد ما جاء من "مَدْين" دعا فرعون إلى الله، وأظهر المعجزات الباهرة والحجج القاطعة على صدق ما جاء به، فعند ذلك أرسل فرعون في مدائن ملكه ومعاملة سلطنته، فجمع سحرة متفرقين من سائر الأقاليم ببلاد مصر، ممن اختار هو والملأ من قومه، وأحضرهم عنده ووعدهم بالعطاء الجزيل. وقد كانوا من أحرص الناس على ذلك، وعلى الظهور في مقامهم ذلك والتقدم عند فرعون، وموسى، عليه السلام، لا يعرف أحدا منهم ولا رآه ولا اجتمع به، وفرعون يعلم ذلك، وإنما قال هذا تسترا وتدليسا على رعاع دولته وجَهَلتهم، كما قال تعالى: { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } [الزخرف:54] فإن قوما صدّقوه في قوله: { أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى } [النازعات:24] من أجْهَل خلق الله وأضلهم. ثم أضاف-رحمه الله-:{ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أي: ما أصنع بكم.اهـ([140])
{لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)}
إعراب مفردات الآية ([141])
(اللام) لام القسم لقسم مقدّر (أقطعنّ) مصارع مبنيّ على الفتح في محلّ رفع لتجريده من الناصب والجازم.. و(النّون) نون التوكيد، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا (أيدي) مفعول به منصوب و(كم) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (أرجلكم) معطوف على أيدي منصوب..
و(كم) مضاف إليه (من خلاف) جارّ ومجرور في محلّ نصب حال (ثمّ) حرف عطف (لأصلّبنّ) مثل لأقطّعنّ و(كم) ضمير مفعول به (أجمعين) توكيد للضمير المتّصل المنصوب تبعه في النصب وعلامة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
{لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ }
-قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله- في تفسيرها: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قيل فرعون للسحرة إذ آمنوا بالله وصدقوا رسوله موسى: {لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف}، وذلك أن يقطع من أحدهم يده اليمنى ورجله اليسرى، أو يقطع يده اليسرى ورجله اليمنى، فيخالف بين العضوين في القَطْع، فمخالفته في ذلك بينهما هو "القطع من خلاف".
ثم أضاف- رحمه الله-:
ويقال: إن أوّل من سن هذا القطع فرعون{ثم لأصلبنكم أجمعين}، وإنما قال هذا فرعون، لما رأى من خذلان الله إياه، وغلبة موسى عليه السلام وقهره له.اهـ([142])
{قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (125)}
إعراب مفردات الآية ([143])
(قالوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ... والواو فاعل (إنّا) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- واسمه (إلى رب) جار ومجرور متعلّق ب (منقلبون)، و(نا) ضمير مضاف إليه (منقلبون) خبر إنّ مرفوع وعلامة الرفع الواو.
روائع البيان والتفسير
{قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ }
-يقول تعالى ذكره: قال السحرة مجيبة لفرعون، إذ توعَّدهم بقطع الأيدي والأرجل من خلاف، والصلب: {إنا إلى ربّنا منقلبون}يعني بالانقلاب إلى الله، الرجوع إليه والمصير. -قاله أبو جعفر الطبري في تفسيره. اهـ ([144])
{وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (126)}
إعراب مفردات الآية ([145])
(الواو) عاطفة (ما) حرف نفي (تنقم) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (من) حرف جرّ و(نا) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب(تنقم) بتضمينه معنى تنكر (إلّا) أداة حصر (أن) حرف مصدري (آمنّا) مثل آمنتم «[146]»، (بآيات) جارّ ومجرور متعلّق ب (آمنّا)، (ربّ) مضاف إليه مجرور و(نا) ضمير مضاف إليه. والمصدر المؤوّل (أن آمنّا) في محلّ نصب مفعول به.
(لمّا) ظرف بمعنى حين متضمن معنى الشرط مبنيّ في محلّ نصب متعلّق بالجواب المحذوف (جاءت) فعل ماض و(التاء) تاء التأنث، والفاعل ضمير مستتر تقديره هي. (ربّنا) منادى مضاف منصوب محذوف منه أداة النداء.
و(نا) ضمير مضاف إليه (أفرغ) فعل أمر دعائيّ، والفاعل أنت (على) حرف جرّ و(نا) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (أفرغ) بتضمينه معنى أنزل (صبرا) مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (توفّ) فعل أمر دعائيّ مبنيّ على حذف حرف العلّة، و(نا) ضمير مفعول به (مسلمين) حال منصوبة من مفعول توفّنا، وعلامة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
{وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ }
-قال أبو جعفر الطبري -رحمه الله-في تفسيرها:وقوله: {وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا}، يقول: ما تنكر منا، يا فرعون، وما تجد علينا، إلا من أجل أن آمنا، أي {بآيات ربنا}، يقول: بحجج ربّنا وأعلامه وأدلته التي لا يقدر على مثلها أنت ولا أحد، سوى الله، الذي له ملك السموات والأرض. اهـ([147])
-وأضاف السعدي: ثم دعوا اللّه أن يثبتهم ويصبرهم فقالوا: { رَبَّنَا أَفْرِغْ } أي: أفض { عَلَيْنَا صَبْرًا } أي: عظيما، كما يدل عليه التنكير، لأن هذه محنة عظيمة، تؤدي إلى ذهاب النفس، فيحتاج فيها من الصبر إلى شيء كثير، ليثبت الفؤاد، ويطمئن المؤمن على إيمانه، ويزول عنه الانزعاج الكثير.
{ وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } أي: منقادين لأمرك، متبعين لرسولك، والظاهر أنه أوقع بهم ما توعدهم عليه، وأن اللّه تعالى ثبتهم على الإيمان.اهـ([148])
{وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (127)}
إعراب مفردات الآية ([149])
(الواو) استئنافيّة (قال الملأ من قوم فرعون) مرّ إعرابها «[150]»، (الهمزة) للاستفهام (تذر) مضارع مرفوع، والفاعل أنت (موسى) مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف وهو ممنوع من التنوين، (الواو) عاطفة (قوم) معطوف على موسى منصوب و (الهاء) ضمير مضاف إليه (اللام) لام العاقبة (يفسدوا) مثل تخرجوا «[151]»، (في الأرض) جارّ ومجرور متعلّق ب (يفسدوا).
والمصدر المؤوّل (أن يفسدوا) في محلّ جرّ باللام متعلّق ب (تذر).
(الواو) عاطفة «[152]»، (يذر) مضارع منصوب معطوف على (يفسدوا)، و (الكاف) ضمير مفعول به، والفاعل هو (الواو) عاطفة (آلهة) معطوفة على الضمير المتّصل المخاطب في (يذرك)، و (الكاف) ضمير مضاف إليه (قال) فعل ماض والفاعل هو (السين) حرف استقبال (نقتّل) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن للتعظيم، (أبناءهم) مفعول به منصوب.. و (هم) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (نستحيي) مضارع مرفوع (نساءهم) مثل أبناءهم (الواو) حاليّة (إنا) مثل السابق «[153]»، (فوق) ظرف مكان منصوب متعلّق ب (قاهرون)، (وهم) مضاف إليه (قاهرون) خبر إن مرفوع وعلامة الرفع الواو.
روائع البيان والتفسير
{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ}
-قال ابن كثير –رحمه الله-في بيانها ما نصه: يخبر تعالى عما تمالأ عليه فرعون وملؤه، وما أظهروه لموسى، عليه السلام، وقومه من الأذى والبغضة: { وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ } أي: لفرعون { أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ } أي: أتدعهم ليفسدوا في الأرض، أي: يفسدوا أهل رعيتك ويدعوهم إلى عبادة ربهم دونك، يالله للعجب! صار هؤلاء يشفقون من إفساد موسى وقومه! ألا إن فرعون وقومه هم المفسدون، ولكن لا يشعرون.اهـ([154])
{ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ }
- قال السعدي-رحمه الله- في بيانها: { وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } أي: يدعك أنت وآلهتك، وينهى عنك، ويصد الناس عن اتباعك.
فـ { قَالَ } فرعون مجيبا لهم، بأنه سيدع بني إسرائيل مع موسى بحالة لا ينمون فيها، ويأمن فرعون وقومه - بزعمه - من ضررهم: { سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ } أي: نستبقيهن فلا نقتلهن، فإذا فعلنا ذلك أمنا من كثرتهم، وكنا مستخدمين لباقيهم، ومسخرين لهم على ما نشاء من الأعمال { وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } لا خروج لهم عن حكمنا، ولا قدرة، وهذا نهاية الجبروت من فرعون والعتو والقسوة.اهـ([155])
{قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)}
إعراب مفردات الآية ([156])
(قال) فعل ماض (موسى) فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف وهو ممنوع من التنوين (لقوم) جار ومجرور متعلّق ب (قال)، و(الهاء) ضمير مضاف إليه (استعينوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. و(الواو) فاعل (باللّه) جارّ ومجرور متعلّق ب (استعينوا)،. (الواو) عاطفة (اصبروا) مثل استعينوا (إنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- (الأرض) اسم إنّ منصوب (للّه) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر إنّ (يورث) مضارع مرفوع و(ها) ضمير مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو أي اللّه (من) اسم موصول مبني في محلّ نصب مفعول به (يشاء) مثل يورث (من عباد) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من العائد المحذوف و(الهاء) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (العاقبة) مبتدأ مرفوع (للمتّقين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر، وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }
-قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله في تفسيرها ما مختصره: يقول تعالى ذكره: {قال موسى لقومه}، من بني إسرائيل، لما قال فرعون للملأ من قومه:" سنقتل أبناء بني إسرائيل ونستحيي نساءهم": {استعينوا بالله} على فرعون وقومه فيما ينوبكم من أمركم{واصبروا}على ما نالكم من المكاره في أنفسكم وأبنائكم من فرعون. اهـ([157])
-وأضاف السعدي- رحمه الله- في بيانها ما نصه:{ إِنَّ الأرْضَ لِلَّهِ } ليست لفرعون ولا لقومه حتى يتحكموا فيها { يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي: يداولها بين الناس على حسب مشيئته وحكمته، ولكن العاقبة للمتقين، فإنهم - وإن امتحنوا مدة ابتلاء من اللّه وحكمة، فإن النصر لهم، { وَالْعَاقِبَةُ } الحميدة لهم على قومهم وهذه وظيفة العبد، أنه عند القدرة، أن يفعل من الأسباب الدافعة عنه أذى الغير، ما يقدر عليه، وعند العجز، أن يصبر ويستعين اللّه، وينتظر الفرج.اهـ([158])
{قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)}
إعراب مفردات الآية ([159])
«قالوا» فعل ماض مبنيّ على الضمّوالواو فاعل (أوذينا) فعل ماض مبنيّ للمجهول مبنيّ على السكون و(نا) ضمير في محلّ رفع نائب الفاعل (من قبل) جارّ ومجرور متعلّق ب (أوذينا)، (أن) حرف مصدري ونصب (تأتي) مضارع منصوب و(نا) ضمير مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت.
والمصدر المؤوّل (أن تأتينا) في محلّ جرّ مضاف إليه. (الواو) عاطفة (من بعد) مثل من قبل (ما) حرف مصدري (جئتنا) فعل ماض... و(التاء) فاعل... و(نا) مفعول به (قال) فعل ماض، والفاعل هو (عسى) فعل ماض ناقص جامد (ربّ) اسم عسى مرفوع و(كم) ضمير مضاف إليه (أن يهلك) مثل أن تأتي (عدوّ) مفعول به منصوب و(كم) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (يستخلف) مضارع منصوب معطوف على (يهلك)، و(كم) ضمير مفعول به (في الأرض) جارّ ومجرور متعلّق ب (يستخلفكم). والمصدر المؤوّل (أن يهلك..) في محلّ نصب خبر عسى.
(الفاء) عاطفة (ينظر) مضارع منصوب معطوف على (يستخلف)، والفاعل هو أي اللّه (كيف) اسم استفهام مبنيّ على الفتح في محلّ نصب حال من فاعل تعملون (تعملون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير
{قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرهاإجمالاً ما نصه:{قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا } أي: قد جرى علينا مثل ما رأيت من الهوان والإذلال من قبل ما جئت يا موسى، ومن بعد ذلك. فقال منبهًا لهم على حالهم الحاضرة وما يصيرون إليه في ثاني الحال: { عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْوَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}وهذا تحضيض لهم على العزم على الشكر، عند حلول النعم وزوال النقم.اهـ([160])
- وزاد القرطبي -رحمه الله-:في تفسيره لقوله تعالى: {قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا} فقال: أي في ابتداء ولادتك بقتل الأبناء واسترقاق النساء. {ومن بعد ما جئتنا} أي والآن أعيد علينا ذلك، يعنون الوعيد الذي كان من فرعون. وقيل: الأذى من قبل تسخيرهم لبني إسرائيل في أعمالهم إلى نصف النهار، وإرسالهم بقيته ليكتسبوا لأنفسهم. والأذى من بعد: تسخيرهم جميع النهار كله بلا طعام ولا شراب، قاله جويبر([161]). وقال الحسن: الأذى من قبل ومن بعد واحد، وهو أخذ الجزية.اهـ([162])
{وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)}
إعراب مفردات الآية ([163])
(الواو) استئنافيّة (اللام) لام القسم لقسم مقدّر (قد) حرف تحقيق (أخذنا) فعل ماض مبنيّ على السكون و(نا) ضمير فاعل للتعظيم (آل) مفعول به منصوب (فرعون) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة (بالسنين) جارّ ومجرور متعلّق ب (أخذنا) بتضمينه معنى عاقبنا- أو ابتلينا- وعلامة الجرّ الياء فهو ملحق بجمع المذكّر السالم (الواو) عاطفة (نقص) معطوف على السنين مجرور (من الثمرات) جارّ ومجرور متعلّق ب (نقص) فهو مصدر أو اسم مصدر (لعلّ) حرف مشبه بالفعل- ناسخ- و(هم) ضمير في محلّ نصب اسم لعلّ (يذّكّرون) مثل تعملون في الآية المتقدمّة (129).
روائع البيان والتفسير
{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }
-قال السعدي- رحمه الله-في بيانها ما نصه: قال اللّه تعالى في بيان ما عامل به آل فرعون في هذه المدة الأخيرة، أنها على عادته وسنته في الأمم، أن يأخذهم بالبأساء والضراء، لعلهم يضرعون. الآيات: { وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ } أي:
بالدهور والجدب، { وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } أي: يتعظون أن ما حل بهم وأصابهم معاتبة من اللّه لهم، لعلهم يرجعون عن كفرهم، فلم ينجع فيهم ولا أفاد، بل استمروا على الظلم والفساد.اهـ([164])
{فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (131)}
إعراب مفردات الآية ([165])
(الفاء) عاطفة (إذا) ظرف للمستقبل فيه معنى الشرط في محلّ نصب متعلّق ب (قالوا)، (جاء) فعل ماض (التاء) للتأنيث و(هم) ضمير مفعول به (الحسنة) فاعل مرفوع (قالوا) مثل المتقدّم «[166]»، (اللام) حرف جرّ و(نا) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (ها) حرف للتنبيه (ذه) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ مؤخّر (الواو) حرف عطف (إن) حرف شرط جازم (تصب) مضارع مجزوم و(هم) ضمير مفعول به (سيّئة) فاعل مرفوع (يطّيّروا) مضارع مجزوم جواب الشرط وعلامة الجزم حذف النون.. والواو فاعل (بموسى) جارّ ومجرور متعلّق ب (يطّيّروا)، وعلامة الجرّ الفتحة المقدّرة على الألف فهو ممنوع من الصرف (الواو) عاطفة (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ معطوف على موسى (مع) ظرف مكان منصوب متعلّق بمحذوف صلة من و(الهاء) ضمير مضاف إليه.(إلا) أداة تنبيه واستفتاح (إنّما) كافّة ومكفوفة (طائر) مبتدأ مرفوع و(هم) ضمير مضاف إليه (عند) ظرف مكان منصوب متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (الواو) عاطفة (لكنّ) حرف مشبّه بالفعل للاستدراك- ناسخ- (أكثر) اسم لكنّ منصوب و(هم) مثل الأخير (لا) حرف ناف (يعلمون) مضارع مرفوع... والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير
{فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }
-قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله-في تفسيرها: يقول تعالى ذكره: فإذا جاءت آل فرعون العافية والخصب والرخاء وكثرة الثمار، ورأوا ما يحبون في دنياهم {قالوا لنا هذه}، نحن أولى بها {وإن تصبهم سيئة}، يعني جدوب وقحوط وبلاء {يطيروا بموسى ومن معه}، يقول: يتشاءموا ويقولوا: ذهبت حظوظنا وأنصباؤنا من الرخاء والخصب والعافية، مذ جاءنا موسى عليه السلام.اهـ([167])
-وأضاف السعدي-رحمه الله -في بيانها: قال اللّه تعالى: { أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ } أي: بقضائه وقدرته، ليس كما قالوا، بل إن ذنوبهم وكفرهم هو السبب في ذلك، بل { أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ } أي: فلذلك قالوا ما قالوا.اهـ([168])
- وزاد الشنقيطي فائدة جليلة في تفسيره للآية قال–رحمه الله-:
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أن فرعون وقومه إن أصابتهم سيئة أي قحط وجدب ونحو ذلك، تطيروا بموسى وقومه فقالوا: ما جاءنا هذا الجدب والقحط إلا من شؤمكم، وذكر مثل هذا عن بعض الكفار مع نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله: {وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك} الآية [4 \ 78]، وذكر نحوه أيضا عن قوم صالح مع صالح في قوله: {قالوا اطيرنا بك وبمن معك} الآية [27 \ 47]، وذكر نحو ذلك أيضا عن القرية التي جاءها المرسلون في قوله: {قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم} الآية [36 \ 18]، وبين تعالى أن شؤمهم من قبل كفرهم، ومعاصيهم، لا من قبل الرسل؛ قال في «الأعراف»:{ألا إنما طائرهم عند الله} [131]، وقال في سورة «النمل» في قوم صالح: {قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون} [27 \ 47]، وقال في «يس»:{قالوا طائركم معكم} الآية [19].اهـ([169])
{وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)}
إعراب مفردات الآية ([170])
(الواو) استئنافيّة (قالوا) مرّ إعرابها (مهما) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ نصب مفعول به لفعل محذوف يفسّره الفعل الظاهر تقديره (تعطنا)، وهذا المقدّر يأتي بعد اسم الشرط لأن له الصدارة «[171]»
، (تأت) مضارع مجزوم فعل الشرط للتفسير، وعلامة الجزم حذف حرف العلّة و(نا) ضمير مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (الباء) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (تأتنا)، (من آية) جارّ ومجرور تمييز للضمير في به «[172]»، (اللام) للتعليل (تسحر) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام و(نا) ضمير مفعول به، والفاعل أنت (بها) مثل به متعلّق بفعل (تسحر). والمصدر المؤوّل (أن تسحرنا) في محلّ جرّ متعلّق ب (تأتي). (الفاء) رابطة لجواب الشرط (ما) حرف ناف عامل عمل ليس (نحن) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع اسم ما، (اللام) حرف جرّ و(الكاف) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (مؤمنين) (الباء) حرف جرّ زائدة (مؤمنين) مجرور لفظا منصوب محلّا خبر ما، وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ }
-قال السعدي- رحمه الله-في تفسيرها:{ وَقَالُوا } مبينين لموسى أنهم لا يزالون، ولا يزولون عن باطلهم: { مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } أي: قد تقرر عندنا أنك ساحر، فمهما جئت بآية، جزمنا أنها سحر، فلا نؤمن لك ولا نصدق، وهذا غاية ما يكون من العناد، أن يبلغ بالكافرين إلى أن تستوي عندهم الحالات، سواء نزلت عليهم الآيات أم لم تنزل.اهـ([173])
{فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (133)}
إعراب مفردات الآية ([174])
(الفاء) عاطفة (أرسلنا) فعل ماض مبنيّ على السكون. و(نا) ضمير فاعل (على) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (أرسلنا)، (الطوفان) مفعول به منصوب (الجراد.. الدم) ألفاظ معطوفة بحروف العطف على الطوفان منصوبة مثله (آيات) حال منصوبة من الألفاظ الخمسة، وعلامة النصب الكسرة (مفصّلات) نعت لآيات منصوب وعلامة النصب الكسرة (الفاء) عاطفة (استكبروا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. والواو فاعل (الواو) عاطفة (كانوا) ناقص يعرب مثل استكبروا.
والواو اسم كان (قوما) خبر كانوا منصوب (مجرمين) نعت ل (قوما) منصوب وعلامة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ }
-قال السعدي-رحمه الله-في بيانها إجمالاً ما نصه: { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ } أي: الماء الكثير الذي أغرق أشجارهم وزروعهم، وأضر بهم ضررا كثيرا { وَالْجَرَادَ } فأكل ثمارهم وزروعهم، ونباتهم { وَالْقُمَّلَ } قيل: إنه الدباء، أي: صغار الجراد، والظاهر أنه القمل المعروف { وَالضَّفَادِعَ } فملأت أوعيتهم، وأقلقتهم، وآذتهم أذية شديدة { وَالدَّمَ } إما أن يكون الرعاف، أو كما قال كثير من المفسرين، أن ماءهم الذي يشربون انقلب دما، فكانوا لا يشربون إلا دما، ولا يطبخون إلا بدم.
{ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ } أي: أدلة وبينات على أنهم كانوا كاذبين ظالمين، وعلى أن ما جاء به موسى، حق وصدق { فَاسْتَكْبَرُوا } لما رأوا الآيات { وَكَانُوا } في سابق أمرهم { قَوْمًا مُجْرِمِينَ } فلذلك عاقبهم اللّه تعالى، بأن أبقاهم على الغي والضلال.اهـ([175])
{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134)
إعراب مفردات الآية ([176])
(الواو) استئنافيّة (لمّا) ظرف بمعنى حين فيه معنى الشرط مبنيّ في محلّ نصب متعلّق بالجواب قالوا (وقع) فعل ماض (على) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (وقع)، (الرجز) فاعل مرفوع (قالوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. والواو فاعل (يا) حرف نداء (موسى) منادى مفرد علم مبنيّ على الضمّ المقدّر على الألف في محلّ نصب (ادع) فعل أمر مبنيّ على حذف حرف العلّة، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (اللام) حرف جرّ و(نا) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (ادع)، (ربّ) مفعول به منصوب و(الكاف) ضمير مضاف إليه (الباء) حرف جرّ (ما) اسم «[177]» موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق ب (ادع) «[178]»،(عهد) مثل وقع، والفاعل هو (عند) ظرف مكان منصوب متعلّق ب (عهد) و(الكاف) مثل المتقدّم (اللام) موطّئة للقسم (إن) حرف شرط جازم (كشف) فعل ماض مبنيّ في محلّ جزم فعل الشرط و(التاء) ضمير فاعل (عنا) مثل لنا متعلّق ب (كشفت)، (الرجز) مفعول به منصوب (اللام) لام القسم (نؤمننّ) مضارع مبنيّ على الفتح في محلّ رفع.. و(النون) نون التوكيد الثقيلة، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن (اللام) حرف جرّ و(الكاف) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (نؤمننّ)، (الواو) عاطفة (لنرسلنّ) مثل لنؤمننّ (مع) ظرف مكان منصوب متعلّق ب (نرسلنّ) «[179]»، و(الكاف) ضمير مضاف إليه (بني) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء (إسرائيل) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة.
روائع البيان والتفسير
{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}
-قال أبو جعفر الطبري-رحمه الله-في بيان قوله تعالي {ولما وقع عليهم الرجز} ما مختصره وبتصرف: ولما نزل بهم عذاب الله، وحَلّ بهم سخطه ثم اختلف أهل التأويل في ذلك "الرجز" الذي أحبر الله أنه وقع بهؤلاء القوم.
فقال بعضهم: كان ذلك طاعونًا.
وذكر-رحمه الله-ممن قال بذلك كابن عباس-رضي الله عنهما- وقال آخرون: هو العذاب،وذكر ممن قال ذلك: كمجاهد وقتادة وابن زيد- رحمهم الله تعالي ثم قال- رحمه الله-:
وأولى القولين بالصواب في هذا الموضع أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن فرعون وقومه أنهم لما وقع عليهم الرجزوهو العذاب والسخط من الله عليهمفزعوا إلى موسى بمسألته ربَّه كشفَ ذلك عنهم. وجائز أن يكون ذلك "الرجز" كان الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، لأن كل ذلك كان عذابًا عليهموجائز أن يكون ذلك "الرجز" كان طاعونًا، ولم يخبرنا الله أيّ ذلك كان، ولا صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيِّ ذلك كان خبرٌ، فنسلم له. فالصواب أن نقول فيه كما قال جل ثناؤه: {ولما وقع عليهم الرجز}، ولا نتعداه إلا بالبيان الذي لا تمانع فيه بين أهل التأويل، وهو لمّا حل بهم عذاب الله وسخطه.اهـ([180])
-وقال السعدي- رحمه الله- في بيانها إجمالاً ما نصه:{ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ } أي: العذاب، يحتمل أن المراد به: الطاعون، كما قاله كثير من المفسرين، ويحتمل أن يراد به ما تقدم من الآيات: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، فإنها رجز وعذاب، وأنهم كلما أصابهم واحد منها { قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ } أي: تشفعوا بموسى بما عهد اللّه عنده من الوحي والشرع، { لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } وهم في ذلك كذبة، لا قصد لهم إلا زوال ما حل بهم من العذاب، وظنوا إذا رفع لا يصيبهم غيره.اهـ([181])
{فلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (135)}
إعراب مفردات الآية ([182])
(الفاء) عاطفة (لمّا) مثل الأول (كشفنا عنهم الرجز) مثل كشفت عنّا الرجز (إلى أجل) جارّ ومجرور متعلّق ب (كشفنا)، (هم) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ. (بالغو) خبر مرفوع وعلامة الرفع الواو، وحذفت النون للإضافة و(الهاء) ضمير مضاف إليه (إذا) حرف مفاجأة (هم) مثل الأول (ينكثون) مضارع مرفوع والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير
{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ}
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانها:{ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ } أي: إلى مدة قدر اللّه بقاءهم إليها، وليس كشفا مؤبدا، وإنما هو مؤقت، { إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ } العهد الذي عاهدوا عليه موسى، ووعدوه بالإيمان به، وإرسال بني إسرائيل، فلا آمنوا به ولا أرسلوا معه بني إسرائيل، بل استمروا على كفرهم يعمهون، وعلى تعذيب بني إسرائيل دائبين.اهـ([183])
{فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (136)}
إعراب مفردات الآية ([184])
(الفاء) عاطفة في الموضعين «[185]»،(انتقمنا) مثل كشفت (من) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (انتقمنا)، (أغرقنا) مثل كشفت و(هم) ضمير مفعول به (في اليمّ) جارّ ومجرور متعلّق ب (أغرقناهم)، (الباء) حرف جرّ (أنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- و(هم) ضمير في محلّ نصب اسم أنّ (كذّبوا) مثل قالوا (بآيات) جارّ ومجرور متعلّق ب (كذّبوا) و(نا) ضمير مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل (أنّهم كذّبوا) في محلّ جرّ بالباء متعلّق ب (أغرقناهم)، والباء سببيّة.
(الواو) عاطفة (كانوا) فعل ماض ناقص- ناسخ- مبنيّ على الضمّ..
والواو اسم كان (عنها) مثل عنّا متعلّق ب (غافلين)، (غافلين) خبر كانوا منصوب وعلامة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها إجمالاً ما نصه:- يخبر تعالى أنهم لما عتوا وتمردوا، مع ابتلائه إياهم بالآيات المتواترة واحدة بعد واحدة، أنه انتقم منهم بإغراقه إياهم في اليم، وهو البحر الذي فرقه لموسى، فجاوزه وبنو إسرائيل معه، ثم ورده فرعون وجنوده على أثرهم، فلما استكملوا فيه ارتطم عليهم، فغرقوا عن آخرهم، وذلك بسبب تكذيبهم بآيات الله وتغافلهم عنها.اهـ([186])
{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (137)}
إعراب مفردات الآية ([187])
(الواو) استئنافيّة. (أورثنا) فعل ماض مبنيّ على السكون.. و(نا) ضمير في محلّ رفع فاعل (القوم) مفعول به أوّل منصوب (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب نعت للقوم (كانوا) مثل المتقدّم «[188]» (يستضعفون) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون.. والواو ضمير نائب الفاعل (مشارق) مفعول به ثان منصوب (الأرض) مضاف إليه مجرور (الواو) عاطفة (مغارب) معطوف على
مشارق منصوب و(ها) ضمير مضاف إليه (التي) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب نعت لمشارق الأرض ومغاربها (باركنا) مثل أورثنا (في) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (باركنا)، (الواو) عاطفة (تمّت) فعل ماض... و(التاء) للتأنيث (كلمة) فاعل مرفوع (ربّ) مضاف إليه مجرور و(الكاف) ضمير مضاف إليه (الحسنى) نعت لكلمة مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف (على بني) جارّ ومجرور متعلّق ب (تمّت)، (إسرائيل) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة (الباء) حرف جرّ (ما) حرف مصدريّ (صبروا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ... والواو فاعل. والمصدر المؤوّل (ما صبروا) في محلّ جرّ بالباء متعلّق ب (تمّت). (الواو) عاطفة (دمّرنا) مثل أورثنا (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (كان) فعل ماض ناقص ناسخ، واسمه ضمير مستتر تقديره هو يعود على ما «[189]»، (يصنع) مضارع مرفوع (فرعون) فاعل يصنع مرفوع (الواو) عاطفة (قوم) معطوف على فرعون مرفوع.
و(الهاء) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (ما كانوا يعرشون) مثل ما كان يصنع...ومعطوفة عليها.
روائع البيان والتفسير
{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}
-قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله- في تفسيره: يقول تعالى ذكره: وأورثنا القوم الذين كان فرعون وقومه يستضعفونهم، فيذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، ويستخدمونهم تسخيرًا واستعبادًا من بني إسرائيل مشارق الأرض الشأم، وذلك ما يلي الشرق منها{ومغاربها التي باركنا فيها}، يقول: التي جعلنا فيها الخير ثابتًا دائمًا لأهلها.
وإنما قال جل ثناؤه:{وأورثنا}، لأنه أورث ذلك بني إسرائيل بمهلك من كان فيها من العمالقة.اهـ([190])
{ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ }
-قال ابن كثير – رحمه الله-في بيانها: وقوله: { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا } قال مجاهد وابن جرير: وهي قوله تعالى: { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ }
وقوله: { وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ } أي: وخربنا ما كان فرعون وقومه يصنعونه من العمارات والمزارع، { وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ } قال ابن عباس ومجاهد: { يَعْرِشُونَ } يبنون.اهـ([191])
{وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)}
إعراب مفردات الآية ([192])
(الواو) استئنافيّة (جاوزنا) مثل أورثنا «[193]»(ببني إسرائيل) مثل على بني إسرائيل «[194]»متعلّق ب (جاوز)، (البحر) مفعول به منصوب (الفاء) عاطفة (أتوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ المقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين.. والواو فاعل (على قوم) جارّ ومجرور متعلّق ب (أتوا) بتضمينه معنى قدموا (يعكفون) مضارع مرفوع... والواو فاعل (على أصنام) جارّ ومجرور متعلّق ب (يعكفون)، (اللام) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بنعت لأصنام (قالوا) مثل صبروا «[195]»، (يا) حرف نداء (موسى) منادى مفرد علم مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب (اجعل) فعل أمر والفاعل أنت أي: اصنع (لنا) مثل لهم متعلّق ب (اجعل)، (إلها) مفعول به منصوب (الكاف) حرف جرّ وتشبيه (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ بالكاف متعلّق بمحذوف نعت ل (إلها)، (لهم) مثل الأول، متعلّق بمحذوف صلة ما.. الجارّ والمجرور- عند ابن هشام- خبر لمبتدأ محذوف تقديره هي أي الأصنام (آلهة) بدل من الضمير المستتر في صلة ما أي كالتي استقرّت هي لهم آلهة. (قال) فعل ماض، والفاعل هو (إنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- و(كم) ضمير في محلّ نصب اسم إنّ (قوم) خبر إنّ مرفوع (تجهلون) مثل يعكفون.
روائع البيان والتفسير
{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها ما نصه:- يخبر تعالى عما قاله جهلة بني إسرائيل لموسى، عليه السلام، حين جاوزوا البحر، وقد رأوا من آيات الله وعظيم سلطانه ما رأوا، { فَأَتَوْا } أي: فمروا { عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ } قال بعض المفسرين: كانوا من الكنعانيين. وقيل: كانوا من لخم.
قال ابن جريج: وكانوا يعبدون أصناما على صور البقر، فلهذا أثار ذلك شبهة لهم في عبادتهم العجل بعد ذلك، فقالوا: { يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } أي: تجهلون عظمة الله وجلاله، وما يجب أن ينزهعنه من الشريك والمثيل.اهـ([196])
-وزاد أبو جعفر الطبري- رحمه الله- في بيانها ما مختصره: فلم تزجرهم تلك الآيات، ولم تعظهم تلك العبر والبينات! حتى قالوا مع معاينتهم من الحجج ما يحق أن يذكُرَ معها البهائم، إذ مرُّوا على قوم يعكفون على أصنام لهم، يقول: يقومون على مُثُل لهم يعبدونها من دون الله {اجعل لنا} يا موسى {إلهًا}، يقول: مثالا نعبده وصنما نتخذُه إلهًا، كما لهؤلاء القوم أصنامٌ يعبدونها. ولا تنبغي العبادة لشيء سوى الله الواحد القهار. وقال موسى صلوات الله عليه: إنكم أيها القوم قوم تجهلون عظمة الله وواجبَ حقه عليكم، ولا تعلمون أنه لا تجوز العبادة لشيء سوى الله الذي له ملك السموات والأرض.اهـ([197])
{إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (139)}
إعراب مفردات الآية ([198])
(إنّ) حرف توكيد ونصب (ها) للتنبيه (أولاء) اسم إشارة مبنيّ في محلّ نصب اسم انّ (متّبر) خبر مرفوع «[199]»
، (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع نائب فاعل لاسم المفعول متبّر (هم) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (في) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخبر هم (الواو) عاطفة (باطل) معطوفة على متّبر مرفوع مثله (ما) حرف مصدريّ «[200]»، (كانوا) فعل ماض ناقص- ناسخ- مبنيّ على الضمّ... والواو ضمير اسم كان (يعملون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل. والمصدر المؤوّل (ما كانوا..) في محلّ رفع
فاعل لاسم الفاعل باطل.
روائع البيان والتفسير
{إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
- قال أبو حعفر الطبري-رحمه الله- في تفسيره للآية: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيل موسى لقومه من بني إسرائيل. يقول تعالى ذكره: قال لهم موسى: إن هؤلاء العُكوف على هذه الأصنام، الله مُهْلِكٌ ما هم فيه من العمل ومفسده، ومخسرهم فيه، بإثابته إياهم عليه العذاب المهين {وباطل ما كانوا يعملون}، من عبادتهم إياها، فمضمحلّ، لأنه غير نافعهم عند مجيء أمر الله وحلوله بساحتهم،ولا مدافع عنهم بأسَ الله إذا نزل بهم، ولا منقذهم من عذابه إذا عذبهم في القيامة، فهو في معنى ما لم يكن.اهـ([201])
- وزاد السعدي- رحمه الله- في بيان قوله تعالي{وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }فقال: لأن دعاءهم إياها باطل، وهي باطلة بنفسها، فالعمل باطل وغايته باطلة.اهـ([202])
{قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (140)}
إعراب مفردات الآية ([203])
(قال) فعل ماض والفاعل هو (الهمزة) للاستفهام الإنكاريّ التوبيخيّ التعجّبيّ (غير) مفعول به مقدم (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (أبغي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا و(كم) ضمير مفعول به على حذف اللام، والأصل أبغي لكم (إلها) تمييز لغير منصوب «[204]»، (الواو) واو الحال (هو) ضمير مبتدأ (فضّل) فعل ماض، والفاعل هو و(كم) ضمير مفعول به (على العالمين) جارّ ومجرور متعلّق ب (فضّلكم)، وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله- في تفسيرها: يذكِّرهم موسى، عليه السلام، بنعمة الله عليهم، من إنقاذهم من أسر فرعون وقهره، وما كانوا فيه من الهوان والذلة، وما صاروا إليه من العزة والاشتفاء من عدوهم، والنظر إليه في حال هوانه وهلاكه، وغرقه ودماره.اهـ([205])
- وأضاف القرطبي-رحمه الله-:{وهو فضلكم على العالمين}: أي على عالمي زمانكم. وقيل: فضلهم بإهلاك عدوهم، وبما خصهم به من الآيات.اهـ([206])
{وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)}
إعراب مفردات الآية ([207])
(الواو) استئنافيّة (إذ) اسم ظرفيّ في محلّ نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره اذكروا (أنجينا) فعل ماض وفاعله و(كم) ضمير مفعول به (من آل) جارّ ومجرور متعلّق ب (أنجينا)، (فرعون) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة (يسومون) مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون... والواو ضمير فاعل و(كم) مثل الأخير (سوء) مفعول به ثان منصوب (العذاب) مضاف إليه مجرور (يقتّلون) مثل يسومون (أبناء) مفعول به منصوب و(كم) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (يستحيون نساءكم) مثل يقتّلون أبناءكم (الواو) استئنافيّة (في) حرف جرّ (ذلكم) اسم إشارة مبنىّ في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم..
و(اللام) للبعد و(الكاف) للخطاب (بلاء) مبتدأ مؤخّر مرفوع (من ربّ) جارّ ومجرور متعلق بمحذوف نعت لبلاء و(كم) ضمير مضاف إليه (عظيم) نعت ثان لبلاء مرفوع «[208]».
روائع البيان والتفسير
{وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ }
-قال أبو جعفر الطبري-رحمه الله- في تفسيرها ما مختصره: يقول تعالى ذكره لليهود من بني إسرائيل الذين كانوا بين ظهراني مهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم: واذكروا مع قيلكم هذا الذي قلتموه لموسى بعد رؤيتكم من الآيات والعبر، وبعد النعم التي سلفت مني إليكم، والأيادي التي تقدمت فعلَكم ما فعلتم {إذ أنجيناكم من آل فرعون}، وهم الذين كانوا على منهاجه وطريقته في الكفر بالله من قومه {يسومونكم سوء العذاب}، يقول: إذ يحملونكم أقبح العذاب وسيئه.
وأضاف- رحمه الله-:
{يقتلون أبناءكم}، الذكورَ من أولادهم {ويستحيون نساءكم}، يقول: يستبقون إناثهم {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}، يقول: وفي سومهم إياكم سوء العذاب، اختبار من الله لكم ونعمة عظيمة.اهـ([209])
{وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)}
إعراب مفردات الآية ([210])
(الواو) استئنافيّة (واعدنا) مثل أنجينا «[211]»، (موسى) مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف وهو ممنوع من التنوين (ثلاثين) مفعول به ثان منصوب وهو على حذف مضاف أي تمام ثلاثين، وعلامة النصب الياء (ليلة) تمييز منصوب (الواو) عاطفة (أتممنا)، مثل أنجينا «[212]»، و(ها) ضمير مفعول به (بعشر) جارّ ومجرور متعلّق ب (أتممنا)، (الفاء) عاطفة (تمّ) فعل ماض (ميقات) فاعل مرفوع (ربّ) مضاف إليه مجرور و(الهاء) ضمير مضاف إليه (أربعين) حال منصوبة وعلامة النصب الياء «[213]»، (ليلة) مثل الأول (الواو) استئنافيّة (قال) فعل ماض (موسى) فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف (لأخي) جارّ ومجرور متعلّق ب (قال) وعلامة الجرّ الياء و(الهاء) ضمير مضاف إليه (هارون) بدل من أخيه- أو عطف بيان- مجرور وعلامة الجرّ الفتحة (اخلف) فعل أمر و(النون) للوقاية و(الياء) ضمير مفعول به والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (في قوم) جارّ ومجرور متعلّق ب (اخلف) و(الياء) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (أصلح) مثل اخلف (الواو) عاطفة (لا) ناهية جازمة (تتّبع) مضارع مجزوم والفاعل أنت (سبيل) مفعول به منصوب (المفسدين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ }
-قال السعدي- رحمه الله-في بيانها: ولما أتم اللّه نعمته عليهم بالنجاة من عدوهم، وتمكينهم في الأرض، أراد تبارك وتعالى أن يتم نعمته عليهم، بإنزال الكتاب الذي فيه الأحكام الشرعية، والعقائد المرضية، فواعد موسى ثلاثين ليلة، وأتمها بعشر، فصارت أربعين ليلة، ليستعد موسى، ويتهيأ لوعد اللّه، ويكون لنزولها موقع كبير لديهم، وتشوق إلى إنزالها.اهـ([214])
-وزاد ابن كثير – رحمه الله-في بيانها ما نصه:
وقد اختلف المفسرون في هذه العشر ما هي؟ فالأكثرون على أن الثلاثين هي ذو القعدة، والعشر عشر ذي الحجة. قاله مجاهد، ومسروق، وابن جريج. وروي عن ابن عباس. فعلى هذا يكون قد كمل الميقات يوم النحر، وحصل فيه التكليم لموسى، عليه السلام، وفيه أكمل الله الدين لمحمد صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا } [المائدة:3]
فلما تم الميقات عزمموسى على الذهاب إلى الطور، كما قال تعالى: { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأيْمَنَ } الآية [طه: 80]، فحينئذ استخلف موسى على بني إسرائيل أخاه هارون، وأوصاه بالإصلاح وعدم الإفساد. وهذا تنبيه وتذكير، وإلا فهارون، عليه السلام، نبي شريف كريم على الله، له وجاهة وجلالة، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى سائر الأنبياء.اهـ([215])
- وأضاف أبو جعفر الطبري- رحمه الله-:وقوله:{ولا تتبع سبيل المفسدين}، يقول: ولا تسلك طريق الذين يفسدون في الأرض، بمعصيتهم ربهم، ومعونتهم أهل المعاصي على عصيانهم ربهم، ولكن اسلك سبيل المطيعين ربهم.اهـ([216])
{وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)}
إعراب مفردات الآية ([217])
(الواو) عاطفة (لمّا) ظرف بمعنى حين متضمّن معنى الشرط مبنيّ في محلّ نصب متعلّق بالجواب قال (جاء) فعل ماض (موسى) فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف (لميقات) جارّ ومجرور متعلّق ب (جاء)، و(نا) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (كلّم) مثل جاء و(الهاء) ضمير مفعول به (ربّ) فاعل مرفوع و(الهاء) مضاف إليه (قال) مثل جاء، والفاعل هو (ربّ) منادى مضاف منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم المحذوفة وهي المضاف إليه (أرني) فعل أمر، دعائيّ، مبنيّ على حذف حرف العلّة..
و(النون) للوقاية، و(الياء) ضمير مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (أنظر) مضارع مجزوم، جواب الطلب«[218]»، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا (إلى) حرف جرّ و(الكاف) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (أنظر)، (قال) مثل الأول (لن) حرف نفي نصب (تراني) مضارع منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف... و(النون) للوقاية، و(الياء) ضمير مفعول به، والفاعل أنت (الواو) عاطفة (لكن) حرف استدراك (انظر) فعل امر والفاعل أنت (إلى الجبل) جارّ ومجرور متعلّق ب (انظر)، (الفاء) عاطفة (إن) حرف شرط جازم (استقرّ) ماض مبنيّ في محلّ جزم فعل الشرط (مكان) منصوب على نزع الخافض أي بمكانه... و(الهاء) ضمير مضاف إليه (الفاء) رابطة لجواب الشرط (سوف) حرف استقبال (تراني) مثل الأول (الفاء) عاطفة (لمّا تجلّى) مثل لمّا جاء، وبناء الفتح مقدّر على الألف (ربّه) مثل الأول (للجبل) جارّ ومجرور متعلّق ب (تجلّى)، (جعله) مثل كلّمه (دكّا) مفعول به ثان منصوب أي مدكوكا (الواو) عاطفة (خرّ)مثل جاء (موسى) فاعل كالمتقدّم، (صعقا) حال منصوبة (فلمّا أفاق) مثل فلمّا تجلّى (قال) مثل الأول (سبحانك) مفعول مطلق لفعل محذوف..
و(الكاف) ضمير مضاف إليه (تبت) فعل ماض وفاعله (إلى) حرف جرّ و(الكاف) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (تبت)، (الواو) عاطفة (أنا) ضمير مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (أوّل) خبر مرفوع (المؤمنين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ }
-قال السعدي في بيانها إجمالاً ما نصه:{ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا } الذي وقتناه له لإنزال الكتاب { وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } بما كلمه من وحيه وأمره ونهيه، تشوق إلى رؤية اللّه، ونزعت نفسه لذلك، حبا لربه ومودة لرؤيته.
فـ { قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ } اللَّهِ { لَنْ تَرَانِي } أي: لن تقدر الآن على رؤيتي، فإن اللّه تبارك وتعالى أنشأ الخلق في هذه الدار على نشأة لا يقدرون بها، ولا يثبتون لرؤية اللّه، وليس في هذا دليل على أنهم لا يرونه في الجنة، فإنه قد دلت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية على أن أهل الجنة يرون ربهم تبارك وتعالى ويتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وأنه ينشئهم نشأة كاملة، يقدرون معها على رؤية اللّه تعالى، ولهذا رتب اللّه الرؤية في هذه الآية على ثبوت الجبل، فقال - مقنعا لموسى في عدم إجابته للرؤية - { وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ } إذا تجلى اللّه له { فَسَوْفَ تَرَانِي }.
{ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ } الأصم الغليظ { جَعَلَهُ دَكًّا } أي: انهال مثل الرمل، انزعاجا من رؤية اللّه وعدم ثبوته لها { وَخَرَّ مُوسَى } حين رأى ما رأى { صَعِقًا } فتبين له حينئذ أنه إذا لم يثبت الجبل لرؤية اللّه، فموسى أولى أن لا يثبت لذلك، واستغفر ربه لما صدر منه من السؤال، الذي لم يوافق موضعا ولذلك { قَالَ سُبْحَانَكَ } أي: تنزيها لك، وتعظيما عما لا يليق بجلالك { تُبْتُ إِلَيْكَ } من جميع الذنوب، وسوء الأدب معك { وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } أي: جدد عليه الصلاة والسلام إيمانه، بما كمل اللّه له مما كان يجهله قبل ذلك.اهـ([219])
-وزاد الشنقيطي- رحمه الله- بياناً شافياًوفائدة عظيمة في تفسيره لقوله تعالي { قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ }-الآية فقال ما مختصره:
استدل المعتزلة النافون لرؤية الله بالأبصار يوم القيامة بهذه الآية على مذهبهم الباطل، وقد جاءت آيات تدل على أن نفي الرؤية المذكور، إنما هو في الدنيا، وأما في الآخرة فإن المؤمنين يرونه جل وعلا بأبصارهم، كما صرح به تعالى في قوله: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}[75 \ 22]، وقوله في الكفار: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} [83 \ 15]، فإنه يفهم من مفهوم مخالفته أن المؤمنين ليسوا محجوبين عنه جل وعلا.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة }[10 \ 26] الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله الكريم، وذلك هو أحد القولين في قوله تعالى: {ولدينا مزيد} [50 \ 35]، وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم، وتحقيق المقام في المسألة: أن رؤية الله جل وعلا بالأبصار: جائزة عقلا في الدنيا والآخرة، ومن أعظم الأدلة على جوازها عقلا في دار الدنيا: قول موسى{ رب أرني أنظر إليك} [7 \ 143] ; لأن موسى لا يخفى عليه الجائز والمستحيل في حق الله تعالى، وأما شرعا فهي جائزة وواقعة في الآخرة كما دلت عليه الآيات المذكورة، وتواترت به الأحاديث الصحاح، وأما في الدنيا فممنوعة شرعا كما تدل عليه آية «الأعراف» هذه، وحديث «إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا»([220]).اهـ([221])
-وزاد ابن كثير- رحمه الله-في تفسيره لقوله تعالي{ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } زيادة بيان فقال: قال ابن عباس ومجاهد: من بني إسرائيل. واختاره ابن جرير. وفي رواية أخرى عن ابن عباس: { وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } أنه لا يراك أحد. وكذا قال أبو العالية: قد كان قبله مؤمنون، ولكن يقول: أنا أول من آمن بك أنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة وهذا قول حسن له اتجاه.اهـ([222])
{قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144)}
إعراب مفردات الآية ([223])
(قال) مثل الأول (يا) حرف نداء (موسى) منادى مفرد علم مبنيّ على الضمّ المقدّر في محلّ نصب (إنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- و(الياء) ضمير في محلّ نصب اسم إنّ (اصطفيت) فعل ماض مبنيّ على السكون وفاعله و(الكاف) ضمير مفعول به (على الناس) جارّ ومجرور متعلّق ب (اصطفيتك)، (برسالات) جارّ ومجرور متعلّق ب (اصطفيت) و(الياء) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (بكلامي) مثل برسالاتي إعرابا وتعليقا (الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر (خذ) فعل أمر، والفاعل أنت (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (آتيت) مثل اصطفيت والمفعول الثاني محذوف أي آتيتك إياه (الواو) عاطفة (كن) فعل أمر ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره أنت (من الشاكرين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر كن، وعلامة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
{قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيره:-يذكر تعالى أنه خاطب موسى -عليه السلام- بأنه اصطفاه على عالمي زمانه برسالاته وبكلامهتعالى ولا شك أن محمدًا صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم من الأولين والآخرين؛ ولهذا اختصه الله بأن جعله خاتم الأنبياء والمرسلين، التيتستمر شريعته إلى قيام الساعة، وأتباعه أكثر من أتباع سائر الأنبياء والمرسلين كلهم، وبعده في الشرف والفضل إبراهيم الخليل، عليه السلام، ثم موسى بن عمران كليم الرحمن، عليه السلام؛ ولهذا قال الله تعالى له: { فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ } أي: من الكلام والوحي والمناجاة { وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ } أي: على ذلك، ولا تطلب ما لا طاقة لك به.اهـ([224])
{وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (145)}
إعراب مفردات الآية ([225])
(الواو) استئنافيّة (كتبنا) فعل ماض مبنيّ على السكون.. و(نا) ضمير فاعل (اللام) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (كتبنا)، (في الألواح) جارّ ومجرور متعلّق ب (كتبنا)، (من كلّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من موعظة (شيء) مضاف إليه مجرور (موعظة) مفعول به منصوب«[226]»، (تفصيلا) معطوف على موعظة بالواو، منصوب (لكلّ) جارّ ومجرور متعلّق ب (تفصيلا) ««[227]»
، (شيء) مثل الأول. (الفاء) عاطفة (خذ) فعل أمر، والفاعل أنت و(ها) ضمير مفعول به (بقوّة) جارّ ومجرور متعلّق بحال من فاعل خذ أي متلبّسا «[228]»، (الواو) عاطفة (أؤمر) مثل خذ (قوم) مفعول به منصوب و(الكاف) ضمير مضاف إليه (يأخذوا) مضارع مجزوم جواب الطلب وعلامة الجزم حذف النون.. والواو فاعل (بأحسن) جارّ ومجرور متعلّق ب (يأخذوا) بتضمينه معنى يتمسّكوا، وعلامة الجرّ الكسرة و(ها) ضمير مضاف إليه (السين) حرف استقبال (أوري) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء و(كم) ضمير مفعول به أوّل، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا (دار) مفعول به ثان منصوب (الفاسقين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ }
-قال السعدي- رحمه الله- في تفسيرها: { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } يحتاج إليه العباد { مَوْعِظَةً } ترغب النفوس في أفعال الخير، وترهبهم من أفعال الشر، { وَتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ } من الأحكام الشرعية، والعقائد والأخلاق والآداب { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } أي: بجد واجتهاد على إقامتها، { وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا } وهي الأوامر الواجبة والمستحبة، فإنها أحسنها، وفي هذا دليل على أن أوامر اللّه - في كل شريعة - كاملة عادلة حسنة.اهـ([229])
- وأضاف أبو جعفر الطبري في تأويل قوله:{ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} فقال ما مختصره:
فإن من أشرك بي منهم ومن غيرهم، فإني سأريه في الآخرة عند مصيره إليّ، "دارَ الفاسقين"، وهي نار الله التي أعدها لأعدائه.
وإنما قال: {سأريكم دار الفاسقين}، كما يقول القائل لمن يخاطبه: "سأريك غدًا إلامَ يصير إليه حال من خالف أمري!"، على وجه التهدُّد والوعيد لمن عصاهُ وخالف أمره.اهـ([230])
{سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146)}
إعراب مفردات الآية ([231])
(سأصرف) مثل سأوري «[232]»، (عن آيات) جارّ ومجرور متعلّق ب (أصرف)، وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على ما قبل الياء و(الياء) ضمير مضاف إليه (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (يتكبّرون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل (في الأرض) جارّ ومجرور متعلّق ب (يتكبّرون)، (بغير) جارّ ومجرور حال من فاعل يتكبّرون (الحقّ) مضاف إليه مجرور و(إن) حرف شرط جازم (يروا) مضارع مجزوم فعل الشرط وعلامة الجزم حذف النون والواو فاعل (كلّ) مفعول به منصوب (آية) مضاف إليه مجرور (لا) حرف نفي (يؤمنوا) مضارع مجزوم جواب الشرط الواو فاعل (الباء) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يؤمنوا)، (الواو) عاطفة (إن يروا سبيل...) مثل نظيرتها المتقدّمة و(الهاء) في (يتّخذوه) مفعول به أوّل (سبيلا) مفعول به ثان منصوب (الواو) عاطفة (إن يروا...) الثانية تعرب مثل الأولى (ذلك) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ.. و(اللام) للبعد، و(الكاف) للخطاب، والإشارة إلى الصرف (الباء) حرف جرّ (أنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- و(هم) ضمير في محلّ نصب اسم أنّ (كذّبوا) فعل ماض مبنيّ علىالضمّ.. والواو فاعل (بآيات) جارّ ومجرور متعلّق ب (كذّبوا)، و(نا) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (كانوا) ماض ناقص- ناسخ- مبنيّ على الضمّ... والواو اسم كان (عنها) مثل بها متعلّق ب (غافلين) وهو خبر كان منصوب وعلامة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيره:-: أي: سأمنع فهم الحججوالأدلة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي، ويتكبرون على الناسبغير حق، أي: كما استكبروا بغير حق أذلهم الله بالجهل، كما قال تعالى: { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الأنعام:110] وقال تعالى: { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [الصف:5] وقال بعض السلف: لا ينال العلم حيي ولا مستكبر.
وقال آخر: من لم يصبر على ذل التعلم ساعة، بقي في ذل الجهل أبدا.
وقال سفيان بن عُيَينة في قوله: { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } قال: أنزع عنهم فهم القرآن، وأصرفهم عن آياتي.
قال ابن جرير: وهذا يدل على أن هذا خطاب لهذه الأمة قلت: ليس هذا بلازم؛ لأن ابن عيينة إنما أراد أن هذا مطرد في حق كل أمة، ولا فرق بين أحد وأحد في هذا، والله أعلم.اهـ([233])
{ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ }
-فسرها السعدي- رحمه الله-فقال ما نصه:{ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا } لإعراضهم واعتراضهم، ومحادتهم للّه ورسوله، { وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ } أي: الهدى والاستقامة، وهو الصراط الموصل إلى اللّه، وإلى دار كرامته { لا يَتَّخِذُوهُ } أي: لا يسلكوه ولا يرغبوا فيه { وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ } أي: الغواية الموصل لصاحبه إلى دار الشقاء { يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا } والسبب في انحرافهم هذا الانحراف { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ } فردهم لآيات اللّه، وغفلتهم عما يراد بها واحتقارهم لها - هو الذي أوجب لهم من سلوك طريق الغي، وترك طريق الرشد ما أوجب.اهـ([234])
{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (147)}
إعراب مفردات الآية ([235])
(الواو) استئنافيّة (الذين) موصول مبتدأ (كذّبوا بآياتنا) مثل السابقة «[236]»(الواو) عاطفة (لقاء) معطوفة على آيات مجرور مثله (الآخرة) مضاف إليه مجرور (حبطت) فعل ماض... و(التاء) للتأنيث (أعمال) فاعل مرفوع (هم) ضمير مضاف إليه (هل) حرف استفهام بمعنى النفي (يجزون) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع.. والواو ضمير في محلّ رفع نائب الفاعل (إلّا) أداة حصر (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به على حذف مضاف أي جزاء ما كانوا... (كانوا) مثل السابق «[237]»، (يعملون) مثل يتكبّرون «[238]»
روائع البيان والتفسير
{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
-قال السعدي –رحمه الله-في بيانها:{ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } العظيمة الدالة على صحة ما أرسلنا به رسلنا.
{ وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } لأنها على غير أساس، وقد فقد شرطها وهو الإيمان بآيات اللّه، والتصديق بجزائه { هَلْ يُجْزَوْنَ } في بطلان أعمالهم وحصول ضد مقصودهم { إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } فإن أعمال من لا يؤمن باليوم الآخر، لا يرجو فيها ثوابا، وليس لها غاية تنتهي إليه، فلذلك اضمحلت وبطلت.اهـ([239])
-وزاد ابن كثير – رحمه الله-: وقوله: { هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } أي: إنما نجازيهم بحسبأعمالهم التي أسلفوها، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، وكما تدين تدان.اهـ([240])
{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148)}
إعراب مفردات الآية ([241])
(الواو) استئنافيّة (اتّخذ) فعل ماض (قوم) فاعل مرفوع (موسى) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة المقدّرة على الألف للتعذّر، وهو ممنوع من الصرف (من بعد) جارّ ومجرور متعلّق ب (اتّخذ)، و(الهاء) ضمير مضاف إليه (من حليّ) جارّ ومجرور متعلّق بحال من (عجلا)، و(هم) ضمير مضاف إليه (عجلا) مفعول به أوّل منصوب (جسدا) نعت ل (عجلا) بمعنى مجسّد، منصوب«[242]»، (اللام) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخبر مقدّم (خوار) مبتدأ مؤخّر مرفوع. (الهمزة) للاستفهام الإنكاريّ (لم) حرف نفي وقلب وجزم (يروا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون.. والواو فاعل (أنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- و(الهاء) ضمير في محل نصب اسم أنّ (لا) حرف نفي (يكلّم) مضارع مرفوع و(هم) ضمير مفعول به والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (الواو) عاطفة (لا يهديهم) مثل لا يكلّمهم (سبيلا) مفعول به ثان منصوب.
والمصدر المؤوّل (أنّه لا يكلّمهم) في محلّ نصب سدّ مسدّ مفعولي يروا.. أو المفعول الواحد.
(اتّخذوا) مثل الاول والواو فاعل و(الهاء) ضمير مفعول به أوّل، والمفعول الثاني محذوف تقديره إلها (الواو) عاطفة (كانوا ظالمين) مثل كانوا غافلين «[243]»
روائع البيان والتفسير
{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ }
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانها:- { وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَدًا } صاغه السامري وألقى عليه قبضة من أثر الرسول فصار { لَهُ خُوَارٌ } وصوت، فعبدوه واتخذوه إلها.
وقال { هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فنسي } موسى، وذهب يطلبه، وهذا من سفههم، وقلة بصيرتهم، كيف اشتبه عليهم رب الأرض والسماوات، بعجل من أنقص المخلوقات؟"
ولهذا قال مبينا أنه ليس فيه من الصفات الذاتية ولا الفعلية، ما يوجب أن يكون إلها { أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ } أي: وعدم الكلام نقص عظيم، فهم أكمل حالة من هذا الحيوان أو الجماد، الذي لا يتكلم { وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلا } أي: لا يدلهم طريقا دينيا، ولا يحصل لهم مصلحة دنيوية، لأن من المتقرر في العقول والفطر، أن اتخاذ إله لا يتكلم ولا ينفع ولا يضر من أبطل الباطل، وأسمج السفه، ولهذا قال: { اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ } حيث وضعوا العبادة في غير موضعها، وأشركوا باللّه ما لم ينزل به سلطانا، وفيها دليل على أن من أنكر كلام اللّه، فقد أنكر خصائص إلهية اللّه تعالى، لأن اللّه ذكر أن عدم الكلام دليل على عدم صلاحية الذي لا يتكلم للإلهية.اهـ([244])
-وزاد الشنقيطي- رحمه الله- في تفسيرها فائدة جليلة قال: بين في هذه الآية الكريمة سخافة عقول عبدة العجل، ووبخهم على أنهم يعبدون ما لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا، وأوضح هذا في «طه» بقوله: {أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا} الآية [89]، وقد قدمنا في سورة «البقرة» أن جميع آيات اتخاذهم العجل إلها حذف فيها المفعول الثاني في جميع القرآن كما في قوله هنا:{ واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا }الآية [7 \ 148]، أي اتخذوه إلها، وقد قدمنا أن النكتة في حذفه دائما التنبيه: على أنه لا ينبغي التلفظ بأن عجلا مصطنعا من جماد إله، وقد أشار تعالى إلى هذا المفعول المحذوف دائما في «طه» بقوله: {فقالوا هذا إلهكم وإله موسى} [20 \ 88].اهـ([245])
وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)
إعراب مفردات الآية ([246])
(الواو) عاطفة (لمّا) ظرف بمعنى حين متضمّن معنى الشرط مبنيّ في محلّ نصب متعلّق بالجواب قالوا (سقط) ماض مبنيّ للمجهول (في أيدي) جارّ ومجرور في محلّ رفع نائب الفاعل و(هم) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (رأوا) فعل ماض وفاعله (أنّهم) مثل أنّه «[247]»
، (قد) حرف تحقيق (ضلّوا) مثل رأوا (قالوا) مثل رأوا (اللام) موطّئة للقسم (إن) حرف شرط جازم (لم) حرف نفي (يرحمنا) مضارع مجزوم فعل الشرط.. و(نا) ضمير مفعول به (ربّ) فاعل مرفوع و(نا) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (يغفر) مضارع مجزوم معطوفة على (يرحمنا)، و(لنا) متعلق ب (يغفر) (اللام) لام القسم (نكوننّ) مضارع ناقص- ناسخ- مبنيّ على الفتح في محلّ رفع.. و(النون) نون التوكيد واسمه ضمير مستتر تقديره نحن (من الخاسرين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر نكوننّ، وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
- قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله-في تفسيرها: يعني تعالى ذكره بقوله: {ولما سقط في أيديهم}،: ولما ندم الذين عبدوا العجل الذي وصف جل ثناؤه صفته، عند رجوع موسى إليهم، واستسلموا لموسى وحكمه فيهم.
وكذلك تقول العرب لكل نادم على أمر فات منه أو سلف، وعاجز عن شيء: "قد سُقِط في يديه" و"أسقط"، لغتان فصيحتان، وأصله من الاستئسار، وذلك أن يضرب الرجل الرجل أو يصرعه، فيرمي به من يديه إلى الأرض ليأسره، فيكتفه. فالمرميّ به مسقوط في يدي الساقط به. فقيل لكل عاجز عن شيء، وضارع لعجزه،متندِّمٍ على ما قاله: "سقط في يديه" و"أسقط".
وعنى بقوله: {ورأوا أنهم قد ضلوا} ورأوا أنهم قد جاروا عن قصد السبيل، وذهبوا عن دين الله، وكفروا بربهم، قالوا تائبين إلى الله منيبين إليه من كفرهم به: {لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين}.اهـ([248])
-وزاد ابن كثير- رحمه الله- في بيانها فقال ما مختصره وبتصرف يسير:
وقوله: { وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ } أي: ندموا على ما فعلوا، { وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا } وقرأ بعضهم: "لئن لم ترحمنا" بالتاء المثناة من فوق، "ربنا" منادى، "وتَغْفِر لنا"، {لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } أي: من الهالكين وهذا اعتراف منهم بذنبهم والتجاء إلى الله عز وجل.اهـ([249])
{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)}
إعراب مفردات الآية ([250])
(الواو) عاطفة (لمّا) مثل السابق «[251]»فعل ماض (موسى) فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف ممنوع من التنوين (إلى قوم) جارّ ومجرور متعلّق به (رجع)، و(الهاء) ضمير مضاف إليه (غضبان) حال منصوبة ممنوع من التنوين للوصفية وزيادة الألفوالنون (أسفا) حال ثانية منصوبة (قال) ماض (بئس) فعل ماض جامد لإنشاء الذمّ، والفاعل ضمير مستتر تقديره هي (ما) نكرة موصوفة في محلّ نصب تمييز للضمير الفاعل- أي الخلافة- والمخصوص بالذّم محذوف تقديره خلافتكم (خلفتم) فعل ماض مبنيّ على السكون
و(تم) ضمير فاعل و(الواو) زائدة هي إشباع حركة الميم و(النون) للوقاية و(الياء) ضمير مفعول به (من بعد) جارّ ومجرور متعلّق ب (خلفتموني)، و(الياء) ضمير مضاف إليه (الهمزة) للاستفهام الإنكاريّ (عجلتم) مثل خلفتم (أمر) مفعول به منصوب «[252]»، (ربّ) مضاف إليه مجرور و(كم) ضمير مضاف إليه (الواو) استئنافيّة (ألقى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (الألواح) مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (أخذ) مثل رجع والفاعل هو (برأس) جارّ ومجرور متعلّق ب (أخذ) بتضمينه معنى مسك (أخي) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء و(الهاء) ضمير مضاف إليه (يجرّ) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء و(الهاء) ضمير مضاف إليه (يجرّ) مضارع مرفوع و(الهاء) ضمير مفعول به، والفاعل هو (إلى) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يجرّ)، (قال) مثل الأول (ابن أمّ) منادى مبنيّ على الضمّ المقدّر على آخره منع من ظهوره حركة البناء الأصليّ وهو فتح الجزأين لأنه تركيب أشبه خمسة عشر في محلّ نصب (إنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- (القوم) اسم إنّ منصوب (استضعفوا) مثل قالوا «[253]»، و(النون) للوقاية و(الياء) ضمير مفعول به (الواو) عاطفة (كادوا) فعل ماض ناقص- ناسخ- والواو ضمير اسم كاد (يقتلون) مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون.. والواو فاعل و(النون) الثانية للوقاية و(الياء) مفعول به (الفاء) عاطفة لربط المسبّب بالسبب (لا) ناهية جازمة (تشمت) مضارع مجزوم والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (الباء) حرف جرّ و(الياء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (تشمت)، (الأعداء) مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (لا تجعل) مثل لا تشمت و(النون) للوقاية و(الياء) مفعول به (مع) ظرف مكان منصوب متعلّق ب (تجعل)، (القوم) مضاف إليه مجرور (الظالمين) نعت للقوم مجرور وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُم}
-قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله-: يقول تعالى ذكره: ولما رجع موسى إلى قومه من بني إسرائيل، رجع غضبان أسفًا، لأن الله كان قد أخبره أنه قد فتن قومه، وأن السامري قد أضلّهم، فكان رجوعه غضبان أسفًا لذلك.
و"الأسف" شدة الغضب، والتغيظ به على من أغضبه. وقوله: {قال بئسما خلفتموني من بعدي}، يقول: بئس الفعل فعلتم بعد فراقي إياكم وأوليتموني فيمن خلفت ورائي من قومي فيكم، وديني الذي أمركم به ربكم. يقال منه: "خلفه بخير"، و"خلفه بشر"، إذا أولاه في أهله أو قومه ومن كان منه بسبيل من بعد شخوصه عنهم، خيرًا أو شرًّا.
وقوله: {أعجلتم أمر ربكم}، يقول: أسبقتم أمر ربكم في نفوسكم، وذهبتم عنه؟ يقال منه: "عجل فلان هذا الأمر"، إذا سبقهو"عجل فلانٌ فلانًا"، إذا سبقه"ولا تَعْجَلْني يا فلان"، لا تذهب عني وتدعني و"أعجلته": استحثثته. اهـ([254])
{ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها ما مختصره:- وقوله: { وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } قيل: كانت الألواح من زُمُرُّد. وقيل: من ياقوت. وقيل: من بَرَد وفي هذا دلالة على ما جاء في الحديث: "ليس الخبر كالمعاينة" ([255])
ثم ظاهر السياق أنه إنما ألقى الألواح غضبًا على قومه، وهذا قول جمهور العلماء سلفا وخلفا.
ثم أضاف- رحمه الله:- وقوله: { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } خوفًا أن يكون قد قَصَّر في نهيهم،كما قال في الآية الأخرى: { قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قَالَ يَاابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي }[طه:92-94].
وقال هاهنا: { ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } أي: لا تَسُقني مَسَاقهم، ولا تخلطني معهم. وإنما قال: { ابْنَ أُمَّ }؛ لتكون أرأف وأنجع عنده، وإلا فهو شقيقه لأبيه وأمه. اهـ([256])
{قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)}
إعراب مفردات الآية ([257])
(قال) فعل ماض والفاعل هو أي موسى (ربّ) منادى منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم المحذوفة للتخفيف، و(الياء) المحذوفة مضاف إليه (اغفر) فعل أمر دعائيّ، والفاعل أنت (اللام) حرف جرّ و(الياء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (اغفر) (الواو) عاطفة (لأخ) جارّ ومجرور متعلّق ب (اغفر)، وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على ما قبل الياء و(الياء) مضاف إليه (الواو) عاطفة (أدخل) مثل اغفر و(نا) ضمير مفعول به (في رحمة) جارّ ومجرور متعلّق ب (أدخل)، و(الكاف) ضمير مضاف إليه (الواو) حاليّة (أنت) ضمير منفصل مبتدأ في محلّ رفع (أرحم) خبر مرفوع (الراحمين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في بيانها: فلما تحقق موسى، عليه السلام، براءة ساحة هارون -عليه السلام -كما قال تعالى: { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي } [طه:90] فعند ذلك قال موسى: { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }.اهـ([258])
-وزاد أبو جعفر الطبري- رحمه الله-في بيانها فقال ما نصه: -يقول تعالى ذكره: قال موسى، لما تبين له عذر أخيه، وعلم أنه لم يفرط في الواجب الذي كان عليه من أمر الله، في ارتكاب ما فعله الجهلة من عبدة العجل: {رب اغفر لي}، مستغفرًا من فعله بأخيه، ولأخيه من سالفٍ سلف له بينه وبين الله: تغمد ذنوبنا بستر منك تسترها به {وأدخلنا في رحمتك}، يقول: وارحمنا برحمتك الواسعة عبادك المؤمنين، فإنك أنت أرحم بعبادك من كل من رحم شيئًا.اهـ([259])
{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)}
إعراب مفردات الآية ([260])
(إنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب اسم إنّ (اتّخذوا) فعل ماض مبني على الضمّ...والواو فاعل (العجل) مفعول به أوّل منصوب، والمفعول الثاني محذوف تقديره إلها «[261]»
، (السين) حرف استقبال (ينال) مضارع مرفوع و(هم) ضمير مفعول به (غضب) فاعل مرفوع (من ربّ) جارّ ومجرور متعلّق ب (ينال) «[262]»و(هم) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (ذلّة) معطوف على غضب مرفوع (في الحياة) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت ل (ذلّة) «[263]»، (الدنيا) نعت للحياة مجرور وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على الألف (الواو) عاطفة (الكاف) حرف جرّ (ذلك) اسم إشارة مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف مفعول مطلق عامله نجزي... و(اللام) للبعد و(الكاف) للخطاب (نجزي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن للتعظيم (المفترين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
-قال البغوي في بيانها -رحمه الله-:قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ } أي: اتخذوه إلها { سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ } في الآخرة { وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } قال أبو العالية: هو ما أمروا به من قتل أنفسهم. وقال عطية العوفي: "إن الذين اتخذوا العجل" أراد اليهود الذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم عيّرهم بصنيع آبائهم فنسبه إليهم { سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أراد ما أصاب بني قريظة والنضير من القتل والجلاء وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هو الجزية.اهـ([264])
-وأضاف ابن كثير-رحمه الله في تفسيره للآية: أما الغضب الذي نال بني إسرائيل في عبادة العجل، فهو أن الله تعالى لم يقبل لهم توبة، حتى قَتَل بعضهم بعضًا، كما تقدم في سورة البقرة: { فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [البقرة:54]
وأما الذلة فأعقبهم ذلك ذلا وصغارًا في الحياة الدنيا.اهـ([265])
{ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ }
- قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله-في تفسيرها: وكما جَزيت هؤلاء الذين اتخذوا العجل إلهًا، من إحلال الغضب بهم، والإذلال في الحياة الدنيا على كفرهم ربّهم، ورِدَّتهم عن دينهم بعد إيمانهم بالله، كذلك نجزي كل من افترى على الله، فكذب عليه، وأقر بألوهية غيره، وعبد شيئًا سواه من الأوثان، بعد إقراره بوحدانية الله، وبعد إيمانه به وبأنبيائه ورسله وقِيلَ ذلك، إذا لم يتب من كفره قبل قتله.اهـ([266])
{وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)}
إعراب مفردات الآية ([267])
(الواو) عاطفة (الذين عملوا السيّئات) مثل الذين اتّخذوا العجل «[268]» وعلامة النصب في المفعول الكسرة والموصول مبتدأ (ثم) حرف عطف (تابوا) مثل اتخذوا (من بعد) جارّ ومجرور متعلّق ب (تابوا)، (وها) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (آمنوا) مثل اتّخذوا «[269]»، (إنّ) مثل السابق «[270]»
، (ربّ) اسم إنّ منصوب و(الكاف) ضمير مضاف إليه (من بعدها) مثل الأول متعلّق ب (غفور) وهو خبر إن مرفوع (رحيم) خبر ثان مرفوع.
روائع البيان والتفسير
{وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ }
-قال أبو جعفر الطبري-رحمه الله- في بيانها: وهذا خبر من الله تعالى ذكره أنه قابلٌ من كل تائب إليه من ذنب أتاه، صغيرةً كانت معصيته أو كبيرةً، كفرًا كانت أو غير كفر، كما قبل من عَبَدة العجل توبتهم بعد كفرهم به بعبادتهم العجل وارتدادهم عن دينهم. يقول جل ثناؤه: والذين عملوا الأعمال السيئة، ثم رجعوا إلى طلب رضى الله بإنابتهم إلى ما يحب مما يكره، وإلى ما يرضى مما يسخط، من بعد سيئ أعمالهم، وصدَّقوا بأن الله قابل توبة المذنبين، وتائبٌ على المنيبين، بإخلاص قلوبهم ويقين منهم بذلك {لغفور}، لهم، يقول: لساتر عليهم أعمالهم السيئة، وغير فاضحهم بها{رحيم}، بهم، وبكل من كان مثلهم من التائبين.اهـ([271])
{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)}
إعراب مفردات الآية ([272])
(الواو) استئنافيّة (لمّا سكت) مثل لمّا رجع «[273]»، (عن موسى) جارّ ومجرور متعلّق ب (سكت)، وعلامة الجر الفتحة المقدّرة على الألف فهو ممنوع من الصرف (الغضب) فاعل مرفوع (أخذ) فعل ماض والفاعل هو (الألواح) مفعول به منصوب (الواو) حاليّة (في نسخة) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدّم و(ها) ضمير مضاف إليه (هدى) مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف (الواو) عاطفة (رحمة) معطوفة على هدى مرفوع مثله (اللام) حرف جرّ (الذين) موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بكلّ من هدى ورحمة «[274]»، (هم) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (اللام) زائدة للتقوية «[275]»، (ربّ) مجرور لفظا منصوب محلّا مفعول به مقدّم عاملة يرهبون و(هم) ضمير مضاف إليه (يرهبون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير
{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ }
-قال السعدي-رحمه الله-في بيانها: { وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ } أي: سكن غضبه، وتراجعت نفسه، وعرف ما هو فيه، اشتغل بأهم الأشياء عنده، فـ { أَخَذَ الألْوَاحَ } التي ألقاها، وهي ألواح عظيمة المقدار، جليلة { وَفِي نُسْخَتِهَا } أي: مشتملة ومتضمنة { هُدًى وَرَحْمَةٌ } أي: فيها الهدى من الضلالة، وبيان الحق من الباطل، وأعمال الخير وأعمال الشر، والهدى لأحسن الأعمال، والأخلاق، والآداب، ورحمة وسعادة لمن عمل بها، وعلم أحكامها ومعانيها، ولكن ليس كل أحد يقبل هدى اللّه ورحمته، وإنما يقبل ذلك وينقاد له، ويتلقاه بالقبول الذين هم { لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } أي: يخافون منه ويخشونه، وأما من لم يخف اللّه ولا المقام بين يديه، فإنه لا يزداد بها إلا عتوا ونفورا وتقوم عليه حجة اللّه فيها.اهـ([276])
{وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155)}
إعراب مفردات الآية ([277])
(الواو) عاطفة (اختار) فعل ماض (موسى) فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف (قوم) منصوب على نزع الخافض أي من قوم و(الهاء) ضمير مضاف إليه (سبعين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء «[278]»
، (رجلا) تمييز منصوب (لميقات) جارّ ومجرور متعلّق ب (اختار)، و(نا) ضمير مضاف إليه (الفاء) عاطفة (لمّا) ظرف بمعنى حين متضمّن معنى الشرط مبنيّ في محلّ نصب متعلّق بالجواب قال (آخذت) فعل ماض.. و(التاء) للتأنيث و(هم) ضمير مفعول به (الرجفة) فاعل مرفوع (قال) مثل اختار (ربّ) منادى مضاف منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الياء المحذوفة للتخفيف، و(الباء) المحذوفة مضاف إليه (لو) حرف امتناع لامتناع، حرف شرط غير جازم (شئت) فعل ماض مبنيّ على السكون.. و(الياء) فاعل (أهلكت) مثل شئت و(هم) ضمير مفعول به (من) حرف جرّ (قبل) اسم مبنيّ على الضمّ في محلّ جرّ متعلّق ب (أهلكتهم)، (الواو) عاطفة (إيّاي) ضمير منفصل في محلّ نصب معطوف على الضمير الغائب المتّصل (الهمزة) للاستفهام وفيه معنى الاستعطاف (تهلك) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت و(نا) مفعول به (الباء) حرف جرّ (ما) حرف مصدري «[279]»، (فعل) مثل اختار (السفهاء) فاعل مرفوع (من) حرف جرّ و(نا) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف حال من السفهاء والمصدر المؤول (ما فعل السفهاء) في محلّ جرّ بالباء متعلّق ب (تهلكنا) (إن) حرف نقي (هي) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (فتنة) خبر مرفوع و(الكاف) ضمير مضاف إليه (تضلّ) مثل تلك (الباء) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (تضلّ)، (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (تشاء) مثل تهلك (الواو) عاطفة (تهدي من تشاء) مثل تضلّ من تشاء (أنت) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (وليّ) خبر مرفوع (نا) ضمير مضاف إليه (الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر (اغفر) فعل أمر دعائيّ، والفاعل أنت (لنا) مثل منّا متعلّق ب (أغفر)، (الواو) عاطفة (أرحم) مثل أغفر و(نا) ضمير مفعول به (الواو) عاطفة (أنت خير) مثل أنت وليّ (الغافرين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا }
-قال السعدي- رحمه الله- في بيانها إجمالاً ما مختصره: { و } لما تاب بنو إسرائيل وتراجعوا إلى رشدهم { اخْتَارَ مُوسَى } منهم { سَبْعِينَ رَجُلا } من خيارهم، ليعتذروا لقومهم عند ربهم، ووعدهم اللّه ميقاتا يحضرون فيه، فلما حضروه، قالوا: يا موسى، { أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً } فتجرأوا على اللّه جراءة كبيرة، وأساءوا الأدب معه، فـ { أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ } فصعقوا وهلكوا.
فلم يزل موسى عليه الصلاة والسلام، يتضرع إلى اللّه ويتبتل ويقول { رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ } أن يحضروا ويكونون في حالة يعتذرون فيها لقومهم، فصاروا هم الظالمين { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا } أي: ضعفاء العقول، سفهاء الأحلام، فتضرع إلى اللّه واعتذر بأن المتجرئين على اللّه ليس لهم عقول كاملة، تردعهم عما قالوا وفعلوا.اهـ([280])
{إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها ما نصه:- وقوله: { إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ } أي: ابتلاؤك واختبارك وامتحانك. قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، وأبو العالية، وربيع بن أنس، وغير واحد من علماء السلف والخلف. ولا معنى له غير ذلك؛ يقول: إن الأمرُ إلا أمرُك، وإن الحكمُ إلا لك، فما شئت كان، تضل من تشاء، وتهدي من تشاء، ولا هادي لمن أضللت، ولا مُضِل لمن هَدَيت، ولا مُعطِي لما مَنَعت، ولا مانع لما أعطيت، فالملك كله لك، والحكم كله لك، لك الخلق والأمر.
وقوله: { أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ } الغَفْر هو: الستر، وترك المؤاخذة بالذنب، والرحمة إذا قرنت مع الغفر، يراد بها ألا يوقعه في مثله في المستقبل، { وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ } أي: لا يغفر الذنوب إلا أنت.اهـ([281])
{وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) }
إعراب مفردات الآية ([282])
(الواو) عاطفة (اكتب) مثل اغفر (لنا) مثل منّا متعلّق ب (اكتب)، (في) حرف جرّ (ها) حرف تنبيه (ذه) اسم إشارة مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق ب (اكتب) «[283]»(الدنيا) بدل من اسم الإشارة- أو عطف بيان- مجرور وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على الألف (حسنة) مفعول به منصوب (الواو) عاطفة في (الآخرة) جارّ ومجرور متعلّق بفعل محذوف يفسّره المذكور اكتب (حسنة) مفعول به عامله الفعل المحذوف منصوب (إنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- و(نا) ضمير في محلّ نصب اسم إنّ (هدنا) فعل ماض مبنيّ على السكون... و(نا) ضمير فاعل (إلى) حرف جرّ و(الكاف) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (هدنا)، (قال) مثل الأول (عذاب) مبتدأ مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على ما قبل الياء و(الياء) ضمير مضاف إليه (أصيب) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا (به) مثل بها متعلّق ب (أصيب) (من) مثل الأول (أشاء) مثل أصيب، ومفعول أشاء محذوف تقديره إصابته (الواو) عاطفة (رحمتي) مثل عذابي، (وسعت) فعل ماض... و(التاء) للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر تقديره هي (كلّ) مفعول به منصوب (شيء) مضاف إليه مجرور (الفاء) عاطفة لربط المسبّب بالسبب (السين) حرف استقبال (أكتب) مثل أصيب و(ها) مفعول به (اللام) حرف جرّ (الذين) موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق ب (أكتبها)، (يتّقون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل (الواو) عاطفة (يؤتون) مثل يتّقون (الزكاة) مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (الذين) مثل الأول ومعطوف عليه (هم) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (بآيات) جارّ ومجرور متعلّق ب (يؤمنون)، و(نا) ضمير مضاف إليه (يؤمنون) مثل يتّقون.
روائع البيان والتفسير
{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ }
-قال البغوي-رحمه الله- في تفسيرها ما نصه:{ وَاكْتُبْ لَنَا } أوجب لنا { فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً }النعمة والعافية، { وَفِي الآخِرَةِ } أي: وفي الآخرة { حَسَنَةً } أي المغفرة والجنة، { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ } أي: تبنا إليك، { قَالَ } الله تعالى: { عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ } من خلقي، { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ }عمت كل شيء، قال الحسن وقتادة: وسعت رحمته في الدنيا البر والفاجر، وهي يوم القيامة للمتقين خاصة. وقال عطية العوفي: وسعت كل شيء ولكن لا تجب إلا للذين يتقون، وذلك أن الكافر يرزق، ويدفع عنه بالمؤمنين لسعة رحمة الله للمؤمنين، فيعيش فيها، فإذا صار إلى الآخرة وجبت للمؤمنين خاصة، كالمستضيء بنار غيره إذا ذهب صاحب السراج بسراجه.اهـ([284])
-وأضاف السعدي- رحمه الله-في تفسيرها بياناً شافياً فقال:{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } من العالم العلوي والسفلي، البر والفاجر، المؤمن والكافر، فلا مخلوق إلا وقد وصلت إليه رحمة اللّه، وغمره فضله وإحسانه، ولكن الرحمة الخاصة المقتضية لسعادة الدنيا والآخرة، ليست لكل أحد، ولهذا قال عنها: { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } المعاصي، صغارها وكبارها.
{ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } الواجبة مستحقيها { وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } ومن تمام الإيمان بآيات اللّه معرفة معناها، والعمل بمقتضاها، ومن ذلك اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، في أصول الدين وفروعه.اهـ([285])
{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)}
إعراب مفردات الآية ([286])
(الذين) بدل من الذين يتقون في محلّ جرّ «[287]»، (يتّبعون) مثل يتّقون (الرسول) مفعول به منصوب (النبيّ) بدل من الرسول- أو نعت له- منصوب (الأميّ) نعت للنبيّ منصوب (الذي) موصول مبنيّ في محلّ نصب نعت ثان للنبيّ (يجدون) مثل يتّقون و(الهاء) ضمير مفعول به(مكتوبا) حال منصوبة من ضمير الغائب في (يجدونه)، (عند) ظرف منصوب متعلّق ب (يجدون) «[288]»، و(هم) ضمير مضاف إليه (في التوراة) جارّ ومجرور متعلّق ب (يجدون) «[289]»، (الواو) عاطفة (الإنجيل) معطوف على التوراة مجرور (يأمر) مضارع مرفوع، والفاعل هو و(هم) ضمير مفعول به (بالمعروف) جارّ ومجرور متعلّق ب (يأمر)، (الواو) عاطفة (ينهاهم) مثل يأمرهم (عن المنكر) جارّ ومجرور متعلّق ب (ينهاهم)، (الواو) عاطفة (يحلّ) مثل يأمر (لهم) مثل لنا متعلّق ب (يحلّ)، (الطيّبات) مفعول به منصوب وعلامة النصب الكسرة (الواو) حرف عطف (يحرّم عليهم الخبائث) مثل يحلّ لهم الطيّبات (الواو) عاطفة (يضع عنهم إصرهم) مثل يحلّ لهم الطّيبات (الواو) عاطفة (الأغلال) معطوفة على إصر منصوب (التي) موصول مبنيّ في محلّ نصب نعت للأغلال (كانت) فعل ماض ناقص- ناسخ- و(التاء) للتأنيث، واسمه ضمير مستتر تقديره هي (على) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر كانت. (الفاء) استئنافيّة (الذين) موصول مبنيّ مبتدأ (آمنوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.والواو ضمير في محلّ رفع فاعل (به) مثل الأول متعلّق ب (آمنوا)، (الواو) عاطفة في المواضع الثلاثة (عزّروا، نصروا، اتّبعوا)، مثله آمنوا و(الهاء) في الفعلين مفعولان (النور) مفعول به منصوب (الذي) مثل التي (أنزل) فعل ماض مبنيّ للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو (معه) ظرف مكان منصوب متعلّق ب (أنزل)، و(الهاء) مضاف إليه (أولئك) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ و(الكاف) حرف خطاب (هم) ضمير فصل «[290]»، (المفلحون) خبر المبتدأ أولئك مرفوع، وعلامة الرفع الواو.
روائع البيان والتفسير
{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
-قال السعدي-رحمه الله –في بيانها إجمالاً ما نصه: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ } احتراز عن سائر الأنبياء، فإن المقصود بهذا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم.
والسياق في أحوال بني إسرائيل وأن الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم شرط في دخولهم في الإيمان، وأن المؤمنين به المتبعين، هم أهل الرحمة المطلقة، التي كتبها اللّه لهم، ووصفه بالأمي لأنه من العرب الأمة الأمية، التي لا تقرأ ولا تكتب، وليس عندها قبل القرآن كتاب.
{ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ } باسمه وصفته، التي من أعظمها وأجلها، ما يدعو إليه، وينهى عنه. وأنه { يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ } وهو كل ما عرف حسنه وصلاحه ونفعه.
{ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ } وهو: كل ما عرف قبحه في العقول والفطر.
فيأمرهم بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والإحسان إلى الجار والمملوك، وبذل النفع لسائر الخلق، والصدق، والعفاف، والبر، والنصيحة، وما أشبه ذلك، وينهى عن الشرك باللّه، وقتل النفوس بغير حق، والزنا، وشرب ما يسكر العقل، والظلم لسائر الخلق، والكذب، والفجور، ونحو ذلك.
فأعظم دليل يدل على أنه رسول اللّه، ما دعا إليه وأمر به، ونهى عنه، وأحله وحرمه، فإنه { يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ } من المطاعم والمشارب، والمناكح.
{ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ } من المطاعم والمشارب والمناكح، والأقوال والأفعال.
{ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } أي: ومن وصفه أن دينه سهل سمح ميسر، لا إصر فيه، ولا أغلال، ولا مشقات ولا تكاليف ثقال.
{ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ } أي: عظموه وبجلوه { وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزلَ مَعَهُ } وهو القرآن، الذي يستضاء به في ظلمات الشك والجهالات، ويقتدى به إذا تعارضت المقالات، { أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } الظافرون بخير الدنيا والآخرة، والناجون من شرهما، لأنهم أتوا بأكبر أسباب الفلاح.اهـ([291])
-وزاد القرطبي-رحمه الله-في بيانها ما مختصره: قوله تعالى: {ويضع عنهم إصرهم} الإصر: الثقل، قال مجاهد وقتادة وابن جبير. والإصر أيضا: العهد، قال ابن عباس والضحاك والحسن. وقد جمعت هذه الآية المعنيين، فإن بني إسرائيل قد كان أخذ عليهم عهد أن يقوموا بأعمال ثقال، فوضع عنهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ذلك العهد وثقل تلك الأعمال، كغسل البول، وتحليل الغنائم، ومجالسة الحائض ومؤاكلتها ومضاجعتها، فإنهم كانوا إذا أصاب ثوب أحدهم بول قرضه. وروي: جلد أحدهم. وإذا جمعوا الغنائم نزلت نار من السماء فأكلتها، وإذا حاضت المرأة لم يقربوها، إلى غير ذلك مما ثبت في الحديث «[292]» الصحيح وغيره.اهـ([293])
-وذكر ابن القيم-رحمه الله- في تفسيرها فوائد جليلة قال بتصرف يسير:
قوله تعالي:{يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ}: إذا كان لا معنى عند نفاة الحكمة عن الرب، والحسن والقبح الفطريين- للمعروف: إلا ما أمر به، فصار معروفا بالأمر فقط، ولا للمنكر: إلا ما نهى عنه. فصار منكرا بنهيه فقط فأي معنى لقوله تعالى:{ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ}.
وهل حاصل ذلك زائد على أن يقال: يأمرهم بما يأمرهم به، وينهاهم عما ينهاهم عنه؟.
وهذا كلام ينزه عنه كلام آحاد العقلاء، فضلا عن كلام رب العالمين.
وهل دلت الآية إلا على أنه أمرهم بالمعروف الذي تعرفه العقول، وتقر بحسنه الفطر، فأمرهم بما هو معروف في نفسه عند كل عقل سليم. ونهاهم عما هو منكر في الطباع والعقول بحيث إذا عرض أمره ونهيه على العقل السليم قبله أعظم قبول، وشهد بحسنه كما قال بعض الأعراب، وقد سئل:
بم عرفت أنه رسول اللّه؟ فقال: ما أمر بشيء فقال العقل: ليته ينهي عنه ولا نهى عن شيء، فقال: ليته أمر به.
فهذا الاعرابي أعرف باللّه ودينه ورسوله من هؤلاء، وقد أقر عقله وفطرته بحسن ما أمر به وقبح ما نهى عنه، حتى كان في حقه من أعلام نبوته وشواهد رسالته.
ولو كان جهة كونه معروفا ومنكرا هو الأمر المجرد لم يكن فيه دليلبل كان يطلب له الدليل من غيره.
ومن سلك ذلك المسلك الباطل لم يمكنه أن يستدل على صحة نبوته بنفس دعوته ودينه.
-وقال-رحمه الله-عن قوله تعالي{ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ }: فهذا صريح في أن الحلال كان طيبا قبل حله. وأن الخبيث كان خبيثا قبل تحريمه. ولم يستفد طيب هذا وخبث هذا من نفس التحليل والتحريم لوجهين اثنين.
أحدهما: أن هذا علم من أعلام نبوته التي احتج اللّه بها على أهل الكتاب فقال { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ، الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ، يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ، وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ، وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُم} فلو كان الطيب والخبيث إنما استفيد من التحريم والتحليل لم يكن في ذلك دليل. فإنه بمنزلة أن يقال: يحل لهم ما يحل، ويحرم عليهم ما يحرم. وهذا أيضا باطل. فإنه لا فائدة فيه وهو الوجه الثاني.
فثبت أنه أحل ما هو طيب في نفسه قبل الحل، فكساه بإحلاله طيبا آخر، فصار منشأ طيبه من الوجهين معا.
فتأمل هذا الموضع حق التأمل يطلعك على أسرار الشريعة، ويشرفك على محاسنها وكمالها وبهجتها وجلالها. وأنه من الممتنع في حكمة أحكم الحاكمين: أن تكون بخلاف ما وردت به. وأن اللّه تعالى منزه عن ذلك، كما يتنزه عن سائر ما يليق به.اهـ ([294])
{قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)}
إعراب مفردات الآية ([295])
(قل) فعل أمر، والفاعل أنت (يا) حرف نداء (أيّ) منادى مفرد علم مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب و(ها) حرف تنبيه (الناس) بدل من أيّ تبعه في الرفع لفظا- أو عطف بيان- (إنّ) حرف مشبّه بالفعل و(الياء) ضمير في محلّ نصب اسم إنّ (رسول) خبر إنّ مرفوع (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (إلى) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (رسول) (جميعا) حال منصوبة من ضمير إليكم (الذي) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو «[296]»، (اللام) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (ملك) مبتدأ مؤخّر مرفوع، (السموات) مضاف إليه مجرور و(الواو) عاطفة (الأرض) معطوف على السموات مجرور (لا) نافية للجنس (إله) اسم لا مبنيّ على الفتح في محلّ نصب (إلّا) أداة استثناء(هو) ضمير منفصل في محلّ رفع بدل من الضمير المستتر في الخبر المحذوف تقديره موجود أو معبود بحقّ «[297]». (يحيي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (الواو) عاطفة (تميت) مثل يحيي (الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر (آمنوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والواو فاعل (باللّه) جارّ ومجرور متعلّق ب (آمنوا)، (الواو) عاطفة (رسول) معطوف على لفظ الجلالة مجرور و(الهاء) ضمير مضاف إليه (النبيّ) بدل من رسول مجرور (الأميّ) نعت للنبيّ مجرور (الذي) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ نعت ثان للنبيّ «[298]»، (يؤمن) مضارع مرفوع، والفاعل هو (باللّه) جارّ ومجرور متعلّق ب (يؤمن)، (الواو) عاطفة (كلمات) معطوف على لفظ الجلالة مجرور و(الهاء) مضاف إليه (الواو) عاطفة (اتّبعوا) مثل آمنوا و(الهاء) ضمير مفعول به (لعلّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- و(كم) ضمير في محلّ نصب اسم لعلّ (تهتدون) مضارع مرفوع... والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير
{قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ }
- قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله-في تفسيرها إجمالاً ما نصه: يقول تعالى ذكره لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: {قل}، يا محمد للناس كلهم{إنّي رسول الله إليكم جميعًا}، لا إلى بعضكم دون بعض، كما كان من قبلي من الرُّسل، مرسلا إلى بعض الناس دون بعض. فمن كان منهم أرسل كذلك، فإن رسالتي ليست إلى بعضكم دون بعض، ولكنها إلى جميعكم.
وقوله: {الذي}، من نعت اسم "الله" وإنما معنى الكلام: قل: يا أيها الناس إني رسول الله، الذي له ملك السموات والأرض، إليكم.
ويعني جل ثناؤه بقوله: {الذي له ملك السموات والأرض}، الذي له سلطان السَّموات والأرض وما فيهما، وتدبير ذلك وتصريفه {لا إله إلا هو}، يقول: لا ينبغي أن تكون الألوهة والعِبادة إلا له جل ثناؤه، دون سائر الأشياء غيره من الأنداد والأوثان، إلا لمن له سلطان كل شيء، والقادر على إنشاء خلق كل ما شاء وإحيائه، وإفنائه إذا شاء إماتته {فآمنوا بالله ورسوله}، يقول جل ثناؤه: قل لهم: فصدِّقوا بآيات الله الذي هذه صفته، وأقِرُّوا بوحدانيته، وأنه الذي له الألوهة والعبادة، وصدقوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنَّه مبعوث إلى خلقه، داع إلى توحيده وطاعته.اهـ([299])
-وأضاف الشنقيطي-رحمه الله-في تفسيره لقوله تعالى:{قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا}
فائدة جليلة قال: هذه الآية الكريمة فيها التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم رسول إلى جميع الناس، وصرح بذلك في آيات كثيرة كقوله: {وما أرسلناك إلا كافة للناس }[34 \ 28]، وقوله:{تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا }[25 \ 1]، وقوله: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده }[11 \ 17]، وقيد في موضع آخر عموم رسالته ببلوغ هذا القرآن، وهو قوله تعالى: {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ} [6 \ 19]، وصرح بشمول رسالته لأهل الكتاب مع العرب بقوله: {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ }[3 \ 20]، إلى غير ذلك من الآيات.اهـ([300])
{النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }
-قال ابن كثير-رحمه الله- في بيانها ما نصه: { النَّبِيِّ الأمِّيِّ } أي: الذي وعدتم به وبشرتم به في الكتب المتقدمة، فإنه منعوت بذلك في كتبهم؛ ولهذا قال: { النَّبِيِّ الأمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ } أي: يصدق قوله عمله، وهو يؤمن بما أنزل إليه من ربه { وَاتَّبِعُوهُ } أي: اسلكوا طريقه واقتفوا أثره، { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } أي: إلى الصراط المستقيم.اهـ([301])
{وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)}
إعراب مفردات الآية ([302])
(الواو) استئنافيّة (من قوم) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (موسى) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة المقدّر على الألف فهو ممنوع من الصرف (أمّة) مبتدأ مؤخّر مرفوع (يهدون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل (بالحقّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من فاعل يهدون أي حال كونكم متلبّسين بالحقّ (الواو) عاطفة (الباء) حرف جرّ (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يعدلون) وهو مثل يهدون.
روائع البيان والتفسير
{وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ }
-قال السعدي –رحمه الله- في تفسيرها ما نصه:{ وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ } أي: جماعة { يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } أي: يهدون به الناس في تعليمهم إياهم وفتواهم لهم، ويعدلون به بينهم في الحكم بينهم، بقضاياهم، كما قال تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } وفي هذا فضيلة لأمة موسى عليه الصلاة والسلام، وأن اللّه تعالى جعل منهم هداة يهدون بأمره.
وكأن الإتيان بهذه الآية الكريمة فيه نوع احتراز مما تقدم، فإنه تعالى ذكر فيما تقدم جملة من معايب بني إسرائيل، المنافية للكمال المناقضة للهداية، فربما توهم متوهم أن هذا يعم جميعهم، فذكر تعالى أن منهم طائفة مستقيمة هادية مهدية.اهـ([303])
{وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)}
إعراب مفردات الآية ([304])
(الواو) استئنافيّة (قطّعنا) فعل ماض مبنيّ على السكون و(نا) ضمير فاعل و(هم) ضمير مفعول به (اثنتي) حال منصوبة من ضمير الغائب في (قطّعناهم)، وعلامة النصب الياء «[305]»، (عشرة) جزء عدديّ لا محلّ له «[306]»، (أسباطا) بدل (من اثنتي) عشرة منصوب مثله (أمما) بدل من (أسباط) منصوب مثله- أو نعت له- (الواو) عاطفة (أوحينا) مثل قطّعنا (إلى موسى) جار ومجرور متعلّق ب (أوحينا)، وعلامة الجرّ الفتحة المقدّرة على الألف (إذ) ظرف للزمن الماضي مبنيّ في محلّ نصب متعلّق ب (أوحينا)، (استسقى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف و(الهاء) ضمير مفعول به (قوم) فاعل مرفوع و(الهاء) مضاف إليه (أن) حرف تفسير «[307]»، (اضرب) فعل أمر، والفاعل أنت (بعصاك) جار ومجرور متعلّق ب (اضرب)، وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على الألف. و(الكاف) مضاف إليه (الحجر) مفعول به منصوب (الفاء) عاطفة (انبجس) فعل ماض و(التاء) تاء التأنيث (من) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (انبجست)، (اثنتا) فاعل مرفوع وعلامة الرفع الألف، وحذفت النون لمشابهة التركيب للإضافة (عشرة) جزء عدديّ لا محلّ له (عينا) تمييز منصوب (قد) حرف تحقيق (علم) فعل ماض (كلّ) فاعل مرفوع (أناس) مضاف إليه مجرور (مشرب) مفعول به منصوب و(هم) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (ظلّلنا) مثل قطّعنا (على) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (ظلّلنا)، (الغمام) مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (أنزلنا. المنّ) مثل ظلّلنا عليهم الغمام (الواو) عاطفة (السلوى) معطوف على المنّ منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف (كلوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون. والواو فاعل (من طيّبات) جارّ ومجرور متعلّق ب (كلوا)، (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه (رزقنا) مثل قطّعنا و(كم) ضمير مفعول به (الواو) استئنافيّة «[308]»،(ما) حرف ناف(ظلموا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ والواو فاعل و(نا) ضمير مفعول به (الواو) عاطفة (لكن)حرف للاستدراك (كانوا) ماض ناقص- ناسخ- والواو اسمه (أنفس) مفعول به مقدّم و(هم) ضمير مضاف إليه (يظلمون) مضارع مرفوع والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير
{وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }
-قال السعدي- رحمه الله- في تفسيرها إجمالاً ما نصه:{ وَقَطَّعْنَاهُمُ } أي: قسمناهم { اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا } أي: اثنتي عشرة قبيلة متعارفة متوالفة، كل بني رجل من أولاد يعقوب قبيلة.
{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ } أي: طلبوا منه أن يدعو اللّه تعالى، أن يسقيهم ماء يشربون منه وتشرب منه مواشيهم، وذلك لأنهم - واللّه أعلم - في محل قليل الماء.
فأوحى اللّه لموسى إجابة لطلبتهم { أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ } يحتمل أنه حجر معين، ويحتمل أنه اسم جنس، يشمل أي حجر كان، فضربه { فَانْبَجَسَتْ } أي: انفجرت من ذلك الحجر { اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا } جارية سارحة.
{ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ } أي: قد قسم على كل قبيلة من تلك القبائل الاثنتي عشرة، وجعل لكل منهم عينا، فعلموها، واطمأنوا، واستراحوا من التعب والمزاحمة، والمخاصمة، وهذا من تمام نعمة اللّه عليهم.
{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ } فكان يسترهم من حر الشمس { وَأَنزلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ } وهو الحلوى، { وَالسَّلْوَى } وهو لحم طير من أنواع الطيور وألذها، فجمع اللّه لهم بين الظلال، والشراب، والطعام الطيب، من الحلوى واللحوم، على وجه الراحة والطمأنينة.
وقيل لهم: { كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا } حين لم يشكروا اللّه، ولم يقوموا بما أوجب اللّه عليهم.
{ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } حيث فوتوها كل خير، وعرضوها للشر والنقمة، وهذا كان مدة لبثهم في التيه.اهـ([309])
{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161)}
إعراب مفردات الآية ([310])
(الواو) استئنافيّة (إذ) اسم ظرفيّ للزمن الماضي في محلّ نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره اذكر (قيل) فعل ماض مبنيّ
للمجهول (اللام) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (قيل)، (اسكنوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والواو فاعل (ها) حرف تنبيه (ذه) اسم إشارة مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (القرية) بدل من اسم الإشارة منصوب (الواو) عاطفة (كلوا) مثل اسكنوا (من) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (كلوا)، (حيث) ظرف مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب متعلّق ب (كلوا)، (شئتم) فعل ماض مبنيّ على السكون..
و(تم) ضمير فاعل (الواو) عاطفة (قولوا) ومثل اسكنوا (حطّة) خبر لمبتدأ محذوف تقديره مسألتنا أو أمرنا (الواو) عاطفة (ادخلوا) مثل اسكنوا (الباب) مفعول به منصوب (سجّدا) حال منصوبة من فاعل ادخلوا (نغفر) مضارع مجزوم جواب الطلب، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن للتعظيم (لكم) مثل لهم متعلّق ب (نغفر)، (خطيئات) مفعول به منصوب وعلامة النصب الكسرة و(كم) ضمير مضاف إليه (السين) حرف استقبال (نزيد) مضارع مرفوع.. والفاعل نحن للتعظيم (المحسنين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ }
- قال أبو جعفر الطبري-رحمه الله-في تفسيرها إجمالاً ما نصه: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر أيضًا، يا محمد، من خطأ فعل هؤلاء القوم، وخلافهِم على ربهم، وعصيانهم نبيَّهم موسى عليه السلام، وتبديلهم القولَ الذي أمروا أن يقولوه حين قال الله لهم: {اسكنوا هذه القرية}، وهي قرية بيت المقدس {فكلوا منها}، يقول: من ثمارها وحبوبها ونباتها{حيث شئتم}، منها، يقول: أنّى شئتم منها{وقولوا حطة}، يقول: وقولوا: هذه الفعلة "حِطّةٌ"، تحطُّ ذنوبنا ({نغفر لكم}، يتغمد لكم ربكم{ذنوبكم}، التي سلفت منكم، فيعفو لكم عنها، فلا يؤاخذكم بها. {سنزيد المحسنين}، منكم، وهم المطيعون لله،على ما وعدتكم من غفران الخطايا.اهـ([311])
{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ (162)}
إعراب مفردات الآية ([312])
(الفاء) عاطفة (بدّل) فعل ماض (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع فاعل (ظلموا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ والواو فاعل (منهم) مثل منها متعلّق بمحذوف حال من فاعل ظلموا (قولا) مفعول به منصوب «[313]»(غير) نعت ل (قولا) منصوب (الذي) موصول في محلّ جرّ مضاف إليه (قيل لهم) مثل الأولى، ونائب الفاعل هو العائد (الفاء) عاطفة (أرسلنا) فعل ماض مبنيّ على السكون... و(نا) ضمير فاعل (على) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (أرسلنا) (رجزا) مفعول به منصوب (من السماء) جارّ ومجرور متعلّق بنعت ل (رجزا)، (الباء) حرف جرّ سببيّ (ما) حرف مصدريّ (كانوا) فعل ماض ناقص- ناسخ- مبنيّ على الضمّ.. والواو ضمير اسم كان (يظلمون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.
والمصدر المؤوّل (ما كانوا...) في محلّ جرّ بالباء متعلّق ب (أرسلنا).
روائع البيان والتفسير
{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ}
-قال السعدي- رحمه الله- في بيانها ما مختصره: { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا } منهم، ولم يقل فبدلوا لأنهم لم يكونوا كلهم بدلوا { قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ }فقالوا بدل حطة: حبة في حنطة، استهانة بأمر الله، واستهزاء وإذا بدلوا القول مع خفته فتبديلهم للفعل من باب أولى وأحرى، ولهذا دخلوا يزحفون على أدبارهم.اهـ([314])
-وأضاف أبو جعفر الطبري- رحمه الله- في بيانها ما نصه: يقول الله تعالى: {فأرسلنا عليهم رجزًا من السماءِ}، بَعثنا عليهم عذابًا، أهلكناهم بما كانوا يغيِّرون ما يؤمرون به، فيفعلون خلاف ما أمرهم الله بفعله، ويقولون غير الذي أمرهم الله بفعله.اهـ([315])
{وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163)}
إعراب مفردات الآية ([316])
(الواو) عاطفة (اسأل) فعل أمر، والفاعل أنت و(هم) ضمير مفعول به (عن القرية) جارّ ومجرور متعلّق ب (اسأل) (التي) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ نعت للقرية (كانت) فعل ماض ناقص ناسخ.. و(التاء) للتأنيث، واسمه ضمير مستتر تقديره هي وهو العائد (حاضرة) خبر كانت منصوب (البحر) مضاف إليه مجرور (إذ) ظرف للزمن الماضي في محلّ نصب متعلّق بحاضرة المشتق (يعدون) مثل يظلمون (في السبت) جارّ ومجرور متعلّق ب (يعدون)، (إذ) مثل الأول متعلّق ب (يعدون)، (تأتي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء و(هم) ضمير مفعول به (حيتان) فاعل مرفوع، و(هم) ضمير مضاف إليه (يوم) ظرف زمان منصوب متعلّق ب (تأتيهم)، (سبت) مضاف إليه مجرور و(هم) مثل الأخير (شرّعا) حال منصوبة من حيتان (الواو) عاطفة (يوم) مثل الأول متعلّق ب (لا تأتيهم)، (لا) حرف نفي (يسبتون) مثل يظلمون (لا) مثل الأول (تأتيهم) مثل الأولى، والفاعل ضمير مستتر تقديره هي (الكاف) حرف جرّ و(ذلك) اسم إشارة مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق ب (نبلوهم) «[317]»، وهو مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الواو.. و(هم) ضمير مفعول به، والفاعل نحن للتعظيم (بما كانوا يفسقون) مثل بما كانوا يظلمون «[318]».
روائع البيان والتفسير
{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }
-قال السعدي- رحمه الله-في تفسيرها ما نصه:{ وَاسْأَلْهُمْ } أي: اسأل بني إسرائيل { عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ } أي: على ساحله في حال تعديهم وعقاب اللّه إياهم.
{ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ } وكان اللّه تعالى قد أمرهم أن يعظموه ويحترموه ولا يصيدوا فيه صيدا، فابتلاهم اللّه وامتحنهم، فكانت الحيتان تأتيهم { يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا } أي: كثيرة طافية على وجه البحر.
{ وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ } أي: إذا ذهب يوم السبت { لا تَأْتِيهِمْ } أي: تذهب في البحر فلا يرون منها شيئا { كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } ففسقهم هو الذي أوجب أن يبتليهم اللّه، وأن تكون لهم هذه المحنة، وإلا فلو لم يفسقوا، لعافاهم اللّه، ولما عرضهم للبلاء والشر، فتحيلوا على الصيد، فكانوا يحفرون لها حفرا، وينصبون لها الشباك، فإذا جاء يوم السبت ووقعت في تلك الحفر والشباك، لم يأخذوها في ذلك اليوم، فإذا جاء يوم الأحد أخذوها، وكثر فيهم ذلك، وانقسموا ثلاث فرق:
معظمهم اعتدوا وتجرؤوا، وأعلنوا بذلك وفرقة أعلنت بنهيهم والإنكار عليهم. وفرقة اكتفت بإنكار أولئك عليهم، ونهيهم لهم.اهـ([319])
{وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)}
إعراب مفردات الآية ([320])
(الواو) عاطفة (إذ) ظرف معطوف على إذ يعدون. «[321]»(قال) فعل ماض (والتاء) للتأنيث (أمّة) فاعل مرفوع (من) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بنعت لأمّة (اللام) حرف جرّ (ما) اسم استفهام مبني في محلّ جرّ متعلّق ب (تعظون) وهو مضارع مرفوع..
والواو فاعل (قوما) مفعول به منصوب (اللّه) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع (مهلك) خبر مرفوع و(هم) ضمير مضاف إليه (أو) حرف عطف (معذّبهم) مثل مهلكهم فهو معطوف عليه (عذابا) مفعول مطلق منصوب عامله معذّب (شديدا) نعت ل (عذابا) منصوب مثله (قالوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. والواو فاعل (معذرة) مفعول مطلق لفعل محذوف منصوب «[322]»، (إلى ربّ) جارّ ومجرور متعلّق ب (معذرة) و(كم) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (لعلّ) حرف مشبّه بالفعل للترجّي- ناسخ- و(هم) ضمير في محلّ نصب اسم لعلّ (يتّقون) مثل تعظون.
روائع البيان والتفسير
{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها:- يخبر تعالى عن أهل هذه القرية أنهم صاروا إلى ثلاث فرق: فرقةارتكبت المحذور، واحتالوا على اصطياد السمك يوم السبت، وفرقة نهت عن ذلك، وأنكرت واعتزلتهم. وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه، ولكنها قالت للمنكرة: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا }؟ أي: لم تنهون هؤلاء، وقد علمتم أنهم هلكوا واستحقوا العقوبة من الله؟ فلا فائدة في نهيكم إياهم. قالت لهم المنكرة: { مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ } قرأ بعضهم بالرفع، كأنه على تقديره: هذا معذرة وقرأ آخرون بالنصب، أي: نفعل ذلك { مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ } أي: فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } يقولون: ولعل بهذا الإنكار يتقون ما هم فيه ويتركونه، ويرجعون إلى الله تائبين، فإذا تابوا تاب الله عليهم ورحمهم.اهـ([323])
{فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165)}
إعراب مفردات الآية ([324])
(الفاء) عاطفة (لمّا) ظرف بمعنى حين متضمّن معنى الشرط مبنيّ في محلّ نصب متعلّق بالجواب أنجينا، (نسوا) فعل ماض مثل قالوا (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (ذكّروا) ماض مبنيّ للمجهول مبنيّ على الضمّ... والواو نائب الفاعل (الباء) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (ذكّروا)، (أنجينا) فعل ماض مبنيّ على السكون.. و(نا) ضمير فاعل (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (ينهون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل (عن السوء) جارّ ومجرور متعلّق ب (ينهون)، (الواو) عاطفة (أخذنا) مثل أنجينا (الذين) مثل الأول (ظلموا) مثل قالوا (بعذاب) جارّ ومجرور متعلّق ب (أخذنا) والباء للتعدية (بئيس) نعت لعذاب مجرور (بما كانوا يفسقون) مرّ إعرابها «[325]».
روائع البيان والتفسير
{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها ما مختصره: قال تعالى: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ } أي: فلما أبى الفاعلون المنكر قبول النصيحة، { أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا } أي: ارتكبوا المعصية { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } فنص على نجاة الناهين وهلاك الظالمين، وسكت عن الساكتين؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فهم لا يستحقون مدحا فيمدحوا، ولا ارتكبوا عظيما فيذموا، ومع هذا فقد اختلف الأئمة فيهم: هل كانوا من الهالكين أو من الناجين؟ على قولين:
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا } قال: هي قرية على شاطئ البحر بين مصر والمدينة، يقال لها: "أيلة"، فحرم الله عليهم الحيتان يوم سبتهم، وكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعًا في ساحل البحر، فإذا مضى يوم السبت لم يقدروا عليها. فمضى على ذلك ما شاء الله، ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم، فنهتهم طائفة وقالوا: تأخذونها وقد حرمها الله عليكم يوم سبتكم؟ فلم يزدادوا إلا غيًا وعتوًا، وجعلت طائفة أخرى تنهاهم، فلما طال ذلك عليهم قالت طائفة من النهاة: تعلمون أن هؤلاء قوم قد حق عليهم العذاب، { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا}وكانوا أشد غضبا لله من الطائفة الأخرى؟ فقالوا: { مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } وكل قد كانوا ينهون، فلما وقع عليهم غضب الله نجت الطائفتان اللتان قالوا: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } والذين قالوا: { مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ } وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان، فجعلهم قردة. اهـ([326])
-وأضاف أبو جعفر الطبري في تفسيرها: {وأخذنا الذين ظلموا}، يقول: وأخذ الله الذين اعتدوا في السبت، فاستحلوا فيه ما حرَّم الله من صيد السمك وأكله، فأحلَّ بهم بأسَه، وأهلكهم بعذاب شديدٍ بئيس بما كانوا يخالفون أمر الله، فيخرجون من طاعته إلى معصيته، وذلك هو "الفسق". اهـ([327])
{فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (166)}
إعراب مفردات الآية ([328])
(الفاء) عاطفة (لمّا عتوا) مثل لمّا نسوا... والبناء على الضمّ مقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين (عن) حرف جرّ (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق ب (عتوا) بتضمينه معنى تكبّروا (نهوا) مثل ذكّروا (عنه) حرف جرّ وضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (نهوا)، (قلنا) مثل أنجينا (اللام) حرف جرّ و(هم) في محلّ جرّ متعلّق ب (قلنا)، (كونوا) فعل أمر ناقص مبنيّ على حذف النون... والواو ضمير في محلّ رفع اسم كن (قردة) خبر كونوا منصوب (خاسئين) خبر ثان منصوب وعلامة النصب الياء «[329]».
روائع البيان والتفسير
{فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ }
-قال القرطبي- رحمه الله-في بيانها ما نصه: قوله تعالى: {فلما عتوا عن ما نهوا عنه} أي فلما تجاوزوا في معصية الله. {قلنا لهم كونوا قردة خاسئين} يقال: خسأته فخسأ، أي باعدته وطردته. ودل على أن المعاصي سببالنقمة: وهذا لا خفاء به. فقيل: قال لهم ذلك بكلام يسمع، فكانوا كذلك. وقيل: المعنى كوناهم قردة.اهـ([330])
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167)}
إعراب مفردات الآية ([331])
(الواو) عاطفة (إذ) اسم ظرفيّ مفعول به لفعل محذوف تقديره اذكر (تأذّن) فعل ماض (ربّ) فاعل مرفوع و(الكاف) ضمير مضاف إليه (اللام) لام القسم «[332]»، (يبعثنّ) مضارع مبنيّ على الفتح في محلّ رفع.. و(النون) نون التوكيد، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (على) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يبعثنّ)، (إلى يوم) جارّ ومجرور متعلّق ب (يبعثنّ) «[333]»، (القيامة) مضاف إليه مجرور (من) اسم موصول «[334]»مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (يسوم) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو- وهو العائد- و(هم) ضمير مفعول به أوّل (سوء) مفعول به ثان منصوب (العذاب) مضاف إليه مجرور (إن) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- (ربّ) اسم إنّ منصوب و(الكاف) مثل الأخير (اللام) هي المزحلقة تفيد التوكيد (سريع) خبر إن مرفوع (العذاب) مضاف إليه مجرور (الواو) عاطفة (إنّ) مثل الأول و(الهاء) ضمير في محلّ نصب اسم إنّ (لغفور) قبل لسريع (رحيم) خبر ثان مرفوع.
روائع البيان والتفسير
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ }
-قال السعدي في تفسيرها ما نصه: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ } أي: أعلم إعلاما صريحا: { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ } أي: يهينهم، ويذلهم.
{ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ } لمن عصاه، حتى إنه يعجل له العقوبة في الدنيا. { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } لمن تاب إليه وأناب، يغفر له الذنوب، ويستر عليه العيوب، ويرحمه بأن يتقبل منه الطاعات، ويثيبه عليها بأنواع المثوبات، وقد فعل اللّه بهم ما أوعدهم به، فلا يزالون في ذل وإهانة، تحت حكم غيرهم، لا تقوم لهم راية، ولا ينصر لهم عَلَمٌ.اهـ([335])
{وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)}
إعراب مفردات الآية ([336])
(الواو) عاطفة (قطّعنا) فعل ماض مبنيّ على الكون.. و(نا) فاعل و(هم) ضمير مفعول به (في الأرض) جارّ ومجرور متعلّق ب (قطّعنا)، (أمما) حال منصوبة من ضمير المفعول في (قطّعناهم) «[337]»، (من) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (الصالحون) مبتدأ مؤخّر مرفوع وعلامة الرفع الواو (الواو) عاطفة (منهم) مثل الأول (دون) ظرف منصوب نعت لموصوف محذوف هو المبتدأ المؤخّر أي ومنهم ناس أو قوم دون ذلك «[338]»
، (ذلك) اسم إشارة مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه. و(للام) للبعد و(الكاف) للخطاب (الواو) عاطفة (بلونا) مثل قطّعنا و(هم) ضمير مفعول به (بالحسنات) جارّ ومجرور متعلّق ب (بلونا)، (الواو) عاطفة (السيّئات) معطوف على الحسنات مجرور (لعلّهم يرجعون) مثل لعلّهم يتّقون «[339]».
روائع البيان والتفسير
{وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }
-قال البغوي- رحمه الله-في بيانها:{ وَقَطَّعْنَاهُمْ } وفرقناهم { فِي الأرْضِ أُمَمًا } فرقا فرقهم الله فتشتت أمرهم ولم تجتمع لهم كلمة، { مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ } قال ابن عباس ومجاهد: يريد الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به { وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ } يعني الذين بقوا على الكفر.
وقال الكلبي: منهم الصالحون هم الذين وراء نهر أوداف من وراء الصينومنهم دون ذلك، يعني: من هاهنا من اليهود، { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ } بالخصب والعافية، { وَالسَّيِّئَاتِ } الجدب والشدة، { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } لكي يرجعوا إلى طاعة ربهم ويتوبوا.اهـ([340])
{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169)}
إعراب مفردات الآية ([341])
(الفاء) عاطفة (خلف) فعل ماض (من بعد) جارّ ومجرور متعلّق ب (خلف)، و(هم) ضمير مضاف إليه (خلف) فاعل مرفوع (ورثوا) فعل ماض وفاعله (الكتاب) مفعول به منصوب (يأخذون) مضارع مرفوع..
والواو فاعل (عرض) مفعول به منصوب (ها) حرف تنبيه (ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه (الأدنى) بدل من اسم الإشارة أو عطف بيان مجرور وعلامة الجر الكسرة المقدّرة على الألف (الواو) عاطفة «[342]»، (يقولون) مثل يأخذون (السين) حرف استقبال (يغفر) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل محذوف يفهم من سياق الكلام والتقدير ما فعلناه (اللام) حرف جرّ و(نا) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يغفر)، (الواو) عاطفة (إن) حرف شرط جازم (يأت) مضارع مجزوم فعل الشرط وعلامة الجزم حذف حرف العلّة و(هم) ضمير مفعول به (عرض) فاعل مرفوع (مثل) نعت لعرض مرفوع و(الهاء) ضمير مضاف إليه (يأخذوا) مضارع مجزوم جواب الشرط وعلامة الجزم حذف النون... والواو فاعل و(الهاء) ضمير مفعول به (الهمزة) للاستفهام التقريريّ (لم) حرف نفي وقلب وجزم (يؤخذ) مضارع مبني للمجهول مجزوم (عليهم) مثل الأول متعلّق ب (يؤخذ) (ميثاق) نائب الفاعل مرفوع (الكتاب) مضاف إليه مجرور (أن) حرف مصدري ونصب (لا) حرف نفي (يقولوا) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون.. والواو فاعل (على اللّه) جارّ ومجرور متعلّق ب (يقولوا)، (إلّا) أداة حصر (الحقّ) مفعول به منصوب.
والمصدر المؤوّل (ألا يقولوا) في محلّ رفع بدل من ميثاق أو عطف بيان «[343]». (الواو) عاطفة (درسوا) مثل ورثوا (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (في) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف صلة ما (الواو) استئنافيّة (الدار) مبتدأ مرفوع (الآخرة) نعت للدار مرفوع مثله (خير) خبر مرفوع (اللام) حرف جرّ (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق ب (خير)، (يتّقون) مثل يأخذون (الهمزة) للاستفهام (الفاء) عاطفة لربط المسبّب بالسبب (لا) نافية (تعقلون) مثل يأخذون.
روائع البيان والتفسير
{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ}
- قال أبو جعفر-رحمه الله-في بيانها ما مختصره وبتصرف: يقول تعالى ذكره: فخلف من بعد هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم "خلف" يعني: خَلف سوء. يقول: حدث بعدهم وخلافَهم، وتبدل منهم، بَدَلُ سَوْءٍ.
ثم قال- رحمه الله-: إن الخلف الذي ذكر الله في هذه الآية أنهم خَلَفوا من قبلهم، هم النصارى.
وذكر ممن قال بذلك: كمجاهد-رحمه الله-ثم أضاف: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالىذكره، إنما وصف أنه خَلَف القومَ الذين قصّ قصصهم في الآيات التي مضت، خَلْف سوءِ رديء، ولم يذكر لنا أنهم نصارى في كتابه، وقصتهم بقصص اليهود أشبه منها بقصص النصارى. وبعدُ، فإن ما قبل ذلك خبرٌ عن بني إسرائيل، وما بعده كذلك، فما بينهما بأن يكون خبرًا عنهم أشبه، إذ لم يكن في الآية دليل على صرف الخبر عنهم إلى غيرهم، ولا جاء بذلك دليل يوجب صحة القول به.
فتأويل الكلام إذًا: فتبدَّل من بعدهم بَدَل سوء، ورثوا كتاب الله فَعُلِّموه،وضيعوا العمل به، فخالفوا حكمه، يُرْشَون في حكم الله، فيأخذون الرشوة فيه من عَرَض هذا العاجل "الأدنى"،يعني ب"الأدنى": الأقرب من الآجل الأبعد. ويقولون إذا فعلوا ذلك: إن الله سيغفر لنا ذنوبنا، تمنِّيًا على الله الأباطيل، كما قال جل ثناؤه فيهم:{ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ }، [سورة البقرة: 79] {وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه}، يقول: وإن شرع لهم ذنبٌ حرامٌ مثله من الرشوة بعد ذلك،أخذوه واستحلوه ولم يرتدعوا عنه. يخبر جل ثناؤه عنهم أنهم أهل إصرار على ذنُوبهم، وليسوا بأهل إنابة ولا تَوْبة.اهـ([344])
{ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها:-: يقول تعالى منكرًا عليهم في صنيعهم هذا، مع ما أخذ عليهم من الميثاق ليبينن الحق للناس، ولا يكتمونه كقوله: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } [آل عمران:187]
وقال ابن جُرَيْج: قال ابن عباس: { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ } قال: فيما يوجبون على الله من غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون فيها، ولا يتوبون منها.
وقوله تعالى: { وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ } يرغبهم تعالى في جزيل ثوابه، ويحذرهم من وبيل عقابه، أي: وثوابي وما عندي خير لمن اتقى المحارم، وترك هوى نفسه، وأقبل على طاعة ربه.
{ أَفَلا تَعْقِلُونَ } يقول: أفليس لهؤلاء الذين اعتاضوا بعَرَض الدنيا عما عندي عقل يردعهم عما هم فيه من السفه والتبذير؟. اهـ([345])
{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)}
إعراب مفردات الآية ([346])
(الواو) استئنافيّة (الذين) موصول في محلّ رفع مبتدأ (يمسّكون) مثل يأخذون «[347]»(بالكتاب) جارّ ومجرور متعلّق ب (يمسّكون)، (الواو) عاطفة (أقاموا) مثل ورثوا «[348]»، (الصلاة) مفعول به منصوب (إنا) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- واسمه (لا) نافية (نضيع) مضارع مرفوع والفاعل نحن للتعظيم (أجر) مفعول به منصوب (المصلحين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ }
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانها ما مختصره: أي: يتمسكون به علما وعملا فيعلمون ما فيه من الأحكام والأخبار، التي علمها أشرف العلوم.
ويعلمون بما فيها من الأوامر التي هي قرة العيون وسرور القلوب، وأفراح الأرواح، وصلاح الدنيا والآخرة.
ومن أعظم ما يجب التمسك به من المأمورات، إقامة الصلاة، ظاهرا وباطنا، ولهذا خصها الله بالذكر لفضلها، وشرفها، وكونها ميزان الإيمان، وإقامتها داعية لإقامة غيرها من العبادات.
ولما كان عملهم كله إصلاحا، قال تعالى: { إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ } في أقوالهم وأعمالهم ونياتهم، مصلحين لأنفسهم ولغيرهم.
وهذه الآية وما أشبهها دلت على أن اللّه بعث رسله عليهم الصلاة والسلام بالصلاح لا بالفساد، وبالمنافع لا بالمضار، وأنهم بعثوا بصلاح الدارين، فكل من كان أصلح، كان أقرب إلى اتباعهم.اهـ([349])
{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)}
إعراب مفردات الآية ([350])
(الواو) عاطفة (إذ) اسم ظرفيّ مفعول به لفعل محذوف تقديره اذكر (نتقنا) فعل ماض مبنيّ على السكون... و(نا) فاعل للتعظيم (الجبل) مفعول به منصوب (فوق) ظرف مكان منصوب متعلّق ب (نتقنا) بتضمينه معنى رفعنا و(هم) ضمير مضاف إليه (كأنّ) حرف مشبّه بالفعل للتشبيه- ناسخ- و(الهاء) ضمير في محلّ نصب اسم كأنّ (ظلّة) خبر مرفوع (الواو) عاطفة- أو حاليّة- (ظنّوا) مثل ورثوا «[351]»، (أنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد و(الهاء) ضمير اسم أنّ (واقع) خبر مرفوع (الباء) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (واقع).والمصدر المؤوّل (أنّه واقع بهم) في محلّ نصب سدّ مسدّ مفعوليّ ظنّ.
(خذوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والواو فاعل (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (آتينا) مثل نتقنا و(كم) ضمير مفعول به (بقوّة) جارّ ومجرور حال من ضمير الخطاب أي مجدّين أو مجتهدين (الواو) عاطفة (اذكروا) مثل خذوا (ما) مثل الأول (في) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف صلة ما (لعلّ) للترجّي حرف مشبّه بالفعل و(كم) ضمير اسم لعلّ (تتّقون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير
{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
-قال السعدي –رحمه الله في تفسيرها: قال تعالى: { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ } حين امتنعوا من قبول ما في التوراة. فألزمهم اللّه العمل ونتق فوق رءوسهم الجبل، فصار فوقهم { كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ } وقيل لهم: { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ } أي: بجد واجتهاد.اهـ ـ([352])
-وأضاف أبو جعفر الطبري -رحمه الله-في بيانها ما نصه: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر، يا محمد، إذ اقتلعنا الجبل فرفعناه فوق بني إسرائيل، كأنه ظلة غمام من الظلال وقلنا لهم: {خذوا ما آتيناكم بقوة}، من فرائضنا، وألزمناكم من أحكام كتابنا، فاقبلوه، اعملوا باجتهاد منكم في أدائه، من غير تقصير ولا توانٍ {واذكروا ما فيه}، يقول ما في كتابنا من العهود والمواثيق التي أخذنا عليكم بالعمل بما فيه {لعلكم تتقون}، يقول: كي تتقوا ربكم، فتخافوا عقابه بترككم العمل به إذا ذكرتم ما أخذ عليكم فيه من المَواثيق.اهـ([353])
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (172)}
إعراب مفردات الآية ([354])
(الواو) عاطفة (إذ أخذ ربّك) مثل إذ تأذّن ربّك «[355]»(من بني) جارّ ومجرور متعلّق ب (أخذ) وعلامة الجر الياء (آدم) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة (من ظهور) جارّ ومجرور متعلّق ب (أخذ) لأنه بدل من المجرور الأول بإعادة الجارّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ مضاف إليه (ذرّيّة) مفعول به منصوب و(هم) مثل الأخير (الواو) عاطفة (أشهد) فعل ماض و(هم) ضمير مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (على أنفس) جارّ ومجرور متعلّق ب (أشهد)، و(هم) مضاف إليه (الهمزة) للاستفهام (لست) فعل ماض جامد ناقص- ناسخ- و(التاء) ضمير اسم ليس (الباء) حرف جرّ زائد (ربّ) مجرور لفظا منصوب محلّا خبر ليس و(كم) ضمير مضاف إليه، (قالوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ...
والواو فاعل (بلى) حرف لإيجاب النفي (شهدنا) فعل ماض مبنيّ على السكون... و(نا) فاعل (أن) حرف مصدري ونصب (وتقولوا) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون... والواو فاعل (يوم) ظرف زمان منصوب متعلّق ب (تقولوا)، (القيامة) مضاف إليه مجرور (إنّا) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- و(نا) ضمير اسم إنّ في محلّ نصب (كنّا) فعل ماض ناقص واسمه (عن) حرف جرّ (ها) حرف تنبيه (ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق ب (غافلين) وهو خبر كنّا منصوب وعلامة النصب الياء.
والمصدر المؤوّل (أن تقولوا) في محلّ نصب مفعول لأجله على حذف مضاف أي خشية أن تقولوا.
روائع البيان والتفسير
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ }
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانها:- يقول تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } أي: أخرج من أصلابهم ذريتهم، وجعلهم يتناسلون ويتوالدون قرنا بعد قرن.
{ و } حين أخرجهم من بطون أمهاتهم وأصلاب آبائهم { أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } أي: قررهم بإثبات ربوبيته، بما أودعه في فطرهم من الإقرار، بأنه ربهم وخالقهم ومليكهم.
قالوا: بلى قد أقررنا بذلك، فإن اللّه تعالى فطر عباده على الدين الحنيف القيم.
فكل أحد فهو مفطور على ذلك، ولكن الفطرة قد تغير وتبدل بما يطرأ عليها من العقائد الفاسدة، ولهذا { قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } أي: إنما امتحناكم حتى أقررتم بما تقرر عندكم، من أن اللّه تعالى ربكم، خشية أن تنكروا يوم القيامة، فلا تقروا بشيء من ذلك، وتزعمون أن حجة اللّه ما قامت عليكم، ولا عندكم بها علم، بل أنتم غافلون عنها لاهون. فاليوم قد انقطعت حجتكم، وثبتت الحجة البالغة للّه عليكم.اهـ([356])
-وذكر الشنقيطي - رحمه الله- فوائد جليلة من الآية فقال ما مختصره:
في هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير معروفان عند العلماء:
أحدهما: أن معنى أخذه ذرية بني آدم من ظهورهم: هو إيجاد قرن منهم بعد قرن، وإنشاء قوم بعد آخرين كما قال تعالى: {كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين} [6 \ 133]، وقال: {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض} [35 \ 39]، وقال: {ويجعلكم خلفاء} [27 \ 62]، ونحو ذلك من الآيات، وعلى هذا القول فمعنى قوله: {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} [7 \ 172]، أن إشهادهم على أنفسهم إنما هو بما نصب لهم من الأدلة القاطعة بأنه ربهم المستحق منهم لأن يعبدوه وحده، وعليه فمعنى قالوا بلى، أي: قالوا ذلك بلسان حالهم لظهور الأدلة عليه، ونظيره من إطلاق الشهادة على شهادة لسان الحال قوله تعالى:{ ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر }[9 \ 17]، أي بلسان حالهم على القول بذلك، وقوله تعالى: {إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد} [100 \ 6، 7] أي: بلسان حاله أيضا على القول بأن ذلك هو المراد في الآية أيضا.
واحتج من ذهب إلى هذا القول بأن الله جل وعلا جعل هذا الإشهاد حجة عليهم في الإشراك به جل وعلا في قوله: {أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم} [7 \ 172، 173]، قالوا: فلو كان الإشهاد المذكور الإشهاد عليهم يوم الميثاق، وهم في صورة الذر لما كان حجة عليهم ; لأنه لا يذكره منهم أحد عند وجوده في الدنيا، وما لا علم للإنسان به لا يكون حجة عليه، فإن قيل: إخبار الرسل بالميثاق المذكور كاف في ثبوته، قلنا:
قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيره:- " الجواب عن ذلك أن المكذبين من المشركين يكذبون بجميع ما جاءتهم به الرسل من هذا وغيره، وهذا جعل حجة مستقلة عليهم، فدل على أنه الفطرة التي فطروا عليها من التوحيد، ولهذا قال: {أن تقولوا }الآية "ـ.اهـ منه بلفظه.
فإذا علمت هذا الوجه الذي ذكرنا في تفسير الآية، وما استدل عليه قائله به من القرآن، فاعلم أن الوجه الآخر في معنى الآية: أن الله أخرج جميع ذرية آدم من ظهور الآباء في صورة الذر، وأشهدهم على أنفسهم بلسان المقال: ألست بربكم قالوا بلى، ثم أرسل بعد ذلك الرسل مذكرة بذلك الميثاق الذي نسيه الكل ولم يولد أحد منهم وهو ذاكر له وإخبار الرسل به يحصل به اليقين بوجوده.
قال مقيده عفا الله عنه: هذا الوجه الأخير يدل له الكتاب والسنة.
أما وجه دلالة القرآن عليه، فهو أن مقتضى القول الأول أن ما أقام الله لهم من البراهين القطعية كخلق السماوات والأرض، وما فيهما من غرائب صنع الله الدالة على أنه الرب المعبود وحده، وما ركز فيهم من الفطرة التي فطرهم عليها - تقوم عليهم به الحجة، ولو لم يأتهم نذير، والآيات القرآنية مصرحة - بكثرة - بأن الله تعالى لا يعذب أحدا حتى يقيم عليه الحجة بإنذار الرسل، وهو دليل على عدم الاكتفاء بما نصب من الأدلة، وما ركز من الفطرة؛ فمن ذلك قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} [17 \ 55]، فإنه قال فيها: حتى نبعث رسولا، ولم يقل حتى نخلق عقولا، وننصب أدلة، ونركز فطرة.
ومن ذلك قوله تعالى:{ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} [17 \ 15]، فصرح بأن الذي تقوم به الحجة على الناس، وينقطع به عذرهم: هو إنذار الرسل لا نصب الأدلة والخلق على الفطرة.
وهذه الحجة التي بعث الرسل لقطعها بينها في " طه " بقوله: {ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى }، وأشار لها في " القصص " بقوله: {ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين }، ومن ذلك أنه تعالى صرح بأن جميع أهل النار قطع عذرهم في الدنيا بإنذار الرسل، ولم يكتف في ذلك بنصب الأدلة، كقوله تعالى:{كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير} [67 \ 8، 9]، وقوله تعالى: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين} [39 \ 71]، ومعلوم أن لفظة: كلما، في قوله: {كلما ألقي فيها فوج}، صيغة عموم، وأن لفظة: الذين، في قوله: وسيق الذين كفروا، صيغة عموم أيضا ; لأن الموصول يعم كل ما تشمله صلته.
وأما السنة: فإنه قد دلت أحاديث كثيرة ([357]) على أن الله أخرج ذرية آدم في صورة الذر فأخذ عليهم الميثاق كما ذكر هنا..اهـ([358])
{أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)}
إعراب مفردات الآية ([359])
(أو) حرف عطف (تقولوا) مثل السابق «[360]»فهو معطوف عليه (إنما) كافّة ومكفوفة (أشرك) فعل ماض (آباء) فاعل مرفوع (نا) ضمير مضاف إليه (من) حرف جرّ (قبل) اسم مبنيّ على الضمّ في محلّ جرّ متعلّق ب (أشرك) (الواو) عاطفة (كنّا) مثل السابق «[361]»، (ذريّة) خبر منصوب (من بعد) جارّ ومجرور متعلّق بنعت لذرّيّة و(هم) ضمير مضاف إليه (الهمزة) للاستفهام (الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر، وهي متأخّرة من تقديم (تهلك) مضارع مرفوع و(نا) ضمير مفعول به، والفاعل أنت (الباء) حرف جرّ للسبب (ما) حرف مصدري (فعل المبطلون) فعل ماض وفاعله وعلامة رفعه الواو.
روائع البيان والتفسير
{أوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ }
-قال البغوي-رحمه الله-في تفسيرها: قوله تعالى: { أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ } يقول: إنما أخذ الميثاق عليكم لئلا تقولوا أيها المشركون: إنما أشرك آباؤنا من قبل ونقضوا العهد وكنا ذرية من بعدهم، أي كنا أتباعا لهم فاقتدينا بهم، فتجعلوا هذا عذرا لأنفسكم وتقولوا: { أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ } أفتعذبنا بجناية آبائنا المبطلين، فلا يمكنهم أن يحتجوا بمثل هذا الكلام بعد تذكير الله تعالى بأخذ الميثاق على التوحيد.اهـ([362])
-وزاد السعدي في بيان قوله تعالي: { أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ }فقال-رحمه الله-: فقد أودع اللّه في فطركم، ما يدلكم على أن ما مع آبائكم باطل، وأن الحق ما جاءت به الرسل، وهذا يقاوم ما وجدتم عليه آباءكم، ويعلو عليه.
نعم قد يعرض للعبد من أقوال آبائه الضالين، ومذاهبهم الفاسدة ما يظنه هو الحق، وما ذاك إلا لإعراضه، عن حجج اللّه وبيناته، وآياته الأفقية والنفسية، فإعراضه عن ذلك، وإقباله على ما قاله المبطلون، ربما صيره بحالة يفضل بها الباطل على الحق، هذا هو الصواب في تفسير هذه الآيات.
وقد قيل: إن هذا يوم أخذ اللّه الميثاق على ذرية آدم، حين استخرجهم من ظهره وأشهدهم على أنفسهم، فشهدوا بذلك، فاحتج عليهم بما أقروا به في ذلك الوقت على ظلمهم في كفرهم، وعنادهم في الدنيا والآخرة، ولكن ليس في الآية ما يدل على هذا، ولا له مناسبة، ولا تقتضيه حكمة اللّه تعالى، والواقع شاهد بذلك.
فإن هذا العهد والميثاق، الذي ذكروا، أنه حين أخرج اللّه ذرية آدم من ظهره، حين كانوا في عالم كالذر، لا يذكره أحد، ولا يخطر ببال آدمي، فكيف يحتج اللّه عليهم بأمر ليس عندهم به خبر، ولا له عين ولا أثر؟".اهـ([363])
{وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)}
إعراب مفردات الآية ([364])
(الواو) استئنافيّة (الكاف) حرف جرّ «[365]»، (ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف مفعول مطلق عامله نفصّل «[366]»، (نفصّل) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن للتعظيم (الآيات) مفعول به منصوب وعلامة النصب الكسرة (الواو) عاطفة (لعلّهم يرجعون) مثل لعلّكم تتّقون «[367]».
روائع البيان والتفسير
{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }
- قال أبو جعفر الطبري –رحمه الله-في تفسيرها ما نصه: يقول تعالى ذكره: وكما فصلنا يا محمد لقومك آيات هذه السورة، وبيّنا فيها ما فعلنا بالأمم السالفة قبلَ قومك، وأحللنا بهم من المَثُلات بكفرهم وإشراكهم في عبادتي غيري، كذلك نفصل الآيات غيرِها ونبيّنها لقومك، لينزجروا ويرتدعوا، فينيبوا إلى طاعتي ويتوبوا من شركهم وكفرهم، فيرجعوا إلى الإيمان والإقرار بتوحيدي وإفراد الطاعة لي وترك عبادة ما سواي.اهـ([368])
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175)}
إعراب مفردات الآية ([369])
(الواو) استئنافيّة (اتل) فعل أمر مبنيّ على حذف حرف العلّة، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (على) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (اتل)، (نبأ) مفعول به منصوب (الذي) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه (آتينا) فعل ماض مبنيّ على السكون... و(نا) ضمير فاعل و(الهاء) ضمير مفعول به أوّل) آيات) مفعول به ثان منصوب وعلامة النصب الكسرة و(نا) ضمير مضاف إليه (الفاء) عاطفة (انسلخ) فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (من) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (انسلخ)، (فأتبع) مثل فانسلخ و(الهاء) ضمير مفعول به (الشيطان) فاعل مرفوع (الفاء) عاطفة (كان) فأفعل ماض ناقص- ناسخ- واسمه ضمير مستتر تقديره هو (من الغاوين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر كان، وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ }
-قال السعدي- رحمه الله في تفسيرها ما نصه: يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا }أي: علمناه كتاب اللّه، فصار العالم الكبير والحبر النحرير.
{ فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ } أي: انسلخ من الاتصاف الحقيقي بالعلم بآيات اللّه، فإن العلم بذلك، يصير صاحبه متصفا بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويرقى إلى أعلى الدرجات وأرفع المقامات، فترك هذا كتاب اللّه وراء ظهره، ونبذ الأخلاق التي يأمر بها الكتاب، وخلعها كما يخلع اللباس.
فلما انسلخ منها أتبعه الشيطان، أي: تسلط عليه حين خرج من الحصن الحصين، وصار إلى أسفل سافلين، فأزه إلى المعاصي أزا.
{ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ } بعد أن كان من الراشدين المرشدين.اهـ([370])
{وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)}
إعراب مفردات الآية ([371])
(الواو) عاطفة (لو) حرف شرط غير جازم (شئنا) مثل آتينا (اللام) واقعة في جواب لو (رفعناه) مثل آتيناه (بها) مثل منها متعلّق ب (رفعنا)، (الواو) عاطفة (لكنّ) حرف مشبّه بالفعل للاستدراك- ناسخ- و(الهاء) ضمير في محلّ نصب اسم لكنّ (اخلد) مثل انسلخ (إلى الأرض) جارّ ومجرور متعلّق ب (أخلد)، (الواو) عاطفة (اتّبع) مثل نسلخ (هوى) مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف و(الهاء) ضمير مضاف إليه (الفاء) عاطفة (مثل) مبتدأ مرفوع و(الهاء) مثل الأخير (الكاف) حرف جرّ «[372]»، (مثل) مجرور بالكاف متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ (الكلب) مضاف إليه مجرور (إن) حرف شرط جازم (تحمل) مضارع مجزوم فعل الشرط، والفاعل أنت (عليه) مثل عليهم متعلّق ب (تحمل)، (يلهث) مثل تحمل جواب الشرط (أو) حرف عطف (تتركه يلهث) مثل تحمل... يلهث، و(الهاء) مفعول به (ذلك) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ... و(اللام) للبعد و(الكاف) للخطاب، والاشارة إلى المثل (مثل) خبر مرفوع (القوم) مضاف إليه مجرور (الذين) موصول في محلّ جرّ نعت للقوم (كذّبوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ... والواو فاعل (بآيات) جارّ ومجرور متعلّق به (كذّبوا)، و(نا) ضمير مضاف إليه (الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر (اقصص)، فعل أمر، والفاعل أنت (القصص) مفعول به منصوب (لعلّهم يتفكّرون) مثل لعلّكم تتّقون «[373]»
روائع البيان والتفسير
{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ }
-قال السعدي- رحمه الله –في بيانها:{ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } بأن نوفقه للعمل بها، فيرتفع في الدنيا والآخرة، فيتحصن من أعدائه.
{ وَلَكِنَّهُ } فعل ما يقتضي الخذلان، فَأَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ، أي: إلى الشهوات السفلية، والمقاصد الدنيوية. { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } وترك طاعة مولاه، { فَمَثَلُهُ } في شدة حرصه على الدنيا وانقطاع قلبه إليها، { كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ } أي: لا يزال لاهثا في كل حال، وهذا لا يزال حريصا، حرصا قاطعا قلبه، لا يسد فاقته شيء من الدنيا.اهـ([374])
-وأضاف الشنقيطي- رحمه الله- في بيانها مل نصه: ضرب الله تعالى المثل لهذا الخسيس الذي آتاه آياته فانسلخ منها - بالكلب، ولم تكن حقارة الكلب مانعة من ضربه تعالى المثل به، وكذلك ضرب المثل بالذباب في قوله:{ يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب} [22 \ 73]، وكذلك ضرب المثل ببيت العنكبوت في قوله: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون} [29 \ 41]، وكذلك ضرب المثل بالحمار في قوله: {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين} [62 \ 5]، وهذه الآيات تدل على أنه تعالى لا يستحي من بيان العلوم النفيسة عن طريق ضرب الأمثال بالأشياء الحقيرة، وقد صرح بهذا المدلول في قوله: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها}.اهـ([375])
-وذكر ابن القيم في تفسيرها فائدة جليلة قال-رحمه الله- ما مختصره: فشبه سبحانه من آتاه كتابه، وعلمه العلم الذي منعه غيره. فترك العمل به واتبع هواه، وآثر سخط اللّه على رضاه، ودنياه على آخرته، والمخلوق على الخالق: بالكلب الذي هو من أخس الحيوانات، وأوضعها قدرا، وأخسها نفسا. وهمته لا تتعدى بطنه. وأشدها شرها وحرصا. ومن حرصه: أنه لا يمشي إلا وخطمه في الأرض يتشمم، ويستروح حرصا وشرها. ولا يزال يشم دبره دون سائر أجزاء جسمه وإذا رميت إليه بحجر رجع إليه ليعضه من فرط نهمته. وهو من أمهن الحيوانات وأحملها للهوان، وأرضاها بالدنايا والجيف القذرة المروحة أحب إليه من اللحم، والعذرة أحب إليه من الحلوى. وإذا ظفر بميتة تكفي مائة كلب لم يدع كلبا يتناول معه منها شيئا إلّا هرّ عليه وقهره، لحرصه وبخله وشرهه.
ومن عجيب أمره وحرصه: أنه إذا رأى ذا هيئة رثة وثياب دنية، وحال زريّة نبحه، وحمل عليه، كأنه يتصور مشاركته له، ومنازعته في قوته. وإذا رأى ذا هيئة وثياب جميلة ورئاسة: وضع له خطمه بالأرض، وخضع له، ولم يرفع إليه رأسه.
وفي تشبيه من آثر الدنيا وعاجلها على اللّه والدار الآخرة مع وفور علمه: بالكلب في حال لهثه: سر بديع. وهو أن هذا الذي حاله ما ذكره اللّه من انسلاخه من آياته واتباعه هواه: إنما كان لشدة لهفه على الدنيا. لانقطاع قلبه عن اللّه والدار الآخرة. فهو شديد اللهف عليها، ولهفه نظير لهف الكلب الدائم في حال إزعاجه وتركه. واللهف واللهث شقيقان وأخوان في اللفظ والمعنى.
قال ابن جريج: الكلب منقطع الفؤاد، لا فؤاد له: إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث. فهو مثل الذي يترك الهدى، لا فؤاد له إنما فؤاده منقطع.
قلت: مراده بانقطاع فؤاده: أنه ليس له فؤاد يحمله على الصبر وترك اللهث وهكذا هذا الذي انسلخ من آيات اللّه، لم يبق معه فؤاد يحمله على الصبر عن الدنيا، وترك اللهف عليها. فهذا يلهث على الدنيا من قلة صبره عنها. وهذا يلهث من قلة صبره عن الماء. فالكلب من أقل الحيوانات صبرا عن الماء، وإذا عطش أكل الثرى من العطش، وإن كان فيه صبر على الجوع. وعلى كل حال فهو أشد الحيوانات لهثا: يلهث قائما، وقاعدا، وماشيا، وواقفا. وذلك لشدة حرصه، فحرارة الحرص في كبده توجب له دوام اللهث.
فهكذا مشبهه: شدة الحرص وحرارة الشهوة في قلبه توجب له دوام اللهث فإن حملت عليه بالموعظة والنصيحة فهو يلهث، وإن تركته ولم تعظه فهو يلهث.اهـ([376])
{ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }
وقيل: هذا مثل لكفار مكة وذلك أنهم كانوا يتمنون هاديا يهديهم ويدعوهم إلى طاعة الله، فلما جاءهم نبي لا يشكّون في صدقه كذّبوه فلم يهتدوا تُركوا أو دُعوا. -قاله البغوي-رحمه الله- في تفسيره: اهـ([377])
{ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (177)}
إعراب مفردات الآية ([378])
(ساء) فعل ماض لإنشاء الذمّ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره هو وقد جاء مميّزا بكلمة (مثلا) وهو تمييز منصوب (القوم) خبر لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره هو، وذلك على حذف مضاف أي مثل القوم «[379]»، (الذين) موصول مبنيّ في محلّ رفع نعت للقوم (كذّبوا بآياتنا) مرّ إعرابها «[380]»»، (الواو) عاطفة (أنفس) مفعول به مقدّم منصوب عامله يظلمون و(هم) ضمير مضاف إليه (كانوا) فعل ماض ناقص واسمه (يظلمون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير
{سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله- في بيانها إجمالاً ما نصه: يقول تعالى ساء مثلا مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا، أي: ساء مثلهم أن شبهوا بالكلاب التي لا همة لها إلا في تحصيل أكلة أو شهوة، فمن خرج عن حَيِّز العلم والهدى وأقبل على شهوة نفسه، واتبع هواه، صار شبيها بالكلب، وبئس المثل مثله؛ ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه" ([381])
وقوله: { وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ } أي: ما ظلمهم الله، ولكن هم ظلموا أنفسهم، بإعراضهم عن اتباع الهدى، وطاعة المولى، إلى الركون إلى دار البلى، والإقبال على تحصيل اللذات وموافقة الهوى.اهـ([382])
-وزاد السعدي- رحمه الله-في بيانها فقال: أي: ساء وقبح، مثل من كذب بآيات اللّه، وظلم نفسه بأنواع المعاصي، فإن مثلهم مثل السوء، وهذا الذي آتاه اللّه آياته، يحتمل أن المراد به شخص معين، قد كان منه ما ذكره اللّه، فقص اللّه قصته تنبيها للعباد. ويحتمل أن المراد بذلك أنه اسم جنس، وأنه شامل لكل من آتاه اللّه آياته فانسلخ منها.اهـ([383])
{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (178)}
إعراب مفردات الآية ([384])
(من) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ نصب مفعول به مقدّم (يهد) مضارع مجزوم فعل الشرط (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (الفاء) رابطة لجواب الشرط (هو) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (المهتدي) خبر مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء (الواو) عاطفة (من يضلل) مثل من يهد، والفاعل هو (الفاء) رابطة لجواب الشرط (أولئك) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ.. و(الكاف) حرف خطاب (هم) ضمير فصل «[385]»، (الخاسرون) خبر أولئك مرفوع وعلامة الرفع الواو.
روائع البيان والتفسير
{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }
-قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله-: يقول تعالى ذكره: الهداية والإضلال بيد الله، و"المهتدي" وهو السالك سبيل الحق، الراكبُ قصدَ المحجّة في دينه، مَن هداه الله لذلك، فوفَّقه لإصابته. والضالُّ من خذله الله فلم يوفقه لطاعته، ومن فعل الله ذلك به فهو "الخاسر": يعني الهالك.اهـ([386])
-وزد ابن كثير- رحمه الله- في بيانها فقال: من هداه الله فإنه لا مضل له، ومن أضله فقد خاب وخسر وضل لا محالة، فإنه تعالى ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن؛ ولهذا جاء في حديث ابن مسعود: "إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه([387]) ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"([388]).اهـ([389])
{وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (179)}
إعراب مفردات الآية ([390])
(الواو) استئنافيّة (اللام) لام القسم لقسم مقدّر (قد) حرف تحقيق (ذرأنا) فعل ماض مبنيّ على السكون و(نا) ضمير فاعل (لجهنّم) جارّ ومجرور متعلّق ب (ذرأنا)، وعلامة الجرّ الفتحة (كثيرا) مفعول به منصوب (من الجنّ) جارّ ومجرور متعلّق بنعت ل (كثيرا)، (الواو) عاطفة (الإنس) معطوف على الجنّ مجرور (اللام) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (قلوب) مبتدأ مؤخّر مرفوع (لا) نافية (يفقهون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل (الباء) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يفقهون)، (الواو) عاطفة (لهم أعين لا يبصرون بها) مثل لهم قلوب... (الواو) عاطفة (لهم آذان لا يسمعون بها) مثل لهم قلوب.. (أولئك) مثل السابق «[391]»، (كالأنعام) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر أولئك (بل) حرف إضراب وابتداء (هم) ضمير منفصل مبتدأ في محلّ رفع (أضلّ) خبر مرفوع (أولئك هم الغافلون) مرّ إعراب نظيرها «[392]».
روائع البيان والتفسير
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانها: في بيانها إجمالاً ما نصه:- يقول تعالى مبينا كثرة الغاوين الضالين، المتبعين إبليس اللعين: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا } أي: أنشأنا وبثثنا { لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ } صارت البهائم أحسن حالة منهم.
{ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا } أي: لا يصل إليها فقه ولا علم، إلا مجرد قيام الحجة.
{ وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا } ما ينفعهم، بل فقدوا منفعتها وفائدتها.
{ وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا } سماعا يصل معناه إلى قلوبهم.
{ أُولَئِكَ } الذين بهذه الأوصاف القبيحة { كَالأنْعَامِ } أي: البهائم، التي فقدت العقول، وهؤلاء آثروا ما يفنى على ما يبقى، فسلبوا خاصية العقل.
{ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } من البهائم، فإن الأنعام مستعملة فيما خلقت له، ولها أذهان، تدرك بها، مضرتها من منفعتها، فلذلك كانت أحسن حالا منهم.
{ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } الذين غفلوا عن أنفع الأشياء، غفلوا عن الإيمان باللّه وطاعته وذكره.
خلقت لهم الأفئدة والأسماع والأبصار، لتكون عونا لهم على القيام بأوامر اللّه وحقوقه، فاستعانوا بها على ضد هذا المقصود.
فهؤلاء حقيقون بأن يكونوا ممن ذرأ اللّه لجهنم وخلقهم لها، فخلقهم للنار، وبأعمال أهلها يعملون.
وأما من استعمل هذه الجوارح في عبادة اللّه، وانصبغ قلبه بالإيمان باللّه ومحبته، ولم يغفل عن اللّه، فهؤلاء، أهل الجنة، وبأعمال أهل الجنة يعملون.اهـ([393])
-وزاد ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها فقال:- وقوله تعالى: { أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ } أي: هؤلاء الذين لا يسمعون الحق ولا يعونه ولا يبصرون الهدى، كالأنعام السارحة التي لا تنتفع (1) بهذه الحواس منها إلا في الذي يعيشها من ظاهر الحياة الدنيا كما قال تعالى: { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } [البقرة:171] أي: ومثلهم -في حال دعائهم إلى الإيمان -كمثل الأنعام إذا دعاها راعيها لا تسمع إلا صوته، ولا تفقهما يقول؛ ولهذا قال في هؤلاء: { بَلْ هُمْ أَضَلُّ } أي: من الدواب؛ لأن الدواب قد تستجيب مع ذلك لراعيها إذا أبس بها، وإن لم تفقه كلامه، بخلاف هؤلاء؛ ولأن الدواب تفقهما خلقت له إما بطبعها وإما بتسخيرها، بخلاف الكافر فإنه إنما خلق ليعبد الله ويوحده، فكفر بالله وأشرك به؛ ولهذا من أطاع الله من البشر كان أشرف من مثله من الملائكة في معاده، ومن كفر بهمن البشر، كانت الدواب أتم منه؛ ولهذا قال تعالى: { أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }.اهـ([394])
{وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (180)}
إعراب مفردات الآية ([395])
(الواو) استئنافيّة (للّه) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (الأسماء) مبتدأ مؤخّر مرفوع (الحسنى) نعت للأسماء مرفوع، وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف (الفاء) عاطفة لربط المسبّب بالسبب (ادعوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والواو فاعل و(الهاء) ضمير مفعول به (الباء) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (ادعوه)، (الواو) عاطفة (ذروا) مثل ادعوا (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (يلحدون) مضارع مرفوع... والواو فاعل (في أسماء) جارّ ومجرور متعلّق ب (يلحدون)، و(الهاء) مضاف إليه (السين) حرف استقبال (يجزون) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع.. والواو نائب الفاعل (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به على حذف مضاف أي جزاء ما كانوا... (كانوا) فعل ماض ناقص، واسمه (يعملون) مثل يلحدون.
روائع البيان والتفسير
{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانها ما نصه: هذا بيان لعظيم جلاله وسعة أوصافه، بأن له الأسماء الحسنى، أي: له كل اسم حسن، وضابطه: أنه كل اسم دال على صفة كمال عظيمة، وبذلك كانت حسنى، فإنها لو دلت على غير صفة، بل كانت علما محضا لم تكن حسنى، وكذلك لو دلت على صفة ليست بصفة كمال، بل إما صفة نقص أو صفة منقسمة إلى المدح والقدح، لم تكن حسنى، فكل اسم من أسمائه دال على جميع الصفة التي اشتق منها، مستغرق لجميع معناها.
وذلك نحو { العليم } الدال على أن له علما محيطا عاما لجميع الأشياء، فلا يخرج عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
و { كالرحيم } الدال على أن له رحمة عظيمة، واسعة لكل شيء.
و { كالقدير } الدال على أن له قدرة عامة، لا يعجزها شيء، ونحو ذلك.
ومن تمام كونها "حسنى" أنه لا يدعى إلا بها، ولذلك قال: { فَادْعُوهُ بِهَا } وهذا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة، فيدعى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب، فيقول الداعي مثلا اللّهم اغفر لي وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم، وتب عَلَيَّ يا تواب، وارزقني يا رزاق، والطف بي يا لطيف ونحو ذلك.اهـ([396])
{ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
-قال الشنقيطي-رحمه الله-في بيانها ما نصه: هدد تعالى في هذه الآية الذين يلحدون في أسمائه بتهديدين:
الأول: صيغة الأمر في قوله: {وذروا} فإنها للتهديد.
والثاني: في قوله: {سيجزون ما كانوا يعملون}، وهدد الذين يلحدون في آياته في سورة حم «السجدة» بأنهم لا يخفون عليه في قوله:{إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا }، ثم أتبع ذلك بقوله: {أفمن يلقى في النار} الآية، وأصل الإلحاد في اللغة: الميل، ومنه اللحد في القبر، ومعنى إلحادهم في أسمائه هو ما كاشتقاقهم اسم اللات من اسم الله، واسم العزى من اسم العزيز، واسم مناة من المنان، ونحو ذلك. والعرب تقول لحد وألحد بمعنى واحد، وعليهما القراءتان يلحدون بفتح الياء والحاء من الأول، وبضمها وكسر الحاء من الثاني.اهـ([397])
{وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)}
إعراب مفردات الآية ([398])
(الواو) استئنافيّة (من) حرف جرّ (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم «[399]» (خلقنا) فعل ماض وفاعله (أمّة) مبتدأ مؤخّر مرفوع (يهدون) مضارع مرفوع والواو فاعل (بالحقّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من فاعل يهدون (الواو) عاطفة (الباء) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يعدلون) ويعرب مثل يهدون.
روائع البيان والتفسير
{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها ما مختصره: يقول تعالى: { وَمِمَّنْ خَلَقْنَا } أي: ومن الأمم { أُمًّةٌ } قائمة بالحق، قولا وعملا { يَهْدُونَ بِالْحَقِّ } يقولونه ويدعون إليه، { وَبِهِ يَعْدِلُونَ } يعملون ويقضون.
وقد جاء في الآثار: أن المراد بهذه الأمة المذكورة في الآية، هي هذه الأمة المحمدية.
ثم قال- رحمه الله-:
وفي الصحيحين، عن معاوية بن أبي سفيان([400]) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى تقوم الساعة([401]) -وفي رواية -: حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك([402])اهـ([403])
و{الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (182)}
إعراب مفردات الآية ([404])
(الواو) استئنافيّة (الذين) موصول في محلّ رفع مبتدأ (كذّبوا) فعل ماض وفاعله (بآيات) جارّ ومجرور متعلّق ب (كذّبوا)، و(نا) ضمير مضاف إليه (السين) حرف استقبال (نستدرج) مضارع مرفوع، والفاعل نحن للتعظيم و(هم) ضمير مفعول به (من) حرف جرّ (حيث) اسم ظرفيّ مبنيّ على الضمّ في محلّ جرّ متعلّق ب (نستدرج)، (لا) نافية (يعلمون) مضارع مرفوع... والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير
{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ }
- قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله في تفسيره للآية ما مختصره: يقول تعالى ذكره: والذين كذبوا بأدلتنا وأعلامِنا، فجحدوها ولم يتذكروا بها، سنمهله بغِرَّته ونزين له سوء عمله، حتى يحسب أنه فيما هو عليه من تكذيبه بآيات الله إلى نفسه محسن، وحتى يبلغ الغايةَ التي كُتِبَتْ له من المَهَل، ثم يأخذه بأعماله السيئة، فيجازيه بها من العقوبة ما قد أعدَّ له. وذلك استدراج الله إياه.
وأصل "الاستدراج" اغترارُ المستدرَج بلطف من استدرجه حيث يرى المستدرَج أن المستدرِج إليه محسنٌ، حتى يورِّطه مكروهًا.اهـ([405])
-وأضاف ابن كثير-رحمه الله- في تفسيرها إجمالاً: ومعناه: أنه يفتح لهم أبواب الرزق ووجوه المعاش في الدنيا، حتى يغتروا بما هم فيه ويعتقدواأنهم على شيء، كما قال تعالى: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الأنعام:44، 45].اهـ([406])
{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)}
إعراب مفردات الآية ([407])
(الواو) عاطفة (أملي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّر على الياء، والفاعل أنا (اللام) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (أملي)، (إنّ) حرف مشبهة بالفعل- ناسخ- (كيدي) اسم إن منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على ما قبل الياء و(الياء) في محلّ جرّ مضاف إليه (متين) خبر إنّ مرفوع.
روائع البيان والتفسير
{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ }
{ وَأُمْلِي لَهُمْ } أي: أُمْهِلُهُم حتى يظنوا أنهم لا يؤخذون ولا يعاقبون، فيزدادون كفرا وطغيانا، وشرا إلى شرهم، وبذلك تزيد عقوبتهم، ويتضاعف عذابهم، فيضرون أنفسهم من حيث لا يشعرون، ولهذا قال: { إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } أي: قوي بليغ.-قاله السعدي-رحمه الله- في تفسيره.اهـ([408])
{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)}
إعراب مفردات الآية ([409])
(الهمزة) للاستفهام الإنكاريّ (الواو) عاطفة (لم) حرف نفي وجزم وقلب (يتفكّروا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون...
والواو فاعل (ما) حرف نفي «[410]»، (بصاحب) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدّم و(هم) ضمير مضاف إليه (من) حرف جرّ زائد (جنّة) مجرور لفظا مرفوع محلّا مبتدأ مؤخّر (إن) حرف نفي (هو) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (إلّا) اداة حصر (نذير) خبر مرفوع (مبين) نعت لنذير مرفوع.
روائع البيان والتفسير
{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ }
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانها: { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ } محمد صلى الله عليه وسلم { مِنْ جِنَّةٍ } أي: أَوَ لَمْ يُعْمِلُوا أفكارهم، وينظروا: هل في صاحبهم الذي يعرفونه ولا يخفى عليهم من حاله شيء، هل هو مجنون؟ فلينظروا في أخلاقه وهديه، ودله وصفاته، وينظروا في ما دعا إليه، فلا يجدون فيه من الصفات إلا أكملها، ولا من الأخلاق إلا أتمها، ولا من العقل والرأي إلا ما فاق به العالمين، ولا يدعو إلا لكل خير، ولا ينهى إلا عن كل شر.
أفبهذا يا أولي الألباب من جنة؟ أم هو الإمام العظيم والناصح المبين، والماجد الكريم، والرءوف الرحيم؟ ولهذا قال: { إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ } أي: يدعو الخلق إلى ما ينجيهم من العذاب، ويحصل لهم الثواب.اهـ([411])
{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)}
إعراب مفردات الآية ([412])
(أو لم ينظروا) مثل أو لم يتفكّروا (في ملكوت) جارّ ومجرور متعلّق ب (ينظروا)، (السموات) مضاف إليه مجرور (الواو) عاطفة (الأرض) معطوفة على السموات مجرور (الواو) عاطفة (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ معطوف على ملكوت (خلق) فعل ماض (اللّه) لفظ الجلالة مرفوع (من شيء) جارّ ومجرور تمييز (ما) «[413]»، (الواو) عاطفة (أن) مخفّفة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف (عسى) فعل ماض تام (أن) حرف مصدريّ ونصب (يكون) مضارع ناقص- ناسخ- منصوب، واسمه ضمير الشأن محذوف «[414]»، (قد) حرف تحقيق (اقترب) فعل ماض (أجل) فاعل مرفوع و(هم) ضمير مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل (أن عسى...) من المخفّفة واسمها وخبرها في محلّ جرّ معطوف على ملكوت أي في أنّه عسى كونه اقترب...
والمصدر المؤوّل (أن يكون...) في محلّ رفع فاعل عسى. (الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر (الباء) حرف جرّ (أيّ) اسم استفهام مجرور بالباء متعلّق ب (يؤمنون)، (حديث) مضاف إليه مجرور (بعد) ظرف زمان منصوب متعلّق ب (يؤمنون) على حذف مضاف أي بعد خبره أو نزوله (الهاء) ضمير مضاف إليه يعود إلى القرآن أو الرسول (يؤمنون) مضارع مرفوع... والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير
{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ }
- قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله-في تفسيرها: يقول تعالى ذكره: أو لم ينظر هؤلاء المكذبون بآيات الله، في ملك الله وسلطانه في السموات وفي الأرض، وفيما خلق جل ثناؤه من شيء فيهما، فيتدبروا ذلك، ويعتبروا به، ويعلموا أن ذلك لمنْ لا نظير له ولا شبيه،ومِنْ فِعْلِ من لا ينبغي أن تكون العبادة والدين الخالص إلا له، فيؤمنوا به، ويصدقوا رسوله وينيبوا إلى طاعته، ويخلعوا الأنداد والأوثان، ويحذرُوا أن تكون آجالهم قد اقتربت،فيهلكوا على كفرهم، ويصيروا إلى عذاب الله وأليم عقابه.
وقوله:{فبأي حديث بعده يؤمنون}يقول: فبأيّ تخويفٍ وتحذير ترهيب بعد تحذير محمد صلى الله عليه وسلم وترهيبِه الذي أتاهم به من عند الله في آي كتابه،يصدِّقون، إن لم يصدقوا بهذا الكتاب الذي جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى.اهـ([415])
{مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)}
إعراب مفردات الآية ([416])
(الواو) استئنافيّة (من) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ نصب مفعول به مقدّم (يضلل) مضارع مجزوم فعل الشرط، وحرّك بالكسر لالتقاء الساكنين (اللّه) فاعل مرفوع (الفاء) رابطة لجواب الشرط (لا) نافية للجنس (هادي) اسم لا مبنيّ على الفتح في محلّ نصب (اللام) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر لا (الواو) حرف استئناف (يذر) مضارع مرفوع و(هم) ضمير مفعول به، والفاعل هو أي اللّه (في طغيان) جارّ ومجرور متعلّق بفعل يعمهون و(هم) ضمير مضاف إليه (يعمهون) مضارع مرفوع... والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير
{مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }
- قال أبو جعفر الطبري-رحمه الله-: يقول تعالى ذكره: إن إعراض هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا، التاركي النظر في حجج الله والفكر فيها، لإضلال الله إياهم، ولو هداهم الله لاعتبرُوا وتدبَّروا فأبصروا رُشْدهم; ولكن الله أضلَّهم، فلا يبصرون رشدًا ولا يهتدون سبيلا ومن أضلَّه عن الرشاد فلا هادي له إليه، ولكن الله يدعهم في تَمَاديهم في كفرهم، وتمرُّدهم في شركهم، يترددون، ليستوجبوا الغايةَ التي كتبها الله لهم من عُقوبته وأليم نَكاله.اهـ([417])
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (187)}
إعراب مفردات الآية ([418])
(يسألون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل و(الكاف) ضمير مفعول به (عن الساعة) جارّ ومجرور متعلّق بفعل يسألونك (أيّان) اسم استفهام مبنيّ في محلّ نصب على الظرفيّة الزمانيّة متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (مرسى) مبتدأ مؤخّر مرفوع و(ها) ضمير مضاف إليه (قل) فعل
أمر، والفاعل أنت (إنما) كافّة ومكفوفة (علم) مبتدأ مرفوع و(ها) مثل الأخير (عند) ظرف منصوب متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ (ربّ) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على ما قبل الياء و(الياء) ضمير مضاف إليه (لا) حرف نفي (يجلّي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء و(ها) ضمير مفعول به (لوقت) جارّ ومجرور متعلّق ب (يجلّيها) و(ها) ضمير مضاف إليه (إلّا) أداة حصر (هو) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل (ثقلت) فعل ماض... و(التاء) للتأنيث، والفاعل هي (في السموات) جارّ ومجرور متعلّق ب (ثقلت)، (الواو) عاطفة (الأرض) معطوف على السموات مجرور (لا تأتي) مثل لا يجلّي، والفاعل هي و(كم) ضمير مفعول به (إلّا) مثل الأولى (بغتة) مصدر في موضع الحال منصوب«[419]»
(يسألونك) مثل الأولى (كأنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- و(الكاف) ضمير في محلّ نصب اسم كأن (حفيّ) خبر مرفوع (عن) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (حفيّ) فهو مشتقّ (قل إنما علمها عند اللّه) مثل الأولى (الواو) عاطفة (لكنّ) حرف مشبّه بالفعل للاستدراك- ناسخ- (أكثر) اسم لكنّ منصوب (الناس) مضاف إليه مجرور (لا) حرف نفي (يعلمون) مضارع مرفوع... والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً }
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانها إجمالاً ما نصه: يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: { يَسْأَلُونَكَ } أي: المكذبون لك، المتعنتون { عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا } أي: متى وقتها الذي تجيء به، ومتى تحل بالخلق؟
{ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي } أي: إنه تعالى مختص بعلمها، { لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ } أي: لا يظهرها لوقتها الذي قدر أن تقوم فيه إلا هو.
{ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } أي: خفي علمها على أهل السماوات والأرض، واشتد أمرها أيضا عليهم، فهم من الساعة مشفقون.اهـ([420])
-واضاف ابن كثير –رحمه الله-في بيانها فقال ما مختصره: عن قتادة في قوله: { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } قال: ثقل علمها على أهل السماوات والأرض أنهم لا يعلمون. قال معمر: قال الحسن: إذا جاءت، ثقلت على أهل السماوات والأرض، يقول: كَبُرَت عليهم.
قال الضحاك، عن ابن عباس في قوله: { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } قال: ليس شيء من الخلق إلا يصيبه من ضرر يوم القيامة.
وقال ابن جُرَيْج: { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } قال: إذا جاءت انشقت السماء وانتثرت النجوم، وكورت الشمس، وسيرت الجبال، وكان ما قاله الله، عز وجلفذلك ثقلها.
واختار ابن جرير، رحمه الله: أن المراد: ثَقُلَ علم وقتها على أهل السماوات والأرض، كما قالقتادة.
وهو كما قالاه، كقوله تعالى: { لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً } ولا ينفي ذلك ثقل مجيئها على أهل السماوات والأرض، والله أعلم.
وقال السدي في قوله تعالى { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } يقول: خفيت في السماوات والأرض، فلا يعلم قيامها حين تقوم ملك مقرب، ولا نبي مرسل.
{ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً } قال يبغتهم قيامها، تأتيهم على غفلة.
وقال قتادة في قوله تعالى: { لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً } قضى الله أنها { لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً }.
ثم أضاف- رحمه الله-:
وقال البخاري: عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه ولا يطويانه. ولتقومَنّ الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقْحَته فلا يَطْعَمُه. ولتقومَنّ الساعة وهو يَلِيط حوضه فلا يسقي فيه. ولتقومَنّ الساعة والرجل قد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها"([421])
وقال مسلم في صحيحه: عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تقوم الساعة والرجل يحلب اللِّقْحَة، فما يصل الإناء إلى فيه حتى تقوم الساعة. والرجلانيتبايعان الثوب فما يتبايعانه حتى تقوم. والرجل يلوط حوضه فما يصدر حتى تقوم"([422]).اهـ([423])
{يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }
-قال السعدي- رحمه الله-في تفسيره لهذه الجزئية من الآية ما نصه:{ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا }أي: هم حريصون على سؤالك عن الساعة، كأنك مستحف عن السؤال عنها، ولم يعلموا أنك - لكمال علمك بربك، وما ينفع السؤال عنه - غير مبال بالسؤال عنها، ولا حريص على ذلك، فلم لا يقتدون بك، ويكفون عن الاستحفاء عن هذا السؤال الخالي من المصلحة المتعذر علمه، فإنه لا يعلمها نبي مرسل، ولا ملك مقرب.
وهي من الأمور التي أخفاها الله عن الخلق، لكمال حكمته وسعة علمه.
{ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } فلذلك حرصوا على ما لا ينبغي الحرص عليه، وخصوصا مثل حال هؤلاء الذين يتركون السؤال عن الأهم، ويدعون ما يجب عليهم من العلم، ثم يذهبون إلى ما لا سبيل لأحد أن يدركه، ولا هم مطالبون بعلمه.اهـ([424])
{قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)}
إعراب مفردات الآية ([425])
(قل) مثل السابق (لا) حرف نفي (أملك) مضارع مرفوع، والفاعل أنا (لنفس) جارّ ومجرور متعلّق بفعل أملك- أو بحال من (نفعا)، وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على ما قبل الياء، و(الياء) ضمير مضاف إليه (نفعا) مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (لا) زائدة لتأكيد النفي (ضرّا) معطوف على (نفعا) منصوب (إلّا) حرف استثناء (ما) اسم موصول«[426]» في محلّ نصب على الاستثناء المتصل أو المنقطع (شاء) فعل ماض (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (الواو) عاطفة (لو) حرف شرط غير جازم (كنت) فعل ماض ناقص- ناسخ- مبنيّ على السكون.. و(التاء) ضمير اسم كان (أعلم) مثل أملك (الغيب) مفعول به منصوب (اللام) واقعة في جواب لو (استكثرت) فعل ماض وفاعله (من الخير) جارّ ومجرور متعلّق ب (استكثرت)، (الواو) عاطفة (ما) حرف نفي (مسّني) فعل ماض.. و(نون) الوقاية و(ياء) المتكلّم مفعول به (السوء) فاعل مرفوع (إنّ) حرف نفي (أنا) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (إلّا) أداة حصر (نذير) خبر مرفوع (الواو) عاطفة (بشير) معطوف على نذير مرفوع(لقوم) جارّ ومجرور متعلّق ببشير (يؤمنون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير
{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}
-قال البغوي- رحمه الله-في تفسيره للآية:{ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ } قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن أهل مكة قالوا: يا محمد، ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فتشتريه وتربح فيه عند الغلاء؟ وبالأرض التي يريد أن تجذب فترتحل منها إلى ما قد أخصبت؟ فأنزل الله تعالى "قل لا أملك لنفسي نفعا"أي: لا أقدر لنفسي نفعا، أي: اجتلاب نفع بأن أربح ولا ضرا، أي دفع ضر بأن ارتحل من أرض تريد أن تجدب إلا ما شاء الله أن أملكه.
{ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ } أي: لو كنت أعلم الخصب والجدب لاستكثرت من الخير، أي: من المال لسنة القحط { وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ } أي: الضر والفقر والجوع.اهـ([427])
-وأضاف ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها ما مختصره وبتصرف يسير:-: وقوله: { وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ } وعن مجاهد. { وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ } قال: لو كنت أعلم متى أموت، لعملت عملا صالحا.
ثم قال- رحمه الله-:وفيه نظر؛ لأن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان دَيمة. وفي رواية: كان إذا عمل عملا أثبته ([428])
فجميع عمله كان على منوال واحد، كأنه ينظر إلى الله، عز وجل، في جميع أحواله، اللهم إلا أن يكون المرادُ أن يرشد غيره إلى الاستعداد لذلك، والله أعلم.
والأحسن في هذا ما رواه الضحاك، عن ابن عباس: { وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ } أي: من المال. وفي رواية: لعلمت إذا اشتريت شيئًا ماأربح فيه، فلا أبيع شيئًا إلا ربحت فيه، وما مسني السوء، قال: ولا يصيبني الفقر.
وقال ابن جرير: وقال آخرون: معنى ذلك: لو كنت أعلم الغيب لأعددت للسنة المجدبة من المخصبة، ولعرفتالغَلاء من الرخص، فاستعددت له من الرخص.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: { وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ } قال: لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون، واتقيته.
ثم أخبر أنه إنما هو نذير وبشير، أي: نذير من العذاب، وبشير للمؤمنين بالجنات، كما قال تعالى: { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا } [مريم:97].اهـ([429])
{ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }
-قال السعدي-رحمه الله- في تفسيرها ما نصه: { إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ } أنذر العقوبات الدينية والدنيوية والأخروية، وأبين الأعمال المفضية إلى ذلك، وأحذر منها.
{ وَبَشِيرٌ } بالثواب العاجل والآجل، ببيان الأعمال الموصلة إليه والترغيب فيها، ولكن ليس كل أحد يقبل هذه البشارة والنذارة، وإنما ينتفع بذلك ويقبله المؤمنون، وهذه الآيات الكريمات، مبينة جهل من يقصد النبي صلى الله عليه وسلم ويدعوه لحصول نفع أو دفع ضر.
فإنه ليس بيده شيء من الأمر، ولا ينفع من لم ينفعه اللّه، ولا يدفع الضر عمن لم يدفعه اللّه عنه، ولا له من العلم إلا ما علمه اللّه تعالى، وإنما ينفع من قبل ما أرسل به من البشارة والنذارة، وعمل بذلك، فهذا نفعه صلى الله عليه وسلم، الذي فاق نفع الآباء والأمهات، والأخلاء والإخوان بما حث العباد على كل خير، وحذرهم عن كل شر، وبينه لهم غاية البيان والإيضاح.اهـ([430])
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189)}
إعراب مفردات الآية ([431])
(هو) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (الذي) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع خبر (خلق) فعل ماض و(كم) ضمير مفعول به، والفاعل هو، ضمير مستتر (من نفس) جارّ ومجرور متعلّق ب
(خلقكم)، (واحدة) نعت لنفس مجرور (الواو) عاطفة (جعل) مثل خلق (من) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (جعل) بتضمينه معنى خلق (زوج) مفعول به منصوب و(ها) ضمير مضاف إليه (اللام) للتعليل (يسكن) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام، والفاعل هو (إليها) مثل منها متعلّق ب (يسكن) بتضمينه معنى يأوي.
والمصدر المؤوّل (أن يسكن) في محلّ جرّ باللام متعلّق ب (جعل).
(الفاء) عاطفة (لمّا) ظرف بمعنى حين متضمّن معنى الشرط في محلّ نصب متعلّق بالجواب حملت (تغشّى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف، والفاعل هو و(ها) ضمير مفعول به (حملت) فعل ماض.. و(التاء) تاء التأنيث، والفاعل ضمير مستتر تقديره هي (حملا) مفعول مطلق منصوب «[432]»
، (خفيفا) نعت منصوب (الفاء) عاطفة (مرّت) مثل حملت (الباء) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (مرّت)، (الفاء) عاطفة (لمّا) مثل الأول (أثقلت) مثل حملت (دعوا) فعل ماض... و(الألف ضمير في محلّ رفع فاعل (اللّه) لفظ الجلالة مفعول به منصوب (ربّ) بدل من لفظ الجلالة أو نعت له منصوب و(هما) ضمير متّصل في محلّ جرّ مضاف إليه (اللام) موطّئة للقسم (إن) حرف شرط جازم (آتيت) فعل ماض مبنيّ على السكون في محلّ جزم فعل الشرط...و(التاء) ضمير فاعل و(نا) ضمير مفعول به أوّل (صالحا) مفعول به ثان منصوب «[433]»، (اللام) لام القسم (نكوننّ) مضارع مبنيّ على الفتح في محلّ رفع... والنون نون التوكيد، واسمه ضمير مستتر تقديره نحن (من الشاكرين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر نكوننّ.
روائع البيان والتفسير
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ}
-قال ابن كثير –رحمه الله-في تفسيره: ينبه تعالى على أنه خلق جميع الناس من آدم، عليه السلام، وأنه خلق منه زوجه حواء، ثم انتشر الناس منهما، كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [الحجرات:13] وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [ وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً ] (5) } الآية [النساء:1]. وقال في هذه الآية الكريمة: { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } أي: ليألفها ويسكن بها، كما قال تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } [الروم:21] فلا ألفة بين زَوْجين أعظم مما بين الزوجين؛ ولهذا ذكر تعالى أن الساحر ربما توصل بكيده إلى التفرقة بين المرء وزوجه.
{ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } أي: وطئها { حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا } وذلك أول الحمل، لا تجد المرأة له ألما، إنما هي النُّطفة، ثم العَلَقة، ثم المُضغة.
وقوله: { فَمَرَّتْ بِهِ } قال مجاهد: استمرت بحمله. وروي عن الحسن، وإبراهيم النَّخَعَي، والسُّدِّي، نحوه.
وقال ميمون بن مهران: عن أبيه استخفته.
وقال أيوب: سألت الحسن عن قوله: { فَمَرَّتْ بِهِ } قال: لو كنت رجلا عربيًا لعرفت ما هي. إنما هي: فاستمرت به.
وقال قتادة: { فَمَرَّتْ بِهِ } واستبان حملها،وقال ابن جرير: معناه استمرت بالماء، قامت به وقعدت.، وقال العَوْفي، عن ابن عباس: استمرت به، فشكت: أحملتأم لا.اهـ([434])
{ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ }
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانها: { فَلَمَّا } استمرت به و { أَثْقَلَتْ } به حين كبر في بطنها، فحينئذ صار في قلوبهما الشفقة على الولد، وعلى خروجه حيا، صحيحا، سالما لا آفة فيه كذلك فدعوا { اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا } ولدا { صَالِحًا } أي: صالح [ ص 312 ] الخلقة تامها، لا نقص فيه { لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ }.اهـ([435])
{فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)}
إعراب مفردات الآية ([436])
(الفاء) عاطفة (لمّا آتاهما) مثل لمّا تغشّاها (صالحا) مثل الأول (جعلا) فعل ماض.. و(الألف) ضمير متصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل (اللام) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف مفعول ثان لفعل جعلا... (شركاء) مفعول به منصوب، ومنع من التنوين لأنه ملحق بالمؤنث المنتهي بألف التأنيث الممدودة على وزن فعلاء (في) حرف جرّ (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بشركاء (آتاهما) مثل الأول. (الفاء) استئنافيّة (تعالى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (عن) حرف جرّ (ما) مثل الأول، والجارّ متعلّق ب (تعالى)، (يشركون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير
{فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }
-قال السعدي- رحمه الله- ما مختصره:{ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا } على وفق ما طلبا، وتمت عليهما النعمة فيه { جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا } أي: جعلا للّه شركاء في ذلك الولد الذي انفرد اللّه بإيجاده والنعمة به، وأقرَّ به أعين والديه، فَعَبَّدَاه لغير اللّه. إما أن يسمياه بعبد غير اللّه كـ "عبد الحارث" و "عبد الكعبة" ونحو ذلك، أو يشركا باللّه في العبادة، بعدما منَّ اللّه عليهما بما منَّ من النعم التي لا يحصيها أحد من العباد..اهـ([437])
-وقال الشنقيطي-رحمه الله- في تفسيرها: في هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير معروفان عند العلماء، والقرآن يشهد لأحدهما:
الأول: أن حواء كانت لا يعيش لها ولد، فحملت، فجاءها الشيطان، فقال لها سمي هذا الولد عبد الحارث فإنه يعيش، والحارث من أسماء الشيطان، فسمته عبد الحارث فقال تعالى: {فلما آتاهما صالحا }[7 \ 190] أي ولدا إنسانا ذكرا جعلا له شركاء بتسميته عبد الحارث، وقد جاء بنحو هذا حديث مرفوع وهو معلول كما أوضحه ابن كثير- رحمه الله- في تفسيره.
الوجه الثاني: أن معنى الآية أنه لما آتى آدم وحواء صالحا كفر به بعد ذلك كثير من ذريتهما، وأسند فعل الذرية إلى آدم وحواء ; لأنهما أصل لذريتهما كما قال: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم }[7 \ 11]، أي بتصويرنا لأبيكم آدم لأنه أصلهم بدليل قوله بعده: ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، ويدل لهذا الوجه الأخير أنه تعالى قال بعده:{ فتعالى الله عما يشركون أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون} [7 \ 190، 191]، وهذا نص قرآني صريح في أن المراد المشركون من بني آدم، لا آدم وحواء، واختار هذا الوجه غير واحد لدلالة القرآن عليه، وممن ذهب إليه الحسن البصري، واختاره ابن كثير- رحمه الله-في تفسيره، والعلم عند الله تعالى.اهـ([438])
{أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191)}
إعراب مفردات الآية ([439])
(الهمزة) للاستفهام التوبيخيّ (يشركون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل (ما) اسم موصول «[440]» مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (لا) نافية (يخلق) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو وهو العائد (شيئا) مفعول به منصوب (الواو) حاليّة (هم) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (يخلقون) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع.. والواو نائب الفاعل.
روائع البيان والتفسير
{أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ }
-قال القرطبي- رحمه الله-:قوله تعالى:{أيشركون ما لا يخلق شيئا)} أي أيعبدون ما لا يقدر على خلق شيء. {وهم يخلقون} أي الأصنام مخلوقة. وقال:{ يخلقون} بالواو والنون لأنهم اعتقدوا أن الأصنام تضر وتنفع، فأجريت مجرى الناس، كقوله:{ في فلك يسبحون} وقوله:{ يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم}..اهـ([441])
-وزاد ابن كثير-رحمه الله- في تفسيرها بياناً فقال ما نصه: أي: أتشركون به من المعبودات ما لا يخلق شيئًا ولا يستطيع ذلك، كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحج:73، 74] أخبر تعالى أنه لو اجتمعت آلهتهم كلها، ما استطاعوا خلق ذبابة، بل لو أستَلبتهم الذبابة شيئا من حَقير المطاعم وطارت، لما استطاعوا إنقاذ ذلك منها، فمن هذه صفته وحاله، كيف يعبد ليرزق ويستنصر؟ ولهذا قال تعالى: { لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ } أي: بل هم مخلوقون مصنوعون كما قال الخليل: { قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ *وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } [الصافات:95، 96].اهـ([442])
{وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192)}
إعراب مفردات الآية ([443])
(الواو) عاطفة (لا) نافية (يستطيعون) مثل يشركون (اللام) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف حال من (نصرا) وهو مفعول به منصوب (ولا) مثل الأول (أنفس) مفعول به مقدّم منصوب و(هم) ضمير مضاف إليه (ينصرون) مثل يشركون.
روائع البيان والتفسير
{وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ }
-قال البغوي- رحمه الله-في بيانها ما نصه:{ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا } أي: الأصنام لا تنصر من أطاعها، { وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ } قال الحسن: لا يدفعون عن أنفسهم مكروه من أراد بهم بكسر أو نحوه.اهـ([444])
- وزاد أبو جعفر الطبري- رحمه الله-في بيانها فقال: يقول تعالى ذكره: أيشرك هؤلاء المشركون في عبادة الله ما لا يخلق شيئًا من خلق الله، ولا يستطيع أن ينصرهم إن أراد الله بهم سوءًا، أو أحلّ بهم عقوبة، ولا هو قادر إن أراد به سوءًا نصر نفسه ولا دفع ضر عنها؟ وإنما العابد يعبد ما يعبده لاجتلاب نفع منه أو لدفع ضر منه عن نفسه، وآلهتهم التي يعبدونها ويشركونها في عبادة الله لا تنفعهم ولا تضرهم، بل لا تجتلب إلى نفسها نفعًا ولا تدفع عنها ضرًّا، فهي من نفع غير أنفسها أو دفع الضر عنها أبعدُ؟ يعجِّب تبارك وتعالى خلقه من عظيم خطأ هؤلاء الذين يشركون في عبادتهم اللهَ غيرَه.اهـ([445])
{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (193)}
إعراب مفردات الآية ([446])
(الواو) عاطفة (إن) حرف شرط جازم (تدعوا) مضارع مجزوم فعل الشرط وعلامة الجزم حذف النون.. والواو فاعل و(هم) ضمير مفعول به (إلى الهدى) جارّ ومجرور متعلّق ب (تدعوهم)، وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على الألف (لا) نافية (يتّبعوا) مضارع مجزوم جواب الشرط وعلامة الجزم حذف النون... والواو فاعل و(كم) ضمير مفعول به (سواء) خبر مقدّم مرفوع (على) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بسواء (الهمزة) حرف مصدريّ للتسوية (دعوتم) فعل ماض مبنيّ على السكون... و(تم) ضمير فاعل و(الواو) زائد حرف إشباع حركة الميم قبله و(هم) ضمير مفعول به. والمصدر المؤوّل (أدعوتموهم) في محلّ رفع مبتدأ. (أم) حرف عطف معادل للهمزة (أنتم) ضمير منفصل مبتدأ (صامتون) خبر مرفوع وعلامة الرفع الواو. (صامتون)، جمع صامت، اسم فاعل من صمت الثلاثيّ، وزنه فاعل.
روائع البيان والتفسير
{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ }
-قال أبو جعفر الطبري-في تفسيرها: يقول تعالى ذكره في وصفه وعيبه ما يشرك هؤلاء المشركون في عبادتهم ربَّهم إياه: ومن صفته أنكم، أيها الناس، إن تدعوهم إلى الطريق المستقيم، والأمر الصحيح السديد لا يتبعوكم، لأنها ليست تعقل شيئًا، فتترك من الطرق ما كان عن القصد منعدلاجائرًا، وتركب ما كان مستقيمًا سديدًا.
وإنما أراد الله جل ثناؤه بوصف آلهتهم بذلك من صفتها، تنبيهَهم على عظيم خطئهم، وقبح اختيارهم. يقول جل ثناؤه: فكيف يهديكم إلى الرشاد مَنْ إن دُعي إلى الرشاد وعُرِّفه لم يعرفه، ولم يفهم رشادًا من ضلال، وكان سواءً دعاءُ داعيه إلى الرشاد وسكوته، لأنه لا يفهم دعاءه، ولا يسمع صوته، ولا يعقل ما يقال له. يقول: فكيف يُعبد من كانت هذه صفته، أم كيف يُشْكِل عظيمُ جهل من اتخذ ما هذه صفته إلهًا؟ وإنما الرب المعبود هو النافع من يعبده، الضارّ من يعصيه، الناصرُ وليَّه، الخاذل عدوه، الهادي إلى الرشاد من أطاعه، السامع دعاء من دعاه.اهـ([447])
{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (194)}
إعراب مفردات الآية ([448])
(إنّ) حرف مشبه بالفعل- ناسخ- (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب اسم إنّ (تدعون) مضارع مرفوع- والواو فاعل (من دون) جار ومجرور متعلّق بحال من العائد المحذوف أي تدعونهم متميّزين عن اللّه (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (عباد) خبر إنّ مرفوع (أمثال) نعت لعباد مرفوع و(كم) ضمير مضاف إليه (الفاء) عاطفة لربط المسبّب بالسبب «[449]»، (ادعوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..
والواو فاعل و(هم) ضمير مفعول به (الفاء) عاطفة (اللام) لام الأمر (يستجيبوا) مضارع مجزوم... والواو فاعل (اللام) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يستجيبوا)، (إن) حرف شرط جازم (كنتم) فعل ماض مبنيّ على السكون في محلّ جزم فعل الشرط.. و(تم) ضمير اسم كان (صادقين) خبر كان منصوب وعلامة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }
-قال السعدي- رحمه الله-في بيانها ما مختصره: وهذا من نوع التحدي للمشركين العابدين للأوثان، يقول تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } أي: لا فرق بينكم وبينهم، فكلكم عبيد للّه مملوكون، فإن كنتم كما تزعمون صادقين في أنها تستحق من العبادة شيئا { فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ } فإن استجابوا لكم وحصلوا مطلوبكم، وإلا تبين أنكم كاذبون في هذه الدعوى، مفترون على اللّه أعظم الفرية.اهـ([450])
{أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (195)}
إعراب مفردات الآية ([451])
(الهمزة) للاستفهام الانكاريّ (اللام) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (أرجل) مبتدأ مرفوع (يمشون) مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون... والواو ضمير متّصل في محلّ رفع فاعل (الباء) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يمشون)، (أم) هي المنقطعة، وتفيد الإضراب (لهم أيد يبطشون بها) مثل لهم أرجل يمشون بها، وعلامة الرفع في أيد الضمّة المقدّرة على الياء المحذوفة للتنوين فهو اسم منقوص (أم لهم... يسمعون بها) مثل أم لهم أيد... و(أم) في المواضع الثلاثة بمعنى بل والهمزة للإضراب الانتقاليّ.
(قل) فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (ادعوا) مثل المتقدّم «[452]»، (شركاء) مفعول به منصوب و(كم) ضمير مضاف إليه (ثمّ) حرف عطف (كيدوا) مثل ادعوا «[453]»، و(النون) للوقاية و(الياء) ضمير مفعول به (الفاء) حرف عطف (لا) ناهية جازمة (تنظروا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون... والواو فاعل و(النون) للوقاية و(الياء) المحذوفة ضمير مفعول به.
روائع البيان والتفسير
{أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ }
-قال البغوي في بيانها إجمالاً ما نصه: أراد أن قدرة المخلوقين تكون بهذه الجوارح والآلات، وليست للأصنام هذه الآلات، فأنتم مفضلون عليها بالأرجل الماشية والأيدي الباطشة والأعين الباصرة والآذان السامعة، فكيف تعبدون من أنتم أفضل وأقدر منهم؟ { قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ } يا معشر المشركين، { ثُمَّ كِيدُونِ } أنتم وهم، { فَلا تُنْظِرُونِ } أي: لا تمهلوني واعجلوا في كيدي.اهـ([454])
- وأضاف أبو جعفر الطبري-رحمه الله- في تفسيره للآية: يقول جل ثناؤه: فإن كانت آلهتكم التي تعبدونها ليس فيها شيء من هذه الآلات التي ذكرتُها، والمعظَّم من الأشياء إنما يعظَّم لما يرجى منه من المنافع التي توصل إليه بعض هذه المعاني عندكم، فما وجه عبادتكم أصنامكم التي تعبدونها، وهي خالية من كل هذه الأشياء التي بها يوصل إلى اجتلاب النفع ودفع الضر؟.اهـ([455])
{إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)}
إعراب مفردات الآية ([456])
(إنّ) حرف مشبّه بالفعل (وليّي) اسم إنّ منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على ما قبل الياء، و(الياء) ضمير مضاف إليه (اللّه) لفظ الجلالة خبر إنّ مرفوع (الذي) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع نعت للفظ الجلالة (نزّل) فعل ماض، والفاعل هو (الكتاب) مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (هو) ضمير منفصل مبتدأ (يتولّى) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف، والفاعل هو (الصالحين) مفعول به منصوب، وعلامة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
{إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها ما نصه:-:أي: الله حسبي وكافىّ، وهو نصيري وعليه متكلي، وإليه ألجأ، وهو وليي في الدنيا والآخرة، وهو ولي كل صالح بعدي. وهذا كما قال هود، عليه السلام، لما قال له قومه: { إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُون * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [هود:54-56] وكقول الخليل-عليه السلام- { أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ *وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [الشعراء:75-80] الآيات، وكقوله لأبيه وقومه { إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [الزخرف:26-28].اهـ([457])
{ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197)}
إعراب مفردات الآية ([458])
(الواو) عاطفة (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (تدعون من دونه) مرّ إعراب نظيرها «[459]»(لا) حرف ناف (يستطيعون) مضارع مرفوع... والواو فاعل (نصر) مفعول به منصوب و(كم) ضمير مضاف إليه(الواو) عاطفة (لا أنفسهم ينصرون) مثل لا يستطيعون نصركم، والمفعول مقدّم.
روائع البيان والتفسير
{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ }
- قال أبو جعفر الطبري-رحمه الله- في تفسيرها: وهذا أيضًا أمر من الله جل ثناؤه لنبيه أن يقوله للمشركين. يقول له تعالى ذكره: قل لهم، إن الله نصيري وظهيري، والذين تدعون أنتم أيها المشركون من دون الله من الآلهة، لا يستطيعون نصركم، ولا هم مع عجزهم عن نصرتكم يقدرون على نصرة أنفسهم، فأي هذين أولى بالعبادة وأحق بالألوهة؟ أمن ينصر وليه ويمنع نفسه ممن أراده، أم من لا يستطيع نصر وليه ويعجز عن منع نفسه ممن أراده وبَغاه بمكروه؟اهـ([460])
{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198)}
إعراب مفردات الآية ([461])
(الواو) عاطفة (إن) حرف شرط جازم (تدعو) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون... والواو فاعل و(هم) ضمير مفعول به (إلى الهدى) جارّ ومجرور متعلّق ب (تدعوهم)، وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على الألف، (لا) نافية (يسمعوا) مضارع مجزوم جواب الشرط وعلامة الجزم حذف النون... والواو فاعل (الواو) عاطفة (ترى) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف، والفاعل ضمير مستتر
تقديره أنت و(هم) مثل السابق (ينظرون) مثل يستطيعون «[462]»،(إلى) حرف جرّ و(الكاف) ضمير مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق ب (ينظرون)، (الواو) حاليّة (هم) ضمير منفصل مبتدأ (لا يبصرون) مثل لا يستطيعون «[463]».
روائع البيان والتفسير
{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ }
-قال ابن كثير في بيانها: وقوله: { وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ } كقوله تعالى: { إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْوَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [فاطر:14]
وقوله: { وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ } إنما قال: { يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ } أي: يقابلونك بعيون مصورة كأنها ناظرة، وهي جماد؛ ولهذا عاملهم معاملة من يعقل؛ لأنها على صور مصورة كالإنسان، فقال { وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ } فعبر عنها بضمير من يعقل.
وقال السدي: المراد بهذاالمشركون وروي عن مجاهد نحوه. والأول أولى، وهو اختيار ابن جرير، وقاله قتادة.اهـ([464])
- وزاد أبو جعفر الطبري- رحمه الله- في تفسيرها فائدة قال ما مختصره وبتصرف يسير: فإن قال قائل: فما معنى قوله:{وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون}؟ وهل يجوز أن يكون شيء ينظر إلى شيء ولا يراه؟
قيل: إن العرب تقول للشيء إذا قابل شيئًا أو حاذاه: "هو ينظر إلى كذا"، ويقال: "منزل فلان ينظر إلى منزلي" إذا قابله. وحكي عنها: "إذا أتيتَ موضع كذا وكذا، فنظر إليك الجبل، فخذ يمينًا أو شمالا". وحدثت عن أبي عبيد قال: قال الكسائي: "الحائط ينظر إليك" إذا كان قريبًا منك حيث تراه.
ثم قال- رحمه الله-:
فمعنى الكلام: وترى، يا محمد، آلهة هؤلاء المشركين من عبدة الأوثان، يقابلونك ويحاذونك، وهم لا يبصرونك، لأنه لا أبصار لهم. وقيل: "وتراهم"، ولم يقل: "وتراها"، لأنها صور مصوَّرة على صور بني آدم عليه السلام.اهـ([465])
-وزاد السعدي-رحمه الله- في بيانها فقال: وقيل: إن معنى قوله { وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ } أن الضمير يعود إلى المشركين المكذبين لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فتحسبهم ينظرون إليك يا رسول اللّه نظر اعتبار يتبين به الصادق من الكاذب، ولكنهم لا يبصرون حقيقتك وما يتوسمه المتوسمون فيك من الجمال والكمال والصدق.اهـ([466])
{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (199)}
إعراب مفردات الآية ([467])
(خذ) فعل أمر، والفاعل أنت (العفو) مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (أؤمر) مثل خذ (بالعرف) جارّ ومجرور متعلّق ب (اومر)، (الواو) عاطفة (أعرض عن الجاهلين) مثل اومر بالعرف، والجارّ والمجرور متعلّق ب (أعرض) وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }
-قال ابن كثير في بيانها ما مختصره وبتصرف: عن ابن عباس قوله: { خُذِ الْعَفْوَ } يعني: خذ ما عفا لك من أموالهم، وما أتوك به من شيء فخذه. وكان هذا قبل أن تنزل "براءة" بفرائض الصدقات وتفصيلها، وما انتهت إليه الصدقات. قاله السدي.
وقال الضحاك، عن ابن عباس: { خُذِ الْعَفْوَ } أنفق الفضل. وقال سعيدبن جبير عن ابن عباس: قال الفضل.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم([468]) في قوله: { خُذِ الْعَفْوَ } أمره الله بالعفو والصفح عن المشركين عشر سنين، ثم أمره بالغلظة عليهم. واختار هذا القول ابن جرير.
وقال غير واحد، عن مجاهد في قوله تعالى: { خُذِ الْعَفْوَ } قال: من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تحسس. ثم قال-رحمه الله-: وفي صحيح البخاري، عن عبد الله بن الزبير قال: إنما أنزل{ خُذِ الْعَفْوَ } من أخلاق الناس ([469])وقال البخاري قوله: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } "العرف": المعروف.
وأضاف- رحمه الله- بعد كلام: وقول البخاري: "العرف: المعروف" نص عليه عروة بن الزبير، والسُّدِّي، وقتادة، وابن جرير، وغير واحد. وحكى ابن جرير أنه يقال: أوليته عرفًا، وعارفًا، وعارفة، كل ذلك بمعنى: "المعروف". قال: وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباده بالمعروف، ويدخل في ذلك جميع الطاعات، وبالإعراض عن الجاهلين، وذلك وإن كان أمرا لنبيه صلى الله عليه وسلم فإنه تأديب لخلقه باحتمال من ظلمهم واعتدى عليهم، لا بالإعراض عمن جهل الحق الواجب من حق الله، ولا بالصفح عمن كفر بالله وجهل وحدانيته، وهو للمسلمين حرب.
وقال سعيد بن أبي عَرُوبة([470])، عن قتادة في قوله: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } قال: هذه أخلاق أمر الله عز وجل بها نبيه صلى الله عليه وسلم، ودله عليها.
وقد أخذ بعض الحكماء هذا المعنى، فسبكه في بيتين فيهما جناس فقال:
خُذ العفو وأمر بعُرفٍ كَمَا... أُمِرتَ وأعْرض عن الجَاهلينْ
وَلِنْ في الكَلام لكُلِّ الأنام... فَمُسْتَحْسَن من ذَوِي الجاه لين
وقال بعض العلماء: الناس رجلان: فرجل محسن، فخذ ما عفا لك من إحسانه، ولا تكلفه فوق طاقته ولا ما يحرجه. وإما مسيء، فمره بالمعروف، فإن تمادى على ضلاله، واستعصى عليك، واستمر في جهله، فأعرض عنه، فلعل ذلك أن يرد كيده، كما قال تعالى: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ } [المؤمنون:96-98].اهـ([471])
-وزاد السعدي-رحمه الله- في بيانها فقال: هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس، وما ينبغي في معاملتهم، فالذي ينبغي أن يعامل به الناس، أن يأخذ العفو، أي: ما سمحت به أنفسهم، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق، فلا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم، بل يشكر من كل أحد ما قابله به، من قول وفعل جميل أو ما هو دون ذلك، ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن نقصهم، ولا يتكبر على الصغير لصغره، ولا ناقص العقل لنقصه، ولا الفقير لفقره، بل يعامل الجميع باللطف والمقابلة بما تقتضيه الحال وتنشرح له صدورهم.
{ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } أي: بكل قول حسن وفعل جميل، وخلق كامل للقريب والبعيد، فاجعل ما يأتي إلى الناس منك، إما تعليم علم، أو حث على خير، من صلة رحم، أو بِرِّ والدين، أو إصلاح بين الناس، أو نصيحة نافعة، أو رأي مصيب، أو معاونة على بر وتقوى، أو زجر عن قبيح، أو إرشاد إلى تحصيل مصلحة دينية أو دنيوية، ولما كان لا بد من أذية الجاهل، أمر اللّه تعالى أن يقابل الجاهل بالإعراض عنه وعدم مقابلته بجهله، فمن آذاك بقوله أو فعله لا تؤذه، ومن حرمك لا تحرمه، ومن قطعك فَصِلْهُ، ومن ظلمك فاعدل فيه.اهـ([472])
{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)}
إعراب مفردات الآية ([473])
(الواو) عاطفة (إن) حرف شرط جازم (ما) حرف زائد (ينزغنّ) مضارع مبنيّ على الفتح في محلّ جزم فعل الشرط.. و(النون) للتوكيد و(الكاف) ضمير مفعول به (من الشيطان) جارّ ومجرور متعلّق ب (ينزغنّك) «[474]»، (نزغ) فاعل مرفوع (الفاء) رابطة لجواب الشرط (استعذ باللّه) مثل اومر بالعرف، والجارّ متعلّق ب (استعذ)، (إنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- و(الهاء) ضمير في محلّ نصب اسم إنّ (سميع) خبر إنّ مرفوع (عليم) خبر ثان مرفوع.
روائع البيان والتفسير
{إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانها: أي: أي وقت، وفي أي حال { يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ } أي: تحس منه بوسوسة، وتثبيط عن الخير، أو حث على الشر، وإيعاز إليه. { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ } أي: التجئ واعتصم باللّه، واحتم بحماه فإنه { سَمِيعٌ } لما تقول. { عَلِيمٌ } بنيتك وضعفك، وقوة التجائك له، فسيحميك من فتنته، ويقيك من وسوسته، كما قال تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } إلى آخر السورة.اهـ([475])
-وأضاف الشنقيطي – رحمه الله-في تفسيرها: بين في هذه الآية الكريمة ما ينبغي أن يعامل به الجهلة من شياطين الإنس والجن. فبين أن شيطان الإنس يعامل باللين، وأخذ العفو، والإعراض عن جهله وإساءته. وأن شيطان الجن لا منجى منه إلا بالاستعاذة بالله منه، قال في الأول:{ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [7 \ 199]، وقال في الثاني: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} [7 \ 200]، وبين هذا الذي ذكرنا في موضعين آخرين.
أحدهما: في سورة {قد أفلح المؤمنون} [32 \ 1]، قال فيه في شيطان الإنس:{ ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون} [96]، وقال في الآخر: {قل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون} [79، 98].
والثاني: في حم «السجدة» قال فيه في شيطان الإنس:{ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [41 \ 34]، وزاد هنا أن ذلك لا يعطاه كل الناس، بل لا يعطيه الله إلا لذي الحظ الكبير والبخت العظيم عنده فقال: {وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم }[41 \ 35]، ثم قال في شيطان الجن: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} [41 \ 36].اهـ([476])
{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)}
إعراب مفردات الآية ([477])
(إنّ) مثل السابق «[478]»(الذين) موصول مبنيّ في محلّ نصب اسم إنّ (اتّقوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ المقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين... والواو فاعل (إذا) ظرف للمستقبل متضمّن معنى الشرط في محلّ نصب متعلّق بالجواب تذكّروا أو بمضمونه أي تبصّروا بعد التذكّر (مسّ) فعل ماض و(هم) ضمير مفعول به (طائف) فاعل مرفوع (من الشيطان) جارّ ومجرور متعلّق بنعت لطائف (تذكّروا) مثل (اتّقوا) (الفاء) عاطفة (إذا) فجائيّة (هم) ضمير منفصل مبتدأ في محلّ رفع (مبصرون) خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة الرفع الواو.
روائع البيان والتفسير
{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ }
-قال ابن كثير في تفسيرها ما مختصره: يخبر تعالى عن المتقين من عباده الذين أطاعوه فيما أمر، وتركوا ما عنه زجر، أنهم { إِذَا مَسَّهُمْ } أي: أصابهم "طيف" وقرأ آخرون: "طائف"، وقد جاء فيه حديث، وهما قراءتان مشهورتان، فقيل: بمعنى واحد. وقيل: بينهما فرق، ومنهم من فسر ذلك بالغضب، ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصرع ونحوه، ومنهم من فسره بالهم بالذنب، ومنهم من فسره بإصابة الذنب.
وقوله: { تَذَكَّرُوا } أي: عقاب الله وجزيل ثوابه، ووعده ووعيده، فتابوا وأنابوا، واستعاذوا بالله ورجعوا إليه من قريب. { فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } أي: قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه.اهـ([479])
-وزاد البغوي- رحمه الله- في بيان قوله تعالي{ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ }فقال:{ تَذَكَّرُوا } عرفوا، قال سعيد بن جبير: هو الرجل يغضب الغضبة فيذكر الله تعالى فيكظم الغيظ. وقال مجاهد: هو الرجل يهم بالذنب فيذكر الله فيدعه. { فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } أي يبصرون مواقع خطاياهم بالتذكر والتفكر. قال السدي: إذا زلوا تابوا. وقال مقاتل: إن المتقي إذا أصابه نزغ من الشيطان تذكر وعرف أنه معصية، فأبصر فنزغ عن مخالفة الله.اهـ([480])
{وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (202)}
إعراب مفردات الآية ([481])
(الواو) عاطفة (إخوان) مبتدأ مرفوع و(هم) ضمير مضاف إليه «[482]»، (يمدّون) مضارع مرفوع... والواو فاعل ««[483]»، (هم) ضمير مفعول به «[484]»،(في الغيّ) جارّ ومجرور متعلّق ب (يمدّون) «[485]»، (ثمّ) حرف عطف (لا) نافية (يقصرون) مضارع مثل يمدّون.
روائع البيان والتفسير
{وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ }
-قال البغوي- رحمه الله-في بيانها ما نصه: قوله: { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ } يعني إخوان الشياطين من المشركين يمدونهم، أي: يمدهم الشيطان. قال الكلبي: لكل كافر أخ من الشياطين. { فِي الْغَيِّ } أي: يطلبون هم الإغواء حتى يستمروا عليه. وقيل: يزيدونهم في الضلالة. وقرأ أهل المدينة: "يمدونهم" بضم الياء وكسر الميم، من الإمداد، والآخرون: بفتح الياء وضم الميم وهما لغتان بمعنى واحد. { ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ } أي: لا يكفون. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات، ولا الشياطين يمسكون عنهم، فعلى هذا قوله: "ثم لا يقصرون" من فعل المشركين والشياطين جميعا. قال الضحاك ومقاتل: يعني المشركين لا يقصرون عن الضلالة ولا يبصرونها، بخلاف ما قال في المؤمنين: "تذكروا فإذا هم مبصرون".اهـ([486])
{وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)}
إعراب مفردات الآية ([487])
(الواو) عاطفة (إذا) ظرف للمستقبل متضمّن معنى الشرط متعلّق ب (قالوا)، (لم) حرف للنفي والجزم والقلب (تأت) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف حرف العلّة و(هم) ضمير مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (بآية) جارّ ومجرور متعلّق ب (تأت)، (قالوا) مثل اتّقوا (لولا) حرف تحضيض بمعنى هلّا (اجتبيت) فعل ماض مبنيّ على السكون..
و(التاء) فاعل و(ها) ضمير مفعول به (قل) فعل أمر، والفاعل أنت (إنّما) كافّة ومكفوفة (اتّبع) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (يوحى) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف، ونائب الفاعل هو، وهو العائد، (إلى) حرف جرّ و(الياء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يوحى)، (من ربّ) جارّ ومجرور متعلّق بحال من النائب الفاعل، وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على ما قبل الياء و(الياء) ضمير مضاف إليه (ها) حرف تنبيه (ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (بصائر) خبر مرفوع (من ربّ) جارّ ومجرور متعلّق بنعت ل (بصائر) و(كم) مضاف إليه (الواو) عاطفة في الموضعين (هدى، رحمة) لفظان معطوفان على بصائر مرفوعان، وعلامة الرفع في هدى الضمّة المقدّرة على الألف (لقوم) جارّ ومجرور متعلّق برحمة (يؤمنون) مثل يمدّون.
روائع البيان والتفسير
{وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيره للآية ما مختصره:-: عن ابن عباس في قوله تعالى: {قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا } يقول: لولا تلقيتها. وقال مرة أخرى: لولا أحدثتها فأنشأتها.
وقال ابن جرير عن مجاهد في قوله تعالى { وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا } قال: لولا اقتضيتها، قالوا: تخرجها عن نفسك. وكذا قال قتادة، والسدي، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، واختاره ابن جرير.
وقال العوفي، عن ابن عباس -رضي الله عنه- { لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا } يقول: تلقيتها من الله، عز وجل
وقال الضحاك: { لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا } يقول: لولا أخذتها أنت فجئت بها من السماء.
ومعنى قوله تعالى: { وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ } أي: معجزة، وخارق، كما قال تعالى: { إِنْ نَشَأْ نُنزلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [الشعراء:4].اهـ([488])
-وأضاف السعدي-رحمه الله-في بيان بقية الآية ما نصه:{ قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي } فأنا عبد متبع مدبَّر، واللّه تعالى هو الذي ينزل الآيات ويرسلها على حسب ما اقتضاه حمده، وطلبتْه حكمته البالغة، فإن أردتم آية لا تضمحل على تعاقب الأوقات، وحجة لا تبطل في جميع الآنات، فـ { هَذَا } القرآن العظيم، والذكر الحكيم { بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ } يستبصر به في جميع المطالب الإلهية والمقاصد الإنسانية، وهو الدليل والمدلول فمن تفكر فيه وتدبره، علم أنه تنزيل من حكيم حميد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبه قامت الحجة على كل من بلغه، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون، وإلا فمن آمن، فهو { هُدًى } له من الضلال { وَرَحْمَةٌ } له من الشقاء، فالمؤمن مهتد بالقرآن، متبع له، سعيد في دنياه وأخراه، وأما من لم يؤمن به، فإنه ضال شقي، في الدنيا والآخرة.اهـ([489])
{وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)}
إعراب مفردات الآية ([490])
(الواو) استئنافيّة (إذا) مثل السابق «[491]» متعلّق بمضمون الجواب (قرئ) فعل ماض مبنيّ للمجهول (القرآن) نائب الفاعل مرفوع (الفاء) رابطة لجواب الشرط (استمعوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون... والواو فاعل (الواو) عاطفة (أنصتوا) مثل استمعوا (لعلّ) حرف ترجّ ونصب- ناسخ- و(كم) ضمير في محلّ نصب اسم لعلّ (ترحمون) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع.. والواو نائب الفاعل.
روائع البيان والتفسير
{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانها: هذا الأمر عام في كل من سمع كتاب اللّه يتلى، فإنه مأمور بالاستماع له والإنصات، والفرق بين الاستماع والإنصات، أن الإنصات في الظاهر بترك التحدث أو الاشتغال بما يشغل عن استماعه.
وأما الاستماع له، فهو أن يلقي سمعه، ويحضر قلبه ويتدبر ما يستمع، فإن من لازم على هذين الأمرين حين يتلى كتاب اللّه، فإنه ينال خيرا كثيرا وعلما غزيرا، وإيمانا مستمرا متجددا، وهدى متزايدا، وبصيرة في دينه، ولهذا رتب اللّه حصول الرحمة عليهما، فدل ذلك على أن من تُلِيَ عليه الكتاب، فلم يستمع له وينصت، أنه محروم الحظ من الرحمة، قد فاته خير كثير.
ومن أوكد ما يؤمر به مستمع القرآن، أن يستمع له وينصت في الصلاة الجهرية إذا قرأ إمامه، فإنه مأمور بالإنصات، حتى إن أكثر العلماء يقولون: إن اشتغاله بالإنصات، أولى من قراءتهالفاتحة([492])، وغيرها.اهـ([493])
{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205)}
إعراب مفردات الآية ([494])
(الواو) عاطفة (اذكر) فعل أمر، والفاعل أنت (ربّ) مفعول به منصوب و(الكاف) ضمير مضاف إليه (في نفس) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من ضمير الخطاب في ربّك و(الكاف) مثل الأول (تضرّعا) مفعول لأجله منصوب «[495]»، (الواو) عاطفة (خيفة) معطوفة على (تضرّعا) منصوب (الواو) عاطفة (دون) ظرف منصوب متعلّق بحال معطوفة على الحال الأولى- في نفسك «[496]»(الجهر) مضاف إليه مجرور (من القول) جارّ ومجرور متعلّق بحال من الجهر- أي دون الجهر كائنا من القول- (بالغدوّ) جارّ ومجرور متعلّق ب (اذكر)، (الواو) عاطفة (الآصال) معطوفة بالواو على الغدوّ مجرور (الواو) عاطفة (لا) ناهية جازمة (تكن) مضارع ناقص- ناسخ- مجزوم، واسمه ضمير مستتر تقديره أنت (من الغافلين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر تكن، وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها ما مختصره وبتصرف يسير: يأمر تعالى بذكره أول النهار وآخره، كما أمر بعبادته في هذين الوقتين في قوله: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ } [ق:39] وقد كان هذا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء، وهذه الآية مكية.
وقال هاهنا بالغدو -وهو أوائل النهار: { وَالآصَالِ } جمع أصيل، كما أن الأيمان جمع يمين.
وأما قوله: { تَضَرُّعًا وَخِيفَةً } أي: اذكر ربك في نفسك رهبة ورغبة، وبالقول لا جهرًا؛ ولهذاقال: { وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ } وهكذا يستحب أن يكون الذكر لا يكون نداء ولا جهرًا بليغًا.
ثم أضاف- رحمه الله-:وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري([497]) قال: رفع الناس أصواتهم بالدعاء في بعض الأسفار، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس، أربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا؛ إن الذي تدعونه سميع قريب" ([498])
وقد يكون المراد من هذه الآية كما في قوله تعالى: { وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا } [الإسراء:110] فإن المشركين كانوا إذا سمعوا القرآن سبوه، وسبوا من أنزله، وسبوا من جاء به؛ فأمره الله تعالى ألا يجهر به، لئلا ينال منه المشركون، ولا يخافت به عن أصحابه فلا يسمعهم، وليتخذ سبيلا بين الجهر والإسرار. وكذا قال في هذه الآية الكريمة: { وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ }
وقد زعم ابن جرير وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم قبله: أن المراد بهذه الآية: أمر السامع للقرآن في حال استماعه بالذكر على هذه الصفة. وهذا بعيد مناف للإنصات المأمور به، ثم المراد بذلك في الصلاة، كما تقدم، أو الصلاة والخطبة، ومعلوم أن الإنصات إذ ذاك أفضل من الذكر باللسان، سواء كان سرًا أو جهرًا، فهذا الذي قالاه لم يتابعا عليه، بل المراد الحض على كثرة الذكر من العباد بالغدو والآصال، لئلا يكونوا من الغافلين.اهـ([499])
-وأضاف السعدي-رحمه الله- في تفسيره لقوله تعالي{ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ }فقال: الذين نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم، فإنهم حرموا خير الدنيا والآخرة، وأعرضوا عمن كل السعادة والفوز في ذكره وعبوديته، وأقبلوا على من كل الشقاوة والخيبة في الاشتغال به، وهذه من الآداب التي ينبغي للعبد أن يراعيها حق رعايتها، وهي الإكثار من ذكر اللّه آناء الليل والنهار، خصوصا طَرَفَيِ النهار، مخلصا خاشعا متضرعا، متذللا ساكنا، وتواطئا عليه قلبه ولسانه، بأدب ووقار، وإقبال على الدعاء والذكر، وإحضار له بقلبه وعدم غفلة، فإن اللّه لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه.اهـ([500])
{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)}
إعراب مفردات الآية ([501])
(إنّ الذين) مرّ إعرابها «[502]»، (عند) ظرف منصوب متعلّق بمحذوف صلة الموصول (ربّ) مضاف إليه مجرور و(الكاف) ضمير مضاف إليه في محلّ جرّ (لا) حرف نفي (يستكبرون) مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون.. والواو فاعل (عن عبادة) جارّ ومجرور متعلّق ب (يستكبرون)، و(الهاء) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (يسبّحون) مثل يستكبرون و(الهاء) ضمير مفعول به (الواو) عاطفة (اللام) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يسجدون) وهو مثل يستكبرون.
روائع البيان والتفسير
{إنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }
-قال أبو جعفر الطبري – رحمه الله- في تفسيرها ما نصه: يقول تعالى ذكره: لا تستكبر، أيها المستمع المنصت للقرآن، عن عبادة ربك، واذكره إذا قرئ القرآن تضرعًا وخيفة ودون الجهر من القول، فإن الذين عند ربك من ملائكته لا يستكبرون عن التواضع له والتخشع، وذلك هو "العبادة". {ويسبحونه}، يقول: ويعظمون ربهم بتواضعهم له وعبادتهم{وله يسجدون}، يقول: ولله يصلونوهو سجودهم فصلوا أنتم أيضًا له، وعظموه بالعبادة، كما يفعله من عنده من ملائكته.اهـ([503])
-وزاد ابن كثير- رحمه الله- في بيان قوله تعالي { وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }فقال: وإنما ذكرهم بهذا ليتشبه بهم في كثرة طاعتهم وعبادتهم؛ ولهذا شرع لنا السجود هاهنا لما ذكر سجودهم لله، عز وجل، كما جاء في الحديث: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها، يتمون الصفوف الأوَل، ويتَراصُّون في الصف" ([504])وهذه أول سجدة في القرآن، مما يشرع لتاليها ومستمعها السجود بالإجماع.اهـ([505])
فوائد وأحكام سورة الأعراف
سورة الأعراف من السور التي تكثر فيها الأحكام والفوائد الجمة والمتنوعة كخلق الإنسان وعداوة الشيطان وسلامة العقيدة وأتباع الكتاب والسنة واثبات نبوة الرسول-صلي الله عليه وسلم-فضلا عن إباحة الطيبات من الرزق والزينة والبعد عن الحرام والفواحش والحث علي التقوي وغير ذلك من الفوائد والأحكام الشرعية نجعلها كالعادة تحت عناوين رئيسية تيسيرا للقاري الكريم في استيعابها والله المستعان وعليه الثكلان.
ما جاء عن الشيطان والإنسان
قوله تعالي:{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)}
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانه لفوائد هذه الآية وما في حكمها التي تحكي قصة الخلق والرد علي الزنادقة الملحدين في انكارهم لهذه المسألة التي أثبتها القرآن وذكر- رحمه الله-خطورة التفسيرات الخاطئة للآية من بعض المتنطعين من المسلمين الذين فسروا مسألة سجود الملائكة لآدم وهي سجدة تشريف وتكريم بتفسير لم يقل به جهابذة علماء التفسير ولم يخطر علي بال سلفنا الصالح فقال وفي كلامه فوائد جمة ما مختصره:
أن هذه القصة العظيمة ذكرها الله في كتابه في مواضع كثيرة صريحة لا ريب فيها ولا شك، وهي من أعظم القصص التي اتفقت عليها الرسل، ونزلت بها الكتب السماوية، واعتقدها جميع أتباع الأنبياء من الأولين والآخرين، حتى نبغت في هذه الأزمان المتأخرة فرقة خبيثة زنادقة أنكروا جميع ما جاءت به الرسل، وأنكروا وجود الباري، ولم يثبتوا من العلوم إلا العلوم الطبيعية التي وصلت إليها معارفهم القاصرة. فبناء على هذا المذهب الذي هو أبعد المذاهب عن الحقيقة شرعا وعقلا أنكروا آدم وحواء، وما ذكره الله ورسوله عنهما، وزعموا أن هذا الإنسان كان حيوانا قردا، أو شبيها بالقرد، حتى ارتقى إلى هذه الحال الموجودة، وهؤلاء اغتروا بنظرياتهم الخاطئة المبنية على ظنون عقول من أصلها فاسدة، وتركوا لأجلها جميع العلوم الصحيحة، خصوصا ما جاءتهم به الرسل، وصدق عليهم قوله تعالى:
{ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [غافر: 83]. وهؤلاء أمرهم ظاهر لجميع المسلمين، ولجميع المثبتين وجود الباري، يعلمون أنهم أضل الطوائف، ولكن تسرب على بعض المسلمين من هذا المذهب الدهري بعض الآثار والفروع المبنية على هذا القول، إذ فسر طائفة من العصريين سجود الملائكة لآدم أن معناه تسخير هذا العالم للآدميين، وأن المواد الأرضية والمعدنية ونحوها قد سخرها الله للآدمي، وأن هذا هو معنى سجود الملائكة، ولا يستريب مؤمن بالله واليوم الآخر أن هذا مستمد من ذلك الرأي الأفن، وأنه تحريف لكتاب الله، لا فرق بينه وبين تحريف الباطنية والقرامطة ([506])، وأنه إذا أولت هذه القصة إلى هذا التأويل توجه نظير هذا التحريف لغيرها من قصص القرآن، وانقلب القرآن - بعدما كان تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة - رموزا يمكن كل عدو للإسلام أن يفعل بها هذا الفعل، فيبطل بذلك القرآن، وتعود هدايته إضلالا، ورحمته نقمة، سبحانك، هذا بهتان عظيم.
ثم بين – رحمه الله-ما في القصة من فوائد فقال:
أن الله جعل هذه القصة لنا معتبرا، وأن الحسد والكبر والحرص من أخطر الأخلاق على العبد، فكبر إبليس وحسده لآدم صيره إلى ما ترى، وحرص آدم وزوجه حملهما على تناول الشجرة، ولولا تدارك رحمة الله لهما لأودت بهما إلى الهلاك، ولكن رحمة الله تكمل الناقص، وتجبر الكسير، وتنجي الهالك، وترفع الساقط.اهـ([507])
-وذكر الجصاص-رحمه الله- من أحكام الآية ما نصه: قوله تعالى:{ ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم }.
روي عن الحسن:{ خلقناكم ثم صورناكم } يعني به آدم؛ لأنه قال:{ ثم قلنا للملائكة } وإنما قال ذلك بعد خلق آدم وتصويره، وذلك كقوله تعالى:{ وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور } أي ميثاق آبائكم ورفعنا فوقهم الطور، نحو قوله تعالى:{ فلم تقتلون أنبياء الله من قبل } والمخاطبون بذلك في زمان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتلوا الأنبياء وقيل: ثم راجع إلى صلة المخاطبة، كأنه قال: ثم إنا نخبركم أنا قلنا للملائكة.اهـ ([508])
قوله تعالي:{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)}
-ذكر ابن عثيمين-رحمه الله- فائدة جليلة من الآية فقال: ومن اتباع خطوات الشيطان القياس الفاسد؛ لأن أول من قاس قياساً فاسداً هو إبليس؛ لأن الله لما أمره بالسجود لآدم عارض هذا الأمر بقياس فاسد: قال: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} [ص~: 38]؛ يعني: فكان الأولى هو الذي يسجد؛ فهذا قياس في مقابلة النص؛ فاسد الاعتبار؛ ومن اتباع خطوات الشيطان أيضاً الحسد؛ لأن الشيطان إنما قال ذلك حسداً لآدم؛ وهو أيضاً دأب اليهود، كما قال تعالى: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم} [البقرة: 109]؛ وكل خُلق ذميم، أو عمل سوء، فإنه من خطوات الشيطان.اهـ ([509])
-وأضاف الجصاص –رحمه الله-من أحكامها ما نصه: قوله تعالى:{ ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك } يدل على أن الأمر يقتضي الوجوب بنفس وروده غير محتاج إلى قرينة في إيجابه؛ لأنه علق الذم بتركه الأمر المطلق
وقيل في قوله تعالى { أن لا تسجد } إن " لا " ههنا صلة مؤكدة.
وقيل إن معناه:ما دعاك إلى أن لا تسجد وما أحوجك؟ وقيل في السجود لآدم وجهان: أحدهما: التكرمة لأن الله قد امتن به على عباده وذكره بالنعمة فيه، والثاني: أنه كان قبلة لهم كالكعبة.اهـ ([510])
قال تعالي{ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)}
-ذكر ابن عثيمين-رحمه الله-عن فوائد هذه الآية ومجاهدة كيد الشيطان ووسوسته وتلبيسه لابن آدم ردا على سؤال في الفتاوي ما مختصره:
الواقع أن هذه الوساوس لها سبب ولها دواء، هي لا شك أنها مرض تحتاج إلى دواء، وهذا المرض له سبب، وسببه: أن الشيطان إذا رأى من شخص الاستقامة في دين الله حاول بكل الوسائل أن يصده عن سبيل الله، قال الله تبارك وتعالى -عن الشيطان-: { فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ } [الأعراف:17] وعدو لك يقعد لك صراط الله المستقيم، ويأتيك من كل جهة لا شك أنه يريد أن يهلكك ويدمرك، ولكن إنما يأتي الشيطانُ المستقيمَ من الرجال والنساء، أما غير المستقيم فالشيطان قد استراح منه، لا يأتي إليه أبداً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آلهوسلم وقد شكا الصحابة إليه ذلك قال: ( أوجدتم هذا؟، قالوا: نعم يا رسول الله قال: ذاك صريح الإيمان )([511]).
الصريح من كل شيء الخالص الذي لا يشوبه شيء، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( إن هذا صريح الإيمان ) يعني: خالصه، مع أنه يوجد وسوسة لكن المؤمن يدافع هذا ويكره هذا، ولو سئل عما في قلبه: أتعتقده؟ لقال: أعوذ بالله! أنا أفر منه فراري من الأسد أو أشد، ولكن الشيطان يوسوس له، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( ذاك صريح الإيمان ).
وذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهذا الداء دواءين، وإن شئت فقل: دواءً مركباً من شيئين: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم([512])، والانتهاء أي: الإعراض([513])، بأن يتغافل الإنسان عن هذا ويتشاغل بأعماله وعباداته وحينئذٍ يزول، الاستعاذة بالله أن تقول وأنت مفتقر إلى الله عز وجل، عالم بأنه وحده هو القادر على أن يعيذك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
الثاني الإعراض -الانتهاء-اترك هذا وكأنه لم يكن، وحينئذٍ يزول عنك.اهـ([514])
-وذكر الجصاص- رحمه الله- في أحكامه ما مختصره: روي عن ابن عباس وإبراهيم وقتادة والحكم والسدي:{ من بين أيديهم ومن خلفهم } من قبل دنياهم وآخرتهم، من جهة حسناتهم وسيئاتهم.
وقال مجاهد: من حيث يبصرون ومن حيث لا يبصرون.
وقيل:{ من كل جهة يمكن الاحتيال عليهم }.
ولم يقل من فوقهم، قال ابن عباس: لأن رحمة الله تنزل عليهم من فوقهم، ولم يقل من تحت أرجلهم لأن الإتيان منه ممتنع إذا أريد به الحقيقة.اهـ ([515])
قوله تعالي:{ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) }
-ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في بيانه لقوله تعالي{ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} فائدة جليلة وهي أثبات صفة الكلام لله تعاليبنصوص الوحي من القرآن ورد علي أوهام من أنكروا هذه الصفة فقال ما مختصره:
والنداء لا يكون إلا صوتا باتفاق أهل اللغة وقد قال تعالى:{ إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا }{ ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما } فقد فرق الله بين إيحائه إلى النبيين وبين تكليمه لموسى
فمن قال: إن موسى لم يسمع صوتا؛ بل ألهم معناه لم يفرق بين موسى وغيره وقد قال تعالى:{ تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات } وقال تعالى:{ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء } فقد فرق بين الإيحاء والتكلم من وراء حجاب كما كلم الله موسى فمن سوى بين هذا وهذا كان ضالا. وقد قال الإمام أحمد رضي الله عنه وغيره من الأئمة: لم يزل الله متكلما إذا شاء. وهو يتكلم بمشيئته وقدرته يتكلم بشيء بعد شيء كما قال تعالى:{ فلما أتاها نودي يا موسى } فناداه حين أتاها ولم يناده قبل ذلك وقال تعالى:{ فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين } فهو سبحانه ناداهما حين أكلا منها ولم ينادهما قبل ذلك وكذلك قال تعالى:{ ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } بعد أن خلق آدم وصوره ولم يأمرهم قبل ذلك وكذا قوله:{ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } فأخبر أنه قال له كن فيكون بعد أن خلقه من تراب ومثل هذا الخبر في القرآن كثير: يخبر أنه تكلم في وقت معين ونادى في وقت معين. اهـ([516])
قال تعالي:{يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)}
قلت: في هذه الآية فوائد وأحكام نبينها فيما يلي:
-قوله تعالي { يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا }
-ذكر الجصاص- رحمه الله-في أحكامه ما مختصره: قال الله تعالى:{ يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة } قيل في الفتنة إنها المحنة بالدعاء إلى المعصية من جهة الشهوة أو الشبهة، والخطاب توجه إلى الإنسان بالنهي عن فتنة الشيطان وإنما معناه التحذير من فتنة الشيطان وإلزام التحرز منه.
وقوله تعالى:{ كما أخرج أبويكم من الجنة } فأضاف إخراجهما من الجنة إلى الشيطان فإنه أغواهما حتى فعلا ما استحقا به الإخراج منها، كقوله تعالى حاكيا عن فرعون:{ يذبح أبناءهم } وإنما أمر به ولم يتوله بنفسه.
وعلى هذا المعنى أضاف نزع لباسهما إليه بقوله:{ ينزع عنهما لباسهما } وهذا يحتج به فيمن حلف لا يخيط قميصه أو لا يضرب عبده وهو ممن لا يتولى الضرب بنفسه أنه إن أمر به غيره ففعله حنث، وكذلك إذا حلف لا يبني داره فأمر غيره فبناها.اهـ ([517])
-وقوله تعالي { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ }
-ذكر الحافظ ابن حجر-رحمه الله-في شرحه لحديث " أبو هريرة-رضي الله عنه -وفيه" إن عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخي سليمان رب{ هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي } فرددته خاسئا"([518])
فقال- رحمه الله- ما مختصره:
قوله: ( فذكرت دعوة أخي سليمان ) أي قوله:{ وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي } وفي هذه إشارة إلى أنه تركه رعاية لسليمان عليه السلام، ويحتمل أن تكون خصوصية سليمان استخدام الجن في جميع ما يريده لا في هذا القدر فقط، واستدل الخطابي بهذا الحديث على أن أصحاب سليمان كانوا يرون الجن في أشكالهم وهيئتهم حال تصرفهم، قال: وأما قوله تعالى:{ إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } فالمراد الأكثر الأغلب من أحوال بني آدم، وتعقب بأن نفي رؤية الإنس للجن على هيئتهم ليس بقاطع من الآية بل ظاهرها أنه ممكن، فإن نفي رؤيتنا إياهم مقيد بحال رؤيتهم لنا ولا ينفي إمكان رؤيتنا لهم في غير تلك الحالة، ويحتمل العموم. وهذا الذي فهمه أكثر العلماء حتى قال الشافعي: من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته، واستدل بهذه الآية. والله أعلم.اهـ([519])
قلت: وهذا الاستدلال من الآيةوالحديث الشريف ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية فقال- رحمه الله:
الذي في القرآن أنهم يرون الإنس من حيث لا يراهم الإنس وهذا حق يقتضي أنهم يرون الإنس في حال لا يراهم الإنس فيها وليس فيه أنهم لا يراهم أحد من الإنس بحال؛ بل قد يراهم الصالحون وغير الصالحين أيضا؛ لكن لا يرونهم في كل حال والشياطين هم مردة الإنس والجن وجميع الجن ولد إبليس. والله أعلم.اهـ([520])
-وكذلك ذهب العلامة ابن باز- رحمه الله-فقال مع فوائد جمة:{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ}
يعني يروننا من حيث لا نراهم، وليس معناه أننا لا نراهم، قد نراهم، لكن من حيث لا نراهم قد يروننا، من جهات يروننا فيها ولا نراهم فيها، لكن الجني قد يبدو لبعض الناس في الصحراء، وفي البيوت، وقد يخاطب، وقد حدثنا جماعة من العلماء عن وقائع كثيرة من هذا، أن بعض الجن حضروا مجالس العلم، وسألوا عن بعض العلم وإن كانوا لا يرون، وبعض الناس قد يراهم يتمثلون في الصحراء وغير الصحراء، لكن لا تجوز عبادتهم من دون الله، ولا الاستغاثة بهم، ولا الاستعانة بهم على إضرار المسلمين، ولا سؤالهم عن علم الغيب، بل يجب أن يحذروا، أما دعوتهم إلى الله إذا عرفتهم، وتعليمهم ما ينفعهم، ونصيحتهم، ووعظهم، وتذكيرهم، فلا بأس بذلك. أما الاستعانة بهم أو الاستغاثة بهم، أو النذر لهم، أو التقرب إليهم بالذبائح خوف شرهم، كل هذا منكر، قال الله جل وعلا: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}يعني زادوهم شرا وبلاء. والآية فيها تفسيران: أحدهما زادوهم، يعني الجن زادوا الإنس ذعرا وخوفا، يعني فزاد الجن الإنس ذعرا وخوفا منهم. والمعنى الثاني فزادوهم رهقا، زاد الإنس الجن رهقا، يعني طغيانا وكفرا وعدوانا عليهم، لأنهم لما رأوا الإنس يخافونهم تكبروا عليهم، وزادوا في إيذائهم. وبكل حال فلا يجوز سؤالهم ولا الاستغاثة بهم ولا النذر لهم، ولا نداؤهم لطلب حاجة، أو شفاء مريض، أو ما أشبه ذلك، لكن إذا كلمهم ينصحهم ويذكرهم ويدعوهم إلى الله ويعلمهم ما ينفعهم، فلا حرج في ذلك، كالإنس.اهـ([521])
-وأضاف الألبانيموضحاً ما تدل عليه الآية الكريمة ومضمون الحديث الشريف وما فيه من فوائد وفي كلامهالخلاصة في هذه المسألة فقال-رحمه الله-ما مختصره: الآية السابقة معناها على ضوء ما جاء في السنة من مثل هذا الحديث الصحيح معناها: {مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} (الأعراف:27) على صورهم التي خلقهم الله عليها، أما صورهم التي يتشكلون بها ممكن أن يروا بها، لكن هذه الصورة لا تُعَرِّف الإنس بشخصية صاحب الصورة؛ لأنه متلون ومتلبس بصورة أخرى، على هذا يحمل حديث أبي هريرة وما شابهه، يعني: هذا الشيطان الذي تحول إلى شخص كبني الإنسان حتى تمكن الإنسان وهو: أبو هريرة أن يلقي القبض عليه وأن يهدده بأنه سارق وأنه سيرسله إلى الرسول عليه السلام، فيجري بينه وبين أبي هريرة ذاك الاستعطاف بأنه فقير وذو عائلة، فيطلب منه بأن يطلق سبيله، فحن قلبه عليه وأطلق سبيله، ولما أصبح الصباح وقص أبو هريرة القصة على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «إنه شيطان، وإنه سيعود إليك» وفعلاً عاد إليه مرتين أخريين.
وفي المرة الثانية أيضاً رق قلبه عليه وأطلق سبيله، في المرة الثالثة قال: لن أدعك؛ لأن الرسول عليه السلام قال لي: إنك شيطان، قال: دعني وأنا أعلمك آية إذا تلوتها قبل نومك فإنه لا يضرك في تلك الليلة إنس ولا جان: آية الكرسي.([522])اهـ ([523])
قال تعالي:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)}
-قال الجصاص-رحمه الله –في أحكامه: قيل في نزغ الشيطان إنه الإغواء بالوسوسة، وأكثر ما يكون عند الغضب وقيل إن أصله الإزعاج بالحركة إلى الشر، ويقال: هذه نزغة من الشيطان، للخصلة الداعية إليه
فلما علم الله تعالى نزغ الشيطان إيانا إلى الشر علمنا كيف الخلاص من كيده وشره بالفزع إليه والاستعاذة به من نزغ الشيطان وكيده، وبين بالآية التي بعدها أنه متى لجأ العبد إلى الله واستعاذ من نزغ الشيطان حرسه منه وقوى بصيرته بقوله:{ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون } قال ابن عباس: الطيف هو النزغ.
وقال غيره: الوسوسة.
وهما متقاربان وذلك يقتضي أنه متى استعاذ بالله من شر الشيطان أعاذه منه وازداد بصيرة في رد وسواسه والتباعد مما دعاه إليه، ورآه في أخس منزلة وأقبح صورة لما يعلم من سوء عاقبته إن وافقه وهون عنده دواعي شهوته.اهـ ([524])
ما جاء عن التقوي والهداية
قال تعالي:{كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}
-ذكر ابن القيم فائدة وقاعدة نافعة من الآية قال-رحمه الله-ما مختصره: إنه لو كان ظاهر الكتاب مخالفا لصريح المعقول لكان في الصدور أعظم حرج منه وضيق وهذا خلاف المشهود بالباطن لكل ذي عقل سليم فإنه كلما كان الرجل أتم عقلا كان الحرج بالكتاب أبعد منه قال تعالى لرسوله { المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) } الأعراف
والله تعالى رفع الحرج عن الصدور بكتابه وكانت قبل إنزال الكتاب في أعظم الحرج والضيق فلما أنزل كتابه ارتفع به عنها ذلك الحرج وبقي الحرج والضيق على من لم يؤمن به كما قال تعالى {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا}(125) -الأنعام
ومن آمن به من وجه دون وجه ارتفع عنه الحرج والضيق من الوجه الذي آمن به دون ذلك الوجه فمن أقر أنه منزل من عند الله أنزله على رسوله ولم يقر بأنه كلامه الذي تكلم به بل جعله مخلوقا من جملة مخلوقاته كان في صدره من الضيق والحرج ما يناسب ذلك ومن أقر بأنه تكلم بشطره وهو المعاني دون شطره الآخر وهو حروفه كان في صدره من الحرج منه ما يناسب ذلك ومن زعم أنه غير كاف في معرفة الحق وأن العباد يحتاجون معه إلى معقولات وآراء ومقاييس وقواعد منطقية ومباحث عقلية ففي صدره منه أعظم حرج وأعظم حرجا منه من اعتقد أن فيه ما يناقض العقل الصريح ويشهد العقل بخلافه وكذلك من زعم أن آياته لا يستفاد منها علم ولا يقين ففي صدره منه من الحرج ما الله به عليم ومن زعم أن الخطاب به خطاب جمهوري يخيل للعامة ما ينتفعون به مما ليس له حقيقة في نفس الأمر ففي صدره منه أعظم حرج ومن زعم أن أجل ما فيه وأشرفه وأفضله وهو قسم التوحيد المتضمن للأسماء والصفات مجازات واستعارات وتشبيهات لا حقائق ففي صدره منه أعظم حرج فكل هذه الطوائف في صدورهم منه حرج وريب وليس في حقهم هدى ولا شفاء ولا رحمة ولا هو كاف لهم بشهادتهم على أنفسهم وشهادة الله وملائكته والشهداء من عباده عليهم وبالله التوفيق.اهـ([525])
-وقال ابن عربي-رحمه الله –في أحكامه:: قوله:{ فلا يكن في صدرك حرج منه } نهي في الظاهر، ولكنه لنفي الحرج.
وعجبا له مع عمل يقع في مثله، والنهي عن الشيء لا يقتضي نفيه؛ فإن الله سبحانه ينهى عن أشياء وتوجد، ويأمر بأشياء فلا توجد والصحيح أنه نهي عن حاله؛ قيل لمحمد:{ فلا يكن في صدرك حرج منه }، وأعين على امتثال النهي بخلق القدرة له عليه؛ كما فعل به في سائر التكليفات.اهـ([526])
قال تعالي{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)}
-قال الجصاص-رحمه الله- في أحكامه: قوله تعالى:{ اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } هو أن يكون تصرفه مقصورا على مراد أمره؛ وهو نظير الائتمام، وهو أن يأتم به في اتباع مراده وفي فعله غير خارج عن تدبيره.
فإن قيل: هل يكون فاعل المباح متبعا لأمر الله عز وجل؟ قيل له: قد يكون متبعا إذا قصد به اتباع أمره في اعتقاد إباحته وإن لم يكن وقوع الفعل مرادا منه، وأما فاعل الواجب فإنه قد يكون الاتباع في وجهين: أحدهما: اعتقاد وجوبه، والثاني: إيقاع فعله على الوجه المأمور به، فلما ضارع المباح الواجب في الاعتقاد؛ إذ كان على كل واحد منهما وجوب الاعتقاد بحكم الشيء على ترتيبه ونظامه في إباحة أو إيجاب جاز أن يشتمل قوله:{ اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } على المباح والواجب وقوله:{ اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } دليل على وجوب اتباع القرآن في كل حال وأنه غير جائز الاعتراض على حكمه بأخبار الآحاد؛ لأن الأمر باتباعه قد ثبت بنص التنزيل، وقبول خبر الواحد غير ثابت بنص التنزيل، فغير جائز تركه؛ لأن لزوم اتباع القرآن قد ثبت من طريق يوجب العلم وخبر الواحد يوجب العمل فلا يجوز تركه ولا الاعتراض به عليه.
ثم قال- رحمه الله-:
فهذا عندنا فيما كان وروده من طريق الآحاد، فأما ما ثبت من طريق التواتر فجائز تخصيص القرآن به وكذلك نسخه قوله:{ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكمعنه فانتهوا} فما تيقنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله فإنه في إيجاب الحكم بمنزلة القرآن، فجائز تخصيص بعضه ببعض وكذلك نسخه.اهـ ([527])
- وقال الكيا هراسي في أحكامه: معناه معلوم، ومن جملة ما أنزل الله تعالى المباحات، فعلى ذلك يلزم من ظاهره الأمر باتباع المباح، ويلزم منه دخول المباح تحت الأمر.اهـ ([528])
-وزاد العلامة ابن العثيمين فائدة عن أهمية اتباع ما أنزل الله تعالي من القرآن وآياته علي ظاهرها بصفة عامة وآيات الصفات بصفة خاصة وهذا كلامه – رحمه الله-: ظاهر النصوص ما يتبادر منها من المعاني بحسب ما تضاف إليه وما يحتف بها من القرآن.
والواجب في النصوص إجراؤها على ظاهرها بدون تحريف لقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (الشعراء: 192 - 195). وقوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الزخرف: 3). وقوله: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاء}(لأعراف: 3). فإذا كان الله تعالى أنزله باللسان العربي من أجل عقله وفهمه، وأمرنا باتباعه، وجب علينا إجراؤه على ظاهره بمقتضى ذلك اللسان العربي، إلا أن تمنع منه حقيقة شرعية.
ولا فرق في هذا بين نصوص الصفات وغيرها، بل قد يكون وجوب التزام الظاهر في نصوص الصفات أولى وأظهر؛ لأن مدلولها توقيفي محض لا مجال للعقول في تفاصيله.
فإن قال قائل في نصوص الصفات: لا يجوز إجراؤها على ظاهرها لأن ظاهرها غير مراد.
فجوابه أن يقال: ماذا تريد بالظاهر؟ أتريد ما يظهر من النصوص من المعاني اللائقة بالله من غير تمثيل، فهذا الظاهر مراد لله ورسوله قطعاً، وواجب على العباد قبوله، والإيمان به شرعاً؛ لأنه حق ولا يمكن أن يخاطب الله عباده بما يريد منهم خلاف ظاهره بدون بيان كيف، وقد قال: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُم} (النساء: 26) وقال: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} (النساء: 176) ويقول عن رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل: 44). ويقول: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (الشورى: 52). ومن خاطب غيره بما يريد منه خلاف ظاهره بدون بيان فإنه لم يبين له ولم يهده.
أم تريد بالظاهر ما فهمته من التمثيل؟ فهذا غير مراد لكنه ليس ظاهر نصوص الكتاب والسنة؛ لأن هذا الظاهر الذي فهمته كفر وباطل بالنص والإجماع، ولا يمكن أن يكون ظاهر كلام الله ورسوله كفراً وباطلاً، ولا يرتضي ذلك أحد من المسلمين.اهـ([529])
قال تعالي {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)}
-قال الكيا هراسي-رحمه الله-في احكامه ما نصه: اعلم أن ظاهره الإنعام بإنزال اللباس، ويجوز أن يكون عين اللباس على هيئته قد أنزله الله تعالى على آدم حين أهبطه وتاب عليه، ويجوز أن يكون قد أنزل ما يحصل منه اللباس من بزره، وقد ظن علي بن موسى القمي([530]) وأبو بكر الرازي([531])، أن في ذلك دلالة على وجوب ستر العورة، وذلك أنه قال: {يواري سوءاتكم}، فذلك إشارة إلى الوجوب، وليس فيه دلالة على ما ذكروه، بل فيه دلالة على الإنعام فقط. واحتجوا عليه أيضا بأن قوله تعالى:
{لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما}.
وذلك يدل أيضا على التحذير من زوال النعمة، كما نزل بآدم عليه السلام، هذا أن لو ثبت أن شرع آدم يلزمنا، والأمر بخلاف ذلك.اهـ ([532])
-وذكر ابن عثيمين فوائد وأحكام من الآية فقال- رحمه الله-: في هذه الآية الكريمة بين الله تعالى ما من به على عباده حيث أنزل عليهم ثلاثة أنواع من الألبسة نوعان حسيان ونوع معنوي، فأما النوعان الحسيان فهما لباس ضروري يواري الإنسان به عورته يكسو به بدنه لا بد له منه ولباس ريش، ويقال: رياش وهو لباس الجمال والزينة الزائد عن اللباس الضروري، وأما النوع المعنوي، فهو لباس التقوى تقوى الله عز وجل بامتثال أمره واجتناب نهيه، وهذا اللباس خير من النوعين الحسيين ذلك؛ لأنه يواري سوأة الإنسان في الدنيا والآخرة:{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا }{ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ }{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا }{ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا }. إن هذا اللباس هو الزينة التي أخرج الله لعباده، وأحلها لهم، وأنكر على من يحرمها بدون برهان:{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ }. إن في إضافة هذه الزينة إلى الله ووصفها بأنه الذي أخرجها لهم لأكبر برهان على أنه ليس من حقنا أن نتحكم بهذه الزينة في تحليل أو تحريم، وإنما حكمها إلى الله وحده؛ لأنه الذي أخرجها لعباده وحده، وليس من حقنا كذلك أن نستعملها كما نشاء، وإنما نستعملها على الوجه الذي حدد لنا بدون تعد:{ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }. لقد حدد الله لنا استعمال هذا اللباس نوعا، وكيفا حلا وحرمة لئلا نتجاوز بها إلى حد لا يليق بنا أما الحل، فإن الحلال من هذا اللباس هو الأصل؛ لأن الله يقول:{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } واللباس مما خلق الله لنا في الأرض، فهو حل لنا حتى يقوم دليل على تحريمه، ولهذا كان الحل من اللباس أكثر بكثير من المحرم، وأما المحرم فهو قليل بالنسبة إليه؛ لأن عطاء الله سبحانه أوسع من منعه، ولا يمنع إلا لحكمة بالغة اقتضت المنع.اهـ([533])
قال تعالي:{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)}
قلت: وهذه الآية الكريمة تبين أحكام ينبغي علي المسلم مراعاتها والاستفادة منها نبينها فيما يلي:
-قوله تعالي { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ }
-ذكر السعدي-رحمه الله-عدة فوائد من هذهالآية وما في معناها فقال: القرآن يرشد إلى التوسط والاعتدال وذم التقصير والغلو ومجاوزة الحد في كل الأمور.
قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ } [النحل: 90] وقال: { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ } [الأعراف: 29] والآيات الآمرة بالعدل والإحسان والناهية عن ضدهما كثيرة.
والعدل في كل الأمور: لزوم الحد فيها وأن لا يغلو ويتجاوز الحد، كما لا يقصر ويدع بعض الحق.
ففي عبادة الله أمر بالتمسك بما كان عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في آيات كثيرة ونهى عن مجاوزة ذلك، وتعدي الحدود وذم المقصرين عنه في آيات كثيرة.
فالعبادة التي أمر الله بها ما جمعت الإخلاص للمعبود والمتابعة للرسول، فإذا خلت من الأمرين أو أحدهما فهي لاغية.
وفي حق الأنبياء والرسل ـ صلى الله عليهم وسلم ـ أمر بالاعتدال وهو الإيمان بهم، ومحبتهم المقدمة على محبة الخلق، وتوقيرهم واتباعهم، ومعرفة أقدارهم ومراتبهم التي أكرمهم الله بها. ونهى في آيات كثيرة عن الغلو فيهم وهو أن يُرفعوا فوق منزلتهم التي أنزلهم الله، ويجعل لهم من حقوق الله التي لا يشاركه فيها مشارك شيء. كما نهى عن التقصير في حقهم بتكذيبهم أو ترك محبتهم وتوقيرهم أوعدم اتباعهم. وذمَّ الغالين فيهم كالنصارى ونحوهم في عيسى، كما ذمَّ الجافين لهم كاليهود حين قالوا في عيسى ما قالوا، وذمَّ من فرق بينهم فآمن ببعض دون بعض، وأخبر أن هذا كفر بجميعهم. وكذلك يتعلق هذا الأمر في حق العلماء والأولياء فتجب محبتهم ومعرفة أقدارهم، ولا يحلُّ الغلو فيهم، وإعطاؤهم شيئاً من حق الله، وحق رسوله الخالص، ولا يحلُّ جفاؤهم ولا عداوتهم، فمن عادى لله ولياً فقد بارزه بالحرب.
وأمر بالتوسط في النفقات والصدقات، ونهى عن الإمساك والتقصير والبخل، كما نهى عن الإسراف والتبذير.
وأمر بالقوة والشجاعة بالأقوال والأفعال، ونهى عن الجبن، وذم الجبناء وأهل الخور وضعفاء النفوس، كما ذم المتهورين الذين يلقون بأيديهم إلى التهلكة.
وأمر وحث على الصبر في آيات كثيرة، ونهى عن الجزع والهلع والتسخط، كما نهى عن التجبر والقسوة وعدم الرحمة في آيات كثيرة.
وأمر بأداء الحقوق لكل من له حق عليك: من الوالدين والأقارب والأصحاب ونحوهم والإحسان إليهم قولا وفعلاً، وذمَّ من قصر في حقهم أو أساء إليهم قولاً وفعلاً، كما ذم من غلا فيهم وفي غيرهم حتى قدم رضاهم على رضا الله وطاعتهم على طاعة الله.
وأمرنا بالاقتصاد في الأكل والشرب واللباس، ونهى عن السرف والترف، كما نهى عن التقصير الضار بالقلب والبدن.
وبالجملة فما أمر الله بشيء إلا كان بين خلقين ذميمين: تفريط وإفراط.اهـ ([534])
- وزاد شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- تأكيدا لهذا المعني فقال مضيفاً فائدة أخري: أن جماع الحسنات العدل وجماع السيئات الظلم وهذا أصل جامع عظيم. وتفصيل ذلك: أن الله خلق الخلق لعبادته فهذا هو المقصود المطلوب لجميع الحسنات وهو إخلاص الدين كله لله وما لم يحصل فيه هذا المقصود: فليس حسنة مطلقة مستوجبة لثواب الله في الآخرة وإن كان حسنة من بعض الوجوه له ثواب في الدنيا. وكل ما نهى عنه فهو زيغ وانحراف عن الاستقامة ووضع للشيء في غير موضعه فهو ظلم. ولهذا جمع بينهما سبحانه في قوله:{ قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين } فهذه الآية في سورة الأعراف المشتملة على أصول الدين والاعتصام بالكتاب وذم الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله كالشرك وتحريم الطيبات أو خالفوا ما شرعه الله من أمور دينهم كإبليس ومخالفي الرسل من قوم نوح إلى قوم فرعون والذين بدلوا الكتاب من أهل الكتاب فاشتملت السورة على ذم من أتى بدين باطل ككفار العرب ومن خالف الدين الحق كله كالكفار بالأنبياء أو بعضه ككفار أهل الكتاب. وقد جمع سبحانه في هذه السورة وفي الأنعام وفي غيرهما ذنوب المشركين في نوعين.اهـ ([535])
-قوله تعالي:{ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ }
-قال الجصاص-رحمه الله-في أحكامه: قوله تعالى:{ وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد } روي عن مجاهد والسدي: توجهوا إلى قبلة كل مسجد في الصلاة على استقامة.
وقال الربيع بن أنس: توجهوا بالإخلاص لله تعالى لا لوثن ولا غيره.
قال أبو بكر: قد حوى ذلك معنيين: أحدهما: التوجه إلى القبلة المأمور بها على استقامة غير عادل عنها، والثاني: فعل الصلاة في المسجد، وذلك يدل على وجوب فعل المكتوبات في جماعة لأن المساجد مبنية للجماعات.
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبار في وعيد تارك الصلاة في جماعة وأخبار أخر في الترغيب فيها، فمما روي ما يقتضي النهي عن تركها قوله صلى الله عليه وسلم:{ لابن أم مكتوم حين قال له إن منزلي شاسع فقال: هل تسمع النداء؟ فقال: نعم، فقال: لا أجد لك عذرا }([536]) وقوله:{ لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم آمر بحطب فيحرق على المتخلفين عن الجماعة بيوتهم }([537]) في أخبار نحوها.
ومما روي من الترغيب أن صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة([538])، وقوله:{ بشر المشائين في ظلام الليل إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة([539]).اهـ ([540])
قال تعالي:{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)}
-قال الجصاص-رحمه الله-في أحكامه ما مختصره:
والعفو هو التسهيل والتيسير، فالمعنى استعمال العفو وقبول ما سهل من أخلاق الناس وترك الاستقصاء عليهم في المعاملات وقبول العذر ونحوه.
وروي عن ابن عباس في قوله تعالى:{ خذ العفو } قال: هو العفو من الأموال قبل أن ينزل فرض الزكاة، وكذلك روي عن الضحاك والسدي وقيل: إن أصل العفو الترك، ومنه قوله تعالى:{ فمن عفي له من أخيه شيء } يعني: ترك له؛ والعفو عن الذنب ترك العقوبة عليه وقوله تعالى:{ وأمر بالعرف } قال قتادة وعروة: العرف المعروف.
ثم أضاف-رحمه الله-:
والمعروف هو ما حسن في العقل فعله ولم يكن منكرا عند ذوي العقول الصحيحة.
قوله تعالى:{ وأعرض عن الجاهلين } أمر بترك مقابلة الجهال والسفهاء على سفههم وصيانة النفس عنهم وهذا والله أعلم يشبه أن يكون قبل الأمر بالقتال؛ لأن الفرض كان حينئذ على الرسول إبلاغهم وإقامة الحجة عليهم، وهو مثل قوله:{فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا } وأما بعد الأمر بالقتال فقد تقرر أمر المبطلين والمفسدين على وجوه معلومة من إنكار فعلهم تارة بالسيف وتارة بالسوط وتارة بالإهانة والحبس.اهـ ([541])
قال تعالي:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)}
قلت: مدلول الآية الإنصات للقرآن بصفة عامة للأمر بالإنصات والعلماء يفصلون بين المكان المهيأ وغير المهيأللإنصات في وجوبه وعدمه،وكذلك من الآية والأحاديث الصحيحة استنبط بعض علمائنا الأفاضل علي عدم القراءة خلف الأماممطلقاً في الصلاة للأمر بالإنصات وذهب بعضهم إلي وجوب الانصات لقراءة الأمام مع استثناء فاتحة الكتاب للمأموم لوجوب قراتها حتي لو قرأ الأمام وذكروا في ذلك عدة أحكام ونذكر هنا من أقوالهم في بيان حكم الانصات العام عند استماع القرآن والخاص في الصلاة مع التبسيط والاختصار والله المستعان.
اولاً: حكم الإنصات بصفة عامة للقرآن وأحكام ذلك:
-قال الشنقيطي-رحمه الله-في فتوي له رداً علي سؤال-عن قول الله تعالى: { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا } [الأعراف:204] هل الحكم خاص بالصلاة، أم هو عام حتى خارج الصلاة؟
فقال-رحمه الله-:
هذا فيه تفصيل: إذا كان المكان مهيأ لتلاوة كتاب الله عز وجل، كأن يكون في حلق علم وحلق دراسة للقرآن فلا يجوز لأحد أن يجلس في الحلقة وهو يحدث صاحبه؛ حتى لا يشوش على إخوانه، بل ينتحي مع زميله ناحية بعيداً عن هذه الحلق.
أما لو كان المكان غير مهيأ، كأن يكون الإنسان ماشياً في الطريق، أو سمعه عرضاً في دكان أو بقالة أو نحو ذلك فلا يلزمه أن يستمع، ولكن لو استمع فهو أفضل، والمرد بذلك أن يكف عن الكلام ويصغي، حتى ولو كان يمشي، وهكذا المرأة لو كانت في عملها وشأنها وتصغي لكتاب الله وتستمع له، وتتأثر بالآيات التي فيه فهذا خير، وهي عبادة السمع والقلب.
فإذا كان الإنسان يريد الأفضل فليستمع، وأما بالنسبة لوجوب الإنصات فهذا في الصلاة من جهة تعين الإنصات، أما في الطريق أو أثناء المرور على حلقة علم لا يلزمه أن يجلس ويستمع، وإنما يلزمه الاستماع والإنصات في الصلاة، وأما خارج الصلاة فالعلماء يفصلون بين المكان المهيأ وغير المهيأ.اهـ([542])
-وزاد الالباني بياناً فقال في رده عن سؤال عن حكم إذا كانت المسجلة مفتوحةً على القرآن الكريم، وبعض الحاضرين لا يستمعون بسبب أنهم مشغولون بالكلام، فما حكم عدم الاستماع؟ وهل يأثم أحد من الحاضرين أو الذي فتح المسجلة؟
فقال- رحمه الله- ما مختصره: الجواب عن هذه القضية يختلف باختلاف المجلس الذي يُتلى فيه القران من المُسجلة، فإن كان المجلس مجلس علم وذكر وتلاوة قران، فيجب - والحالة هذه - الإصغاء التام، ومن لم يفعل فهو آثم، لمخالفته بقول الله تبارك وتعالى في القران {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ]الأعراف:204].
أما إذا كان المجلس ليس مجلس علم ولا ذكر ولا تلاوة قران، وإنما مجلس عادي، كأن يكون إنسان يعمل في البيت، أو يدرس أو يطالع، ففي هذه الحالة لا يجوز فتح آلة التسجيل، ورفع صوت التلاوة بحيث يصل إلى الآخرين الذين هم ليسوا مكلفين بالسماع، لأنهم لم يجلسوا له، والمسؤول هو الذي رفع صوت المسجلة وأسمع صوتها للآخرين، لأنه يُحرجُ على الناس، ويحملهم على أن يسمعوا للقران في حالة هم ليسوا مستعدين لهذا الاستماع.اهـ([543])
قلت: وحكم الإنصات بصفة خاصة للقرآن في الصلاة ذهب بعض علمائنا لوجوب قرأت الفاتحة خلف الأمام والبعض الآخر إلي وجوب الإنصات وعدم القراءة كما ذكرت أنفاً ونذكر هنا من أقوالهم ما يلي:
-ما قاله الشنقيطي-رحمه الله- في فتوي له عن سؤال في حكم قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة خلف الامام فأجاب إجابة شافية فقال:
للعلماء في المأموم إذا كان وراء الإمام أقوال في وجوب الفاتحة عليه: القول الأول، وهو إحدى الروايات عن الإمام أحمد رحمة الله عليه: الوجوب في جميع الصلاة، سواءٌ أكانت سرية أم جهرية، وهو مذهب الشافعية، وكذلك اختاره جمع من أهل الحديث، والظاهرية رحمة الله على الجميع، فهم يرون أن قراءة الفاتحة واجبة على المأموم والمنفرد والإمام، وأنك إذا صليت وراء الإمام في جهرية أو سرية يجب عليك قراءة الفاتحة.
القول الثاني: لا تجب على المأموم قراءة الفاتحة وراء الإمام مطلقاً، وهو مذهب الحنفية رحمة الله عليهم.
القول الثالث: تجب عليه في السرية دون الجهرية، كما هو موجود في مذهب المالكية، وكذلك بعض أصحاب الإمام أحمد يميل إليه، وقالوا: إذا جهر لا يقرأ، ولا تلزمه القراءة، وإذا أسر وجبت عليه القراءة.
وأصح هذه الأقوال والعلم عند الله القول بوجوب القراءة مطلقاً، وذلك لما يأتي: أولاً: لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: " أيما صلاةٍ لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج "([544])، والقاعدة في الأصول أن (أيّ) من ألفاظ العموم، وما فرّق النبي صلى الله عليه وسلم بين صلاتك إماماً أو مأموماً أو منفرداً، نافلة أو فريضةً، فالأصل في العام أن يبقى على عمومه حتى يرد ما يخصصه، ولا مخصص.
الدليل الثاني: أنه ثبت في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه استثنى الفاتحة في القراءة وراء الإمام حتى في الجهرية، فثبت في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه: " صلى بالناس الصبح فسمع قارئاً يقرأ وراءه، فقال: إنكم تقرءون وراء إمامكم؟ قالوا: نعم.
قال عليه الصلاة والسلام: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب" ([545])، فهذا نص، والذين قالوا بعدم القراءة قالوا: هذا منسوخ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث جابر:" من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة "([546])، قالوا: فهذا يعتبر ناسخاً لحديث: " لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب".
والجواب عن هذا القول من وجوه: أولاً: إنه لا يصح النسخ بالاحتمال، حيث لم يثبت دليل يدل على تأخر هذا الحديث عن الحديث الذي ذكرناه: " لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب ".
ثانياً: أن هذا الحديث ضعيف، وجماهير المحدثين على ضعفه، فلا يقوى على معارضة ما هو أصح منه.
ثالثاً: أن قوله: " فقراءة الإمام له قراءة " المراد به: القراءة التي بعد الفاتحة، فبالإجماع أنك إذا صليت وراء الإمام أنك تترك قراءته، وهذا هو الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر، ولذلك نهى الصحابي لما قرأ بـ: { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى } [الأعلى:1] فقال: " مالي أنازعها "([547])، فلذلك يفهم من هذا أن المراد بقوله: " فقراءة الإمام له قراءة " ما بعد الفاتحة.
وبناءً على هذا يترجح القول بوجوب القراءة مطلقاً، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " أيما صلاةٍ لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج ".
وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ".
وقوله في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: " لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب ".
فهذه الأدلة تقوي مذهب من قال بأنه يقرأ في السرية والجهرية.
أما السؤال: متى يقرأ إذا كان وراءه، فإنَّ قوله تعالى: { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [الأعراف:204] لا يعارض ما نحن فيه؛ فإن القاعدة: (العام يخصص إذا أمكن تخصيصه)، وقد جاءنا الحديث يقول: " لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب "، فهذا مخصص، والقاعدة: (لا تعارض بين عامٍ وخاص).
فنقول قوله تعالى: { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ } [الأعراف:204] محمول على العموم إلا في الصلاة؛ لأنك مطالبٌ بالقراءة كما يقرأ إمامك، وبناءً على ذلك: فله قراءته وأنت لك قراءة، فلا يصح أن تترك الفرض للاستماع الذي هو دونه في الوجوب، حتى لو قلنا بوجوب استماع القرآن، فقد تعارض الفرض الذي هو ركن الصلاة والواجب، والقاعدة أنه إذا تعارض الفرض والركن مع الواجب يقدّم الفرض والركن على الواجب، فهذا وجهٌ.
الوجه الثاني: أن أبا هريرة رضي الله عنه -كما روى البيهقي عنه بسندٍ صحيح في جزء القراءة وراء الإمام-لما قيل له ذلك قال: " اقرأها في سرك "، وجاء عن بعض السلف: اقرأها في سكتات الإمام، فتقرؤها في سكتات الإمام كسكتته بين الفاتحة والسورة، أو سكتته قبل الركوع، فهذا الذي تميل إليه النفس..اهـ([548])
-وكذلك ما ذكره الجصاص-رحمه الله- في أحكامه ما مختصره:
قوله تعالى:{ وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } يقتضي وجوب الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن في الصلاة وفي غيرها، فإن قامت دلالة على جواز ترك الاستماع والإنصات في غيرها لم يبطل حكم دلالته في إيجابه ذلك فيها.
وكما دلت الآية على النهي عن القراءة خلف الإمام فيما يجهر به فهي دالة على النهي فيما يخفي؛ لأنه أوجب الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن لم يشترط فيه حال الجهر من الإخفاء، فإذا جهر فعلينا الاستماع والإنصات وإذا أخفى فعلينا الإنصات بحكم اللفظ لعلمنا بأنه قارئ للقرآن.
ثم أضاف-رحمه الله-: قد بينا دلالة الآية على وجوب الإنصات عند قراءة الإمام في حال الجهر والإخفاء، وقال أهل اللغة: الإنصات الإمساك عن الكلام والسكوت لاستماع القراءة، ولا يكون القارئ منصتا ولا ساكتا بحال وذلك لأن السكوت ضد الكلام، وهو تسكين الآلة عن التحريك بالكلام الذي هو حروف مقطعة منظومة ضربا من النظام، فهما يتضادان على المتكلم بآلة اللسان وتحريك الشفة، ألا ترى أنه لا يقال ساكت متكلم كما لا يقال ساكن متحرك؟ فمن سكت فهو غير متكلم ومن تكلم فهو غير ساكت.
فإن قال قائل: قد يسمى مخفي القراءة ساكتا إذا لم تكن قراءته مسموعة؛ كما روى عن أبي هريرة قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر سكت بين التكبير والقراءة فقلت له: بأبي أنت وأمي أرأيت سكتاتك بين التكبير والقراءة أخبرني ما تقول؟ قال: أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب "([549]) وذكر الحديث، فسماه ساكتا وهو يدعو خفيا، فدل ذلك على أن السكوت إنما هو إخفاء القول وليس يتركه رأسا.
قيل له: إنما سميناه ساكتا مجازا؛ لأن من لا يسمعه يظنه ساكتا، فلما أشبه الساكت في هذا الوجه سماه باسمه لقرب حاله من حال الساكت، كما قال تعالى:{ صم بكم عمي } تشبيها بمن هذه حاله، وكما قال في الأصنام:{ وتراهم ينظرون إليك } تشبيها لهم بمن ينظر وليس هو بناظر في الحقيقة.
ثم أضاف- رحمه الله- بعد كلام:
وأيضا فإن سبيل المأموم أن يتبع الإمام، ولا يجوز أن يكون الإمام تابعا للمأموم، فعلى قول هذا القائل يسكت الإمام بعد القراءة حتى يقرأ المأموم، وهذا خلاف قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما جعل الإمام ليؤتم به "([550]) ثم مع ذلك يكون الأمر على عكس ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: " وإذا قرأ فأنصتوا " فأمر المأموم بالإنصات للإمام، وهو يأمر الإمام بالإنصات للمأموم ويجعله تابعا له، وذلك خلف من القول؛ ألا ترى أن الإمام لو قام في الثنتين من الظهر ساهيا لكان على المأموم اتباعه، ولو قام المأموم ساهيا لم يكن على الإمام اتباعه، ولو سها المأموم لم يسجد هو ولا إمامه للسهو، ولو سها الإمام ولم يسه المأموم لكان على المأموم اتباعه؟ فكيف يجوز أن يكون الإمام مأمورا بالقيام ساكتا ليقرأ المأموم.اهـ ([551])
قلت: وكما هو واضح للقاريء الاختلاف بين الشنقيطي والجصاص رحمهما الله- وغيرهما من اهل العلم سلفا وخلفا ممن ذهبوا لوجوب قراءة الفاتحة لما ذكروا من أدلة وما رجحه الجصاص وغيره من اهل العلم سلفا وخلفا ممن ذهبوا إلي وجوب الإنصات وعدم القراءة مطلقاً خلف الأمام حتي بفاتحة الكتاب وما ينبغي التنبيه له هنا أن من ذهب لوجوب القراءة أو عدم وجوبها فصلاته صحيحة أن شاء الله والأمر في هذا واسعوأن كنت أميل لوجوب قرائتها كما ذهب الفريق الأول من العلماء ولنجعل مسك الختام في هذه المسألة ماذكره ابن عثيمين- رحمه الله-قال:
ولا تسقط الفاتحة إلا في صورة واحدة فقط، وهي ما إذا جاء الإنسان إلى المسجد ووجد الإمام راكعاً، فإنه في هذه الحال يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يركع وتسقط عنه الفاتحة في هذه الصورة.ودليل ذلك ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي بكرة([552]) - رضى الله عنه –"أنه دخل المسجد والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راكع، فأسرع ثم ركع قبل أن يدخل في الصف، ثم دخل في الصف، فلما أنصرف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل من الذي فعل ذلك؟ فقال أبو بكرة: أنا، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (زادك الله حرصاً ولا تعد"([553]). والشاهد قوله: (لا تعد) ولم يأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقضي الركعة التي أسرع إليها ليدرك ركوعها، ولو كان لم يدركها لبين له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة.
ولهذا لما صلى الرجل الذي لا يطمئن قال له: "أرجع فصل فإنك لم تصل" ([554]). وهذا القول هو مقتضى الحديث من حيث الدلالة كما أنه مقتضى النظر من حيث القياس، لأن قراءة الفاتحة إنما تجب في حال القيام، والقيام في هذه الصورة قد سقط من أجل متابعة الإمام، فإذا سقط القيام سقط ماوجب فيه، وهو قراءة الفاتحة، وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة.
أما إذا كان الإنسان مأموماً فهل يكتفي بقراءة الإمام؟
الجواب: إن فيه خلافاً بين العلماء فمنهم من قال: إن قراءة الإمام تكفي عن قراءة المأموم مطلقاً، في السرية والجهرية، ومنهم من قال: إنها لا تكفي عن قراءة المأموم،لا في السرية ولا في الجهرية، ومنهم من قال: إنها تكفي عن قراءة المأموم، في الجهرية والسرية.
والذي يظهر لي من الأدلة أن قراءة الإمام لا تسقط القراءة عن المأموم لا في السرية ولا في الجهرية، وأن الواجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية، لعموم الأدلة الدالة على ذلك التي ذكرناها آنفاً، مثل حديث "كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج" وهذا مطلق.
فإن قال قائل: لماذا لا نختار القول الوسط في هذه المسألة ونقول إن الإمام يتحملها في الصلاة الجهرية لقول الله تعالى: {إِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. فإذا قرأ الإمام فأنا مأمور بالإنصات وقراءتي على خلاف هذا الأمر؟
فالجواب: أن هذا القول يجب المصير إليه، لولا أن أهل السنن رووا من حديث عبادة بن الصامت أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بأصحابه صلاة الفجر، فلما انصرف قال: "لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم. قال: "لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها" ([555]).
وهذا الحديث نص في أن الإمام لا يتحمل قراءة الفاتحة عن المأموم في الصلاة الجهرية، ومادام الحديث قد دل على ذلك فإن الآية المشار إلها تحمل على غير قراءة الفاتحة، وإن الإمام إذا كان يقرأ فإنه لا يجوز للمأموم أن يقرأ سوى الفاتحة، كالآيات أو السور التي يقرؤها الإمام أو غيرها.اهـ([556])
قال تعالي:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205)}
قلت: في هذه الآية أحكام وفوائد نبينها فيما يلي:
قوله تعالي:{ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ }
قال الجصاص- رحمه الله- في أحكامه: الذكر على وجهين: أحدهما: الفكر في عظمة الله وجلاله ودلائل قدرته وآياته، وهذا أفضل الأذكار؛ إذ به يستحق الثواب على سائر الأذكار سواه، وبه يتوصل إليه.
والذكر الآخر: القول، وقد يكون ذلك الذكر دعاء وقد يكون ثناء على الله تعالى ويكون قراءة للقرآن ويكون دعاء للناس إلى الله؛ وجائز أن يكون المراد الذكرين جميعا من الفكر والقول فيكون قوله تعالى:{ واذكر ربك في نفسك } هو الفكر في دلائل الله وآياته.
وقوله تعالى:{ ودون الجهر من القول } فيه نص على الذكر باللسان، وهذا الذكر يجوز أن يريد به قراءة القرآن وجائز أن يريد الدعاء، فيكون الأفضل في الدعاء الإخفاء، على نحو قوله تعالى:{ ادعوا ربكم تضرعا وخفية } وإن أراد به قراءة القرآن كان في معنى قوله:{ ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا } وقيل: إنما كان إخفاء الدعاء أفضل لأنه أبعد من الرياء وأقرب من الإخلاص وأجدر بالاستجابة؛ إذ كانت هذه صفته.
وقيل: إن ذلك خطاب للمستمع للقرآن لأنه معطوف على قوله:{ وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا }.
وقيل: إنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى عام لسائر المكلفين كقوله عز وعلا:{ يا أيها النبي إذا طلقتم النساء }.اهـ ([557])
- وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية فوائد جليلة عن ماهية الذكر ومقصد الشرع بإخفائه أو الجهر به فقال ما مختصره: فأمر بذكر الله في نفسه فقد يقال: هو ذكره في قلبه بلا لسانه؛ لقوله بعد ذلك:{ ودون الجهر من القول } وقد يقال وهو أصح: بل ذكر الله في نفسه باللسان مع القلب وقوله:{ ودون الجهر من القول } كقوله:{ ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا }. وفي الصحيح عن عائشة قالت نزلت في الدعاء. وفي الصحيح عنابن عباس قال:" كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالقرآن فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن أنزل عليه فقال الله: لا تجهر بالقرآن فيسمعه المشركون فيسبوا القرآن ولا تخافت به عن أصحابك فلا يسمعوه "([558]). فنهاه عن الجهر والمخافتة. فالمخافتة هي ذكره في نفسه والجهر المنهي عنه هو الجهر المذكور في قوله:{ ودون الجهر }فإن الجهر هو الإظهار الشديد يقال: رجل جهوري الصوت ورجل جهير. وكذلك قول عائشة في الدعاء فإن الدعاء كما قال تعالى:{ ادعوا ربكم تضرعا وخفية } وقال:{ إذ نادى ربه نداء خفيا } فالإخفاء قد يكون بصوت يسمعه القريب وهو المناجاة والجهر مثل المناداة المطلقة وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم " لما رفع أصحابه أصواتهم بالتكبير فقال: أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته " ([559])ونظير قوله:{ واذكر ربك في نفسك } قوله صلى الله عليه وسلم فيما روى عن ربه " من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي. ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه"([560]) وهذا يدخل فيه ذكره باللسان في نفسه فإنه جعله قسيم الذكر في الملأ.اهـ([561])
وقوله تعالي:{ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ }
-قال ابن رجب- رحمه الله-:ويستحب - أيضا - الذكر بعد الصلاتين اللتين لا تطوع بعدهما، وهما: الفجر والعصر، فيشرع الذكر بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وهذان الوقتان - أعني: وقت الفجر ووقت العصر - هما أفضل أوقات النهار للذكر، ولهذا أمر الله تعالى بذكره فيهما في مواضع من القرآن كقوله:{ وسبحوه بكرة وأصيلا }، وقوله:{ واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا }، وقوله:{ وسبح بالعشي والإبكار } (، وقوله:{ فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا }، وقوله:{ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون }، وقوله:{ واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار })، وقوله:{ واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين }،
ثم أضاف- رحمه الله-:
وأفضل ما فعل في هذين الوقتين من الذكر: صلاة الفجر وصلاة العصر، وهما أفضل الصلوات. وقد قيل في كل منهما: إنها الصلاة الوسطى.اهـ([562])
قلت: وينبغيالتنبيه هنا للتفريقبين الذكر عقب الصلوات التي يشرع فيها الجهر وعدم الإخفاء وبين الذكر في الغدو والآصال أي بعد صلاة الفجر والعصر وهذه مسألة من أحكام السورة نبه إليها العلامة ابن عثيمين-رحمه الله- وغيره من أهل العلم فقالما مختصره: أن الجهر بالذكر بعد الصلوات المكتوبة سنة، دل عليها ما رواه البخاريمن حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما –" أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "وكنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته"([563].) وفي الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة ([564])- رضي الله عنه - قال: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول إذا قضى الصلاة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له". الحديث ([565])، ولا يسمع القول إلا إذا جهر به القائل.
ثم أضاف-رحمه الله-: قد اختار الجهر بذلك شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - وجماعة من السلف، والخلف، لحديثي ابن عباس، والمغيرة - رضي الله عنهم - والجهر عام في كل ذكر مشروع بعد الصلاة سواء كان تهليلاً، أو تسبيحاً، أو تكبيراً، أو تحميداً لعموم حديث ابن عباس، ولم يرد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التفريق بين التهليل وغيره بل جاء في حديث ابن عباس أنهم يعرفون انقضاء صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتكبير، وبهذا يعرف الرد على من قال لا جهر في التسبيح والتحميد والتكبير.
وأما من قال: إن الجهر بذلك بدعة فقد أخطأ فكيف يكون الشيء المعهود في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدعة؟!
ثم قال- رحمه الله-:وأما احتجاج منكر الجهر بقوله تعالى: {اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}.
فنقول له: إن الذي أمر أن يذكر ربه في نفسه تضرعاً وخيفة هو الذي كان يجهر بالذكر خلف المكتوبة، فهل هذا المحتج أعلم بمراد الله من رسوله، أو يعتقد أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم المراد ولكن خالفه، ثم إن الآية في ذكر أول النهار وآخره {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}
وليست في الذكر المشروع خلف الصلوات، وقد حمل ابن كثير في تفسيره الجهر على الجهر البليغ.
وأما احتجاج منكر الجهر أيضاً بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أيها الناس اربعوا على أنفسكم". الحديث ([566]).
فإن الذي قال: "أيها الناس أربعوا على أنفسكم" هو الذي كان يجهر بالذكر خلف الصلوات المكتوبة، فهذا له محل، وذاك له محل، وتمام المتابعة أن تستعمل النصوص كل منها في محله.
ثم قال:
أما من قال: إن في ذلك تشويشاً فيقال له: إن أردت أنه يشوش على من لم يكن له عادة بذلك، فإن المؤمن إذا تبين له أن هذا هو السنة زال عنه التشويش، إن أردت أنه يشوش على المصلين، فإن المصلين إن لم يكن فيهم مسبوق يقضي ما فاته فلن يشوش عليهم رفع الصوت كما هو الواقع، لأنهم مشتركون فيه، وإن كان فيهم مسبوق يقضي فإن كان قريباً منك بحيث تشوش عليه فلا تجهر الجهر الذي يشوش عليه لئلا تلبس عليه صلاته، وإن كان بعيداً منك فلن يحصل عليه تشوش بجهرك.اهـ([567])
قال تعالي:{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)}
-قال ابن عربي-رحمه الله-في أحكامه-ما مختصره وبتصرف يسير: هذه الآية مرتبطة بما قبلها ومنتظمة مع ما سبقها؛ وهي إخبار من الله تعالى عن الملائكة بأنهم في عبادتهم التي أمروا بها دائمون، وعليها قائمون، وبها عاملون؛ فلا تكن من الغافلين فيما أمرت به وكلفته.
وهذا خطابه، والمراد بذلك جميع الأمة.
وذكر من أحكامها ايضاً-رحمه الله-ما مختصره:
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا قرأ ابن آدم السجدة وسجد اعتزل الشيطان يبكي، فيقول: يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فليالنار "([568]).
وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن فيقرأ سورة فيها سجدة، فيسجد ونسجد معه، حتى ما يجد أحدنا مكانا لجبهته ليسجد فيه "([569]).
ثم قال- رحمه الله-: اختلف الناس في سجود التلاوة؛ فقال مالك والشافعي([570]): ليس بواجب.
وقال أبو حنيفة: هو واجب، وهي مسألة مشكلة عول فيها أبو حنيفة على أن مطلق الأمر بالسجود على الوجوب.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: " أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة " والأمر على الوجوب؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحافظ عليها إذا قرأها.
وعول علماؤنا على حديث عمر الثابت أن عمر قرأ سجدة وهو على المنبر، فنزل فسجد فسجد الناس معه.
ثم قرأ بها في الجمعة الأخرى، فتهيأ الناس للسجود،فقال: على رسلكم، إن الله لم يكتبها علينا، إلا أن نشاء.
وذلك بحضرة الصحابة أجمعين من المهاجرين والأنصار، فلم ينكر ذلك عليه أحد، فثبت الإجماع به في ذلك؛ ولهذا حملنا جميع قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله على الندب والترغيب.
وقوله صلى الله عليه وسلم:" أمر ابن آدم بالسجود، فسجد فله الجنة ".
إخبار عن السجود الواجب؛ ومواظبة النبي صلى الله عليه وسلم تدل على الاستحباب. اهـ([571])
قلت(سيد مبارك): والقول بأن السجود سنة مستحبة وليس بواجب هو الأقوى والراجح عند أهل العلم وللعلامة ابن عثيمين قول حسن في هذه المسألة مع فوائد وأحكام تتعلق بالسجود ينبغي مراعاتها لأهميتها قال- رحمه الله-: ومن علامات الخضوع لله عز وجل عند قراءة القرآن أن الإنسان إذا قرأ آية سجدة سجد لله ذلاً له وخضوعاً، وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب سجود التلاوة. وقال: إن الإنسان إذا مر بآية سجدة ولم يسجد كان آثماً. والصحيح: أنها ليست بواجبة وإن كان هذا القول أعني القول بالوجوب هو مذهب أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لكن هذا قول مرجوح، وذلك أنه ثبت في الصحيح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه خطبالناس يوماً فقرأ سورة النحل فلما وصل آية السجدة نزل من المنبر فسجد، ثم قرأها من الجمعة الثانية فمر بها ولم يسجد فقال رضي الله عنه: إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء، وكان ذلك بمحضر من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ولم يُنكر عليه أحد. وسنته رضي الله عنه من السنن التي أُمرنا باتباعها، وعلى هذا فالقول الراجح أن سجود التلاوة ليس بواجب، لكنه سنة مؤكدة، فإذا مررت بآية سجدة فاسجد في أي وقت كنت في الصباح، أو في المساء، في الليل، أو في النهار، تكبر عند السجود، وإذا رفعت فلا تكبر ولا تسلم هذا إذا سجدت خارج الصلاة، أما إن سجدت في الصلاة فلابد أن تكبر إذا سجدت، وأن تكبر إذا نهضت([572])؛ لأنها لما كانت في الصلاة كان لها حكم السجود في الصلاة.اهـ([573])
ما جاء عن حدود الله وحلاله وحرامه
قال تعالي:{يابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) }
هذه الآية الكريمة لها أحكام وفوائد جمة نبينها فيما يلي:
قوله تعالي:{ يابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ }
ذهببعض أهل العلم أن هذه الجزئية من الآية تدل علي وجوب ستر العورة في الصلاة لأن المسجد تقام فيه الصلوات وقطعا ليس المقصود بالزينة في الآية التزين للمسجد أو للناس!
بل لما يفعله الناس في المسجد وكل مسجد من طاعات لله تعالي وهي أما صلاة أو اعتكاف أو طواف والطواف ليس في كل مسجد والاعتكاف لم تشرع المساجد لأجله فلا يبقي إلا الصلاة وها هي أقوالهم في حكم الزينة عند كل مسجد:
-قال الجصاص-رحمه الله –في أحكامه-ما مختصره: قوله تعالى:{ يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } هذه الآية تدل على فرض ستر العورة في الصلاة.
ثم قال: وقد اختلف الفقهاء في ذلك، فقال أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد بن الحسن والحسن بن زياد:" هي فرض في الصلاة إن تركه مع الإمكان فسدت صلاته "، وهو قول الشافعي.
وقال مالك والليث: " الصلاة مجزية مع كشف العورة ويوجبان الإعادة في الوقت والإعادة في الوقت عندهما استحباب.
ودلالة هذه الآية على فرض ستر العورة في الصلاة من وجوه: أحدها: أنه لما قال:{ خذوا زينتكم عند كل مسجد } فعلق الأمر بالمسجد، علمنا أن المراد الستر للصلاة لولا ذلك لم يكن لذكر المسجد فائدة، فصار تقديرها: خذوا زينتكم في الصلاة، ولو كان المراد سترها عن الناس لما خص المسجد بالذكر؛ إذ كان الناس في الأسواق أكثر منهم في المساجد، فأفاد بذكر المسجد وجوبه في الصلاة إذ كانت المساجد مخصوصة بالصلاة.
وأيضا لما أوجبه في المسجد وجب بظاهر الآية فرض الستر في الصلاة إذا فعلها في المسجد، وإذا وجب في الصلاة المفعولة في المسجد وجب في غيرها من الصلوات حيث فعلت؛ لأن أحدا لم يفرق بينهما.
وأيضا فإن المسجد يجوز أن يكون عبارة عن السجود نفسه كما قال الله تعالى:{ وأن المساجد لله } والمراد السجود، وإذا كان كذلك اقتضت الآية لزوم الستر عند السجود، وإذا لزم ذلك في السجود لزم في سائر أفعال الصلاة؛ إذ لم يفرق أحد بينهما ثم أضاف- رحمه الله-:
فإن قال قائل: فينبغي أن لا يمنع ترك الستر صحة الصلاة كما لم يمنع صحة الطواف الذي فيه نزلت الآية وإن وقع ناقصا.
قيل له: ظاهره يقتضي بطلان الجميع عند عدم الستر، ولكن الدلالة قد قامت على جواز الطواف مع النهي كما يجوز الإحرام مع الستر وإن كان منهيا عنه، ولم تقم الدلالة على جواز الصلاة عريانا؛ ولأن ترك بعض فروض الصلاة يفسدها مثل الطهارة واستقبال القبلة، وترك بعض فروض الإحرام لا يفسده؛ لأنه لو ترك الإحرام في الوقت ثم أحرم صح إحرامه، وكذلك لو أحرم وهو مجامع لامرأته وقع إحرامه، فصار الإحرام آكدا في بقائه من الصلاة والطواف من موجبات الإحرام فوجب أن لا يفسده ترك الستر ولا يمنع وقوعه.
وتدل على أنحكم الآية غير مقصور على الطواف وأن المراد بها الصلاة قوله تعالى:{ خذوا زينتكم عند كل مسجد } والطواف مخصوص بمسجد واحد ولا يفعل في غيره، فدل على أن مراده الصلاة التي تصح في كل مسجد.اهـ ([574])
قلت: ولقد أفاد العلامة ابن عثيمين في بيان أحكام وفوائد هذه الجزئية من الآية عن حكم العورة في الصلاة والزينة المقصود بها قوله تعالي { خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } وفي بيانه مسك الختاملهذه المسألة والله المستعان.
-قال ابن عثيمين- رحمه الله-: والعورة: هي ما يسوء الإنسان إخراجه، والنظر إليه؛ لأنها من «العور» وهو العيب، وكل شيء يسوءك النظر إليه، فإن النظر إليه يعتبر من العيب.
ولكن سنناقش هذا التعبير «ستر العورة». هل جاء في الكتاب أو السنة كلمة «ستر العورة» فيما يتعلق بالصلاة أم لا؟.
الجواب: لا، لم تأت كلمة «ستر العورة» في الكتاب أو السنة، ومن أجل أنه لم تأت ينبغي أن لا نعبر إلا بما جاء في القرآن والسنة في مثل هذا الباب، ونظير هذا التعبير الذي أوهم، تعبير بعضهم في باب محظورات الإحرام بلبس المخيط بدلا عن القميص والسراويل والبرانس والعمامة والخفاف.
ولما قال العلماء: «ستر العورة» اشتبه على بعض الناس عورة الصلاة وعورة النظر واختلطت عليهم؛ حتى قال بعضهم: هذه وهذه سواء. والأمر ليس كذلك، فبين عورة الصلاة وعورة النظر فرق، لا تتفقان طردا ولا عكسا، كما سيتبين إن شاء الله.
إذا؛ فلو عبر بما جاء في القرآن أو السنة لكان أسلم، والذي جاء في القرآن: {يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31]. فأمر الله تعالى بأخذ الزينة عند الصلاة، وأقل ما يمكن لباس يواري السوأة، وما زاد على ذلك فهو فضل، والسنة بينت ذلك على سبيل التفصيل، وإذا كان الإنسان يستحي أن يقابل ملكا من الملوك بثياب لا تستر، أو نصف بدنه ظاهر، فكيف لا يستحي أن يقف بين يدي ملك الملوك عز وجل بثياب غير مطلوب منه أن يلبسها؟! ولهذا قال عبد الله بن عمر([575]) لمولاه نافع([576])وقد رآه يصلي حاسر الرأس: «غط رأسك، هل تخرج إلى الناس وأنت حاسر الرأس؟ قال: لا. قال: فالله أحق أن تتجمل له»، وهذا صحيح لمن عادتهم أنهم لا يحسرون عن رؤوسهم، ولا يمكن أن يخرج حاسر الرأس أمام الناس.
إذا؛ فاتخاذ الزينة غير ستر العورة، ونقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» ([577])، وعاتق الرجل ليس بعورة بالاتفاق، ومع ذلك أمر النبي عليه الصلاة والسلام بستره في الصلاة فقال: «ليس على عاتقه منه شيء»، فدل هذا على أن مناط الحكم ليس ستر العورة.
وقال صلى الله عليه وسلم لجابر: «إن كان ضيقا فاتزر به، وإن كان واسعا فالتحف به» ([578]). ومعلوم أنه لا يشترط لستر العورة أن يلتحف الإنسان، بل يغطي ما يجب ستره في غير الصلاة.
إذا؛ فليس مناط الحكم ستر العورة، إنما مناط الحكم اتخاذ الزينة، هذا هو الذي أمر الله به، ودلت عليه السنة.
والدليل على أن من شرط صحة الصلاة ستر العورة ما يلي:
1 - قوله تعالى: {يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } [الأعراف]، لأن أخذ الزينة يلزم منه ستر العورة.
2 - قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن كان واسعا فالتحف به، وإن كان ضيقا فاتزر به» فلا بد من الاتزار، وإذا كان واجبا في العبادة، فكل واجب في العبادة شرط لصحتها، فالقاعدة الشرعية: «أن كل واجب في العبادة هو شرط لصحتها». فإذا تركه الإنسان عمدا بطلت هذه العبادة، ولهذا لو ترك الإنسان التشهد الأول، أو الأخير في الصلاة متعمدا بطلت صلاته. وكذلك بقية الواجبات؛ لو تركها متعمدا بطلت الصلاة. ولهذا نقول: إن ستر العورة شرط لصحة الصلاة، وأن من صلى من غير أن يلبس ما يستر به العورة، أو ما يجب ستره على الأصح، فإن صلاته باطلة.
3 - نقل ابن عبد البر([579]) إجماع العلماء على أن من صلى عريانا مع قدرته على اللباس فصلاته باطلة. وكذلك نقل شيخ الإسلام ابن تيمية أن العلماء اتفقوا على أن الإنسان الذي يصلي عريانا وهو قادر على اللباس فصلاته باطلة.اهـ([580])
وقوله تعالي:{ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }
-قال الجصاص- رحمه الله-في أحكامه: قوله تعالى:{ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } الآية ظاهره يوجب الأكل والشرب من غير إسراف؛ وقد أريد به الإباحة في بعض الأحوال والإيجاب في بعضها، فالحال التي يجب فيها الأكل والشرب هي الحال التي يخاف أن يلحقه ضرر يكون ترك الأكل والشرب يتلف نفسه أو بعض أعضائه أو يضعفه عن أداء الواجبات، فواجب عليه في هذه الحال أن يأكل ما يزول معه خوف الضرر؛ والحال التي هما مباحان فيها هي الحال التي لا يخاف فيها ضررا بتركها.
وظاهره يقتضي جواز أكل سائر المأكولات وشرب سائر الأشربة مما لا يحظره دليل بعد أن لا يكون مسرفا فيما يأتيه من ذلك؛ لأنه أطلق الأكل والشرب على شريطة أن لا يكون مسرفا فيهما.
والإسراف هو مجاوزة حد الاستواء، فتارة يكون بمجاوزة الحلال إلى الحرام وتارة يكون بمجاوزة الحد في الإنفاق فيكون ممن قال الله تعالى:{ إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } والإسراف وضده من الإقتار مذمومان، والاستواء هو التوسط؛ ولذلك قيل دين الله بين المقصور والغالي، قال الله تعالى:{ والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما } وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم:{ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا } وقد يكون الإسراف في الأكل أن يأكل فوق الشبع حتى يؤديه إلى الضرر، فذلك محرم أيضا.اهـ ([581])
قال تعالي: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) }
قلت: الحلال بين والحرام بين ومن يحرم شيئاً نلزمه بالدليل من القرآن أو السنة لأن التشريع لا يكون إلا لله تعالي وما أوحي به إلي رسوله-صلي الله عليه وسلم- وهذه الآية الكريمة تدل علي أن الله تعالي أحل لنا الطيبات من الرزق وهذا هو الأصل ولا تحريم إلا بنص ومن يحرم ما أحله الله تعالي ولم يأتي بالدليل الشرعي ينطبق عليه قوله تعالي { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) }-النحل.
وقد ذكر علمائنا هذا الحكم كالعلامة ابن عثيمين- رحمه الله-قال:
الأصل في الأطعمة الحل للمؤمنين، أما غيرهم فلا؛ فإن الكافر لن يرفع لقمة إلى فمه إلا عوقب عليها يوم القيامة، ولن يبتلع جرعة من ماء إلا عوقب عليها يوم القيامة، ولن يستتر، أو يدفئ نفسه بسلك من قطن، إلا حوسب عليه يوم القيامة.
وهذه القاعدة العظيمة التي دل عليها الكتاب، ودلت عليها السنة، قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها» ([582])، وقال: «ما سكت عنه فهو عفو» ([583])، فهذا الأصل الذي دل عليه الكتاب، والسنة، وأجمع عليه المسلمون في الجملة نستفيد منه فائدة، وهي أن كل إنسان يقول: إن هذا الشيء حرام، مما يؤكل، أو يشرب، أو يلبس أيضا، نقول له: هات الدليل؛ لأن عندنا أدلة تدل على حله.
فلو قال قائل: الدخان حلال فلا نطالبه بالدليل؛ لأن الأصل الحل.
فإذا قال الثاني: بل هو حرام، نقول لهذا: هات الدليل، ولا شك أن من تأمل نصوص الكتاب، والسنة، ونظر نظرا صحيحا تبين له أن الدخان حرام، وليس هذا موضع ذكر أدلة تحريمه.اهـ ([584])
-وأضاف الجصاص-رحمه ىالله-: قوله تعالى:{ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } روي عن الحسن وقتادة:" أن العرب كانت تحرم السوائب والبحائر، فأنزل الله تعالى ذلك ".
وقال السدي:" كانوا يحرمون في الإحرام أكل السمن والأدهان، فأنزل الله تعالى هذه الآية ردا لقولهم "،وفيه تأكيد لما قدم إباحته في قوله:{ خذوا زينتكم عند كل مسجد } الآية والطيبات من الرزق قيل فيه وجهان: أحدهما: ما استطابه الإنسان واستلذه من المأكول والمشروب، وهو يقتضي إباحة سائر المأكول والمشروب إلا ما قامت دلالة تحريمه والثاني: الحلال من الرزق.اهـ ([585])
قال تعالي:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)}
-قال ابن عربي-رحمه الله- في بيان أحكام الآية ما مختصره وبتصرف يسير:
فإن كل فاحشة ظاهرة للأعين، أو ظاهرة بالأدلة، كما ورد النص فيه أو وقع الإجماع عليه، أو قام الدليل الجلي به، فينطلق عليها اسم الظاهرة.
والباطنة كل ما خفي عن الأعين، ويقصد به الاستتار عن الخلق؛ أو خفي بالدليل؛ كتحريم نكاح المتعة والنبيذ على أحد القولين ونحو ذلك في الصنفين؛ فإن النبيذ وإن كان مختلفا فيه فإن تحريمه جلي في الدليل، قوي في التأويل.
وفي الحديث الصحيح:" لا أحد أغير من الله "([586]) ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
ثم أضاف-رحمه الله-: قوله تعالى:{ الإثم }: وهو عبارة عن الذم الوارد في الفعل، أو الوعيد المتناول له؛فكل مذموم شرعا أو فعل وارد على الوعيد فيه، فإنه محرم وهو حد المحرم وحقيقته.
وأما البغيفهو تجاوز الحد.
ووجه ذكرهما بعد دخولهما في جملة الفواحش للتأكيد لأمرهما بالاسم الخاص بعد دخولهما في الاسم العام قصد الزجر، كما قال تعالى:{ فيهما فاكهة ونخل ورمان } فذكر النخل والرمان بالاسم الخاص بعد دخولهما في الاسم العام على معنى الحث.اهـ([587])
-وقال الجصاص- رحمه الله-في أحكامه: قوله تعالى:{ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق } قال مجاهد:" الفواحش والزنا وهو الذي بطن، والتعري في الطواف وهو الذي ظهر ".
وقيل: القبائح كلها فواحش، أجمل ذكرها بديا ثم فصل وجوهها فذكر أن منها الإثم والبغي والإشراك بالله، والبغي هو طلب الترؤس على الناس بالقهر والاستطالة عليهم بغير حق وقوله:{ والإثم } مع وصفه الخمر والميسر بأن فيهما إثم، وقوله تعالى:{ يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير } يقتضي تحريم الخمر والميسر أيضا.اهـ ([588])
قال تعالي:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)}
-قال الكيا هراسي –رحمه الله-مبيناً أحكام الآية ما مختصره: ظاهرها الندب إلى إحفاء الدعاء، فعلمنا ربنا كيف ندعوه، وروى أبو موسى الأشعري قال: كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسمعهم يرفعون أصواتهم فقال: «أيها الناس انكم لا تدعون أصمّا ولا غائبا» «[589]».
ثم أضاف- رحمه الله-:
واستدل أصحاب أبي حنيفة بذلك، على أن إخفاء آمين، أولى من الجهر بها، لأنها دعاء، والدليل عليه ما روي في تأويل قوله تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما}.
قال: كان موسى يدعو وهارون يؤمن، فسماهما الله تعالى داعيين والجواب عنه أن إخفاء الدعاء كان أفضل، لأنه أبعد عن الرياء.
وأما ما يتعلق بصلاة الجماعة، فإشهارها اشهار شعار ظاهر، وإظهار حق يندب العباد إلى إظهاره، وقد ندب الإمام إلى إشهار القراءة المشتملة على الدعاء، والتأمين في آخرها، معناه: حقّق اللهم ما سألناك. وإذا كان الدعاء مما سن الجهر فيه، فالتأمين على الدعاء تابع له، وجار مجراه، وهذا بين.اهـ ([590])
- وزاد الجصاص- رحمه الله- في أحكامه بياناً فقال ما مختصره: قوله تعالى:{ ادعوا ربكم تضرعا وخفية } فيه الأمر بالإخفاء للدعاء.
قال الحسن في هذه الآية: علمكم كيف تدعون ربكم، وقال لعبد صالح رضي دعاءه:{ إذ نادى ربه نداء خفيا } وروى مبارك عن الحسن قال: " كانوا يجتهدون في الدعاء ولا يسمع إلا همسا "وروى أبو موسى الأشعري قال: " كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعهم يرفعون أصواتهم فقال: يا أيها الناس إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا "
ثم قال- رحمه الله-:
وقال بعض أهل العلم: إنما كان إخفاء الدعاء أفضل لأنه لا يشوبه رياء، وأما التضرع فإنه قد قيل إنه الميل في الجهات، يقال يضرع الرجل ضرعا إذا مال بأصبعيه يمينا وشمالا خوفا وذلا، قال: ومنه ضرع الشاة لأن اللبن يميل إليه، والمضارعة المشابهة لأنها تميل إلى شبهه نحو المقاربة وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه " كان يدعو ويشير بالسبابة "([591]) وقال أنس:" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى فمد يديه حتى رأيت بياض إبطيه "([592]) وفيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من رفع اليدين في الدعاء والإشارة بالسبابة دليل على صحة تأويل من تأول التضرع على تحويل الأصبع يمينا وشمالا.اهـ ([593])
-وذكر ابن عثيمين-رحمه الله-في أحكام وفوائد جليلة من الآية في بيانه لشروط الدعاء فقال: فلابد لإجابة الدعاء من شروط:
- منها الإخلاص أن تخلص لله فتكون داعيا له حقا إن كنت في عبادة لا تشرك به شيئا لا تعبده رياء ولا سمعة ولا من أجل أن يقال فلان حاج فلان سخي فلان كثير الصوم إذا قلت هذا أحبط عملك فلابد من الإخلاص في المسألة أيضا ادع الله وأنت تشعر بأنك في حاجة إليه وأنه غني عنك وقادر على إعطائك ما تسأل.
-ولابد أيضا من أن يكون الدعاء لا عدوان فيه فإن كان فيه عدوان فإن الله لا يقبله ولو من الأب لابنه أو من الأم لابنها إذا كان فيه عدوان فإن الله لا يقبله لقول الله تعالى { ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين } فلو دعا الإنسان بإثم بأن سأل ربه شيئا محرما فهذا لا يقبل لأنه معتد ولو سأل ما لا يمكن شرعا مثل أن يقول اللهم اجعلني نبيا هذا لا يجوز وهو عدوان لا يقبل ولو دعا على مظلوم فإنه لا يقبل ولو دعت المرأة على ابنها لأنه يحب زوجته فإنه لا يقبل وكذلك الأب لو دعا على ابنه لأنه صاحب أناسا طيبين فإنه لا يقبل فيشترط أن يكون في الدعاء عدوان.
-الشرط الثالث: يشترط أن يدعو الله تعالى وهو موقن بالإجابة لا دعاء تجربة لأن بعض الناس قد يدعو ليجرب ليرى هل يقبل الدعاء أم لا؟ هذا لا يقبل منه ادع الله وأنت موقن بأن الله تعالى سوف يجيبك فإن كنت دعوته وأنت في شك فإن الله لا يقبله منك.
- الشرط الرابع: اجتناب الحرام بأن لا يكون الإنسان آكلا للحرام فمن أكل الحرام من ربا أو فوائد غش أو كذب أو ما أشبه ذلك فإنه لا يستجاب له والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين قال تعالى { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } وقال { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون } ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك"([594])
فاستبعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستجيب الله لهذا مع أنه فعل من أسباب الإجابة ما يكون جديرا بالإجابة ولكن لما كان يأكل الحرام صار بعيدا أن يقبل الله منه فهذه أربعة شروط للدعاء لابد منها والله الموفق.اهـ([595])
قال تعالي:{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)}
قلت: في هذه الآية الكريمة دليل علي أن الوفاءبالعقود والعدل وعدم الظلم مما جاء في الشرائع السماوية السابقة وفي شريعتنا أيضاَ، وأن كان ذلك في الكيل والميزان هنا بصفة خاصة فهو في غيرهما من الأمور بصفة عامة علي سبيل القياس كما قال أهل العلم وإليك ما قيل في فوائد الآية وأحكامها:
-قال ابن عثيمين-رحمه الله-: وهذه الآية وإن كانت قد وردت في المكيال والميزان إلا أن العامل حتى الموظف إذا كان يريد أن يعطي راتبه كاملا لكنه يتأخر في الحضور أو يتقدم في الخروج فإنه من المطففين الذي توعدهم الله بالويل لأنه لا فرق بين إنسان يكيل أو يزن للناس وبين إنسان موظف عليه أن يحضر في الساعة الفلانية ولا يخرج إلا في الساعة الفلانية ثم يتأخر في الحضور ويتقدم في الخروج هذا مطفف وهذا المطفف في الوظيفة لو نقص من راتبه ريال واحد من عشرة آلاف لقال لماذا تنقص هذا مطفف يدخل في هذا الوعيد { ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون } ثم قال تعالى منكرا عليهم { ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم } يعني هل هؤلاء نسوا يوم الحساب نسوا يوم القيامة الذي ما أقرب منه.اهـ([596])
-وذكر ابن عربي- رحمه الله-عما في الآية من أحكام ما مختصره:فيها ثلاث مسائل: المسألة الأولى: البخس في لسان العرب هو النقص بالتعييب والتزهيد، أو المخادعة عن القيمة، أو الاحتيال في التزيد في الكيل أو النقصان منه.
المسألة الثانية: إنما أذن الله سبحانه في الأموال بالأكل بالحق، والتعامل بالصدق، وطلب التجارة بذلك، فمتى خرج عن يد أحد شيء من ماله بعلمه لأخيه فقد أكل كل واحد منهما ما يرضي الله ويرتضيه؛ وإن خرج شيء من ماله عن يده بغير علمه فلا يخلو أن يكون مما يتغابن الناس بمثله مما لا غنى عنه في ارتفاع الأسواق وانخفاضها عنه فإنه حلال جائز بغير خلاف؛ إذ لا يمكن الاحتراز منه.
وإن كان بأكثر من ذلك فقد اختلف الناس فيه؛ فقال علماؤنا: إذا جرى ذلك في بيع كان صاحبه بالخيار إن شاء أمضاه بعد العلم به وإن شاء رده.
وقال بعضهم وآخرون غيرهم: إنه لا رد فيه.
والصحيح هو الأول؛ فقد ثبت " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل كان يخدع في البيوع: إذا بايعت فقل لا خلابة "([597])
ثم قال- رحمه الله-: فإن قيل، وهي: المسألة الثالثة: كان هذا الرجل قد أصابته مأمومة في الجاهلية أثرت في عقله، فكان يخدع لأجل ذلك في بيعه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما قال لما كان عليه من الحال، حتى كان يقول لما أصابه:" لا خلابة لا خلابة ".
فالجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان الذي قاله له من حكمه لما أصابه من عقله لما جوز بيعه؛ لأن بيع المعتوه لا يجوز بخيار، ولا بغير خيار، ولكنه أمره بأن يصرح عن قوله، حتى يقع الاحتراز منه..اهـ([598])
قال تعالي{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)}
قلت: في هذه الآية الكريمة حكم من يتكبر في الأرض بغير هدي أو رشاد ويشرك في عبادة ربهبعد أن تبين له إن الإسلام هو الدين الحق والذي ارتضاه الله لعباده وبتعاليمه السمحة وعقيدته الصافية التي تنهي عن الشرك جاء ليخرج العباد من عبادة المخلوق إلي عبادة الخالق-جل في علاه-فمن تكبر وطغي وضل طريقه بعد ذلك لا عن جهل وغفلة بآياته بل عنكبر وقصد ونية للغي والإفساد في الأرضوالشرك به سبحانه وتعالي وذلك علي الرغم من أن طريقه للهداية واضح جلي وقد بين علمائنا هذا المعني من ذلك:
-ما ذكره الجصاص-رحمه الله-في أحكامه قال ما نصه: قوله تعالى:{ سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض } قيل إن معناه: عن آياتي من العز والكرامة بالدلالة التي تكسب الرفعة في الدنيا والآخرة؛ ويحتمل: صرفهم عن الاعتراض على آياتي بالإبطال أو بالمنع من الإظهار للناس.
ولا يجوز أن يكون معناه: سأصرف عن الإيمان بآياتي؛ لأنه لا يجوز أن يأمر بالإيمان ثم يمنع منه؛ إذ كان ذلك سفها وعبثا.اهـ ([599])
-وما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- قال ما مختصره وبتصرف يسير: ولما كان الكبر مستلزما للشرك والشرك ضد الإسلام وهو الذنب الذي لا يغفره الله قال تعالى: { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما }-[ 48 النساء ]وقال: { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا }-[ 116 النساء ] كان الأنبياء جميعهم مبعوثين بدين الإسلام فهو الدين الذي لا يقبل الله غيره لا من الأولين ولا من الآخرين وأضاف بعد أن بين أن دعوة الرسل من قبل كانت الإسلامفقال –رحمه الله-وقال تعالي: { إن الدين عند الله الإسلام } 19 آل عمران ] وقال:{ ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه }[ 85 آل عمران ].
وقال تعالى: { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها }[ 83 آل عمران ]فذكر إسلام الكائنات طوعا وكرها لأن المخلوقات جميعها متعبدة له التعبد العام سواء أقر المقر بذلك أو أنكره وهم مدينون له مدبرون فهم مسلمون له طوعا وكرها ليس لأحد من المخلوقات خروج عما شاءه وقدره وقضاه ولا حول ولا قوة إلا به وهو رب العالمين ومليكهم يصرفهم كيف يشاء وهو خالقهم كلهم وبارئهم ومصورهم وكل ما سواه فهو مربوب مصنوع مفطور فقير محتاج معبد مقهور وهو سبحانه الواحد القهار الخالق البارئ المصور. اهـ([600])
قال تعالي:{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) }
في هذه الآية أحكام وفوائد جمة تبين خطورة استخدام الحيلة للتحايل عما حرمه الله تعالي وعدم الصبر علي اوامره وها هي أقوال العلماء عنها:
-قال ابن عربي- رحمه الله-في أحكامه ما مختصره: هذه الآية من أمهات الشريعة، وفيها مسائل ذكر منها – رحمه الله-: إن الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسأل اليهود إخوة القردة والخنازير عن القرية البحرية التي اعتدوا فيها يوم السبت، فمسخهم الله باعتدائهم قردة وخنازير، ليعرفهم ما نزل بهم من العقوبة بتغيير فرع من فروع الشريعة، فكيف بتغيير أصل الشريعة، المسألة الثانية: قوله تعالى:{ واسألهم عن القرية } يعني أهل القرية؛ فعبر بها عنهم لما كانت مستقرا لهم وسبب اجتماعهم، كما قال تعالى:{ واسأل القرية التي كنا فيها } الآية، وكما قال صلى الله عليه وسلم " اهتز العرش لموت سعد "([601]) يعني أهل العرش من الملائكة يريد استبشارهم به.
وكما قال أيضا في المدينة: " هذا جبل يحبنا ونحبه "([602]).
ثم أضاف- رحمه الله-: قوله تعالى { فلما نسوا ما ذكروا به } أي: تركوه عن قصد.
وهذا يدل على أن النسيان لفظ ينطلق على الساهي والعامد ردا على أهل جهالة زعموا أن الناسي والساهي لمعنى واحد.
وهؤلاء قوم لا معرفة لهم باللغة، وقصدهم هدم الشريعة، وقد بينا ذلك في غير موضع، وحققنا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها "([603]).
وقلنا: معناه من نام عن صلاة أو تركها فليصلها متى ذكرها.
فالساهي له حالة ذكر، والعامد هو أبدا ذاكر؛ وكل واحد منهم يتوجه عليه فرض القضاء متى حضره الذكر دائما أو في حال دون حال، وبهذا استقام نظام الكلام، واستقر حكم شريعة الإسلام.وقال: المسألة السابعة: قال علماؤنا: هذه الآية أصل من أصول إثبات الذرائع التي انفرد بها مالك، وتابعه عليها أحمد في بعض رواياته، وخفيت على الشافعي وأبي حنيفة مع تبحرهما في الشريعة، وهو كل عمل ظاهر الجواز يتوصل به إلى محظور، كما فعل اليهود حين حرم عليهم صيد السبت، فسكروا الأنهار، وربطوا الحيتان فيه إلى يوم الأحد
ثم أضاف- رحمه الله-:
فإن قيل: هذا الذي فعلت اليهود لم يكن توسلا إلى الصيد؛ بل كان نفس الصيد.
قلنا: إنما حقيقة الصيد إخراج الحوت من الماء وتحصيله عند الصائد، فأما التحيل عليه إلى حين الصيد فهو سبب الصيد، لا نفس الصيد، وسبب الشيء غير الشيء؛ إنما هو الذي يتوصل به إليه، ويتوسل به في تحصيله، وهذا هو الذي فعله أصحاب السبت.
وذكر -رحمه الله-مسألة أخري في أحكامه عن الآية فقال: قال علماؤنا: إنما هلكوا باتباع الظاهرة؛ لأن الصيد حرم عليهم، فقالوا: لا نصيد، بل نأتي بسبب الصيد، وليس سبب الشيء نفس الشيء، فنحن لا نرتكب عين ما نهينا عنه، فنعوذ بالله من الأخذ بالظاهر المطلق في الشريعة.اهـ([604])
-وذكر ابن العثيمين- رحمه الله-فائدة جليلة ودرر نفيسة من الآية قال: والله تعالى قد يبتلي الإنسان بأسباب المعصية؛ ليعلم سبحانه وتعالى من كان عبدًا لله ومن كان عبدًا لهواه، ألا ترى إلى أصحاب السبت من اليهود حيث حرم الله عليهم أن يصطادوا الحيتان في يوم السبت فابتلاهم الله عز وجل فكانت الحيتان تأتي يوم السبت بكثرة عظيمة وفي غير يوم السبت تختفي فطال عليهم الأمد، وقالوا: كيف نحرم أنفسنا هذه الحيتان ثم فكروا وقدروا ونظروا فقالوا: نجعل شبكة ونضعها يوم الجمعة ونأخذ الحيتان منها يوم الأحد، فأقدموا على هذا الفعل الذي هو حيلة على محارم الله فقلبهم الله قردة خاسئين قال الله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} وقال عز وجل: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} فانظر كيف يسر الله لهم هذه الحيتان في اليوم الذي منعوا من صيدها فيه ولكنهم -والعياذ بالله- لم يصبروا فقاموا بهذه الحيلة على محارم الله.
ثم انظر إلى ما حصل لأصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حيث ابتلاهم الله تعالى وهم محرمون بالصُّيود المحرمة على المحرم فكانت في متناول أيديهم ولكنهم رضي الله عنهم لم يجرءوا على شيء منهاقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} كانت الصيود في متناول أيديهم يمسكون الصيد العادي باليد وينالون الصيد الطائر بالرماح فيسهل عليهم جدا، ولكنهم رضي الله عنهم خافوا الله عز وجل فلم يقدموا على أخذ شيء من الصيود.
وهكذا يجب على المرء إذا هيئت له أسباب الفعل المحرم أن يتقي الله عز وجل, وأن لا يقدم على فعل هذا المحرم, وأن يعلم أن تيسير أسبابه من باب الابتلاء والامتحان فليحجم وليصبر فإن العاقبة للمتقين.اهـ ([605])
قال تعالي{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)}
قلت: قوله تعالي في هذه الآية{ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ }شبه الله تعالي فيها من يتبع هواه ويضل سبيله بالكلب وقد ذكر علمائنا فوائد جليلة منها وأحكام هامة لا ينتبه إليها أحاد الناس ونبينها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-قال ما مختصره:
" التشبه بالبهائم " في الأمور المذمومة في الشرع مذموم منهي عنه: في أصواتها وأفعالها؛ ونحو ذلك مثل: أن ينبح نبيح الكلاب؛ أو ينهق نهيق الحمير ونحو ذلك. وذلك لوجوه:
-أحدها " أنا قررنا في " اقتضاء الصراط المستقيم " نهي الشارع عن التشبه بالآدميين الذين جنسهم ناقص كالتشبه؛ بالأعراب وبالأعاجم وبأهل الكتاب ونحو ذلك: في أمور من خصائصهم وبينا أن من أسباب ذلك أن المشابهة تورث مشابهة الأخلاق؛ وذكرنا أن من أكثر عشرة بعض الدواب اكتسب من أخلاقها: كالكلابين والجمالين. وذكرنا ما في النصوص من ذم أهل الجفاء وقسوة القلوب: أهل الإبل ومن مدح أهل الغنم؛ فكيف يكون التشبه بنفس البهائم فيما هي مذمومة بل هذه القاعدة تقتضي بطريق التنبيه النهي عن التشبه بالبهائم مطلقا فيما هو من خصائصها وإن لم يكن مذموما بعينه؛ لأن ذلك يدعو إلى فعل ما هو مذموم بعينه.
- " الوجه الثاني " أن كون الإنسان مثل البهائم مذموم؛ قال تعالى:{ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون }.
- " الوجه الثالث ": أن الله سبحانه إنما شبه الإنسان بالكلب والحمار ونحوهما في معرض الذم له كقوله:{ فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون }{ ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون } وقال تعالى:{ مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا } الآية. وإذا كان التشبه بها إنما كان على وجه الذم من غير أن يقصد المذموم التشبه بها: فالقاصد أن يتشبه بها أولى أن يكون مذموما؛ لكن إن كان تشبه بها في عين ما ذمه الشارع: صار مذموما من وجهين. وإن كان فيما لم يذمه بعينه: صار مذموما من جهة التشبه المستلزم للوقوع في المذموم بعينه.
-" الوجه الرابع " وهو قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: " العائد في هبته كالعائد في قيئه؛ ليس لنا مثل السوء "([606]).
ثم أضاف- رحمه الله-:فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر هذا المثل إلا ليبين أن الإنسان إذا شابه الكلب كان مذموما وإن لم يكن الكلب مذموما في ذلك من جهة التكليف؛ ولهذا ليس لنا مثل السوء. والله سبحانه قد بين بقوله:{ ساء مثلا } أن التمثيل بالكلب مثل سوء والمؤمن منزه عن مثل السوء. فإذا كان له مثل سوء من الكلب كان مذموما بقدر ذلك المثل السوء.
- " الوجه الخامس " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب "([607])وقال: " إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا "([608]) فدل ذلك على أن أصواتها مقارنة للشياطين وأنها منفرة للملائكة. ومعلوم أن المشابه للشيء لا بد أن يتناوله من أحكامه بقدر المشابهة فإذا نبح نباحها كان في ذلك من مقارنة الشياطين وتنفير الملائكة بحسبه. وما يستدعي الشياطين وينفر الملائكة: لا يباح إلا لضرورة؛ ولهذا لم يبح اقتناء الكلب إلا لضرورة؛ لجلب منفعة: كالصيد. أو دفع مضرة عن الماشية والحرث حتى قال صلى الله عليه وسلم " من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو حرث أو صيد نقص من عمله كل يوم قيراط "([609]). " وبالجملة " فالتشبه بالشيء يقتضي من الحمد والذم بحسب الشبه؛ لكن كون المشبه به غير مكلف لا ينفي التكليف عن المتشبه كما لو تشبه بالأطفال والمجانين. والله سبحانه أعلم. اهـ([610])
ما جاء عن الأنبياء والرسل
قال تعالي:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)}
-قلت: من أحكام هذه الآية ما ذكره ابن عربي-رحمه الله -في أحكامه قال ما مختصره:
نوح أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد آدم بتحريم البنات والأخوات والعمات والخالات وسائر الفرائض؛ كذلك في صحيح الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن قال من المؤرخين: إن إدريس كان قبله فقد وهم.
والدليل على صحة وهمه في اتباعه صحف اليهود، وكتب الإسرائيليات الحديث الصحيح " في الإسراء، حين لقي النبي صلى الله عليه وسلم آدم وإدريس، فقال له آدم: مرحبا بالنبي الصالح، والابن الصالح.
وقال له إدريس: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح "([611]).
ولو كان إدريس أبا لنوح على صلب محمد لقال له: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح.
فلما قال له: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح دل على أنه يجتمع معه في أبيهم نوح، ولا كلام لمنصف بعد هذا.
ثم أضاف- رحمه الله-: روي أن نوحا سمي به؛ لأنه ناح على قومه، وأكثر ذلك من فعله معهم، والنوح هو البكاء على الميت، وكانوا موتى في أديانهم لعدم إجابتهم دعاءه لهم إلى الإيمان، وإبايتهم عن قبولهم للتوحيد؛ وهذا وإن كان الاشتقاق يعضده من وجه فإنه يرده أن ما تقدم من الأسماء قبل إسماعيل لم تكن عربية.
أما إن ذكر العلماء لذلك يدل على مسألة؛ وهي جواز اشتقاق الأسماء للرجال والنساء من الأفعال التي يتكسبونها، إذا لم تكن على طريق الذم، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كنى الدوسي من أصحابه بهرة كان يكتسب لزومها معه، ودعاه لذلك بأبي هريرة، في أمثال لهذا كثيرة من آثار النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والعلماء نبهنا عليه.
فإن قيل: وأي مدح في لزوم الهرة؟ قلنا: لأنها من الطوافين والطوافات يصغى لها الإناء، ولا تفسد الماء إذا ولغت فيه، وفيها منفعة عظيمة تكف إذاية الفأر، وما يؤذي الإنسان من الحشرات. اهـ([612])
قال تعالي:{قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71)}
قلت: من هذه الآية الكريمة ذكر منها العلامة ابن العثيمين- رحمه الله-فائدة في بيان شرك وسفاهة من يطلق أسماء علي ما يعبده من طاغوت واعتباره ألهاَ من دون الله تعالي الذي له الاسماء الحسني.
فقال-رحمه الله-ما مختصره:
وكل ما اتخذ إلها مع الله يعبد من دونه فألوهيته باطلة، قال الله تعالى: { ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير }-سورة الحج، الآية: 62
وتسميتها آلهة لا يعطيها حق الألوهية قال الله تعالى في اللات والعزى ومناة:{ إن هي إلا اسماء سميتموها أنتم واباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان }-سورة النجم، الآية: 23
وقال عن هود أنه قال لقومه: { اتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وأباؤكم ما نزل الله بها من سلطان }-سورة الأعراف، الآية: 71
وقال عن يوسف أنه قال لصاحبي السجن:{ أرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار * ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وءاباؤكم ما انزل الله بها من سلطان }-سورة يوسف، الآيتين: 39-40
ولهذا كانت الرسل عليهم الصلاة والسلام يقولون لأقوامهم { أعبدوا الله ما لكم من إله غيره } ولكن أبى ذلك المشركون، واتخذوا من دون الله آلهة، يعبدونهم مع الله سبحانه وتعالى، ويستنصرون بهم، ويستغيثون.
وقد أبطل الله تعالى اتخاذ المشركين هذه الآلهة ببرهانين عقليين:
الأول: أنه ليس في هذه الآلهة التي أتخذوها شيء من خصائص الألوهية، فهي مخلوقة لا تخلق، ولا تجلب نفعاً لعابديها، ولا تدفع عنهم ضرراً، ولا تملك لهم حياة ولا موتاً، ولا يملكون شيئاً من السماوات ولا يشاركون فيه. قال الله تعالى: { واتخذوا من دونه ءالهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً }-سورة الفرقان، الآية: 3.
وقال: { أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون * ولا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون }-سورة الأعراف، الآيتين: 191-192.
وإذا كانت هذه حال تلك الآلهة، فإن اتخاذها آلهة من أسفه السفه، وأبطل الباطل.
والثاني: أن هؤلاء المشركين كانوا يقرون بأن الله تعالى وحده الرب الخالق الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه، وهذا يستلزم أن يوحدوه بالألوهية كما وحدوه بالربوبية كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}-البقرة 21-22.اهـ.([613])
قال تعالي:{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) }
قلت: من هاتين الآيتين الكريمتين وما فيهما من حكم وفوائد عن قوم لوط-عليه السلام-الذين ارتكبوا فاحشة لم يسبقهم فيها أحدٍ من العالمين وهي إتيان الذكور من دون الاناث أي ما يعرف باللواط واذكر هنا نبذه عما قاله علمائنا سلفاً وخلفاَ-رحمهم الله-عن هذه الفاحشة وحكمها في شريعتنا الغراء.
-قال العلامة ابن العثيمين-رحمه الله- ما مختصره: فإنهم كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء، فيأتون ما لم يخلق لهم، ويدعون ما خلق لهم، كما قال لهم نبيهم لوط عليه الصلاة والسلام: {وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم }، وهذه الفاحشة فاحشة نكراء، لا يقرها عقل، ولا فطرة، ولا دين، ولهذا كانت عقوبتها القتل للفاعل والمفعول به، إذا كانا بالغين عاقلين، سواء كان محصنين أم غير محصنين، بخلاف الزنى، فالزنى أهون عقوبة، لأن الزنى من لم يكن محصناً فعقوبته أن يجلد مائة جلدة ويغرب عن البلد سنة كاملة، وإن كان محصناً وهو الذي قد تزوج وجامع: فعقوبته أن يرجم بالحجارة حتى يموت، أما هذا فعقوبته القتل بكل حال، كما جاء في الحديث: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» ([614]).
ثم أضاف- رحمه الله-: ولا شك أن قتله هو الحكمة، لأن هذه الفاحشة متى دبت في الرجال صار الرجال كالنساء، وبدأ الذل والعار والخزي على وجه المفعول به، لا ينساه حتى يموت، ثم استغنى الرجال بالرجال وبقيت النساء، لأن هذه الفاحشة - والعياذ بالله - إذا ابتلي بها الإنسان لا يلتفت إلى غيرها، لأنها مرض، فتاك ساري، فإذا أعدم هؤلاء وهم في الحقيقة جرثومة فاسدة مفسدة للإنسان، كان ذلك عين المصلحة.اهـ ([615])
-وقال ابن عربي- رحمه الله-في أحكامه ما مختصره: فيها مسألتان: المسألة الأولى: وإنما ذكر الله هذه المعصية، وهي إتيان الرجال باسم الفاحشة ليبين أنها زنا، كما قال:{ ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة }.
المسألة الثانية: أخبر الله تعالى عنهم بأنهم لما ارتكبوا هذه الفاحشة أرسل عليهم حجارة من سجيل جزاء على فعلهم.
وقد اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال: الأول: أنه يعزر؛ قاله أبو حنيفة.
الثاني: قال الشافعي وجماعة: يحد حد الزاني، محصنا بجزائه وبكرا بجزائه.
الثالث: قال مالك: يرجم أحصن أو لم يحصن؛ وقاله ابن المسيب والنخعي وعطاء وجماعة.
أما من قال: إنه يعزر فتعلق بأن هذا لم يزن، وعقوبة الزاني معلومة؛ فلما كانت هذه المعصية غيرها وجب ألا يشاركها في حدها.
وأما من قال: إنه زنا فنحن الآن نثبته مع الشافعي ردا على أبي حنيفة الذي يجعله بمنزلة الوطء بين الفخذين، فيقول: قد بينا مساواته للزنا في الاسم، وهي الفاحشة، وهي مشاركة له في المعنى؛ لأنه معنى محرم شرعا، مشتهى طبعا؛ فجاز له أن يتعلق به الحد إذا كان معه إيلاج وهذا الفقه صحيح.
وذلك أن الحد للزجر عن الموضع المشتهى، وقد وجد ذلك المعنى كاملا؛ بل هذا أحرم وأفحش؛ فكان بالعقوبة أولى وأحرى.
فإن قيل: هذا وطء في فرج لا يتعلق به إحلال ولا إحصان، ولا وجوب مهر، ولا ثبوت نسب؛ فلم يتعلق به حد.
قلنا: هذا بيان لمذهب مالك؛ فإن بقاء هذه المعاني فيه لا يلحقه بوطء البهيمة، إنما يعظم أمره على الوطء في القبل تعظيما يوجب عليه العقوبة فيه، أحصن أو لم يحصن؛ ألا ترى إلى عقوبة الله عليه ما أعظمها.
فإن قيل: عقوبة الله لا حجة فيها لوجهين: أحدهما: أن قوم لوط إنما عوقبوا على الكفر.
الثاني: أن صغيرهم وكبيرهم دخل فيها.
فدل على خروجها عن باب الحدود.
فالجواب أنا نقول: أما قولهم إن الله عاقبهم على الكفر لهذا غلط؛ فإن الله أخبر أنهم كانوا على معاص فأخذهم منها بهذه، ألا تسمعه يقول:{ أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون }.
قالوا له: لئن لم تنته لنفعلن بك يا لوط، ففعل الله بهم قبل ذلك.
الثاني: أنه إنما أخذ الصغير والكبير؛ لسكوت الجملة عليه والجماهير؛ فكان منهم فاعل، وكان منهم راض؛ فعوقب الجميع، وبقي الأمر في العقوبة على الفاعلين مستمرا.
وقد روى أبو داود ([616])، والترمذي ([617])، والنسائي، وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{ من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به }([618]). اهـ ([619])
-ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام نفيس وفوائد جليلة قال ما مختصره: وقد وصفهم الله تعالى بصفات قبيحة؛ منها صفة العدوان على حدود الله، فقال تعالى: { أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) }. سورة الشعراء
ووصفهم بالجهل، قال تعالى: { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) }. سورة النمل
ووصفهم بالإسراف في الشهوات، قال تعالى: { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) }. سورة الأعراف
وقال تعالى: { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ }. سورة العنكبوت، الآية 29.
وأضاف- رحمه الله- عن قوم لوط: "وكانوا كفارا من جهات؛ من جهة استحلال الفاحشة، ومن جهة الشرك، ومن جهة تكذيب الرسل؛ ففعلوا هذا وهذا، ولكن الشرك والتكذيب مشترك بينهم وبين غيرهم، والذي اختصوا به الفاحشة، فلهذا عوقبوا عقوبة تخصهم، لم يعاقب غيرهم بمثلها، وجعل جنس هذه العقوبة هو الرجم".اهـ([620])
قال تعالي:{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)}
-ذكر ابن عربي من أحكام الآية عدة أحكام منها ما مختصره:
- ضرب الأجل للمواعيد سنة ماضية ومعنى قديم أسسه الله في القضايا وحكم به للأمم، وعرفهم به مقادير التأني في الأعمال، وإن أول أجل ضربه الأيام الستة التي مدها لجميع الخليقة فيها، وقد كان قادرا في أن يجعل ذلك لهم في لحظة واحدة؛ لأن قوله لشيء إذا أراده أن يقول له: كن فيكون؛ بيد أنه أراد تعليم الخلق التأني وتقسيم الأوقات على أعيان المخلوقات؛ ليكون لكل عمل وقت.
- إذا ضرب الأجل لمعنى يحاول فيه تحصيل المؤجل لأجله، فجاء الأجل، ولم يتيسر زيد فيه تبصرة ومعذرة؛ وقد بين الله ذلك في قصة موسى صلى الله عليه وسلم فضرب له أجلا ثلاثين ليلة، فخرج لوعد ربه، فزاد الله عشرا تتمة أربعين ليلة، وأبطأ موسى في هذه العشر على قومه، فما عقلوا جواز التأخر لعذر حتى قالوا: إن موسى ضل أو نسي، ونكثوا عهده، وبدلوا بعده، وعبدوا إلها غير الله.
- التاريخ إنما يكون بالليالي دون الأيام؛ لأن الليالي أوائل الشهور، وبها كانت الصحابة تخبر عن الأيام، حتى روي عنها أنها كانت تقول {: صمنا خمسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم }.
والعجم تخالفنا ذلك فتحسب بالأيام؛ لأن معولها على الشمس، وحساب الشمس للمنافع، وحساب القمر للمناسك، ولهذا قال تعالى:{ وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة }.اهـ([621])
قال تعالي:{وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)}
من أحكام هذه الآية ما قاله الجصاص-رحمه الله-فيما يدل عليه قوله نعالي: { وأمر قومك يأخذوا بأحسنها }فقال: قيل: بأحسن ما كتب فيه، وهو الفرائض والنوافل دون المباح الذي لا حمد فيه ولا ثواب، وكذلك قوله:{ فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } وقال بعض أهل العلم: أحسنها الناسخ دون المنسوخ المنهي عنه.
وقد قيل إن هذا لا يجوز؛ لأن فعل المنسوخ المنهي عنه قبيح، فلا يقال الحسن أحسن من القبيح.اهـ ([622])
-وزاد ابن عربي-رحمه الله- ما مختصره وبتصرف: أن الحسن ما وافق الشرع،والقبيح ما خالفه، وفي الشرع حسن وأحسن، فقيل: كل ما كان أرفق فهو أحسن.
وقيل: كل ما كان أحوط للعبادة فهو أحسن.
والصحيح عندي أن أحسن ما فيها امتثال الأوامر واجتناب النواهي.
والدليل عليه " قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين قال له: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال: أفلح إن صدق، دخل الجنة إن صدق "([623]).
ثم أضاف- رحمه الله-:المباح من جملة الحسن في الشريعة بلا خلاف، وإن اختلفوا في كونه من المأمورات؛ لأنه مما حسنه الشرع وأذن فيه.
وأما المكروه فلا خلاف أنه ليس من الحسن؛ لأن المباح يمدح فاعله بالاقتصار عليه، ولا يمدح فاعل المكروه؛ بل هو داخل في السرف المنهي عنه.
ثم ختم حديثه بقوله:
هذه المسألة تدخل في الأحكام إذا قلنا: إن شرع من قبلنا شرع لنا، فأما الشافعية التي لا ترى ذلك فلم تدخلها في أحكامها، ونحن نتكلم عليها هنا من التبسط الذي لا يحسن.
والذي يحقق ذلك ما قدمناه من أن الله إنما ذكرها في القرآن من حسن الاقتداء ومن سيئ الاجتناب، وإذا مدح قوما على فعل فهو حث عليه، أو ذمهم على آخر فهو زجر عنه، وكله يدخل لنا في الاهتداء بالاقتداء.هـ([624])
قال تعالي:{ولَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)}
قلت: ضمت هذه الآية الكريمة أحكام مفيدة نبينها فيما يلي:
قوله تعالي:{ ولَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا }
-قال ابن عربي-رحمه الله- في بيان حكمها ما مختصره وبتصرف: كان موسى من أعظم الناس غضبا؛ لكنه كان سريع الفيئة، فتلك بتلك.
ثم قال؛ وذلك لأن الغضب جمرة تتوقد في القلب.
وقد روى البخاري وغيره عن ابن طاوس عن أبيه وغيره عن أبي هريرة قال: " أرسل ملك الموت إلى موسى، فلما جاء صكه صكة ففقأ فيها عينه، فرجع إلى ربه، فقال:أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت"
فقال: ارجع إليه، فقل له يضع يده على متن ثور فله بكل شعرة سنة.
قال: أي رب، ثم ماذا؟ قال: الموت قال: فالآن " الحديث([625]).
وهذا كله من غضب موسى صلى الله عليه وسلم فلذلك ألقى الألواح عند رؤية عبادة العجل، وما أوقع الغضب هاهنا، وأخذ برأس أخيه يجره إليه.
فإن قيل: ما معنى أخذه برأس أخيه يجره؟ قلنا في ذلك قولان:
أحدهما: كان ذلك فيما مضى ثم نسخ.
الثاني: أنه ضم أخاه إليه ليعلم ما لديه، فبين له أخوه أنهم استضعفوه، وكادوا يقتلونه؛ وفي هذا دليل على أن لمن خشي القتل عند تغيير المنكر أن يسكت عنه.
ثم أضاف- رحمه الله- هذا دليل على أن الغضب لا يغير الأحكام، كما زعمه بعض الناس؛ فإن موسى لم يغير غضبه شيئا من أفعاله؛ بل اطردت على مجراها، من إلقاء لوح، وعتاب أخ، وصك ملك.اهـ([626])
-وقوله تعالي:{ قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ }
-قال الجصاص- رحمه الله- في بيان حكمها ما مختصره: قوله تعالى:{ أعجلتم أمر ربكم }قد قيل إن العجلة التقدم بالشيء قبل وقته، والسرعة عمله في أول أوقاته؛ ولذلك صارت العجلة مذمومة وقد يكون تعجيل الشيء في وقته، كما روي: أن " النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجل الظهر في الشتاء ويبرد بها في الصيف "([627]). وقوله تعالى:{ وأخذ برأس أخيه يجره إليه } كان على وجه المعاتبة لا على وجه الإهانة؛ ولأن مثل هذه الأفعال تختلف أحكامها بالعادة، فلم تكن للعادة حينئذ فعله على وجه الإهانة
وقيل: إنه بمنزلة قبض الرجل منا عند غضبه على لحيته وعضه على شفته بإبهامه.اهـ ([628])
-وذكر ابن القيمفائدة جليلة منهذه الجزئية من الآية قال ما مختصره: ووجه الاستدلال بالآية: ان موسى صلوات الله عليه لم يكن ليلقي الواحا كتبها الله تعالى فيها كلامه من على راسه الى الارض فيكسرها اختيارا منه لذلك ولا كان فيه مصلحة لبني اسرائيل ولذلك جره بلحيته وراسه وهو اخوه وانما حمله على ذلك الغضب فعذره الله سبحانه به ولم يعتب عليه بما فعل اذ كان مصدره الغضب الخارج عن قدرة العبد واختياره فالمتولد عنه غير منسوب الى اختياره ورضاه به يوضحه قوله {ولما سكت موسى الغضب اخذ الالواح} الامر الناهي له لم يكن ما جرى على لسانه في هذا الحال منسوبا الى اختياره ورضاه فلا يتم عليه اثره.اهـ([629])
قال تعالي:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)}
من هذه الآية الكريمة استنبط العلماء أحكام وفوائد جمة أذكر منها:
-ما قاله العلامة ابن باز-رحمه الله-ما مختصره وبتصرف: ففي هذه الآية الكريمة الدليل القاطع والحجة الدامغة على عموم بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لليهود والنصارى وأنه بعث بالتخفيف عنهم , وأنه لا يحصل الفلاح لكل من كان في زمانه من الأمم وهكذا ما بعد ذلك إلى قيام الساعة إلا بالإيمان به ونصره وتعزيره واتباع النور الذي أنزل معه. ثم قال سبحانه بعد ذلك تأكيدا للمقام وبيانا لعموم الرسالة:{قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) }-الأعراف.
ثم أضاف- رحمه الله-:
ومن هذه الآية ومما قبلها من الآيات يتضح لكل عاقل أن الهداية والنجاة والسعادة إنما تحصل لمن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم واتبع ما جاء به من الهدى , ومن حاد عن ذلك فهو في شقاق وضلال وبعد عن الهدى , بل هو الكافر حقا وله النار يوم القيامة , كما قال سبحانه: ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده وقال تعالى:{ وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا }وقال تعالى:{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }وقال تعالى:{ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا }
وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد من قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة » ([630]).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار » ([631]).
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
قلت: ومن هذه الآيات والأحاديثوغيرها ذهب ابن باز- رحمه الله-إلي أن حكم من خرج وكفر بما جاء به الرسول -صلي الله عليه وسلم – وأضاف ما نصه: ومن اعتقد أنه يسوغ له الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى كليم الرحمن عليه الصلاة والسلام فهو كافر بإجماع أهل العلم , يستتاب وتبين له الأدلة فإن تاب وإلا قتل , عملا بما تقدم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على عموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الثقلين والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل.اهـ([632])
-وذكر ابن عربي- رحمه الله-في أحكامه عن الآية ما مختصره:
قوله تعالى:{ ويضع عنهم إصرهم } الإصر؛ هو الثقل، وكان فيما سبق من الشرائع تكاليف كثيرة فيها مشاق عظيمة، فخفف تلك المشاق لمحمد صلى الله عليه وسلم فمنها مشقتان عظيمتان: الأولى في البول.
كان إذا أصاب ثوب أحدهم قرضه، فخفف الله ذلك عن هذه الأمة بالغسل بالماء.
وروى مسلم عن أبي وائل([633]) قال: كان أبو موسى يشدد في البول، ويبول في قارورة، ويقول: إن بني إسرائيل كان إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه بالمقاريضفقال حذيفة: لوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد، لقد رأيتني أنا ورسول الله نتماشى، فأتى سباطة خلف حائط، فقام كما يقوم أحدكم؛ فبال، فانتبذت منه، فأشار إلي فجئت فقمت عند عقبه حتى فرغ([634]).
ومن الإصر الذي وضع إحلال الغنائم؛ وكانت حراما على سائر الأمم. اهـ([635])
ما جاء عن العقيدة والدار الآخرة
قال تعالي:{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8)}
قلت: من هذه الآية الكريمة أتحفنا أهل العلم بفوائد جمة اذكر منها:
-ما ذكره ابن العثيمين-رحمه الله-عن صفة الميزان فقال ما مختصره: والميزان ( ما يُعرف به وَزْنُ الشيء )
واختلفت الأمة هل هذا الميزان حسيٌّ أم معنوي؟ ثم قال- رحمه الله-:
والنصوص تدل على أن هذا الميزان ميزانٌ حسي وحديث صاحب البطاقة ([636]) واضحٌ فيه،
وكذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه لما خرج ذات يومٍ في ريحٍ شديدة فَجَرَتْ الريح تكفِّؤه يميل منها لأنه ليس كبير الجسم ونحيف فضحك منه بعض الصحابة فقال النبي عليه الصلاة والسلام: " إن ساقيه في الميزان أثقل من أُحُد " ([637]
وهذا يدل على أن الوزن في الميزان وزن حسي حقيقي،
ثم أضاف-رحمه الله-: إذن فالصحيح أن الميزان حسيٌّ لا معنوي، ثم ما الذي يُوزن أهو العمل أو صاحب العمل أو كتاب العمل؟
في هذا للعلماء ثلاثة أقوال:
1 - قيل: إن الذي يُوزن العمل
واستدل هؤلاء: بقوله تعالى:{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ( الزلزلة 7 - 8 )، وبقوله تعالى:{ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } ( الأنبياء 47 ).
وبقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان خفيفتان على اللسان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " ([638])، فقال: ( ثقيلتان في الميزان )، وهذه نصوص واضحة في أن الذي يُوزن العمل
2 - القول الثاني: أن الذي يُوزن صحائف العمل، وأن هذه الصحائف تثقل وتخف بحسب ما فيها من الأعمال، واستدلوا لهذا بحديث صاحب البطاقة، الذي يُمدُّ له سجل من المعاصي ثم يُؤتى بطاقة صغيرة فيها كلمة الإخلاص، فيقول هذا الرجل: وما تصنع هذه البطاقة بهذه السجلات فيُقال: إنك لا تُظلم ثم توضع البطاقة في كِفَّة والسجلات في كِفَّة فترجح البطاقة، وهذا يدل على أن الذي يُوزن الصحيفة صحيفة العمل.
3 - القول الثالث: أن الذي يُوزن صاحب العمل، واستدلوا بقوله تعالى:{ أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } ( الكهف 105 )، قال:{ فلا نقيم لهم }ولم يقل: ( لأعمالهم ) ولا ( لصحائف أعمالهم )، واستدلوا بحديث ابن مسعود الذي ذكرناه آنفاً، فإذا قال قائل: لا شك أن الاستدلال بحديث ابن مسعود وحديث صاحب البطاقة لا يقاوم الأدلة الدالة من القرآن والسنة على أن الذي يُوزن هو العمل، ولهذا صرَّح شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية قال: ( فتُنْصَبُ الموازين فتُوزن بها أعمال العباد ) وهو الحق، لكن حديث البطاقة:
قد يُقال: إن هذا خاصٌ به وبأمثاله من أجل أن يتبيَّن له فضل الله عليه، وقد يُقال: إنه لما وُزنت الصحيفة وثقلت بحسب العمل، فإن الوزن حقيقةً يكون للعمل، وأما حديث ابن مسعود والآية،
فلا تدل على ذلك لأن معنى:{ فلا نقيم لهم }: يعني لا نقيم لهم قيمة كما تقول فلان ليس له عندي وزن أي لا قيمة له ولا اعتبار، وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن خفة الوزن لا تدل على قلة العمل أو على خفته وليس بذاك الصريح، فالمعتمد أن التي تُوزن هي الأعمال هو العمل نفسه.اهـ ([639])
قال تعالي:{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)}
هذه الآية الكريمة تبين حكم من يأمن مكر الله تعالي وهم الخاسرون الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ولكن ما المقصود بمكر الله تعالي وماذا قال علمائنا في بيان حكم هذه الآية وفوائدها في بيان حقيقة مكر الله تعالي بعيداً عن الجهل والقول علي الله تعالي بغير علم.
-وأذكر هنا في بيان ذلك ما ذكره الألباني- رحمه الله-في حقيقة مكر الله تعالي في رده علي سؤال فقال ما نصه:
نستطيع أن نعرف أن المكر - من حيث هو مكر - لا يوصف دائماً وأبداُ بأنه شر، كما إنه لا يوصف دائما وأبدا بأنه خير، فرُب كافر يمكر بمسلم، لكن هذا المسلم كيس فطن ليس مغفلا ولا غبيا، فهو متنبه لمكر خصمه الكافر، فيعامله على نقيض مكره هو، بحيث تكون النتيجة أن هذا المسلم بمكره الحسن قضى على الكافر بمكره السيئ، فهل يقال: إن هذا المسلم حينما مكر بالكافر تعاطى أمراً غير مشروع؟ لا أحد يقول هذا.
ومن السهل أن تفهموا هذه الحقيقة من قوله عليه الصلاةوالسلام: "الحرب خدعة"([640])، فالذي يقالُ في الخدعة يُقال في المكر تماماً، فمخادعة المسلم لأخيه المسلم حرام، لكن مخادعة المسلم للكافر عدو الله وعدو رسوله هذا ليس حراماً، بل هو واجب، كذلك مكر المسلم بالكافر الذي يريد المكر به -بحيث يبطل هذا المسلم مكر الكافر - هذا مكر حسن، وهذا إنسان وذاك إنسان.
فماذا نقول بالنسبة لرب العالمين القادر العليم الحكيم؟
ها هو يبطل مكر الماكرين جميعاً لذلك قال: {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}، فحينما وصف ربنا عز وجل نفسه بهذه الصفة؟ قد لفت نظرنا بأن المكر حتى من البشر ليس دائماً، لأنه قال {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} فهناك ماكر بخير، وماكر بشر، فمن مكر بخير لم يُذم، والله عزوجل كما قال: {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.
وباختصار أقول: كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، فإذا توهم الإنسان أمراً لا يليق بالله، فليعلم رأساً أنه مخطئ، فهذه الآية هي مدح لله عزوجل، وليس فيها أي شيء لا يجوز نسبته.اهـ([641])
-وزاد ابن العثيمين بياناً لحقيقة مكر الله تعالي والأحكام المتعلقة بذلك فقال: في قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} دليل على أن لله مكرا، والمكر هو التوصل إلى الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر، ومنه ما جاء في الحديث: «الحرب خدعة».
فإن قيل: كيف يوصف الله بالمكر مع أن ظاهره أنه مذموم؟
قيل: إن المكر في محله محمود يدل على قوة الماكر، وأنه غالب على خصمه، ولذلك لا يوصف الله به على الإطلاق، فلا يجوز أن تقول: إن الله ماكر، وإنما تذكر هذه الصفة في مقام تكون فيه مدحا، مثل قوله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال: 30]، وقال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: 50]، ومثل قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} [الأعراف: 99]، ولا تنفي عنه هذه الصفة على سبيل الإطلاق، بل إنها في المقام التي تكون مدحا يوصف بها، وفي المقام التي لا تكون مدحا لا يوصف بها.
وكذلك لا يسمى الله بها، فلا يقال: إن من أسماء الله الماكر.
وأما الخيانة فلا يوصف الله بها مطلقا لأنها ذم بكل حال، إذ إنها مكر في موضع الائتمان، وهو مذموم، قال تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} [الأنفال: 71]، ولم يقل: فخانهم.
وأما الخداع فهو كالمكر يوصف الله به حيث يكون مدحا، لقوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142]، والمكر من الصفات الفعلية؛ لأنها تتعلق بمشيئة الله - سبحانه –
ويستفاد من هذه الآية:
1 - الحذر من النعم التي يجلبها الله للعبد لئلا تكون استدراجا؛ لأن كل نعمة فلله عليك وظيفة شكرها، وهي القيام بطاعة المنعم، فإذا لم تقم بها مع توافر النعم، فاعلم أن هذا من مكر الله.
2 - تحريم الأمن من مكر الله، وذلك لوجهين:
الأول: أن الجملة بصيغة الاستفهام الدال على الإنكار والتعجب.
الثاني: قوله تعالى: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}.اهـ([642])
قال تعالي:{ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122)}
قلت: هذه الآيات عن سحرة فرعون وإيمانهم بعد كفرهم وهدايتهم بعد ضلالهم فيها من الفوائد والعبر الكثير منها:
-ما ذكره ابن العثيمين-رحمه الله-قال: فالسحرة رأوا أمراً أدهشهم ولم يملكوا أنفسهم إلا أن يؤمنوا مع ذلك إيماناً تامًّا {وألقى السحرة ساجدين }، وتأمل قوله تعالى: {وألقى السحرة ساجدين } ولم يقل سجدوا، كأن شيئاً اضطرهم إلى السجود، كأنهم سجدوا بغير اختيار لقوة ما رأوا من الآية العظيمة، ومع هذه الآية البينة الواضحة على صدق موسى عليه الصلاة والسلام لم يؤمن فرعون بل قال: {إن هؤلآء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغآئظون }.اهـ ([643])
-وما ذكره شيخ الإسلامابن تيمية- رحمه الله-قال: فالكفار قد يعبدون الله، وما فعلوه من خير أثيبوا عليه في الدنيا، فإن ماتوا على الكفر حبطت أعمالهم في الآخرة، وإن ماتوا على الإيمان فهل يثابون على ما فعلوه في الكفر، فيه قولان مشهوران.
والصحيح: أنهم يثابون على ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام:" أسلمت على ما أسلفت من خير"([644])، وغير ذلك من النصوص، ومعلوم أن اليهود والنصارى لهم صلاة وسجود.
وإن كان ذلك لا ينفعهم في الآخرة إذا ماتوا على الكفر، وأيضا فقد أخبر الله في غير موضع من القرآن عن سجود سحرة فرعون، كما قال تعالى:{ وألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون }.
وذلك سجود مع إيمانهم، وهو مما قبله الله منهم، وأدخلهم به الجنة، ولم يكونوا على طهارة.
وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بنسخه، ولو قرئ القرآن على كفار، فسجدوا لله سجود إيمان بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أو رأوا آية من آيات الإيمان، فسجدوا لله مؤمنين بالله ورسوله، لنفعهم ذلك.اهـ ([645])
قال تعالي:{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)}
من أحكام هذه الآية ما ذكره ابن عربي- رحمه الله-في أحكامه قال:
فيها مسألتان: المسألة الأولى: ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في معرض الذم: " لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه }"([646]).
وثبت أنهقال في بعض مغازيه لأصحابه، وقد قالوا له:"اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط يعني المشركينفقال: هذا، كما قال من قبلكم: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة" ([647])؛ فحذر النبي صلى الله عليه وسلم اتباع البدع، وأمر بإحياء السنن، وحث على الاقتداء، وعن هذا قلنا: إن أهل الكتاب زادا في صيامهم بعلة رأوها، وجعلوه أكثر من العدد المعروف.
وقد روي أن عثمان بلغه أن رجلا من أهل الكوفة رجع إلى بلده بعد أن حضر معه الموسم فصلى معه الظهر ركعتين، فقيل له: ما هذا؟ فقال: رأيت أمير المؤمنين عثمان يفعله، فكان عثمان يتم في السفر؛ لأنه رأى ذلك مفسدا لعقائد العامة، فرأى حفظ ذلك بترك يسير من السنة.اهـ ([648])
-ومن فوائد هذه الآية ما ذكره ابن تيمية- رحمه الله- قال ما مختصره: ومن أراد أن يعلم كيف كانت أحوال المشركين في عبادة أوثانهم، ويعرف حقيقة الشرك الذي ذمه الله، وأنواعه، حتى يتبين له تأويل القرآن، ويعرف ما كرهه الله ورسوله، فلينظر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحوال العرب في زمانه، وما ذكره الأزرقي ([649]) في أخبار مكة، وغيره من العلماء.
ولما كان للمشركين شجرة يعلقون عليها أسلحتهم، ويسمونها ذات أنواط، فقال بعض الناس: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط. فقال: « الله أكبر، قلتم كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم » ([650]). فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم مجرد مشابهتهم للكفار في اتخاذ شجرة يعكفون عليها، معلقين عليها سلاحهم. فكيف بما هو أعظم من ذلك من مشابهتهم المشركين، أو هو الشرك بعينه؟. فمن قصد بقعة يرجو الخير بقصدها، ولم تستحب الشريعة ذلك، فهو من المنكرات، وبعضه أشد من بعض، سواء كانت البقعة شجرة أو عين ماء، أو قناة جارية، أو جبلا، أو مغارة، وسواء قصدها ليصلي عندها، أو ليدعو عندها، أو ليقرأ عندها، أو ليذكر الله سبحانه عندها، أو ليتنسك (عندها، بحيث يخص تلك البقعة بنوع من العبادة التي لم يشرع تخصيص تلك البقعة به لا عينا ولا نوعا. اهـ ([651])
قال تعالي:{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)}
في هذه الآية الكريمةيتبين أن رؤية الله تعالي في الدنيا وهي مستحيلة حتي لأنبياء الله تعالي ولكن رؤيته في الجنة ممكنة بالنصوص الصريحة الصحيحة عن نبينا-صلي الله عليه وسلم –وها هي أقوال اهل العلم في هذا الصدد مع بيان أحكامها وفوائدها.
-قال الجصاص- رحمه الله- في أحكامه ما مختصره: قوله تعالى:{ قال رب أرني أنظر إليك } قيل إنه سأل الرؤية على جهة استخراج الجواب لقومه لما قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، ويدل عليه قوله تعالى:{ أتهلكنا بما فعل السفهاء منا } وقيل: إنه سأله الرؤية التي هي علم الضرورة، فبين الله تعالى له أن ذلك لا يكون في الدنيا.
فإن قيل: فلم جاز أن يسأل الرؤية وهي غير جائزة على الله تعالى؟ وهل يجوز على هذا أن يسأله ما لا يجوز على الله تعالى من الظلم؟ قيل له: لأنه لا شبهة في فعل الظلم أنه صفة نقص وذم فلا يجوز سؤال مثله، وليس كذلك ما فيه شبهة ولا يظهر حكمه إلا بالدلالة، وهذا إن كان سأل الرؤية من غير تشبيه على ما روي عن الحسن والربيع بن أنس والسدي وإن كان إنما سأل الرؤية التي هي علم الضرورة أو استخراج الجواب لقومه، فهذا السؤال ساقط وقيل إن توبة موسى إنما كانت من التقدم بالمسألة قبل الإذن فيها، ويحتمل أن يكون ذكر التوبة على وجه التسبيح على ما جرت عادة المسلمين بمثله عند ظهور دلائل الآيات الداعية إلى التعظيم..اهـ ([652])
-وقال العلامة ابن العثيمين- رحمه الله-ما مختصره: أن أهل الجنة يرون الله عز وجل رؤية عينية، يرونه بأبصارهم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: " إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته" ([653])، وقال في حديث آخر: ( وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة "([654]) ولا ألذ ولا أنعم ولا أطيب من رؤية المؤمنين لله عز وجل في الجنة، أسأل الله تعالى أن يوفقني وإياكم لذلك.
وحينئذٍ نؤمن إيماناً عقدياً جازماً بأن المؤمنين يرون الله عز وجل يوم القيامة في الجنة بأبصارهم، كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته.
فإن قال قائل: أليس الله تعالى قال لموسى حين قال: { رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي } [الأعراف:143]؟ بلى قال ذلك، ولكن موسى سأل الله الرؤية في الدنيا، والرؤية في الدنيا لا يمكن لأحد أن يرى الله عز وجل أبداً؛ لأن الأبصار لا تتحمل ذلك، ولهذا ضرب الله له مثلاً فقال: { انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ } [الأعراف:143] الجبل كما نعلم جميعاً أصم ذو أحجار غليظة متينة: { فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ } [الأعراف:143] وبقى على حاله فسوف تراني، { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ } [الأعراف:143] ماذا كان الجبل؟ { جَعَلَهُ دَكّاً } [الأعراف:143] انهد، وحينئذٍ: { وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً } [الأعراف:143] أغمي عليه؛ لأنه رأى أمراً هائلاً لم تتحمله نفسه: { فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ } [الأعراف:143] أي: تنزيهاً أن يحيط بك أحدٌ وأنت أعظم من كل شيء، { تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } [الأعراف:143] تبت إليك من أي شيء؟ وهل أذنب موسى حتى يقول: تبت إليك؟ لا.
هو سأل ما ليس له به علم، ولهذا لما قال نوح: { رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ } [هود:45] قال الله له: { قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ } [هود:46] ولهذا تاب موسى من هذا السؤال، والله المستعان!.اهـ([655])
قال تعالي:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) }
هذه الآية الكريمة مما استفاض العلماء في بيان حكمها في أثبات الربوبية لله تعالي وفوائدها نذكر من ذلك:
-ما قاله ابن العثيمين- رحمه الله-: فهذه الآية تدل على أن الإنسان مجبول بفطرته على شهادته بوجود الله وربوبيته وسواء أقلنا: إن الله استخرجهم من ظهر آدم واستشهدهم، أو قلنا: إن هذا هو ما ركب الله تعالى في فطرهم من الإقرار به، فإن الآية تدل على أن الإنسان يعرف ربه بفطرته.اهـ ([656])
-وما قاله ابن عربي-رحمه الله-في أحكامه قال ما مختصره وبتصرف:
وقد ثبت وصح عن أبي هريرة أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لما خلق آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل رجل منهم وبيصا من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال: يا رب، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك.
فرأى رجلا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه.
فقال: يا رب؛ من هذا؟ قال: رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود.
فقال: رب كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة.
قال: أي رب، زده من عمري أربعين سنة.
فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت، فقال: أولم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أولم تعطها ابنك داود؟ قال: فجحد آدم، فجحدت ذريته؛ ونسي آدم فنسيت ذريته؛ وخطئ آدم، فأخطأت ذريته "([657]).
ثم قال- رحمه الله-:وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فكتب مقادير الخلق إلى يوم القيامة }([658]) وثبت في الصحيح أنه { قيل: يا رسول الله؛ هذا الأمر الذي نحن فيه أمر مستأنف أم أمر قد فرغ منه؟ فقال: فرغ ربكم.
قالوا: ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له؛ أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة.
ومن كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاء.
ثم قرأ:{ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى } وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن العبد ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها.
وإن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها "([659]).
فإن قيل: فكيف يجوز أن يعذب الخلق وهم لم يذنبوا، أو يعاقبهم على ما أراده منهم، وكتبه عليهم، وساقهم إليه؟ قلنا: ومن أين يمتنع ذلك؟ أعقلا أم شرعا؟ فإن قيل: لأن الرحيم الحكيم منا لا يجوز أن يفعل ذلك.
قلنا: لأن فوقه آمرا يأمره وناهيا ينهاه، وربنا لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
ولا يجوز أن يقاس الخالق بالمخلوق، ولا تحمل أفعال الإله على أفعال العباد.
وبالحقيقة الأفعال كلها لله، والخلق بأجمعهم له صرفهم كيف شاء، وحكم فيهم كيف أراد؛ وهذا الذي يجده الآدمي إنما تبعث عليه رقة الجبلة، وشفقة الجنسية، وحب الثناء والمدح، لما يتوقع في ذلك من الانتفاع؟ والباري متقدس عن ذلك كله؛ فلا يجوز أن يعتبر به.اهـ ([660])
-وما ذكره ابن القيم- رحمه الله- من بيان وفائدة في " أحكام أهل الذمة" قال: وهل معنى الآية أخذ الذرية بعضهم من بعض وإشهادهم بما فطرهم عليه أو إخراجهم من ظهر آدم واستنطاقهم على قولين مشهورين.
والذين قالوا إن الأرواح خلقت قبل الأجساد ليس معهم نص من كتاب الله ولا سنة رسوله وغاية ما معهم قوله {وإذ أخذ ربك من بني آدم }الآية وقد علم أنها لا تدل على ذلك وأما الأحاديث التي فيها أنه أخرجهم مثل الذر فهذا هل هو أشباحهم أو أمثالهم فيه قولان وليس فيها صريح بأنها أرواحهم والذي دل عليه القرآن والسنة والاعتبار أن الأرواح إنما خلقت مع الأجساد أو بعدها فإن الله سبحانه خلق جسد آدم قبل روحه فلما سواه وأكمل خلقه نفخ فيه من روحه فكان تعلق الروح به بعد خلق جسده
وكذلك سنته سبحانه في خلق أولاده كما دل عليه حديث عبدالله بن مسعود المتفق على صحته قال "سمعت رسول الله يقول إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم ينفخ فيه الروح"([661]9 وقد غلط بعض الناس حيث ظن أن نفخ الروح إرسال الروح وبعثها إليه وأنها كانت موجودة قبل ذلك ونفخها تعلقها به وليس ذلك مراد الحديث بل إذا تكامل خلق الجنين أرسل الله إليه الملك فنفخ فيه نفخة فتحدث الروح بتلك النفخة فحينئذ حدثت له الروح بواسطة النفخة.اهـ([662])
{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)}
قلت: من عقيدة السلف وأهل السنة في التوحيد أن أسماء الله الحسني هي ما اخبرنا الله بها في كتابه وعلي لسان رسوله-صلي الله عليه وسلم- وهي توقيفيه لا يجوز لعبد من العباد أن يلحد في اسمائه أو يصفه بما لم يقل وإنما الواجب عليه أن يؤمن بها بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل وعمدتنا في ذلك قوله تعالي: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]؛ وللعلماء في أحكام هذه الآية وما فيها من فوائد تعين المسلم علي صفاء عقيدته من شوائب الشرك مما يخفي عنه كثيرة جداَ نذكر منها:
-ما ذكره ابن العثيمين- رحمه الله-من فوائد وأحكام لفهم الأسماء الحسني قال: وأما توحيد الأسماء والصفات فهو إفراد الله تعالى بأسمائه وصفاته وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
فلا يجوز نفي شيء مما سمى الله به نفسه، أو وصف به نفسه لقوله تعالى::{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأعراف:180). ولأن ذلك تعطيل يستلزم تحريف النصوص أو تكذيبها مع وصف الله تعالى بالنقائص والعيوب.
ولا يجوز تسمية الله تعالى أو وصفه بما لم يأت في الكتاب والسنة؛ لأن ذلك قول على الله تعالى بلا علم وقد قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (الأعراف: 33). وقال: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (الإسراء:36).
ولا يجوز إثبات اسم أو صفة لله تعالى مع التمثيل لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير} (الشورى:11). وقوله: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(النحل:74). ولأن ذلك إشراك بالله تعالى يستلزم تحريف النصوص أو تكذيبها مع تنقص الله تعالى بتمثيله بالمخلوق الناقص.
ولا يجوز إثبات اسم أو صفة لله تعالى مع التكييف؛ لأن ذلك قول على الله تعالى بلا علم، يستلزم الفوضى والتخبط في صفات الله تعالى إذ كل واحد يتخيل كيفية معينة غير ما تخيله الآخر، ولأن ذلك محاولة لإدراك مالا يمكن إدراكه بالعقول، فإنك مهما قدرت من كيفية فالله أعلى وأعظم.
وهذا النوع من التوحيد هو الذي كثر فيه الخوض بين أهل القبلة فانقسموا في النصوص الواردة فيه إلى ستة أقسام:
القسم الأول: من أجروها على ظاهرها اللائق بالله تعالى من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وهؤلاء هم السلف، وهذا هو الصواب المقطوع به لدلالة الكتاب، والسنة، والعقل، والإجماع السابق عليه دلالة قطعية أو ظنية.
القسم الثاني: من أجروها على ظاهرها لكن جعلوها من جنس صفات المخلوقين. وهؤلاء هم الممثلة، ومذهبهم باطل بالكتاب، والسنة والعقل، وإنكار السلف.
القسم الثالث: من أجروها على خلال ظاهرها، وعينوا لها معاني بعقولهم، وحرفوا من أجلها النصوص. وهؤلاء هم أهل التعطيل فمنهم من عطل تعطيلاً كبيراً كالجهمية والمعتزلة ونحوهم، ومنهم من عطل دون ذلك كالأشاعرة.
القسم الرابع: من قالوا: الله أعلم بما أراد بها، فوضوا علم معانيها إلى الله وحده. وهؤلاء هم أهل التجهيل المفوضة، وتناقض بعضهم فقال: الله أعلم بما أراد، لكنه لم يرد إثبات صفة خارجية له تعالى.
القسم الخامس: من قالوا: يجوز أن يكون المراد بهذه النصوص إثبات صفة تليق بالله تعالى وأن لا يكون المراد ذلك. وهؤلاء كثير من الفقهاء وغيرهم.
القسم السادس: من أعرضوا بقلوبهم وأمسكوا بألسنتهم عن هذا كله واقتصروا على قراءة النصوص ولم يقولوا فيها بشيء.
وهذه الأقسام سوى الأولى باطلة كما قد تبين في غير هذا الموضع.اهـ([663])
-و ما ذكره السعدي-رحمه الله- من فوائد قال: أصل التوحيد إثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله من الأسماء الحسنى، ومعرفة ما احتوت عليه من المعاني الجليلة، والمعارف الجميلة، والتعبد لله بها ودعاؤه بها.
فكل مطلب يطلبه العبد من ربه من أمور دينه ودنياه. فليتوسل إليه باسم مناسب له من أسماء الله الحسنى، فمن دعاه لحصول الرزق فليسأله باسمه الرزاق، ولحصول رحمة ومغفرة فباسمه الرحيم الرحمن البر الكريم العفو الغفور التواب ونحو ذلك.
وأفضل من ذلك أن يدعوه بأسمائه وصفاته دعاء العبادة، وذلك باستحضار معاني الأسماء الحسنى وتحصيلها في القلوب حتى تتأثر القلوب بآثارها ومقتضياتها، وتمتلئ بأجل المعارف.
فمثلا أسماء العظمة والكبرياء والمجد والجلال والهيبة تملأ القلوب تعظيما لله وإجلالا له.
وأسماء الجمال والبر والإحسان والرحمة والجود تملأ القلب محبة لله وشوقا له وحمدا وشكرا.
وأسماء العز والحكمة والعلم والقدرة تملأ القلب خضوعا لله وخشوعا وانكسارا بين يديه.
وأسماء العلم والخبرة والإحاطة والمراقبة والمشاهدة تملأ القلب مراقبة لله في الحركات والسكنات وحراسة للخواطر عن الأفكار الردية والإرادات الفاسدة.
وأسماء الغنى واللطف تملأ القلب افتقارا واضطرارا إليه، والتفاتا إليه كل وقت، في كل حال.اهـ([664])
قلت(سيد مبارك): والجدير بالبيان هنا اتماماًللفائدة أن عددُ أسماء الله الحُسنى لا يعلمها إلا الله -تعالى -والحديث الذي ذكر في السُّنة الصحيحة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لله تسعة وتسعون اسمًا، مَن حَفِظها، دخَلَ الجنة، وإنَّ الله وِتْرٌ يحبُّ الوِتْرَ" ([665]).
لا يحصر أسماء الله الحسني في التسعة وتسعين ولا يعينها بل مفهوم الحديث لا يمنع وجود أسماء أخري وهناك أسماء لله تعالي في القرآن والسنة تزيد علي التسعةوالتسعين.
-وقال النووي في شرح مسلم ما مختصره: " قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلاَّ واحدًا، مَن أحصاها دخَلَ الجنة، وإنَّه وِتْر يحبُّ الوِتْر"، وفي رواية:مَن حَفِظها دخَلَ الجنةّ")، واتَّفق العلماء على أنَّ هذا الحديث ليس فيه حَصْرٌ لأسمائه - سبحانه وتعالى - فليس معناه أنَّه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنَّما مقصود الحديث أنَّ هذه التسعة والتسعين مَن أحصاها دخَلَ الجنَّة، فالمراد الإخبارُ عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحَصْر الأسماء؛ ولهذا جاء في الحديث الآخر: "أسألُك بكلِّ اسمٍ سَمَّيتَ به نفسك، أو استأثرتَ به في عِلم الغيب عندك"([666])، وقد ذَكَر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي عن بعضهم أنَّه قال: لله - تعالى - ألفُ اسمٍ، قال ابن العربي: وهذا قليل فيها، والله أعلم.اهـ([667])
وننبه للفائدة هنا أن حديث الوليد بن مسلم ([668]) الذي أخرجه الترمذي وفيه تعيين للتسعة والتسعين أسماً إنما هي من جمع الوليد نفسه-رحمه الله- وليس من كلام النبي-صلي الله عليه وسلم-
-قال ابن تيمية- رحمه الله- في ردِّه عن سؤال في "الفتاوى"،فيمن قال: لا يجوز الدعاء إلا بالتسعة والتسعين اسمًا، ولا يقول: يا حنَّان يا مَنَّان، ولا يقول: يا دليلَ الحائرين، فهل له أنْ يقولَ ذلك؟
أجاب -رحمه الله- ما مختصره: الحمد لله، هذا القول، وإن كان قد قالَه طائفةٌ من المتأخِّرين، كأبي محمد بن حَزْم وغيره، فإنَّ جمهور العلماء على خِلافه، وعلى ذلك مَضَى سلفُ الأُمَّة وأئمَّتُها، وهو الصواب لوجوه:
أحدها: أنَّ التسعة والتسعين اسمًا لم يردْ في تعيينها حديثٌ صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأشهر ما عند الناس فيها حديث الترمذي الذي رواه الوليد بن مسلم، وحُفَّاظ أهْلِ الحديث يقولون: هذه الزيادة ممَّا جمَعَه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهْل الحديث، وفيها حديث ثانٍ أضعفُ من هذا، رواه ابن ماجه، وقد رُوي في عددها غير هذين النوعين مِن جَمْع بعض السلف، وهذا القائل الذي حصَرَ أسماءَ الله في تسعة وتسعين لم يُمْكنه استخراجُها من القرآن.
وإذا لم يقمْ على تعيينها دليلٌ يجب القول به، لم يُمكنْ أن يُقال: هي التي يجوز الدعاء بها دون غيرها؛ لأنَّه لا سبيلَ إلى تمييز المأمور من المحظور، فكل اسمٍ يُجْهَل حالُه يُمكن أنْ يكون من المأمور، ويُمكن أن يكونَ من المحظور، وإنْ قيل: لا تدعوا إلاَّ باسم له ذِكْر في الكتاب والسُّنة، قيل: هذا أكثر من تسعة وتسعين.
الوجه الثاني: أنَّه إذا قيل: تعيينُها على ما في حديث الترمذي مثلاً، ففي الكتاب والسُّنة أسماء ليستْ في ذلك الحديث، مثل: اسم "الرب"، فإنَّه ليس في حديث الترمذي، وأكثر الدعاء المشروع إنَّما هو بهذا الاسم، كقول آدم: { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا } [الأعراف: 23]، وقوله نوح: { رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ } [هود: 47]، وقول إبراهيم: { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ } [نوح: 28]، وقول موسى: { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي } [القصص: 16]، وقول المسيح: { اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ } [المائدة: 114].
وأمثال ذلك، حتى إنَّه يذكر عن مالك وغيره أنَّهم كَرِهوا أن يُقال: يا سيِّدي، بل يُقال: يا رب؛ لأنَّه دعاءُ ‏النبيين وغيرهم؛ كما ذَكَر الله في القرآن، وكذلك اسم "المنَّان"، ففي الحديث الذي رواه أهْلُ السُّننأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سَمِع داعيًا يدعو: "اللهم إني أسألك بأنَّ لك الْمُلك، أنت الله المنَّان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حَي يا َقَيُّوم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعِي به أجابَ، وإذا سُئِل به أعْطَى"([669])، وهذا ردٌّ لقول مَن زَعَم أنَّه لا يُمكن في أسمائه المنَّان.
وأيضًا فقد ثبَتَ في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "إنَّ الله وِتْر يحبُّ الوِتْ"، وليس هذا الاسم في هذه التسعة والتسعين.
وثبت عنه في الصحيح أنَّه قال: "إنَّ الله جميل يحبُّ الجمال)"([670])، وليس هو فيها.
ثم قال- رحمه الله-: وفي الصحيح عنه أنَّه قال: "إنَّ الله طيِّبٌ لا يَقبل إلا طيِّبًا"([671])، وليس هذا فيها، وتَتَبُّع هذا يَطول.اهـ ([672])
ولقد أطلنا في بيان أحكام وفوائد هذه الآية لأهميتها في تصحيح العقيدة والبعد عن الألحاد في أسماء الله وصفاته والله المستعان وعليه التكلان.
قال تعالي:{أوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)}
هذه الآية الكريمة من الآيات التي تدعو الإنسان إلي التفكر والنظر في ملكوت السماوات والأرض ليعبد الله علي بصيرة ومنها استدل العلماء علي أهمية التفكر والتأمل وفائدته الجمة لمعرفة عظمة الله واليقين بقدرته وأنه في حكم العبادة التي يثاب العبد عليها ونذكر من ذلك:
-ما قاله ابن عربي-في احكامه ما مختصره: حقيقة التفكر هنا ترديد العلم في القلب بالخبر عنه.
والكلام حقيقة هو ما يجري في النفس، والحروف والأصوات عبارة عنه، وأقل ما يحضر في القلب من العلم علمان اثنان: أحدهما نسق الآخر، ومثاله أن يعلم أن الجنة مطلوبة، وأن الموصل إليها آكد العمل الصالح، فحينئذ يجتهد في العمل؛ وآكد من هذا أن تعلم الإيمان بالله بمعرفته ومعرفة صفاته وأفعاله، وملكوته في أرضه وسمائه؛ ولا يحصل ذلك إلا بالنظر في مخلوقاته، وهي لا تحصى كثرة.
ثم أضاف- رحمه الله-
أي العملين أفضل: التفكر أم الصلاة؟: اختلف في ذلك الناس، فصغو أي ميل الصوفية إلى أن الفكرة أفضل، فإنها تثمر المعرفة، وهي أفضل المقامات الشرعية.
وصغو الفقهاء إلى أن الصلاة والذكر أفضل؛ لما روي في ذلك من الحث والدعاء إليها، والترغيب فيها، والإيعاز بمنازلها وثوابها.
والذي عندي فيه أن الناس مختلفون فمن كان شديد الفكر، قوي النظر، مستمر المرر، قادرا على الأدلة، متبحرا في المعارف، فالفكر له أفضل، ومن كان دون ذلك فالأعمال أقوى لنفسه، وأثبت لعوده.
ثبت عنابن عباس "عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه بات عند زوجه ميمونة، وبات ابن عباس معه في ليلة لم تكن ميمونة تصلي فيها، فاضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجه في طول الوسادة، واضطجع ابن عباس في عرضها؛ فلما انتصف الليل أو قبله بقليل، أو بعده، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح النوم عن وجهه، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران:{ إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} حتى ختم السورة؛ ثم قام إلى شن معلق فتوضأ منه وضوءا خفيفا، ثم صلى خمس عشرة ركعة "([673]).
فانظروا رحمكم الله إلى جمعه بين الفكرة في المخلوقات لتأكيد المعرفة وتحديدها حتى تجددت له حياة بالهب من النوم، ثم إقباله على الصلاة بعدها؛ فهذه هي السنة التي تعتمدون عليها.اهـ([674])
-وقال الجصاص- رحمه الله- في أحكامه: قوله تعالى:{ أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء } فيه حث على النظر والاستدلال والتفكر في خلق الله وصنعه وتدبيره، فإنه يدل عليه وعلى حكمته وجوده وعدله، وأخبر أن في جميع ما خلقه دليلا عليه وداع إليه، وحذرهم التفريط بترك النظر إلى وقت حلول الموت وفوات ما كان يمكنه الاستدلال به على معرفة الله تعالى وتوحيده، وذلك قوله تعالى:{ وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون }.اهـ ([675])
- ومسك الختام في هذه المسألة أعني مسالة حكم التفكر والنظر ما ذكره العلامة ابن العثيمين- رحمه الله-قال: أما النظر: فلا نقول: إنه واجب، نعم لو فرض أن الإنسان احتاج إلى النظر فحينئذ يجب عليه النظر لو كان إيمانه فيه شيء من الضعف يحتاج إلى التقوية فحينئذ لا بد أن ينظر،
ولهذا قال تعالى:{ أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأنْ عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديثٍ بعده يؤمنون }- ( الأعراف 185 )،
وقال:{ أفلم يدَّبروا القول }-( المؤمنون 68 ).
وقال تعالى:{ كتابٌ أنزلناه إليك مبارك ليَّدبروا آيته }- ( ص 29 ).
فإذا وجد الإنسان في إيمانه ضعفاً حينئذٍ يجب أن ينظر، لكن لا ينظر هذا الناظر من زاوية الجدل والمعارضات والإيرادات، لأنه إن نظر من هذه الزاوية يكون مآله الضياع والهلاك يورد عليه الشيطان من الإيرادات ما يجعله يقف حيران، ولكن ينظر من زاوية الوصول إلى الحقيقة،
فمثلاً: نظر إلى الشمس هذا المخلوق الكبير الوهاج لا يقول من الذي خلقه؟ ومن الطرق التي توصل إلى معرفة الله: العقل،
الأمور العقلية فإن العقل يهتدي إلى معرفة الله بالنظر إلى ذاته - هذا إذا كان القلب سليما ً من الشبهات - فينظر إلى ما بالناس من نعمة فيستدل به على وجود المنعم،لأنه لولا وجود المنعم ما وجدت النعم وعلى رحمته فلولاه ما وجدت ينظر إلى إمهال الله عز وجل للعاصين فيستدل به على حلم الله { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة }- ( فاطر 45 )
لأن أكثر الناس على الكفر، فلو أراد الله أن يؤاخذه - أن يؤاخذهم على أعمالهم - ما ترك على ظهرها من دابة،ننظر في السماوات والأرض فنستدل به على عظم الله فإن عظم المخلوق يدل على عظم الخالق وهكذا.اهـ([676])
قال تعالي:{أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195) }
من أحكام هذه الآية ما ذكره الجصاص- رحمه الله-قال:
قوله تعالى:{ ألهم أرجل يمشون بها } تقريع لهم على عبادتهم من هذه صفته؛ إذ لا شبهة على أحد في الناس أن من تبع من هذه صفته فهو ألوم ممن عبد من له جارحة يمكن أن ينفع بها أو يضر وقيل: إنه قدرهم أنهم أفضل منها؛ لأن لهم جوارح يتصرفون بها والأصنام لا تصرف لها، فكيف يعبدون من هم أفضل منه والعجب من أنفتهم من اتباع النبي صلى الله عليه وسلم مع ما أيده الله به من الآيات المعجزة والدلائل الباهرة لأنه بشر مثلهم، ولم يأنفوا من عبادة حجر لا قدرة له ولا تصرف وهم أفضل منه في القدرة على النفع والضر والحياة والعلم.اهـ ([677])
- وأضاف ابن تيمية-رحمه الله- في بيانه لكمال صفات الله تعالي وما يتعلق بها من فوائد في توضيح العقيدةالصحيحة التي يجب الإيمان بها فيما يخص الرب-جل في علاه-من صفات وأفعالبعد أن ساق هذه الآية وغيرها فقال: واستفهم استفهام إنكار وجحود لطرق الإدراك التام وهو السمع والبصر. والعمل التام وهو اليد والرجل كما أنه سبحانه لما أخبر فيما روى عنه رسوله عن أحبابه المتقربين إليه بالنوافل فقال: " ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه. فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها"([678]) ثم قال- رحمه الله-:
وأهل السنة والجماعة المتبعون لإبراهيم وموسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين يثبتون ما أثبتوه من تكليم الله ومحبته ورحمته وسائر ما له من الأسماء الحسنى والمثل الأعلى. وينزهونه عن مشابهة الأجساد التي لا حياة فيها. فإن الله قال:{ وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب } وقال:{ وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام }. وقال:{ عجلا جسدا له خوار } فوصف الجسد بعدم الحياة فإن الموتان لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق ولا يغني شيئا. وأما أهل البدع والضلالة من الجهمية ونحوهم فإنهم سلكوا سبيل أعداء إبراهيم وموسى ومحمد الذين أنكروا أن يكون الله كلم موسى تكليما واتخذ إبراهيم خليلا. وقد كلم الله محمدا واتخذه خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ورفعه فوق ذلك درجات: وتابعوا فرعون الذي قال:{ يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب }{ أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا } وتابعوا المشركين الذين { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا } واتبعوا الذين ألحدوا في أسماء الله. فهم يجحدون حقيقة كونه الرحمن أو أنه يرحم أو يكلم أو يود عباده أو يودونه أو أنه فوق السموات. ويزعمون أن من أثبت له هذه الصفات فقد شبهه بالأجسام الحسية وهي الحيوان كالإنسان وأن هذا تشبيه لله بخلقه. فهم قد شبهوه بالأجساد الميتة فيما هو نقص وعيب وتشبيه دلت الكتب الإلهية والفطرة العقلية أنه عيب ونقص بل يقتضي عدمه. وأما أهل الإثبات فلو فرض أن فيما قالوه تشبيها ما فليس هو تشبيها بمنقوص معيب ولا هو في صفة نقص أو عيب بل في غاية ما يعلم أنه الكمال وأن لصاحبه الجلال والإكرام.اهـ(([679])
تفسير سورة الأنفال
من الآية 1 - 40
سورة الأنفال مدنية وعدد آياتها ( 75) آية وهي السورة الثامنة في ترتيب المصحف الشريف.
فضائل السورة:
من فضائل سورة الانفال التي ردت في السنة الصحيحة عن رسول الله-صلي الله عليه وسلم ما يلي:
1-أنها نزلت في غزوة بدروبسببها:
لحديث سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس رضي الله عنهما: سورة التوبة. قال: التوبة هي الفاضحة ما زالت تنزل، ومنهم ومنهم حتى ظنوا أنها لم تبق أحدا منهم إلا ذكر فيها، قال: قلت سورة الأنفال، قال: نزلت في بدر. قال: قلت سورة الحشر، قال: نزلت في بني النضير. ([680])
2-أنزل الله فيها آيات منعت الفداء وأحلت الغنائم وهي من خصائص هذه الأمة([681]) وهي قوله تعالي { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) }
-لحديث عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- قال لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاث مائة وتسعة عشر رجلا فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل:{ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) }
فأمده الله بالملائكة قال أبو زميل([682]) فحدثني ابن عباس قال بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين قال أبو زميل قال ابن عباس فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر ما ترون في هؤلاء الأسارى فقال أبو بكر يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم للإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترى يا ابن الخطاب قلت لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكني من فلان نسيبا لعمر فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان قلت يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عز وجل:
{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ } إلى قوله { فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا } فأحل الله الغنيمة لهم"([683])
تنبيهات هامة:
هناك أحاديث ضعيفة عن فضل سورة الأنفالواشهرها ما يروي عنأبي بن كعب -رضي الله عنه- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-أنهقال: " من قرأ سورة الأنفال وبراءة فأنا شفيع وشاهد يوم القيامة أنه برئ من النفاق، وأعطى من الأجر بعدد كل منافق ومنافقة في دار الدنيا عشر حسنات، ومحى عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان العرش وحملته يصلون عليه أيام حياته في الدنيا"([684])
أسباب النزول:
وسنذكرها حسب موقعها في الآيات والله المستعان
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)}
إعراب مفردات الآية ([685])
(يسألون) فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون- والواو ضمير في محلّ رفع فاعل و(الكاف) ضمير مفعول به في محلّ نصب (عن الأنفال) جارّ ومجرور متعلّق ب (يسألون)، (قل) فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (الأنفال) مبتدأ مرفوع (للّه) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر (الواو) عاطفة (الرسول) معطوف على لفظ الجلالة مجرور (الفاء) لربط الجواب بشرط مقدّر (اتّقوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والواو فاعل (اللّه) لفظ الجلالة مفعول به (الواو) عاطفة (أصلحوا) مثل اتّقوا (ذات) مفعول به منصوب (بين) مضاف إليه مجرور و(كم) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (أطيعوا) مثل اتقوا (اللّه) لفظ الجلالة مثل الأول (الواو) عاطفة (رسول) معطوف على لفظ الجلالة و(الهاء) ضمير مضاف إليه (إن) حرف شرط جازم (كنتم) فعل ماض ناقص- ناسخ- مبنيّ على السكون في محلّ جزم فعل الشرط.. و(تم) ضمير في محلّ رفع اسم كان (مؤمنين) خبر كان منصوب وعلامة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
جاء في سبب نزول هذه الآية ما ذكره المحدث العلامة أبو عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى–رحمه الله- في كتابه منقولا من لباب النقول في أسباب النزول – ما مختصره:
الترمذي (ج4 ص110) عن مصعب بن سعد([686]) عن أبيه قال لما كان يوم بدر جئت بسيف فقلت يا رسول الله إن الله قد شفى صدري من المشركين أو نحو هذا، هب لي هذا السيف فقال:"هذا ليس لي ولا لك"، فقلت: عسى أن يعطي هذا من لا يبلي بلائي فجاءني الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: "إنك سألتني وليس لي وإنه قد صار لي وهو لك" قال فنزلت {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} الآية([687])
سبب آخر:
أخرج الإمام أحمد (ج5 ص324 ) عن عبادة بن الصامت قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فشهدت معه بدرا فالتقى الناس فهزم الله تبارك وتعالى العدو فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون فأكبت طائفة على المعسكر يحوونه ويجمعونه وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم نحن حويناهم وجمعناهم فليس لأحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدو لستم بأحق بها منا، نفينا عنها العدو وهزمناهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لستم بأحق بها منا، نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخفنا أن يصيب العدو منه غرة واشتغلنا به فنزلت: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} فقسمها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على وفاق بين المسلمين، الحديث هذا لفظ أحمد([688]).
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }
-قال الشنقيطي-رحمه الله-: اختلف العلماء في المراد بالأنفال هنا على خمسة أقوال:
الأول: أن المراد بها خصوص ما شذ عن الكافرين إلى المؤمنين، وأخذ بغير حرب كالفرس والبعير يذهب من الكافرين إلى المسلمين، وعلى هذا التفسير فالمراد بالأنفال هو المسمى عند الفقهاء فيئا، وهو الآتي بيانه في قوله تعالى: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} [59 \ 6]، وممن قال بهذا القول عطاء بن أبي رباح.
الثاني: أن المراد بها الخمس وهو قول مالك.
الثالث: أن المراد بها خمس الخمس.
الرابع: أنها الغنيمة كلها، وهو قول الجمهور وممن قال به ابن عباس، ومجاهد وعكرمة، وعطاء، والضحاك، وقتادة، وعطاء الخراساني، ومقاتل بن حيان، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحد قاله ابن كثير- رحمه الله-في تفسيره.
الخامس: أن المراد بها أنفال السرايا خاصة، وممن قال به الشعبي، ونقله ابن جرير عن علي بن صالح بن حي([689])، والمراد بهذا القول: ما ينفله الإمام لبعض السرايا زيادة على قسمهم مع بقية الجيش، واختار ابن جرير أن المراد بها الزيادة على القسم. اهـ([690])
-وزاد السعدي-رحمه الله- في بيانها فقال: الأنفال هي الغنائم التي ينفلها اللّه لهذه الأمة من أموال الكفار، وكانت هذه الآيات في هذه السورة قد نزلت في قصة { بدر } أول غنيمة كبيرة غنمها المسلمون من المشركين،.فحصل بين بعض المسلمين فيها نزاع، فسألوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عنها، فأنزل اللّه { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَال } كيف تقسم وعلى من تقسم؟
{ قُلْ } لهم: الأنفال لله ورسوله يضعانها حيث شاءا، فلا اعتراض لكم على حكم اللّه ورسوله،. بل عليكم إذا حكم اللّه ورسوله أن ترضوا بحكمهما، وتسلموا الأمر لهما،. وذلك داخل في قوله { فَاتَّقُوا اللَّهَ } بامتثال أوامره واجتناب نواهيه..
{ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ } أي: أصلحوا ما بينكم من التشاحن والتقاطع والتدابر، بالتوادد والتحاب والتواصل..فبذلك تجتمع كلمتكم، ويزول ما يحصل - بسبب التقاطع -من التخاصم، والتشاجر والتنازع.
ويدخل في إصلاح ذات البين تحسين الخلق لهم، والعفو عن المسيئين منهم فإنه بذلك يزول كثير مما يكون في القلوب من البغضاء والتدابر،.والأمر الجامع لذلك كله قوله: { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فإن الإيمان يدعو إلى طاعة اللّه ورسوله،.كما أن من لم يطع اللّه ورسوله فليس بمؤمن.اهـ([691])
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)}
إعراب مفردات الآية ([692])
(إنّما) كافّة ومكفوفة (المؤمنون) مبتدأ مرفوع وعلامة الرفع الواو (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع خبر المبتدأ (إذا) ظرف للزمن المستقبل متضمّن معنى الشرط مبنيّ في محلّ نصب متعلق بالجواب وجلت.. (ذكر) فعل ماض مبنيّ للمجهول (اللّه) لفظ الجلالة نائب الفاعل مرفوع (وجلت) فعل ماض.. و(التاء) للتأنيث (قلوب) فاعل مرفوع و(هم) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (إذا تليت.. آياته) مثل ذكر اللّه، و(التاء) للتأنيث، و(الهاء) مضاف إليه (على) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (تليت)، (زادت) مثل وجلت والفاعل ضمير مستتر تقديره هي أي الآيات و(هم) ضمير مفعول به (إيمانا) مفعول به ثان منصوب (الواو) عاطفة (على ربّ) جارّ ومجرور متعلّق ب (يتوكّلون)، و(هم) ضمير مضاف إليه (يتوكّلون) مثل يسألون «[693]».
روائع البيان والتفسير
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها ما مختصره: عن ابن عباس قوله: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } قال: المنافقون لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه، ولا يؤمنون بشيء من آيات الله، ولا يتوكلون، ولا يصلون إذا غابوا، ولا يؤدون زكاة أموالهم، فأخبر الله تعالى أنهم ليسوا بمؤمنين، ثم وصف المؤمنين فقال: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } فأدوا فرائضه.{ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا } يقول: تصديقا { وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } يقول: لا يرجون غيره.
وقال مجاهد: { وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } فرقت، أي: فزعت وخافت. وكذا قال السدي وغير واحد.
وهذه صفة المؤمن حق المؤمن، الذي إذا ذكر الله وجل قلبه، أي: خاف منه، ففعل أوامره، وترك زواجره. كقوله تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [آل عمران: 135]وكقوله تعالى: { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } [النازعات: 40، 41]ولهذا قال سفيان الثوري: سمعت السدي يقول في قوله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ }قال: هو الرجل يريد أن يظلم -أو قال: يهم بمعصية-فيقال له: اتق الله فَيجلقلبه.
وقال الثوري أيضًا: عن أم الدرداء([694]) في قوله: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } قالت: الوجل في القلب إحراق السعفة، أما تجد له قشعريرة؟ قال: بلى. قالت لي: إذا وجدت ذلك فادع الله عند ذلك، فإن الدعاء يذهب ذلك.اهـ([695])
{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3)}
إعراب مفردات الآية ([696])
(الذين) بدل من الموصول الأول- أو نعت له- (يقيمون) مثل يسألون «[697]» (الصلاة) مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (من) حرف جرّ (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق ب (ينفقون)، (رزقنا) فعل ماض مبنيّ على السكون.. و(نا) ضمير فاعل و(هم) ضمير مفعول به (ينفقون) مثل يسألون «[698]»
روائع البيان والتفسير
{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيره:- وقوله { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } ينبه بذلك على أعمالهم، بعد ما ذكر اعتقادهم، وهذه الأعمال تشمل أنواع الخير كلها، وهو إقامة الصلاة، وهو حق الله تعالى.
وقال قتادة: إقامة الصلاة: المحافظة على مواقيتها ووضوئها، وركوعها، وسجودها.
وقال مقاتل بن حَيَّان: إقامتها: المحافظة على مواقيتها، وإسباغ الطهور فيها، وتمام ركوعها وسجودها، وتلاوة القرآن فيها، والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، هذا إقامتها.
والإنفاق مما رزقهم الله يشمل خراجالزكاة، وسائر الحقوق للعباد من واجب ومستحب، والخلق كلهم عيال الله، فأحبهم إلى الله أنفعهم لخلقه.
قال قتادة في قوله { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } فأنفقوا مما أعطاكم الله، فإنما هذه الأموال عواري وودائع عندك يا ابن آدم، أوشكت أن تفارقها.اهـ([699])
{أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)}
إعراب مفردات الآية ([700])
(أولاء) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ و(الكاف) حرف خطاب (هم) ضمير فصل «[701]»(المؤمنون) خبر المبتدأ أولئك، وعلامة الرفع الواو (حقّا) مفعول مطلق مؤكّد لمضمون المجلد السابقة «[702]»، (اللام) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (درجات) مبتدأ مؤخّر مرفوع (عند) ظرف منصوب متعلّق بدرجات بمعنى أجور «[703]»، (ربّ) مضاف إليه مجرور و(هم) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (مغفرة) معطوف على درجات مرفوع ومثله (رزق)، (كريم) نعت لرزق مرفوع.
روائع البيان والتفسير
{أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }
- قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله- في تفسيرها ما مختصره وبتصرف: يعني جل ثناؤه بقوله: {لهم درجات}، لهؤلاء المؤمنين الذين وصف جل ثناؤه صفتهم "درجات"، وهي مراتب رفيعة.ثم اختلف أهل التأويل في هذه "الدرجات" التي ذكر الله أنها لهم عنده، ما هي؟
فقال بعضهم: هي أعمال رفيعة، وفضائل قدّموها في أيام حياتهم.
وذكر-رحمه الله- ممن قال بذلك:كمجاهد-رحمه الله-
وقال آخرون: بل ذلك مراتب في الجنة.
وذكر ممن قال بذلك: كابن محيريز([704])- رحمه الله-
وأضاف أبو جعفر-رحمه الله-: وقوله: {ومغفرة} يقول: وعفو عن ذنوبهم، وتغطية عليها {ورزق كريم}، قيل: الجنة وهو عندي: ما أعد الله في الجنة لهم من مزيد المآكل والمشارب وهنيء العيش.اهـ([705])
{كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (5)}
إعراب مفردات الآية ([706])
(الكاف) حرف جرّ (ما) حرف مصدريّ (أخرج) فعل ماض و(الكاف) ضمير مفعول به (ربّ) فاعل مرفوع و(الكاف) ضمير مضاف إليه (من بيت) جارّ ومجرور متعلّق ب (أخرجك)، و(الكاف) مثل الأخير (بالحقّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من مفعول أخرجك أي متلبّسا بالحقّ «[707]». والمصدر المؤوّل (ما أخرجك) في محلّ جرّ بالكاف متعلّق بخبر لمبتدأ محذوف تقديره الحال أو قسمتك الغنائم«[708]».(الواو) حاليّة (أنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- (فريقا) اسم إنّ منصوب (من المؤمنين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت ل (فريقا)، (اللام) هي المزحلقة للتوكيد (كارهون) خبر إنّ مرفوع وعلامة الرفع الواو.
روائع البيان والتفسير
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5)}
-قال البغوي في بيانها ما نصه: قوله تعالى: { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ } اختلفوا في الجالب لهذه الكاف التي في قوله { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ } قال المبرد: تقديره الأنفال لله وللرسول وإن كرهوا، كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن كرهوا. وقيل: تقديره امض لأمر الله في الأنفال وإن كرهوا كما مضيت لأمر الله في الخروج من البيت لطلب العير وهم كارهون.
وقال عكرمة: معناه فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن ذلك خير لكم، كما أن إخراج محمد صلى الله عليه وسلم من بيته بالحق خير لكم، وإن كرهه فريق منكم.
وقال مجاهد: معناه كما أخرجك ربك من بيتك بالحق على كره فريق منهم، كذلك يكرهون القتال ويجادلون فيه.
وقيل: هو راجع إلى قوله: {لهم درجات عند ربهم}، تقديره: وَعْدُ الله الدرجات لهم حق ينجزه الله عز وجل كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، فأنجز الوعد بالنصر والظفر.
وقيل: الكاف بمعنى على، تقديره: امض على الذي أخرجك ربك.
وقال أبو عبيدة: هي بمعنى القسم مجازا، والذي أخرجك، لأن "ما" في موضع الذي، وجوابه "يجادلونك"، وعليه يقع القسم، تقديره: يجادلونك والله الذي أخرجك ربك من بيتك بالحق. وقيل: الكاف بمعنى "إذ" تقديره: واذكر إذ أخرجك ربك.
قيل: المراد بهذا الإخراج هو إخراجه من مكة إلى المدينة. والأكثرون على أن المراد منه إخراجه من المدينة إلى بدر، أي: كما أمرك ربك بالخروج من بيتك إلى المدينة بالحق قيل: بالوحي لطلب المشركين { وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } منهم، { لَكَارِهُونَ }.اهـ([709])
{يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6)}
إعراب مفردات الآية ([710])
(يجادلون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل و(الكاف) ضمير مفعول به (في الحقّ) جارّ ومجرور متعلّق بفعل يجادلون (بعد) ظرف منصوب متعلّق ب (يجادلون)، (ما) حرف مصدريّ (تبيّن) فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو أي الحقّ وهو القتال.
والمصدر المؤوّل (ما تبيّن..) في محلّ جرّ مضاف إليه. (كأنّما) كافّة ومكفوفة (يساقون) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع.. والواو ضمير في محلّ رفع نائب الفاعل (إلى الموت) جارّ ومجرور متعلّق ب (يساقون)، (الواو) حاليّة (هم) ضمير منفصل مبتدأ (ينظرون) مثل يجادلون.
روائع البيان والتفسير
{يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ }
-قال السعدي – رحمه الله-في بيانها ما مختصره: قدم تعالى - أمام هذه الغزوة الكبرى المباركة - الصفات التي على المؤمنين أن يقوموا بها، لأن من قام بها استقامت أحواله وصلحت أعماله، التي من أكبرها الجهاد في سبيله. فكما أن إيمانهم هو الإيمان الحقيقي، وجزاءهم هو الحق الذي وعدهم اللّه به،كذلك أخرج اللّه رسوله صلى الله عليه وسلم من بيته إلى لقاء المشركين في { بدر } بالحق الذي يحبه اللّه تعالى، وقد قدره وقضاه.
وإن كان المؤمنون لم يخطر ببالهم في ذلك الخروج أنه يكون بينهم وبين عدوهم قتال.
فحين تبين لهم أن ذلك واقع، جعل فريق من المؤمنين يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ويكرهون لقاء عدوهم، كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون.
والحال أن هذا لا ينبغي منهم، خصوصا بعد ما تبين لهم أن خروجهم بالحق، ومما أمر اللّه به ورضيه، فبهذه الحال ليس للجدال محل فيها لأن الجدال محله وفائدته عند اشتباه الحق والتباس الأمر،. فأما إذا وضح وبان، فليس إلا الانقياد والإذعان.
هذا وكثير من المؤمنين لم يجر منهم من هذه المجادلة شيء، ولا كرهوا لقاء عدوهم،وكذلك الذين عاتبهم اللّه، انقادوا للجهاد أشد الانقياد، وثبتهم اللّه، وقيض لهم من الأسباب ما تطمئن به قلوبهم.
وكان أصل خروجهم يتعرضون لعيرخرجت مع أبي سفيان بن حرب لقريش إلى الشام، قافلة كبيرة،فلما سمعوا برجوعها من الشام، ندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس،فخرج معه ثلاثمائة، وبضعة عشر رجلا معهم سبعون بعيرا، يعتقبون عليها، ويحملون عليها متاعهم،فسمعت بخبرهم قريش، فخرجوا لمنع عيرهم، في عَدَدٍ كثير وعُدَّةٍ وافرة من السلاح والخيل والرجال، يبلغ عددهم قريبا من الألف.اهـ([711])
{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (7)}
إعراب مفردات الآية ([712])
(الواو) استئنافيّة (إذ) اسم ظرفيّ في محلّ نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره اذكروا (يعد) مضارع مرفوع و(كم) ضمير مفعول به (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (إحدى) مفعول به ثان منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف (الطائفتين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء (أنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- و(ها) ضمير في محلّ نصب
اسم أنّ (اللام) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر أنّ. والمصدر المؤوّل (أنّها لكم) في محلّ نصب بدل من المفعول الثاني إحدى.. أي يعدكم ملكية إحدى الطائفتين (الواو) عاطفة- أو حاليّة- (تودّون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل (أن) مثل الأول (غير) اسم أنّ منصوب (ذات) مضاف إليه مجرور (الشوكة) مضاف إليه مجرور (تكون) مضارع تام مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره هي أي غير ذات الشوكة (لكم) مثل الأول متعلّق ب (تكون).
والمصدر المؤوّل (أنّ غير ذات.) في محلّ نصب مفعول به عامله تودّون.
(الواو) عاطفة (يريد) مضارع مرفوع (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (أن) حرف مصدري ونصب (يحقّ) مضارع منصوب، والفاعل هو (الحقّ) مفعول به منصوب. والمصدر المؤوّل (أن يحقّ) في محلّ نصب مفعول به عامله يريد.
(بكلمات) جارّ ومجرور متعلّق ب (يحقّ)، و(الهاء) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (يقطع دابر) مثل يحقّ الحقّ ومعطوف عليه (الكافرين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ }
- قال أبو جعفر الطبري-رحمه الله-في تفسيرها: يقول تعالى ذكره: واذكروا، أيها القوم{إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين)}، يعني إحدى الفرقتين،فرقة أبي سفيان بن حرب والعير، وفرقة المشركين الذين نَفَروا من مكة لمنع عيرهم.
وقوله:{أنها لكم)}، يقول: إن ما معهم غنيمة لكم{وتودون أنّ غير ذات الشوكة تكون لكم}، يقول: وتحبون أن تكون تلك الطائفة التي ليست لها شوكة يقول: ليس لها حدٌّ،ولا فيها قتال أن تكون لكم. يقول: تودُّون أن تكون لكم العيرُ التي ليس فيها قتال لكم، دون جماعة قريش الذين جاءوا لمنع عيرهم، الذين في لقائهم القتالُ والحربُ. وأصل "الشوكة" من "الشوك".اهـ([713])
{وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيره:- ما مختصره:{ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ } أي: هو يريد أن يجمع بينكم وبين الطائفة التي لها الشوكة والقتال، ليُظَفِّرَكم بهم ويظهركم عليهم، ويظهر دينه، ويرفع كلمة الإسلام، ويجعله غالبا على الأديان، وهو أعلم بعواقب الأمور، وهو الذي دبركم بحسن تدبيره، وإن كان العباد يحبون خلاف ذلك فيما يظهر لهم، كما قال تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْوَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة: 216] }.
قال ابن جرير: وقال آخرون: معنى ذلك: { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ } على كره من فريق من المؤمنين، كذلك هم كارهون للقتال، فهم يجادلونك فيه بعد ما تبين لهم، ثم روى نحوه عن مجاهد أنه قال: { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ } قال: كذلك يجادلونك في الحق.
وقال السُّدِّي: أنزل الله في خروجه إلى بدر ومجادلتهم إياه فقال: { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } لطلب المشركين { يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ }
وقال بعضهم: يسألونك عن الأنفال مجادلة، كما جادلوك يوم بدر فقالوا: أخرجتنا للعِير، ولم تعلمنا قتالا فنستعد له.
قلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خرج من المدينة طالبا لعير أبي سفيان، التي بلغه خبرها أنها صادرة من الشام، فيها أموال جزيلة لقريش فاستنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين من خَف منهم، فخرج في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا وطلب نحو الساحل من على طريق بدر، وعلم أبو سفيان بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه، فبعث ضَمْضَم بن عمرو نذيرا إلى مكة، فنهضوا في قريب من ألف مُقَنَّع، ما بين التسعمائة إلى الألف، وتيامن أبو سفيان بالعير إلى سيف البحر فنجا، وجاء النفير فوردوا ماء بدر، وجمع الله المسلمين والكافرين على غير ميعاد، لما يريد الله تعالى من إعلاء كلمة المسلميناهـ([714])
{لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)}
إعراب مفردات الآية ([715])
(اللام) لام التعليل (يحقّ) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام، والفاعل هو أي الله (الحقّ) مثل الأول (الواو) عاطفة (يبطل الباطل) مثل يحقّ الحقّ ومعطوف عليه (الواو) حاليّة (لو) حرف شرط غير جازم (كره) فعل ماض (المجرمون) فاعل مرفوع وعلامة الرفع الواو.
والمصدر المؤوّل (أن يحقّ... ) في محلّ جرّ باللام متعلّق بفعل محذوف تقديره أمركم بالقتال.
روائع البيان والتفسير
{لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ }
-قال أبو جعفر أبو جعفر الطبري- رحمه الله-في تفسيرها ما نصه: يقول تعالى ذكره: ويريد الله أن يقطع دابر الكافرين، كيما يحق الحق، كيما يُعبد الله وحده دون الآلهة والأصنام، ويعزّ الإسلام، وذلك هو "تحقيق الحق"{ويبطل الباطل}، يقول ويبطل عبادة الآلهة والأوثان والكفر، ولو كره ذلك الذين أجرموا فاكتسبوا المآثم والأوزار من الكفار.اهـ([716])
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)}
إعراب مفردات الآية ([717])
(إذ) بدل من (إذ يعدكم) في محلّ نصب«[718]»، (تستغيثون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل (ربّ) مفعول به منصوب و(كم) ضمير مضاف إليه (الفاء) عاطفة (استجاب) فعل ماض، والفاعل هو (اللام) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (استجاب)، (أنّي) حرف مشبّه بالفعل واسمه (ممدّ) خبر مرفوع و(كم) ضمير مضاف إليه (بألف) جارّ ومجرور متعلّق باسم الفاعل ممدّ (من الملائكة) جارّ ومجرور نعت لألف (مردفين) حال من ألف منصوبة وعلامة النصب الياء.
والمصدر المؤوّل (أنّي ممدّكم) في محلّ جرّ بحرف جرّ محذوف تقديره بأنّي ممدّكم متعلّق ب (استجاب).
روائع البيان والتفسير
جاء في سبب نزول هذه الآية ما ذكره المحدث العلامة أبو عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى–رحمه الله- في كتابه منقولا من لباب النقول في أسباب النزول – ما مختصره:
الإمام أحمد (ج1 ص30 )عن عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى أصحابه وهو ثلثمائة ونيف ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة فاستقبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم القبلة ثم مد يديه وعليه رداؤه وإزاره ثم قال: "اللهم أين ما وعدتني اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدا". قال فما زال يستغيث ربه عز وجل ويدعوه حتى سقط رداؤه فأتاه أبو بكر رضي الله عنه فأخذ رداءه فرداه ثم التزمه من ورائه ثم قال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك وأنزل الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} وذكر الحديث وقد تقدم بتمامه في سورة آل عمران.اهـ([719])
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ }
-قال السعدي- رحمه الله-:أي: اذكروا نعمة اللّه عليكم، لما قارب التقاؤكم بعدوكم، استغثتم بربكم، وطلبتم منه أن يعينكم وينصركم { فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } وأغاثكم بعدة أمور:.
منها: أن اللّه أمدكم { بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ } أي: يردف بعضهم بعضا.اهـ([720])
{وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)}
إعراب مفردات الآية ([721])
(الواو) استئنافيّة (ما) حرف نفي (جعل) فعل ماض و(الهاء) ضمير مفعول به (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (إلّا) أداة حصر (بشرى) مفعول به ثان منصوب «[722]»
وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف (الواو) عاطفة (اللام) للتعليل (تطمئنّ) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام (الباء) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (تطمئنّ)، (قلوب) فاعل مرفوع و(كم) ضمير مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل (أن تطمئنّ) في محلّ جرّ باللام متعلّق بفعل محذوف تقديره هيّأ أو فعل أو يسّر «[723]».
(الواو) استئنافيّة (ما) نافية مهملة (النصر) مبتدأ مرفوع (إلّا) مثل الأولى (من عند) جارّ ومجرور خبر المبتدأ (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (إنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- (اللّه) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوب (عزيز) خبر إن مرفوع (حكيم) خبر ثان مرفوع.
روائع البيان والتفسير
{وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
-قال السعدي- رحمه الله- في بيانها إجمالاً ما نصه:
{ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ } أي: إنزال الملائكة { إِلا بُشْرَى } أي: لتستبشر بذلك نفوسكم، { وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ } وإلا فالنصر بيد اللّه، ليس بكثرة عَدَدٍ ولا عُدَدٍ.. { إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ } لا يغالبه مغالب، بل هو القهار، الذي يخذل من بلغوا من الكثرة وقوة العدد والآلات ما بلغوا. {حَكِيمٌ} حيث قدر الأمور بأسبابها، ووضع الأشياء مواضعها.اهـ([724])
-وأضاف القرطبي-رحمه الله- في تفسيرها: وتقدم فيها القول في معنى قوله:" {وما جعله الله إلا بشرى}([725])والمراد الإمداد. ويجوز أن يكون الإرداف. {وما النصر إلا من عند الله} نبه على أن النصر من عنده جل وعز لا من الملائكة، أي لولا نصره لما انتفع بكثرة العدد بالملائكة. والنصر من عند الله يكون بالسيف ويكون بالحجة.اهـ([726])
{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (11)}
إعراب مفردات الآية ([727])
(إذ يغشّيكم) مثل إذ يعدكم «[728]»، والفاعل هو أي اللّه (النعاس) مفعول به ثان منصوب (أمنة) حال منصوبة من الفاعل «[729]»، (من) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بأمنة (الواو) عاطفة (ينزّل) مضارع مرفوع، والفاعل هو (على) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (ينزّل)، (من السماء) جارّ ومجرور متعلّق ب (ينزّل)، (ماء) مفعول به منصوب (ليطهّر) مثل لتطمئنّ «[730]»، والفاعل هو و(كم) ضمير مفعول به (به) مثل منه متعلّق ب (يطهّركم). والمصدر المؤوّل (أن يطهّركم) في محلّ جرّ باللام متعلّق ب (ينزّل).
(الواو) عاطفة (يذهب) مثل يطهّر ومعطوف عليه (عنكم) مثل عليكم متعلّق ب (يذهب)، (رجز) مفعول به (الشيطان) مضاف إليه مجرور (الواو) عاطفة (ليربط) مثل ليطهّر (على قلوب) جارّ ومجرور متعلّق ب (يربط) و(كم) ضمير مضاف إليه. والمصدر المؤوّل (أن يربط) في محلّ جرّ باللام متعلّق ب (يغشّيكم أو ينزل).
(الواو) عاطفة (يثبّت) مضارع منصوب معطوف على (يربط)، والفاعل هو (به) مثل منه متعلّق ب (يثبّت)، (الأقدام) مفعول به منصوب.
روائع البيان والتفسير
{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ }
-قال الشنقيطي-رحمه الله-في تفسيره لقوله تعالي:{إذ يغشيكم النعاس أمنة منه} ما نصه:
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه ألقى النعاس على المؤمنين ليجعل قلوبهم آمنة غير خائفة من عدوها ; لأن الخائف الفزع لا يغشاه النعاس، وظاهر سياق هذه الآية أن هذا النعاس ألقي عليهم يوم بدر ; لأن الكلام هنا في وقعة بدر، كما لا يخفى.
وذكر في سورة آل عمران أن النعاس غشيهم أيضا يوم أحد، وذلك في قوله تعالى في وقعة أحد:{ ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا }الآية [154].اهـ([731])
-وأضاف السعدي في بيانها: ومن نصره واستجابته لدعائكم أن أنزل عليكم نعاسا { يُغَشِّيكُمُ } أي فيذهب ما في قلوبكم من الخوف والوجل، ويكون { أَمَنَةً } لكم وعلامة على النصر والطمأنينة.
ومن ذلك: أنه أنزل عليكم من السماء مطرا ليطهركم به من الحدث والخبث، وليطهركم به من وساوس الشيطان ورجزه.
{ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ } أي: يثبتها فإن ثبات القلب، أصل ثبات البدن، { وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ } فإن الأرض كانت سهلة دهسة فلما نزل عليها المطر تلبدت، وثبتت به الأقدام.
ومن ذلك أن اللّه أوحى إلى الملائكة {أَنِّي مَعَكُمْ } بالعون والنصر والتأييد،{ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا } أي: ألقوا في قلوبهم، وألهموهم الجراءة على عدوهم، ورغبوهم في الجهاد وفضله.اهـ([732])
{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12)}
إعراب مفردات الآية ([733])
(إذ) بدل من الأول «[734]»، (يوحي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء (ربّ) فاعل مرفوع و(الكاف) ضمير مضاف إليه (إلى الملائكة) جارّ ومجرور متعلّق ب (يوحي)، (أنّ) حرف مشبه بالفعل- ناسخ- و(الياء) ضمير في محلّ نصب اسم أنّ (مع) ظرف منصوب متعلّق بمحذوف خبر أنّ و(كم) ضمير مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل (أنّي معكم) في محلّ جرّ بحرف جرّ محذوف أي بأنّي معكم... متعلّق ب (يوحي).
(الفاء) رابطة لجواب مقدّر (ثبّتوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون... والواو فاعل (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (آمنوا) فعل ماض وفاعله، (السين) حرف استقبال (ألقي) مثل يوحي، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا (في قلوب) جارّ ومجرور متعلّق ب (ألقي)، (الذين) موصول في محلّ جرّ مضاف إليه (كفروا) مثل آمنوا (الرعب) مفعول به منصوب (الفاء) عاطفة (اضربوا) مثل ثبّتوا (فوق) ظرف مكان منصوب متعلّق بفعل اضربوا، ومفعول اضربوا محذوف تقديره اضربوهم «[735]»، (الأعناق) مضاف إليه مجرور (الواو) عاطفة (اضربوا) مثل ثبّتوا (من) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بحال من كلّ بنان (كلّ) مفعول به منصوب (بنان) مضاف إليه مجرور.
روائع البيان والتفسير
{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيره:-: وقوله: { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا } وهذه نعمة خفية أظهرها الله تعالى لهم، ليشكروه عليها، وهوأنه -تعالى وتقدس وتبارك وتمجد -أوحى إلى الملائكة الذين أنزلهم لنصر نبيه ودينه وحزبه المؤمنين، يوحي إليهم فيما بينه وبينهم أن يثبتوا الذين آمنوا.
قال ابن إسحاق: وازروهم. وقال غيره: قاتلوا معهم. وقيل: كثروا سوادهم. وقيل: كان ذلك بأن الملك كان يأتي الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: سمعت هؤلاء القوم -يعني المشركين -يقولون: "والله لئن حملوا علينا لننكشفن"، فيحدث المسلمون بعضهم بعضا بذلك، فتقوى أنفسهمحكاه ابن جرير، وهذا لفظه بحروفه..اهـ([736])
-وأضاف السعدي-رحمه الله- في بيانها:{ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ } الذي هو أعظم جند لكم عليهم،فإن اللّه إذا ثبت المؤمنين وألقى الرعب في قلوب الكافرين، لم يقدر الكافرون على الثبات لهم ومنحهم اللّه أكتافهم.
{ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ } أي: على الرقاب { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } أي: مفصل.
وهذا خطاب، إما للملائكة الذين أوحى الله إليهم أن يثبتوا الذين آمنوا فيكون في ذلك دليل أنهم باشروا القتال يوم بدر،أو للمؤمنين يشجعهم اللّه، ويعلمهم كيف يقتلون المشركين، وأنهم لا يرحمونهم،وذلك لأنهم شاقوا الله ورسوله أي: حاربوهما وبارزوهما بالعداوة.اهـ([737])
{ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (13)}
إعراب مفردات الآية ([738])
(ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ و(اللام) للبعد و(الكاف) للخطاب (الباء) حرف جرّ للسببيّة (أن) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- و(هم) ضمير في محلّ نصب اسم أن (شاقّوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ... والواو فاعل (اللّه) لفظ الجلالة مفعول به منصوب (رسول) معطوف بالواو على لفظ الجلالة منصوب و(الهاء) ضمير مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل (أنّهم شاقّوا...) في محلّ جرّ بالباء متعلّق بخبر المبتدأ ذلك.. أي ذلك العذاب أو العقاب بسبب مشاقّتهم للّه تعالى ورسوله (الواو) استئنافيّة (من) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (يشاقق) مضارع مجزوم، وحرّك بالكسر لالتقاء الساكنين، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على من (اللّه) لفظ الجلالة مثل السابق وكذلك (رسوله)، (الفاء) رابطة لجواب الشرط «[739]»، (إن) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- (اللّه) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوب (شديد) خبر مرفوع (العقاب) مضاف إليه مجرور.
روائع البيان والتفسير
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
-قال ابن كثير- رحمه الله-في بيانها:{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي: خالفوهما فساروا في شق، وتركوا الشرع والإيمان به واتباعه في شق -وهو مأخوذ أيضا من شق العصا، وهو جعلها فرقتين -{ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } أي: هو الطالب الغالب لمن خالفه وناوأه، لا يفوته شيء، ولا يقوم لغضبه شيء، تبارك وتعالى، لا إله غيره، ولا رب سواه.اهـ([740])
{ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (14)}
إعراب مفردات الآية ([741])
(ذلكم) مثل المتقدّم «[742]»، والخبر محذوف تقديره واقع أو مستحقّ «[743]»، (الفاء) عاطفة«[744]»، (ذوقوا) فعل أمر مبني على حذف النون.. والواو فاعل و(الهاء) ضمير مفعول به (الواو) عاطفة (أنّ) مثل السابق «[745]». (للكافرين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدّم لأنّ (عذاب) اسم أنّ مؤخّر منصوب (النار) مضاف إليه مجرور.
والمصدر المؤوّل (أنّ للكافرين عذاب...» في محلّ رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره المحتّم أو الواجب.. أو في محلّ رفع مبتدأ خبره محذوف تقديره محتّم أي استقرار عذاب النار للكافرين محتّم «[746]».
روائع البيان والتفسير
{ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ }
-قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله ما مختصره:يقول تعالى ذكره: هذا العقابُ الذي عجلته لكم، أيها الكافرون المشاقون لله ورسوله، في الدنيا، من الضرب فوق الأعناق منكم، وضربكل بنان، بأيدي أوليائي المؤمنين، فذوقوه عاجلا واعلموا أن لكم في الآجل والمعاد عذابَ النار.اهـ([747])
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15)}
إعراب مفردات الآية ([748])
(يا) أداة نداء (أيّ) منادى نكرة مقصودة مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب و(ها) للتنبيه (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب بدل من أي أو نعت (آمنوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. والواو فاعل (إذا) ظرف شرطيّ للمستقبل مبنيّ في محل نصب متعلّق بمضمون الجواب (لقيتم) فعل ماض مبنيّ على السكون... و(تم) ضمير فاعل (الذين) موصول مفعول به (كفروا) مثل آمنوا (زحفا) مصدر في موضع الحال من الضمير المفعول في (لقيتم)، أو من ضمير الفاعل، أو منهما معا«[749]»، (الفاء) رابطة لجواب الشرط (لا) ناهية جازمة (تولّوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون... والواو فاعل و(هم) ضمير مفعول به أوّل (الأدبار) مفعول به ثان منصوب.
روائع البيان والتفسير
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ}
-قال السعدي- رحمه الله في تفسيرها ما نصه:يأمر اللّه تعالى عباده المؤمنين بالشجاعة الإيمانية، والقوة في أمره، والسعي في جلب الأسباب المقوية للقلوب والأبدان ونهاهم عن الفرار إذا التقى الزحفان، فقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا } أي: في صف القتال، وتزاحف الرجال، واقتراب بعضهم من بعض، { فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ } بل اثبتوا لقتالهم، واصبروا على جلادهم، فإن في ذلك نصرة لدين اللّه، وقوة لقلوب المؤمنين، وإرهابا للكافرين.اهـ([750])
{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)}
إعراب مفردات الآية ([751])
(الواو) عاطفة (من يولّ) مثل من يشاقق، وعلامة الجزم حذف حرف العلّة و(هم) ضمير مفعول به (يوم) ظرف زمان منصوب متعلّق ب (يولّ) «[752]»، (إذ) اسم ظرفيّ في محلّ جرّ مضاف إليه «[753]»، (دبر) مفعول به ثان منصوب و(الهاء) ضمير مضاف إليه (إلّا) حرف للاستثناء (متحرّفا) منصوب على الاستثناء من حال عامّة مقدّرة «[754]»، (لقتال) جارّ ومجرور متعلّق باسم الفاعل متحرّف (أو) حرف عطف (متحيّزا) معطوف على (متحرّفا) منصوب (إلى فئة) جارّ ومجرور متعلّق ب (متحيّزا)، (الفاء) رابطة لجواب الشرط (قد) حرف تحقيق (باء) فعل ماض، والفاعل هو (بغضب) جارّ ومجرور متعلّق بحال من الفاعل أي متلبّسا أو مصحوبا بغضب (من اللّه) جارّ ومجرور متعلّق بنعت لغضب (الواو) عاطفة (مأوى) مبتدأ مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف و(الهاء) ضمير مضاف إليه (جهنّم) خبر مرفوع، (الواو) عاطفة (بئس) فعل ماض جامد لإنشاء الذمّ (المصير) فاعل مرفوع.. والمخصوص بالذمّ محذوف تقدير جهنّم.
روائع البيان والتفسير
جاء في سبب نزول هذه الآية ما ذكره المحدث العلامة أبو عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى–رحمه الله- في كتابه منقولا من لباب النقول في أسباب النزول – ما مختصره: أبو داود (ج2 ص349 ) عن أبي سعيد قال: نزلت في يوم بدر{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ}..اهـ([755])
{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ }
-قال ابن كثير في بيانها إجمالاً ما نصه: { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ } أي: يفر بين يدي قرنه مكيدة؛ ليريه أنه قد خاف منه فيتبعه، ثم يكر عليه فيقتله، فلا بأس عليه في ذلك. نص عليه سعيد بن جبير، والسدي، وقال الضحاك: أن يتقدم عن أصحابه ليرى غرة من العدو فيصيبها.اهـ([756])
-وأضاف السعدي-رحمه الله- في بيانها فقال:
وهذا يدل على أن الفرار من الزحف من غير عذر من أكبر الكبائر، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة وكما نص هنا على وعيده بهذا الوعيد الشديد.
ومفهوم الآية: أن المتحرف للقتال، وهو الذي ينحرف من جهة إلى أخرى، ليكون أمكن له في القتال، وأنكى لعدوه، فإنه لا بأس بذلك، لأنه لم يول دبره فارا، وإنما ولى دبره ليستعلي على عدوه، أو يأتيه من محل يصيب فيه غرته، أو ليخدعه بذلك، أو غير ذلك من مقاصد المحاربين، وأن المتحيز إلى فئة تمنعه وتعينه على قتال الكفار، فإن ذلك جائز،فإن كانت الفئة في العسكر، فالأمر في هذا واضح،وإن كانت الفئة في غير محل المعركة كانهزام المسلمين بين يدي الكافرين والتجائهم إلى بلد من بلدان المسلمين أو إلى عسكر آخر من عسكر المسلمين، فقد ورد من آثار الصحابة ما يدل على أن هذا جائز،ولعل هذا يقيد بما إذا ظن المسلمون أن الانهزام أحمد عاقبة، وأبقى عليهم.
أما إذا ظنوا غلبتهم للكفار في ثباتهم لقتالهم، فيبعد -في هذه الحال -أن تكون من الأحوال المرخص فيها، لأنه -على هذا -لا يتصور الفرار المنهي عنه،وهذه الآية مطلقة، وسيأتي في آخر السورة تقييدها بالعدد([757]).اهـ ([758])
{فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }
-قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله-في تفسيرها:وأما قوله:{فقد باء بغضب من الله}، يقول: فقد رجع بغضب من الله {ومأواه جهنم}، يقول: ومصيره الذي يصير إليه في معاده يوم القيامة جهنم {وبئس المصير}، يقول: وبئس الموضع الذي يصير إليه ذلك المصير.اهـ([759])
{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)}
إعراب مفردات الآية ([760])
(الفاء) عاطفة (لم) حرف نفي وقلب وجزم (تقتلوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون... والواو فاعل و(هم) ضمير مفعول به (الواو) عاطفة (لكنّ) حرف مشبّه بالفعل للاستدراك- ناسخ-(اللّه) لفظ الجلالة اسم لكنّ منصوب (قتل) فعل ماض و(هم) ضمير مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (الواو) عاطفة (ما) نافية (رميت) فعل ماض مبنيّ على السكون... و(التاء) فاعل (إذا) ظرف للزمن الماضي مبنيّ في محلّ نصب متعلّق ب (رميت) قبله (رميت) مثل الأول (الواو) عاطفة (لكنّ اللّه رمى) مثل لكنّ اللّه قتل (الواو) عاطفة (اللام) للتعليل (يبلي) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام، والفاعل هو (المؤمنين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء (من) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يبلي)، (بلاء) مفعول مطلق منصوب نائب عن المصدر لأنه اسم مصدر (حسنا) نعت لبلاء منصوب.
والمصدر المؤوّل (أن يبلي) في محلّ جرّ باللام متعلّق بفعل محذوف تقديره فعل ذلك أي القتل والرمي «[761]».
(إنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- (اللّه) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوب (سميع) خبر مرفوع (عليم) خبر ثان مرفوع.
روائع البيان والتفسير
جاء في سبب نزول هذه الآية ما ذكره المحدث العلامة أبو عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى–رحمه الله- في كتابه منقولا من لباب النقول في أسباب النزول – ما مختصره: قال الطبراني([762]) رحمه الله (ج3 ص227 ) عن حكيم بن حزام([763]) قال لما كان يوم بدر أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأخذ كفا من الحصباء فاستقبلنا به فرمانا بها وقال: شاهت الوجوه فانهزمنا فأنزل الله عز وجل: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}..اهـ([764])
{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها ما مختصره:- يبين تعالى أنه خالق أفعال العباد، وأنه المحمود على جميع ما صدر عنهم من خير؛ لأنه هو الذي وفقهم لذلك وأعانهم؛ ولهذا قال: { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ } أي: ليس بحولكم وقوتكم قتلتم أعداءكم مع كثرة عددهم وقلة عددكم، أي: بل هو الذي أظفركم [بهم ونصركم] (1) عليهم كما قال تعالى: { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [آل عمران: 123]. وقال تعالى: { لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ } [التوبة: 25] يعلم -تبارك وتعالى-أن النصر ليس عن كثرة العدد، ولا بلبس اللأمة والعدد، وإنما النصر من عند الله تعالى كما قال: { كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } [البقرة: 249].
ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم أيضا في شأن القبضة من التراب، التي حصب بها وجوه المشركين يوم بدر، حين خرج من العريش بعد دعائه وتضرعه واستكانته، فرماهم بها وقال: " شاهت الوجوه "([765]). ثم أمر الصحابة أن يصدقوا الحملة إثرها، ففعلوا، فأوصل الله تلك الحصباء إلى أعين المشركين، فلم يبق أحد منهم إلا ناله منها ما شغله عن حاله؛ ولهذا قال تعالى { وَمَارَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ } أي: هو الذي بلغ ذلك إليهم، وكبتهم بها لا أنت.اهـ([766])
-وذكر ابن القيم-رحمه الله-في تفسيره للآية فائدة جليلة قال ما مختصره: اعتقد جماعة أن المراد بالآية:سلب فعل الرسول عنه، وإضافته إلى الرب تعالى، وجعلوا ذلك أصلا في الجبر، وإبطال نسبة الأفعال إلى العباد، وتحقيق نسبتها إلى الرب وحده. وهذا أغلظ منهم في فهم القرآن، فلو صح ذلك لوجب طرده في جميع الأعمال. فيقال: ما صليت، وما صمت إذا صمت، وما ضحيت إذ ضحيت، ولا فعلت كل فعل إذ فعلته، ولكن اللّه فعل ذلك. فإن طردوا ذلك لزمهم في جميع أفعال العباد طاعاتهم ومعاصيهم، إذ لا فرق. فإن خصوه بالرسول وحده وأفعاله جميعها، أو رميه وحده، تناقضوا، فهؤلاء لم يوفقوا لفهم ما أريد بالآية.
وبعد: فهذه الآية نزلت في شأن رميه صلّى اللّه عليه وسلّم المشركين يوم بدر بقبضة من الحصباء، فلم تدع وجه أحد منهم إلا أصابته. ومعلوم أن تلك الرمية من البشر لا تبلغ هذا المبلغ، فكان منه صلّى اللّه عليه وسلّم مبدأ الرمي وهو الحذف ومن اللّه سبحانه وتعالى نيابة، وهو الإيصال. فأضاف إليه رمي الحذف الذي هو مبدؤه ونفي عنه رمي الإيصال الذي هو نهايته. ونظير هذا قوله في الآية نفسها:{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ، وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ }ثم قال:{وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَم}ى فأخبر أنه وحده هو الذي تفرد بقتلهم، ولم يكن ذلك بكم أنتم، كما تفرد بإيصال الحصباء إلى أعينهم، ولم يكن ذلك من رسوله. ولكن وجه الإشارة بالآية: أنه سبحانه أقام أسبابا ظاهرة لدفع المشركين، وتولى دفعهم وإهلاكهم بأسباب باطنة غير الأسباب التي تظهر للناس. فكان ما حصل من الهزيمة والقتل والنصرة مضافا إليه، وبه، وهو خير الناصرين.اهـ([767])
{ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانها:
{ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا } أي: إن اللّه تعالى قادر على انتصار المؤمنين من الكافرين، من دون مباشرة قتال،ولكن اللّه أراد أن يمتحن المؤمنين، ويوصلهم بالجهاد إلى أعلى الدرجات، وأرفع المقامات، ويعطيهم أجرا حسنا وثوابا جزيلا.
{ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } يسمع تعالى ما أسر به العبد وما أعلن، ويعلم ما في قلبه من النيات الصالحة وضدها،فيقدر على العباد أقدارا موافقة لعلمه وحكمته ومصلحة عباده، ويجزي كلا بحسب نيته وعمله.اهـ([768])
{ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18)}
إعراب مفردات الآية ([769])
(ذلكم) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ، خبره محذوف تقديره حقّ «[770]»، و(اللام) للبعد، و(الكاف) حرف خطاب، و(الميم) حرف لجمع الذكور (الواو) عاطفة (أنّ) حرف مشبّه للفعل- ناسخ- (اللّه) لفظ الجلالة اسم أن منصوب (موهن) خبر مرفوع (كيد) مضاف إليه مجرور (الكافرين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء. والمصدّر المؤوّل (أنّ اللّه موهن...) في محلّ رفع مبتدأ، خبره محذوف تقديره حقّ «[771]».
روائع البيان والتفسير
{ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ }
-قال أبو جعفر الطبري-رحمه الله-في تفسيرها: يعني جل ثناؤه بقوله:{ذلكم}، هذا الفعل من قتل المشركين ورميهم حتى انهزموا، وابتلاء المؤمنين البلاء الحسن بالظفر بهم، وإمكانهم من قتلهم وأسرهم فعلنا الذي فعلنا{وأنّ الله موهن كيد الكافرين}، يقول: واعلموا أن الله مع ذلك مُضْعِف {كيد الكافرين}، يعنى: مكرهم، حتى يَذِلُّوا وينقادوا للحق، أو يُهْلَكوا.اهـ([772])
{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)}
إعراب مفردات الآية ([773])
(إن) حرف شرط جازم (تستفتحوا) فعل مضارع مجزوم فعل الشرط، وعلامة الجزم حذف النون... والواو فاعل (الفاء) رابطة لجواب الشرط (قد) حرف تحقيق (جاء) فعل ماض و(كم) ضمير مفعول به (الفتح) فاعل مرفوع (الواو) عاطفة (إن تنتهوا) مثل إن تستفتحوا (الفاء) رابطة لجواب الشرط (هو) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (خير) خبر مرفوع (اللام) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (خير) (الواو) عاطفة (تعودوا) مثل تستفتحوا (نعد) مضارع مجزوم جواب الشرط، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن للتعظيم (الواو) عاطفة (لن) حرف نفي ونصب (تغني) مضارع منصوب (عنكم) مثل لكم متعلّق ب (تغني) بتضمينه معنى تدفع (فئة) فاعل مرفوع و(كم) ضمير مضاف إليه (شيئا) مفعول به منصوب بتضمين الفعل معنى تدفع أي شيئا من الضرر«[774]»، (الواو) حالية (لو) حرف شرط غير جازم (كثرت) فعل ماض و(التاء) للتأنيث، والفاعل هي أي فئتكم (الواو) عاطفة أو استئنافيّة (أنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- (اللّه) لفظ الجلالة اسم أنّ منصوب (مع) ظرف منصوب متعلّق بمحذوف خبر أنّ (المؤمنين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
والمصدر المؤوّل (أنّ اللّه مع المؤمنين) في محلّ جرّ بحرف جرّ محذوف هو اللام متعلّق بفعل محذوف تقديره فعل كذا وكذا لأن اللّه... «[775]».
روائع البيان والتفسير
جاء في سبب نزول هذه الآية ما ذكره المحدث العلامة أبو عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى–رحمه الله- في كتابه منقولا من لباب النقول في أسباب النزول – ما مختصره: ابن جرير (ج9 ص208 ) عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير ([776])قال: كان المستفتح يوم بدر أبا جهل قال اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لم نعرف فأحِنْهُ الغداة، فأنزل الله {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ}..اهـ([777])
{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ}
-قال الشنقيطي: -رحمه الله-في تفسيره: المراد بالفتح هنا في هذه الآية عند جمهور العلماء: الحكم وذلك أن قريشا لما أرادوا الخروج إلى غزوة بدر تعلقوا بأستار الكعبة، وزعموا أنهم قطان بيت الله الحرام، وأنهم يسقون الحجيج، ونحو ذلك، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم فرق الجماعة، وقطع الرحم، وسفه الآباء، وعاب الدين، ثم سألوا الله أن يحكم بينهم، وبين النبي صلى الله عليه وسلم، بأن يهلك الظالم منهم، وينصر المحق، فحكم الله بذلك وأهلكهم، ونصره، وأنزل الآية، ويدل على أن المراد بالفتح هنا الحكم أنه تعالى أتبعه بما يدل على أن الخطاب لكفار مكة، وهو قوله:{وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد }[8 \ 19]، ويبين ذلك إطلاق الفتح بمعنى الحكم في القرآن في قوله عن شعيب وقومه: {على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين} [7 \ 87]، أي احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين، ويدل لذلك قوله تعالى: عن شعيب في نفس القصة{وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين}[7 \ 87]، وهذه لغة حمير؛ لأنهم يسمون القاضي فتاحا والحكومة فتاحة.
ومنه قول الشاعر: ألا أبلغ بني عمرو رسولا... بأني عن فتاحتكم غني
أي عن حكومتكم وقضائكم، أما ما ذكره بعض أهل العلم من أن الخطاب في قوله: {إن تستفتحوا للمؤمنين}، أي: تطلبوا الفتح والنصر من الله، وأن الخطاب في قوله بعده: وإن تنتهوا فهو خير لكم للكافرين، فهو غير ظاهر، كما ترى.اهـ([778])
{وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}
- أي: ولو جمعتم من الجموع ما عسى أن تجمعوا، فإن من كان الله معه فلا غالب له، فإن الله مع المؤمنين، وهم الحزب النبوي، والجناب المصطفوي.-قاله ابن كثير في تفسيره.اهـ([779])
-وزاد أبو جعفر الطبري في تفسيرها: وقوله:{ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت}، يقول: وإن تعودوا نعد لهلاككم بأيدي أوليائي وهزيمتكم، ولن تغني عنكم عند عودي لقتلكم بأيديهم وسَبْيكم وهزمكم { فئتكم شيئًا ولو كثرت}، يعني: جندهم وجماعتهم من المشركين،كما لم يغنوا عنهم يوم بدر مع كثرة عددهم وقلة عدد المؤمنين شيئًا{وأن الله مع المؤمنين}، يقول جل ذكره: وأن الله مع من آمن به من عباده على من كفر به منهم، ينصرهم عليهم، أو يظهرهم كما أظهرهم يوم بدر على المشركين.اهـ([780])
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)}
إعراب مفردات الآية ([781])
(يا) حرف نداء (أيّ) منادى نكرة مقصودة مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب و(ها) حرف تنبيه (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب بدل من أيّ أو نعت له (آمنوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ... والواو فاعل (أطيعوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والواو فاعل (اللّه) لفظ الجلالة مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (رسول) معطوف على لفظ الجلالة منصوب و(الهاء) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (لا) ناهية جازمة (تولّوا) مضارع مجزوم محذوف منه إحدى التاءين، وعلامة الجزم حذف النون.. والواو فاعل (عن) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (تولّوا)، (الواو) حاليّة (أنتم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (تسمعون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ }
-قال السعدي – رحمه الله-في بيانها ما نصه: لما أخبر تعالى أنه مع المؤمنين، أمرهم أن يقوموا بمقتضى الإيمان الذي يدركون به معيته، فقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ } بامتثال أمرهما واجتناب نهيهما.
{ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ } أي: عن هذا الأمر الذي هو طاعة اللّه، وطاعة رسوله. { وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } ما يتلى عليكم من كتاب اللّه، وأوامره، ووصاياه، ونصائحه،فتوليكم في هذه الحال من أقبح الأحوال.اهـ([782])
{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21)}
إعراب مفردات الآية ([783])
(الواو) عاطفة (لا) مثل الأولى (تكونوا) مضارع ناقص- ناسخ- مجزوم وعلامة الجزم حذف النون... والواو ضمير في محلّ رفع اسم تكون (الكاف) حرف جرّ (الذين) موصول في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر تكونوا (قالوا) مثل آمنوا (سمعنا) فعل ماض وفاعله (الواو) حالية (هم) لا يسمعون) مثل أنتم تسمعون... و(لا) نافية.
روائع البيان والتفسير
{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ }
- قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله- في تفسيره للآية: يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله ورسوله من أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم: لا تكونوا، أيها المؤمنون، في مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كالمشركين الذين إذا سمعوا كتاب الله يتلى عليهم قالوا: "قد سمعنا"، بآذاننا {وهم لا يسمعون}، يقول: وهم لا يعتبرون ما يسمعون بآذانهم ولا ينتفعون به، لإعراضهم عنه، وتركهم أن يُوعُوه قلوبهم ويتدبروه. فجعلهم الله، إذ لم ينتفعوا بمواعظ القرآن وإن كانوا قد سمعوها بأذانهم، بمنزلة من لم يسمعها. يقول جل ثناؤه لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكونوا أنتم في الإعراض عن أمر رسول الله، وترك الانتهاء إليه وأنتم تسمعونه بآذانكم، كهؤلاء المشركين الذين يسمعون مواعظ كتاب الله بآذانهم، ويقولون: "قد سمعنا"، وهم عن الاستماع لها والاتعاظ بها معرضون كمن لا يسمَعُها.اهـ([784])
- وزاد القرطبي-رحمه الله-بياناً في تفسيرها فقال: أي كاليهود أو المنافقين أو المشركين. وهو من سماع الأذن. {وهم لا يسمعون} أي لا يتدبرون ما سمعوا، ولا يفكرون فيه، فهم بمنزلة من لم يسمع وأعرض عن الحق. نهى المؤمنين أن يكونوا مثلهم. فدلت الآية على أن قول المؤمن: سمعت وأطعت، لا فائدة فيه ما لم يظهر أثر ذلك عليه بامتثال فعله. فإذا قصر في الأوامر فلم يأتها، واعتمد النواهي فاقتحمها فأي سمع عنده وأي طاعة! وإنما يكون حينئذ بمنزلة المنافقين الذي يظهر الإيمان، ويسر الكفر، وذلك هو المراد بقوله:{ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون}. يعني بذلك المنافقين، أو اليهود أو المشركين، على مما تقدم. اهـ([785])
{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22)}
إعراب مفردات الآية ([786])
(إنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- (شرّ) اسم إن منصوب (الدوابّ) مضاف إليه مجرور (عند) ظرف منصوب متعلّق باسم التفضيل شرّ (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (الصمّ) خبر إنّ مرفوع (البكم) خبر ثان مرفوع (الذين) موصول في محلّ رفع نعت للصمّ البكم (لا يعقلون) مثل لا يسمعون.
روائع البيان والتفسير
{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ }
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانها: يقول تعالى: { إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ } من لم تفد فيهم الآيات والنذر،وهم { الصُّمُّ } عن استماع الحق { الْبُكْمُ } عن النطق به. { الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ } ما ينفعهم، ويؤثرونه على ما يضرهم،فهؤلاء شر عند اللّه من جميعالدواب، لأن اللّه أعطاهم أسماعا وأبصارا وأفئدة، ليستعملوها في طاعة اللّه، فاستعملوها في معاصيه وعدموا - بذلك - الخير الكثير،فإنهم كانوا بصدد أن يكونوا من خيار البرية.
فأبوا هذا الطريق، واختاروا لأنفسهم أن يكونوا من شر البرية،والسمع الذي نفاه اللّه عنهم، سمع المعنى المؤثر في القلب،وأما سمع الحجة، فقد قامت حجة اللّه تعالى عليهم بما سمعوه من آياته،وإنما لم يسمعهم السماع النافع، لأنه لم يعلم فيهم خيرا يصلحون به لسماع آياته.اهـ([787])
-وأضاف ابن كثير- رحمه الله- في بيان قوله تعالي { الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ }ما نصه:
فهؤلاء شر البرية؛ لأن كل دابة مما سواهم مطيعة لله عز وجل فيما خلقها له، وهؤلاء خلقوا للعبادة فكفروا؛ ولهذا شبههم بالأنعام في قوله: { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ } [البقرة: 171]. وقال في الآية الأخرى: { أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } [الأعراف: 179].
وقيل: المراد بهؤلاء المذكورين نَفَرٌ من بني عبد الدار من قريش. روي عن ابن عباس ومجاهد، واختاره ابن جرير، وقال محمد بن إسحاق: هم المنافقون.
قلت: ولا منافاة بين المشركين والمنافقين في هذا؛ لأن كلا منهم مسلوب الفهم الصحيح، والقصد إلى العمل الصالح.اهـ([788])
{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)}
إعراب مفردات الآية ([789])
(الواو) عاطفة (لو) حرف شرط غير جازم (علم) فعل ماض (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (في) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (علم) «[790]»، (خيرا) مفعول به منصوب (اللام) واقعة في جواب أو (أسمع) فعل ماض و(هم) ضمير مفعول به، والفاعل هو (الواو) عاطفة (لو) مثل الأول (أسمعهم) مثل الأولى (اللام) مثل الأول (تولّوا) مثل آمنوا (وهم) مثل الأول (معرضون) خبر مرفوع وعلامة الرفع الواو.
روائع البيان والتفسير
{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ }
-قال السعدي- رحمه الله-ما نصه:{ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ } على الفرض والتقدير { لَتَوَلَّوْا } عن الطاعة { وَهُمْ مُعْرِضُونَ } لا التفات لهم إلى الحق بوجه من الوجوه،وهذا دليل على أن اللّه تعالى لا يمنع الإيمان والخير، إلا لمن لا خير فيه، الذي لا يزكو لديه ولا يثمر عنده. وله الحمد تعالى والحكمة في هذا.اهـ([791])
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)}
إعراب مفردات الآية ([792])
(يأيّها الذين آمنوا استجيبوا) مرّ إعراب نظيرها «[793]»، (للّه) جارّ ومجرور متعلّق ب (استجيبوا)، (الواو) عاطفة (للرسول) مثل للّه (إذا) ظرف للزمن المستقبل متضمن معنى الشرط في محلّ نصب متعلّق بالجواب، (دعا) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف و(كم) ضمير مفعول به والفاعل أي الرسول- والاستجابة للرسول استجابة للّه- (اللام) حرف جرّ (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق ب (دعاكم)، (يحيي) مضارع. مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء و(كم) مثل المتقدّم، والفاعل هو وهو العائد (الواو) عاطفة (اعلموا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والواو فاعل (أنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- (اللّه) لفظ الجلالة اسم أنّ منصوب (يحول) مضارع مرفوع، والفاعل هو (بين) ظرف منصوب متعلّق ب (يحول)، (المرء) مضاف إليه مجرور (الواو) عاطفة (قلب) معطوف على المرء مجرور و(الهاء) ضمير مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل (أنّ اللّه يحول...) في محلّ نصب سدّ مسدّ مفعولي اعلموا.
(الواو) عاطفة (أنّ) مثل الأول و(الهاء) ضمير يعود إلى اللّه تعالى «[794]» في محلّ نصب اسم أنّ (الى) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (تحشرون) وهو مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع.. والواو نائب الفاعل.
والمصدر المؤوّل (أنّه إليه تحشرون) في محلّ نصب معطوف على المصدر المؤوّل الأوّل.
روائع البيان والتفسير
{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها ما مختصره وبتصرف: قال البخاري: { اسْتَجِيبُوا } أجيبوا، { لِمَا يُحْيِيكُمْ } لما يصلحكم. عن أبي سعيد بن المعلى([795]) قال: كنت أصلي، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاني فلم آته حتى صليت، ثم أتيته فقال: "ما منعك أن تأتيني؟" ألم يقل الله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } ثم قال: "لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج"، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرج، فذكرت له.
ثم قال- رحمه الله-:وقال مجاهد في قوله: { لِمَا يُحْيِيكُمْ } قال: الحق.وقال قتادة { لِمَا يُحْيِيكُمْ } قال: هو هذا القرآن، فيه النجاة والتقاةوالحياة.
وقال السُّدِّيّ: { لِمَا يُحْيِيكُمْ } ففي الإسلام إحياؤهم بعد موتهم بالكفر.
وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عُرْوَةَ بن الزبير: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } أي: للحرب التي أعزكم الله تعالى بها بعد الذل، وقواكم بها بعد الضعف، ومنعكم من عدوكم بعد القهر منهم لكم.اهـ([796])
-وأضاف السعدي-رحمه الله- في بيانها: ثم حذر عن عدم الاستجابة للّه وللرسول فقال: { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } فإياكم أن تردوا أمر اللّه أول ما يأتيكم، فيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك، وتختلف قلوبكم، فإن اللّه يحول بين المرء وقلبه، يقلب القلوب حيث شاء ويصرفها أنى شاء.
فليكثر العبد من قول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب، اصرف قلبي إلى طاعتك.
{ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي: تجمعون ليوم لا ريب فيه، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بعصيانه.اهـ([797])
-وذكر ابن القيم- رحمه الله-في تفسيره للآية فائدة جمة فقال ما مختصره وبتصرف:
أن الحياة النافعة إنما تحصل باستجابة للّه ولرسوله، فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له، وإن كانت له حياة بهيمية، مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات. فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب للّه ولرسوله ظاهرا وباطنا. فهؤلاء هم الأحياء، وإن ماتوا وغيرهم أموات وأن كانوا أحياء الأبدان. ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم.
فإن كل ما دعا إليه ففيه الحياة. فمن فاته جزء منه فاته جزء من الحياة. وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول.
ثم أضاف- رحمه الله- بعد كلام:- والإنسان مضطر إلى نوعين من الحياة حياة بدنه التي بها يدرك النافع والضار ويؤثر ما ينفعه على ما يضره. ومتى نقصت فيه هذه الحياة له من الألم والضعف بحسب ذلك. ولذلك كانت حياة المريض والمحزون وصاحب الهم والغم والخوف والفقر والذل دون حياة من هو معافي من ذلك.
وحياة قلبه وروحه التي بها يميز بين الحق والباطل، والغي والرشاد، والهوى والضلال فيختار الحق على ضده، فتفيده هذه الحياة قوة التمييز بين النافع والضار في العلوم والإرادات، والأعمال. وتفيده قوة الإيمان والإرادة والحب للحق، وقوة البغض والكراهة للباطل: فشعوره وتميزه ونصرته بحسب نصيبه من هذه الحياة. اهـ([798])
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25)
إعراب مفردات الآية ([799])
(الواو) عاطفة (اتّقوا) مثل اعلموا (فتنة) مفعول به منصوب على حذف مضاف أي سبب فتنة (لا) نافية (تصيبنّ) مضارع مبنيّ على الفتح في محلّ رفع لتجرّده عن الناصب والجازم.. و(النون) للتوكيد «[800]»، (الذين) موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (ظلموا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. والواو فاعل (من) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف حال من ضمير الفاعل في (ظلموا)، (خاصّة) حال منصوبة من فاعل تصيبنّ العائد على فتنة أي مختصّة بهم، أو من ضمير ظلموا أي مختصّين بهذه الإصابة «[801]»، (الواو) عاطفة (اعلموا أنّ اللّه) مثل الأولى (شديد) خبر أنّ مرفوع (العقاب) مضاف إليه مجرور.
روائع البيان والتفسير
{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانها إجمالاً ما نصه:-{ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } بل تصيب فاعل الظلم وغيره،وذلك إذا ظهر الظلم فلم يغير، فإن عقوبته تعم الفاعل وغيره،وتقوىهذه الفتنة بالنهي عن المنكر، وقمع أهل الشر والفساد، وأن لا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن.
{ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } لمن تعرض لمساخطه، وجانب رضاه.اهـ([802])
-وزاد القرطبي-رحمه الله- في بيانها فقال ما مختصره وبتصرف: قال ابن عباس: أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب. وكذلك تأول فيها الزبير بن العوام فإنه قال يوم الجمل، وكان سنة ست وثلاثين: ما علمت أنا أردنا بهذه الآية إلا اليوم، وما كنت أظنها إلا فيمن خوطب ذلك الوقت. وكذلك تأول الحسن البصري والسدي وغيرهما. قال السدي: نزلت الآيةفي أهل بدر خاصة، فأصابتهم الفتنة يوم الجمل فاقتتلوا. وقال ابن عباس رضي الله عنه: نزلت هذه الآية في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقال: أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر فيما بينهم فيعمهم الله بالعذاب.
ثم قال – رحمه الله - وهذه التأويلات هي التي تعضدها الأحاديث الصحيحة، ففي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش([803]) أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله، أنهلك وفيناالصالحون؟ قال: (نعم إذا كثر الخبث"([804]). وفي صحيح الترمذي"إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده"([805]). وفي صحيح البخاري والترمذي عن النعمان بن بشير([806]) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهمواعلى سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نوذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا"([807]). ففي هذا الحديث تعذيب العامة بذنوب الخاصة. وفيه استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال علماؤنا: فالفتنة إذا عملت هلك الكل. وذلك عند ظهور المعاصي وانتشار المنكر وعدم التغيير، وإذا لم تغير وجب على المؤمنين المنكرين لها بقلوبهم هجران تلك البلدة والهرب منها.اهـ([808])
{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)}
إعراب مفردات الآية ([809])
(الواو) استئنافيّة (اذكروا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون... والواو فاعل (إذ) اسم ظرفيّ مبني في محلّ نصب مفعول به عامله اذكروا «[810]»، (أنتم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (قليل) خبر مرفوع، (مستضعفون) خبر ثان مرفوع وعلامة الرفع الواو (في الأرض) جارّ ومجرور متعلّق ب (مستضعفون)، (تخافون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل (أن) حرف مصدري ونصب (يتخطّف) مضارع منصوب و(كم) ضمير مفعول به (الناس) فاعل مرفوع. والمصدر المؤوّل (أن يتخطّفكم الناس) في محلّ نصب مفعول به. (الفاء) عاطفة (آوى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف و(كم) مثل المتقدّم، والفاعل هو (الواو) عاطفة (أيّدكم) مثل آواكم (بنصر) جارّ ومجرور متعلّق ب (أيّدكم)، (والهاء) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (رزقكم) مثل آواكم (من الطيّبات) جارّ ومجرور متعلّق ب (رزقكم)، (لعلّ) حرف مشبّه بالفعل للترجّي- ناسخ- و(كم) ضمير في محلّ نصب اسم لعلّ (تشكرون) مثل تخافون.
روائع البيان والتفسير
{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
-قال البغوي-رحمه الله- في تفسيرها: قوله تعالى:{ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ } يقول: واذكروا يا معشر المهاجرين إذ أنتم قليل في العدد، مستضعفون في أرض مكة، في ابتداء الإسلام، { تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ } يذهب بكم الناس، يعني: كفار مكة. وقال عكرمة: كفار العرب: وقال وهب: فارس والروم، { فَآوَاكُمْ } إلى المدينة، { وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ } أي: قواكم يوم بدر بالأنصار. وقال الكلبي قواكم يوم بدر بالملائكة، { وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ } يعني: الغنائم، أحلها لكم ولم يحلها لأحد قبلكم، { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }.اهـ([811])
-وأضاف ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها:-: قال قتادة بن دِعَامة السَّدوسي، رحمه الله، في قوله تعالى: { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ } قال: كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذُلا وأشقاه عَيْشًا، وأجوعه بطونًا، وأعراه جلودا، وأبينه ضلالا مكعومين على رأس حجر، بين الأسدين فارس والروم، ولا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقيًّا، ومن مات منهم رُدِّيَ في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قَبِيلا من حاضر أهل الأرض يومئذ كانوا أشر منزلا منهم، حتى جاء الله بالإسلام فمكن به في البلاد، ووسع به في الرزق، وجعلهم به ملوكا على رقاب الناس. وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا لله نعمه، فإن ربكم مُنْعِم يحب الشكر، وأهل الشكر في مزيد من الله تعالى.اهـ([812])
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)}
إعراب مفردات الآية ([813])
«يا أيّها الذين آمنوا) مرّ إعرابها، (لا تخونوا) مثل لا تولّوا «[814]»، (اللّه) لفظ الجلالة مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (الرسول) معطوف على لفظ الجلالة منصوب (الواو) عاطفة «[815]»، (تخونوا) مجزوم معطوف على (تخونوا) الأول (أمانات) مفعول به منصوب وعلامة النصب الكسرة (وكم) ضمير مضاف إليه (وأنتم تعلمون) مثل وأنتم تسمعون «[816]»
روائع البيان والتفسير
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانها إجمالاً ما نصه:يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يؤدوا ما ائتمنهم اللّه عليه من أوامره ونواهيه، فإن الأمانة قد عرضها اللّه على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا فمن أدى الأمانة استحق من اللّه الثواب الجزيل، ومن لم يؤدها بل خانها استحق العقاب الوبيل، وصار خائنا للّه وللرسول ولأمانته، منقصا لنفسه بكونه اتصفت نفسه بأخس الصفات، وأقبح الشيات، وهي الخيانة مفوتا لها أكمل الصفات وأتمها، وهي الأمانة.اهـ([817])
-وزاد ابن كثير-رحمه الله- في بيان قوله تعالي { لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ } فقال ما مختصره وبتصرف يسير:- وفي الصحيحين قصة "حاطب بن أبي بَلْتَعَة"([818]) أنه كتب إلى قريش يعلمهم بقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم عام الفتح، فأطلع الله رسوله على ذلك، فبعث في إثر الكتاب فاسترجعه، واستحضر حاطبا فأقر بما صنع، فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه، فإنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين؟ فقال: " دعه، فإنه قد شهد بدرا، ما (يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" ([819])
ثم قال- رحمه الله-: والصحيح أن الآية عامة، وإن صح أنها وردت على سبب خاص، فالأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند الجماهير من العلماء. والخيانة تعم الذنوب الصغار والكبار اللازمة والمتعدية.اهـ([820])
{وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28}
إعراب مفردات الآية ([821])
(الواو) عاطفة (اعلموا) مثل اذكروا «[822]»(أنّما) كافّة ومكفوفة (أموال) مبتدأ مرفوع و(كم) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (أولاد) معطوف على أموال مرفوع و(كم) مثل الأول (فتنة) خبر مرفوع (الواو) عاطفة (أنّ اللّه) مرّ إعرابها «[823]»(عند) ظرف منصوب متعلّق بخبر مقدّم و(الهاء) ضمير مضاف إليه (أجر) مبتدأ مؤخّر مرفوع (عظيم) نعت لأجر مرفوع مثله.
روائع البيان والتفسير
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها ما مختصره:- وقوله تعالى: { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ } أي: اختبار وامتحان منه لكم؛ إذ أعطاكموها ليعلم أتشكرونه عليها وتطيعونهفيها، أو تشتغلون بها عنه، وتعتاضون بها منه؟ كما قال تعالى: { إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [التغابن: 15]،وقال: { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً } [الأنبياء: 35]،وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [المنافقون: 9]،وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ } الآية [التغابن: 14].
وقوله: { وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } أي: ثوابه وعطاؤه وجناته خير لكم من الأموال والأولاد، فإنه قد يوجد منهم عدو، وأكثرهم لا يغني عنك شيئا، والله، سبحانه، هو المتصرف المالك للدنيا والآخرة، ولديه الثواب الجزيل يوم القيامة.اهـ([824])
-وأضاف السعدي في تفسيرها: ولما كان العبد ممتحنا بأمواله وأولاده، فربما حمله محبة ذلك على تقديم هوى نفسه على أداء أمانته، أخبر اللّه تعالى أن الأموال والأولاد فتنة يبتلي اللّه بهما عباده، وأنها عارية ستؤدى لمن أعطاها، وترد لمن استودعها { وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }
فإن كان لكم عقل ورَأْيٌ، فآثروا فضله العظيم على لذة صغيرة فانية مضمحلة، فالعاقل يوازن بين الأشياء، ويؤثر أولاها بالإيثار، وأحقها بالتقديم.اهـ([825])
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)}
إعراب مفردات الآية ([826])
«يأيّها الذين آمنوا» مرّ إعرابها «[827]»، (إن) حرف شرط جازم (تتّقوا) مضارع مجزوم فعل الشرط وعلامة الجزم حذف النون..
والواو فاعل (اللّه) لفظ الجلالة مفعول به منصوب (يجعل) مضارع مجزوم جواب الشرط والفاعل هو أي اللّه (اللام) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يجعل) «[828]»، (فرقانا) مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (يكفّر مضارع مجزوم معطوف على (يجعل، والفاعل هو (عنكم) مثل لكم متعلّق ب (يكفّر)، (سيّئات) مفعول به منصوب وعلامة النصب الكسرة و(كم) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (يغفر لكم) مثل يجعل لكم فهو معطوف عليه (الواو) استئنافيّة (اللّه) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع (ذو) خبر مرفوع وعلامة الرفع الواو (الفضل) مضاف إليه مجرور (العظيم) نعت للفضل مجرور.
روائع البيان والتفسير
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }
-قال البغوي-رحمه الله- في تفسيرها ما نصه: قوله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ } بطاعته وترك معصيته، { يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } قال مجاهد: مخرجا في الدنيا والآخرة.
وقال مقاتل بن حيان: مخرجا في الدين من الشبهات، وقال عكرمة: نجاة أي يفرق بينكم وبين ما تخافون.
وقال الضحاك: بيانا. وقال ابن إسحاق: فصلا بين الحق والباطل يظهر الله به حقكم ويطفىء باطل من خالفكم. والفرقان مصدر كالرجحان والنقصان. { وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } يمح عنكم ما سلف من ذنوبكم، { وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }.اهـ([829])
-وأضاف أبو جعفر الطبري في تفسيرها: {ويغفر لكم}، يقول: ويغطيها فيسترها عليكم، فلا يؤاخذكم بها{والله ذو الفضل العظيم}، يقول: والله الذي يفعل ذلك بكم، له الفضل العظيم عليكم وعلى غيركم من خلقه بفعله ذلك وفعل أمثاله. وإنّ فعله جزاءٌ منه لعبده على طاعته إياه، لأنه الموفق عبده لطاعته التي اكتسبها، حتى استحقّ من ربه الجزاء الذي وعدَه عليها.اهـ([830])
{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30)}
إعراب مفردات الآية ([831])
(الواو) استئنافيّة (إذ) اسم ظرفيّ في محلّ نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره اذكر (يمكر) مضارع مرفوع (الباء) حرف جرّ و(الكاف) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يمكر)، (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع فاعل (كفروا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. والواو فاعل (اللام) للتعليل (يثبتوا) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة النصب حذف النون... والواو فاعل و(الكاف) ضمير مفعول به. والمصدر المؤوّل (أن يثبتوك) في محلّ جرّ متعلّق ب (يمكر)... أو بفعل محذوف تقديره اجتمعوا.
(أو) حرف عطف في الموضعين (يقتلوك، يخرجوك) مثل يثبتوك ومعطوفان عليه (الواو) عاطفة في موضعين (يمكرون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل (يمكر) مثل الأول المتقدّم (الواو) استئنافيّة (اللّه خير الماكرين) مثل اللّه ذو الفضل «[832]»... وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانها:أي: { و } أذكر أيها الرسول، ما منَّ اللّه بهعليك. { إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا } حين تشاور المشركون في دار الندوة فيما يصنعون بالنبي صلى الله عليه وسلم، إما أن يثبتوه عندهم بالحبس ويوثقوه.
وإما أن يقتلوه فيستريحوا - بزعمهم - من شره،وإما أن يخرجوه ويجلوه من ديارهم.
فكلُّ أبدى من هذه الآراء رأيا رآه،فاتفق رأيهم على رأي: رآه شريرهم أبو جهل لعنه اللّه، وهو أن يأخذوا من كل قبيلة من قبائل قريش فتى ويعطوه سيفا صارما، ويقتله الجميع قتلة رجل واحد، ليتفرق دمه في القبائل فيرضى بنو هاشم ثَمَّ بديته، فلا يقدرون على مقاومة سائر قريش، فترصدوا للنبي صلى الله عليه وسلم في الليل ليوقعوا به إذا قام من فراشه.
فجاءه الوحي من السماء، وخرج عليهم، فذرَّ على رءوسهم التراب وخرج، وأعمى اللّه أبصارهم عنه، حتى إذا استبطأوه جاءهم آت وقال: خيبكم اللّه، قد خرج محمد وذَرَّ على رءوسكم التراب.
فنفض كل منهم التراب عن رأسه، ومنع اللّه رسوله منهم، وأذن له في الهجرة إلى المدينة، فهاجر إليها، وأيده اللّه بأصحابه المهاجرين والأنصار، ولم يزل أمره يعلو حتى دخل مكة عنوة، وقهر أهلها، فأذعنوا له وصاروا تحت حكمه، بعد أن خرج مستخفيا منهم، خائفا على نفسه.
فسبحان اللطيف بعبده الذي لا يغالبه مغالب.اهـ([833])
{وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)}
إعراب مفردات الآية ([834])
(الواو) استئنافيّة (إذا) ظرف للزمن المستقبل مبنيّ في محلّ نصب، شرطيّ، متعلّق ب (قالوا)، (تتلى)، (آيات) نائب الفاعل مرفوع و(نا) ضمير مضاف إليه (قالوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ... والواو فاعل (قد) حرف تحقيق (سمعنا) فعل ماض مبنيّ على السكون... و(نا) فاعل (لو) حرف شرط غير جازم (نشاء) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن (اللام) رابطة لجواب لو (قلنا) مثل سمعنا (مثل) مفعول به منصوب عامله قلنا (ها) حرف تنبيه (ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه (إن) حرف نفي (هذا) مبتدأ (إلّا) أداة حصر (أساطير) خبر مرفوع (الاوّلين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }
- قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله-في بيانها ما مختصره: يقول تعالى ذكره: واذا تتلى على هؤلاء الذين كفروا آياتِ كتاب الله الواضحةَ لمن شرح الله صدره لفهمهقالوا جهلا منهم، وعنادًا للحق، وهم يعلمون أنهم كاذبون في قيلهم{"لو نشاء لقلنا مثل هذا}، الذي تُلِي علينا {إن هذا إلا أساطير الأولين}، يعني: أنهم يقولون: ما هذا القرآن الذي يتلى عليهم إلا أساطير الأولين.
ثم أضاف- رحمه الله-:
وإنما عنى المشركون بقولهم: {إن هذا إلا أساطير الآولين}، إنْ هذا القرآن الذي تتلوه علينا، يا محمد، إلا ما سطَّره الأولون وكتبوه من أخبار الأمم! كأنهم أضافوه إلى أنه أخذ عن بني آدم، وأنه لم يوحِه الله إليه.اهـ([835])
-وزاد ابن كثير في تفسيرها بياناً فقال ما مختصره وبتصرف: يخبر تعالى عن كفر قريش وعُتُوِّهم وتمرُّدهم وعنادهم، ودعواهم الباطل عند سماع آياته حين تتلى عليهم أنهم يقولون: { قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا } وهذا منهم قول لا فعل، وإلا فقد تحدوا غير ما مرة أن يأتوا بسورة من مثله فلا يجدون إلى ذلك سبيلا. وإنما هذا قول منهم يَغُرّون به أنفسهم ومن اتبعهم على باطلهم.
ثم قال- رحمه الله: ومعنى: { أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ } وهو جمع أسطورة، أي: كتبهم اقتبسها، فهو يتعلم منها ويتلوها على الناس. وهذا هو الكذب البحت، كما أخبر الله عنهم في الآية الأخرى: { وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا قُلْ أَنزلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } [الفرقان: 5، 6].أي: لمن تاب إليه وأناب؛ فإنه يتقبل منه ويصفح عنه.اهـ([836])
{وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (32)}
إعراب مفردات الآية ([837])
(وإذ) مثل المتقدّم «[838]»، (قالوا) فعل ماض وفاعله (اللّه) لفظ الجلالة منادى مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب و(الميم) عوض من حرف النداء المحذوفة (إن) حرف شرط جازم (كان) فعل ماض ناقص- ناسخ- مبنيّ في محلّ جزم فعل الشرط (ها) حرف تنبيه (ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع اسم كان (هو) ضمير فصل (الحقّ) خبر كان منصوب (من عند) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من الحقّ «[839]»، و(الكاف) ضمير مضاف إليه (الفاء) رابطة لجواب الشرط (أمطر) فعل أمر دعائي، والفاعل أنت (على) حرف جرّ و(نا) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (أمطر) (حجارة) مفعول به منصوب (من السماء) جارّ ومجرور متعلّق ب (أمطر) «[840]»، (أو) حرف عطف (ائت) مثل أمر مبنيّ على حذف حرف العلّة و(نا) ضمير مفعول به (بعذاب) جارّ ومجرور متعلّق ب (ائت)، (أليم) نعت لعذاب مجرور.
روائع البيان والتفسير
{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }
-فسرها ابن كثير-رحمه الله- فقال: هذا من كثرة جهلهم وعُتُوِّهم وعنادهم وشدة تكذيبهم، وهذا مما عِيبُوا به، وكان الأولى لهم أن يقولوا: "اللهم، إن كان هذا هو الحق من عندك، فاهدنا له، ووفقنا لاتباعه". ولكن استفتحوا على أنفسهم، واستعجلوا العذاب، وتقديم العقوبة كما قال تعالى:{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } [العنكبوت:53]،{ وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ }،{ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ } [المعارج: 1-3]،وكذلك قال الجهلة من الأمم السالفة، كما قال قوم شعيب له:{ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }[الشعراء: 187]،وقال هؤلاء: { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }ال شُعْبَة، عن عبد الحميد، صاحب الزيّادي، عن أنس بن مالك قال: هو أبو جهل بن هشام قال: { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّمِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } فنزلت { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } الآية.اهـ([841])
{وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)}
إعراب مفردات الآية ([842])
(الواو) عاطفة (ما) نافية (كان) فعل ماض ناقص- ناسخ- (اللّه) لفظ الجلالة اسم كان مرفوع (اللام) لام الجحود (يعذّب) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام الجحود و(هم) ضمير مفعول به، والفاعل هو (الواو) حاليّة (أنت) ضمير منفصل مبتدأ في محلّ رفع (في) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخبر المبتدأ أنت.
والمصدر المؤوّل (أن يعذّبهم) في محلّ جرّ باللام متعلّق بمحذوف خبر كان. (الواو) عاطفة (ما كان اللّه) مثل الأولى (معذّب) خبر كان منصوب و(هم) ضمير مضاف إليه (وهم) مثل وأنت (يستغفرون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير
جاء في سبب نزول هذه الآية ما ذكره المحدث العلامة أبو عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى–رحمه الله- في كتابه منقولا من لباب النقول في أسباب النزول – ما مختصره: البخاري (ج9 ص378) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم.
فنزلت: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} – الآية..اهـ([843])
-سبب آخر: أخرج( ابن جرير ج9 ص235 )وابن أبي حاتم (ج3 ص241) بسند رجاله رجال الصحيح إلا شيخيهما وهما ثقتان عن ابن عباس أن المشركين كانوا يطوفون بالبيت يقولون لبيك لا شريك لك لبيك، فيقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:"قد قد" فيقولون: لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، ويقولون: غفرانك فأنزل الله{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} إلى قوله {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}. ولا مانع من أن الآية نزلت في هذا وهذا وأنهما معا كانا سببا لنزول الآية والله أعلم.
{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }
-قال السعدي-رحمه الله-في بيانها ما نصه: فوجوده صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم أمنة لهم من العذاب.
وكانوا مع قولهم هذه المقالة التي يظهرونها على رءوس الأشهاد، يدرون بقبحها، فكانوا يخافون من وقوعها فيهم، فيستغفرون اللّه تعالى فلهذاقال تعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } فهذا مانع يمنع من وقوع العذاب بهم، بعد ما انعقدت أسبابه.اهـ ([844])
{وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34)}
إعراب مفردات الآية ([845])
(الواو) استئنافيّة (ما) اسم استفهام مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (اللام) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخبر ما (أن) حرف مصدرّي ونصب (لا) حرف نفي (يعذّب) مضارع منصوب بأن و(هم) ضمير مفعول به (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع.
والمصدر المؤوّل (ألّا يعذّبهم) في محلّ جرّ ب (في) محذوف متعلّق بما تعلّق به الجار والمجرور في (لهم) أي في الخبر، والتقدير أيّ شيء لهم في انتفاء العذاب.
(الواو) حاليّة (هم) ضمير في محلّ رفع مبتدأ (يصدّون) مضارع مرفوع... والواو فاعل (عن المسجد) جارّ ومجرور متعلّق ب (يصدّون)، (الحرام) نعت للمسجد مجرور مثله (الواو) عاطفة (ما) نافية (كانوا) ماض ناقص- ناسخ- مبنيّ على الضمّ... والواو ضمر اسم كان (أولياء) خبر كان منصوب و(الهاء) ضمير مضاف إليه (إن) حرف نفي (أولياء) مبتدأ مرفوع و(الهاء) مثل المتقدّم (إلّا) أداة حصر (المتّقون) خبر مرفوع وعلامة الرفع الواو (الواو) عاطفة (لكنّ) حرف استدراك ونصب (أكثر) اسم لكنّ منصوب و(هم) ضمير مضاف إليه (لا) نافية (يعلمون) مثل يصدّون.
روائع البيان والتفسير
{وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }
-قال السعدي-رحمه الله- في بيانها:{ وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ } أي: أي شيء يمنعهم من عذاب اللّه، وقد فعلوا ما يوجب ذلك، وهو صد الناس عن المسجد الحرام، خصوصا صدهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، الذين هم أولى به منهم، ولهذا قال: { وَمَا كَانُوا } أي: المشركون { أَوْلِيَاءَهُ } يحتمل أن الضمير يعود إلى اللّه، أي: أولياء اللّه.ويحتمل أن يعود إلى المسجد الحرام، أي: وما كانوا أولى به من غيرهم. { إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ } وهم الذين آمنوا باللّه ورسوله، وأفردوا اللّه بالتوحيد والعبادة، وأخلصوا له الدين. { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ } فلذلك ادَّعَوْا لأنفسهم أمرا غيرهم أولى به.اهـ([846])
-وذكر الشنقيطي-رحمه الله-في تفسيره فائدة من الآية قال-رحمه الله-:
صرح تعالى في هذه الآية الكريمة بنفي ولاية الكفار على المسجد الحرام، وأثبتها لخصوص المتقين، وأوضح هذا المعنى في قوله: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين }[9 \ 17، 18].اهـ([847])
{وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35)}
إعراب مفردات الآية ([848])
(الواو) استئنافيّة (ما) حرف نفي (كان) فعل ماض ناقص (صلاة) اسم كان مرفوع و(هم) ضمير مضاف إليه (عند) ظرف منصوب متعلّق بمحذوف حال من الصلاة «[849]»، (البيت) مضاف إليه مجرور (إلّا) أداة حصر (مكاء) خبر كان منصوب (الواو) عاطفة (تصدية) معطوفة على مكاء منصوب (الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر (ذوقوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون... والواو فاعل (العذاب) مفعول به منصوب (الباء) حرف جرّ للسببيّة (ما) حرف مصدري (كنتم) فعل ماض ناقص- ناسخ- واسمه (تكفرون) مضارع مرفوع... والواو فاعل.
روائع البيان والتفسير
{وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ }
-قال البغوي- رحمه الله- في بيانها ما مختصره: قال ابن عباس والحسن: المكاء: الصفير، وهي في اللغة اسم طائر أبيض، يكون بالحجاز له صفير، كأنه قال: إلا صوت مكاء، والتصدية التصفيق.
قال ابن عباس: كانت قريش تطوف بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون.
قال مجاهد: كل نفر من بني عبد الدار يعارضون النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف، ويستهزءون به، ويدخلون أصابعهم في أفواههم ويصفرون. فالمكاء: جعل الأصابع في الشدق. والتصدية الصفير، ومنه الصدى الذي يسمعه المصوت في الجبل.اهـ([850])
-وأضاف السعدي في بيانها إجمالاً ما نصه:يعني أن اللّه تعالى إنما جعل بيته الحرام ليقام فيه دينه، وتخلص له فيه العبادة،فالمؤمنون هم الذين قاموا بهذا الأمر،وأما هؤلاء المشركون الذين يصدون عنه، فما كان صلاتهم فيه التي هي أكبر أنواع العبادات { إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً } أي: صفيرا وتصفيقا، فعل الجهلة الأغبياء، الذين ليس في قلوبهم تعظيم لربهم، ولا معرفة بحقوقه، ولا احترام لأفضل البقاع وأشرفها،فإذا كانت هذه صلاتهم فيه، فكيف ببقية العبادات؟".
فبأي: شيء كانوا أولى بهذا البيت من المؤمنين الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللغو معرضون، إلى آخر ما وصفهم اللّه به من الصفات الحميدة، والأفعال السديدة لا جرم أورثهم اللّه بيته الحرام، ومكنهم منه،وقال لهم بعد ما مكن لهم فيه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } وقال هنا { فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ }.اهـ([851])
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)}
إعراب مفردات الآية ([852])
(إنّ) حرف مشبّه بالفعل (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب اسم إنّ (كفروا) فعل ماض وفاعله (ينفقون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل (أموال) مفعول به منصوب (وهم) ضمير مضاف إليه (اللام) للتعليل (يصدّوا) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة النصب حذف النون... والواو فاعل (عن سبيل) جارّ ومجرور متعلّق ب (يصدّوا)، (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه (الفاء) استئنافيّة (السين) حرف استقبال (ينفقون) مثل الأول و(ها) ضمير مفعول به (ثمّ) حرف عطف (تكون) مضارع مرفوع، واسمه ضمير مستتر تقديره هي (على) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (حسرة) «[853]» وهو خبر تكون منصوب (ثمّ) حرف عطف (يغلبون) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع.. والواو نائب الفاعل (الواو) عاطفة (الذين) مبتدأ (كفروا) مثل الأول (إلى جهنّم) جارّ ومجرور متعلّق ب (يحشرون) وعلامة الجرّ الفتحة (يحشرون) مثل يغلبون. والمصدر المؤوّل (أن يصدّوا) في محلّ جرّ باللام متعلّق ب (ينفقون).
روائع البيان والتفسير
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ }
-قال أبو جعفر الطبري في بيانها إجمالاً ما نصه: قول تعالى ذكره: إن الذين كفروا بالله ورسوله ينفقون أموالهم، فيعطونها أمثالهم من المشركين ليتقوَّوا بها على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به، ليصدّوا المؤمنين بالله ورسوله عن الإيمان بالله ورسوله، فسينفقون أموالهم في ذلك، ثم تكون نفقتهم تلك عليهم "حسرة"، يقول: تصير ندامة عليهم، لأن أموالهم تذهب، ولا يظفرون بما يأملون ويطمعون فيه من إطفاء نور الله، وإعلاء كلمة الكفر على كلمة الله، لأن الله مُعْلي كلمته، وجاعل كلمة الكفر السفلى، ثم يغلبهم المؤمنون، ويحشر الله الذين كفروا به وبرسوله إلى جهنم، فيعذبون فيها،فأعظم بها حسرة وندامة لمن عاش منهم ومن هلك! أما الحيّ، فحُرِب ماله وذهبَ باطلا في غير دَرَك نفع، ورجع مغلوبًا مقهورًا محروبًا مسلوبًا. وأما الهالك، فقتل وسُلب، وعُجِّل به إلى نار الله يخلُد فيها، نعوذ بالله من غضبه..اهـ([854])
{لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (37)}
إعراب مفردات الآية ([855])
(اللام) للتعليل (يميز) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (الخبيث) مفعول به منصوب (من الطّيب) جارّ ومجرور متعلّق ب (يميز).
والمصدر المؤوّل (أن يميز) في محلّ جرّ باللام متعلّق ب (يحشرون) أو ب (يغلبون) في الآية السابقة... و(الخبيث) بمعنى الكافر و(الطّيب) بمعنى المؤمن.
(الواو) عاطفة (يجعل) مضارع منصوب معطوف على (يميز)، والفاعل هو (الخبيث) مثل الأول (بعض) بدل من الخبيث- بعض من كلّ- و(الهاء) ضمير مضاف إليه (على بعض) جارّ ومجرور متعلّق بالمفعول الثاني لفعل جعل «[856]»، (الفاء) عاطفة (يركم) مثل يجعل ومعطوف عليه (الهاء) ضمير مفعول به (جميعا) حال منصوبة من ضمير الغائب في (يركمه)، (الفاء) عاطفة (يجعله) مثل يركمه (في جهنّم) مثل الى جهنّم «[857]»ومتعلّق ب (يجعل)، (أولئك) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ... و(الكاف) للخطاب (هم) ضمير فصل «[858]»، (الخاسرون) خبر المبتدأ أولئك، مرفوع وعلامة الرفع الواو.
روائع البيان والتفسير
{لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}
-قال ابن كثير- رحمه الله-في تفسيرها:-: وقوله تعالى: { لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: { لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } فيميز أهل السعادة من أهل الشقاءوقال السُّدِّي: يميز المؤمن من الكافر. وهذا يحتمل أن يكون هذا التمييز في الآخرة، كما قال تعالى: { ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } [يونس:28]،وقال تعالى { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } [الروم: 14]،وقال في الآية الأخرى: { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } [الروم43]،وقال تعالى: { وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ } [يس:59].
ويحتمل أن يكون هذا التمييز في الدنيا، بما يظهر من أعمالهم للمؤمنين، وتكون "اللام" معللة لما جعل الله للكفار من مال ينفقون في الصد عن سبيل الله، أي: إنما أقدرناهم على ذلك؛ { لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } أي: من يطيعه بقتال أعدائه الكافرين، أو يعصيه بالنكول عن ذلك كما قال تعالى: { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ } الآية [آل عمران:166، 167]، وقال تعالى: { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ } الآية [آل عمران: 179]، وقال تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } [آل عمران: 142]ونظيرتها في براءة أيضا.
فمعنى الآية على هذا: إنما ابتليناكم بالكفار يقاتلونكم، وأقدرناهم على إنفاق الأموال وبذلها في ذلك؛ ليتميزالخبيث من الطيب، فيجعل الخبيث بعضه على بعض، { فَيَرْكُمَهُ } أي: يجمعه كله، وهو جمع الشيء بعضه على بعض، كما قال تعالى في السحاب: { ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا } [النور:43]أي: متراكما متراكبا، { فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } أي: هؤلاء هم الخاسرون في الدنيا والآخرة.اهـ([859])
{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)}
إعراب مفردات الآية ([860])
(قل) فعل أمر، والفاعل أنت (اللام) حرف جرّ (الذين) موصول في محلّ جرّ متعلّق ب (قل)، (كفروا) فعل ماض وفاعله (إن) حرف شرط جازم (ينتهوا) مضارع مجزوم فعل الشرط وعلامة الجزم حذف النون.والواو فاعل (يغفر) مضارع مبنيّ للمجهول مجزوم جواب الشرط (اللام) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يغفر) (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع نائب الفاعل (قد) حرف تحقيق (سلف) فعل ماض والفاعل هو وهو العائد «[861]» (الواو) عاطفة (إن يعودوا) مثل إن ينتهوا ومعطوفة عليه (الفاء) تعليليّة (قد مضت) مثل قد سلف، والبناء على الفتح المقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين.. و(التاء) للتأنيث (سنّة) فاعل مرفوع (الأوّلين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير
{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ }
-قال السعدي في بيانها إجمالاً ما نصه:هذا من لطفه تعالى بعباده لا يمنعه كفر العباد ولا استمرارهم في العناد، من أن يدعوهم إلى طريق الرشاد والهدى، وينهاهم عما يهلكهم من أسباب الغي والردى، فقال: { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا } عن كفرهم وذلك بالإسلام للّه وحده لا شريك له.
{ يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } منهم من الجرائم { وَإِنْ يَعُودُوا } إلى كفرهم وعنادهم { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ } بإهلاك الأمم المكذبة، فلينتظروا ما حل بالمعاندين، فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون.اهـ([862])
-وأضاف ابن كثير-رحمه الله- في بيان قوله تعالي:{ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ }فقال: أي: فقد مضت سنتنا في الأولين أنهم إذا كذبوا واستمروا على عنادهم، أنا نعاجلهم بالعذاب والعقوبة.
وقوله: { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ } أي: في قريش يوم بدر وغيرها من الأمم. وقال السدي ومحمد بن إسحاق: أي: يوم بدر.اهـ([863])
{وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)}
إعراب مفردات الآية ([864])
(الواو) عاطفة (قاتلوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون... والواو فاعل و(هم) ضمير مفعول به (حتّى) حرف غاية وجرّ (لا) نافية (تكون) مضارع تامّ منصوب بأن مضمرة بعد حتّى (فتنة) فاعل تكون مرفوع. والمصدر المؤوّل (ألّا تكون فتنة) في محلّ جرّ ب (حتّى) متعلّق ب (قاتلوهم). (الواو) عاطفة (يكون الدين) مثل تكون فتنة ومعطوف عليه «[865]» (كلّ) توكيد للدين مرفوع مثله و(الهاء) ضمير مضاف إليه (للّه) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من الدين «[866]»، (الفاء) استئنافيّة (إن) حرف شرط جازم (انتهوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ المقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين في محلّ جزم فعل الشرط... والواو فاعل، (الفاء) تعليليّة (إنّ) حرف مشبّه بالفعل (اللّه) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوب (الباء) حرف جرّ (ما) حرف مصدري «[867]»(يعملون) مضارع مرفوع..
والواو فاعل (بصير) خبر إنّ مرفوع. والمصدر المؤوّل (ما يعملون) في محلّ جرّ بالباء متعلّق ب (بصير).
روائع البيان والتفسير
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }
-قال ابن كثير في تفسيرها ما مختصره وبتصرف: قوله: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } قال البخاري: عن ابن عمر؛ "أن رجلا جاءه فقال: يا أبا عبد الرحمن، ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا } الآية [الحجرات:9]، فما يمنعك ألا تقاتل كما ذكر الله في كتابه؟ فقال: يا ابن أخي، أُعَيَّر بهذه الآية ولا أقاتل، أحب إلي من أن أُعَيَّر بالآية التي يقول الله، عز وجل::{ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } إلى آخر الآية [النساء:93]، قال: فإن الله تعالى يقول: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ }؟ قال ابن عمر: قد فعلنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان الإسلام قليلا وكان الرجل يُفتن في دينه: إما أن يقتلوه، وإما أن يوثقوه، حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة، فلما رأى أنه لا يوافقه فيما يريد، قال: فما قولك في علي وعثمان؟ قال ابن عمر: ما قولي في علي وعثمان؟ أما عثمان فكان الله قد عفا عنه، وكرهتم أن يعفو عنه، وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخَتَنُه -وأشار بيده -وهذه ابنته أو: بنته -حيث ترون."
ثم أضاف- رحمه الله-:
وقال الضحاك، عن ابن عباس: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ } يعني: حتى لا يكون شرك، وكذا قال أبو العالية، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والربيع عن أنس، والسدي، ومُقاتِل بن حَيَّان، وزيد بن أسلم.
وقال محمد بن إسحاق: بلغني عن الزهري، عن عُرْوَة بن الزبير وغيره من علمائنا: { حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ } حتى لا يفتن مسلم عن دينه.
وقوله: { وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } قال الضحاك، عن ابن عباس في هذه الآية، قال: يخلص التوحيد لله.
وقال الحسن وقتادة، وابن جُرَيْج: { وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } أن يقال: لا إله إلا الله.
وقال محمد بن إسحاق: ويكون التوحيد خالصا لله، ليس فيه شرك، ويخلع ما دونه من الأنداد. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: { وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } لا يكون مع دينكم كفر.
ويشهد له ما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله، عز وجل" ([868]) وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حَمِيَّة، ويقاتل رِيَاءً، أيُّ ذلك في سبيل الله، عز وجل؟ فقال: "من قاتل لتكونكلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله، عز وجل" ([869])
وقوله: { فَإِنِ انْتَهَوْا } أي: بقتالكم عما هم فيه من الكفر، فكفوا عنهوإن لم تعلموا بواطنهم، { فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }كما قال تعالى: { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [التوبة:5]،وفي الآية الأخرى: { فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ } [التوبة:11].اهـ([870])
{وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)}
إعراب مفردات الآية ([871])
(الواو) عاطفة (إن تولّوا) مثل إن انتهوا (الفاء) تعليليّة (اعلموا) مثل قاتلوا (أنّ اللّه مولى) مثل إنّ اللّه بصير و(كم) ضمير مضاف إليه (نعم) فعل ماض جامد لإنشاء المدح (المولى) فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف... والمخصوص بالمدح محذوف تقديره اللّه (الواو) عاطفة (نعم النصير) مثل نعم المولى. والمصدر المؤوّل (أنّ اللّه مولاكم) في محلّ نصب سدّ مسدّ مفعولي اعلموا.
روائع البيان والتفسير
{وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }
-قال السعدي-رحمه الله-في بيانها: { وَإِنْ تَوَلَّوْا } عن الطاعة وأوضعوا في الإضاعة { فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى } الذي يتولى عباده المؤمنين، ويوصل إليهم مصالحهم، وييسرلهم منافعهم الدينية والدنيوية. { وَنِعْمَ النَّصِيرُ } الذي ينصرهم، فيدفع عنهم كيد الفجار، وتكالب الأشرار.
ومن كان اللّه مولاه وناصره فلا خوف عليه، ومن كان اللّه عليه فلا عِزَّ له ولا قائمة له.اهـ([872])
تم بحمد الله تفسير الجزء التاسع ويليه الجزء العاشر
[1]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/5 )
[2]- تامّ أو ناقص.. ويقدر ناقصا بمعنى تصيرون لأن شعيبا لم يكن من ملّتهم حتى يعود إليها.. ويؤوّل تامّا على قاعدة التغليب إذ أنّ قوم شعيب كانوا من ملّة المستكبرين.
[3] - أو هي اسم للفعل إذا قدّر ناقصا.
[4]- والجارّ والمجرور خبر للفعل إذا قدّر ناقصا.
[5] -هذا الإعراب على رأي الزمخشري، ولكن أبا حيان يقول: «هذه الواو هي واو العطف عطفت على حال محذوفة كقوله عليه السلام: «ردّوا السائل ولو بظلف محرق» ليس المعنى ردّوه في حال الصدقة عليه بظلف محرق بل المعنى ردّوه مصحوبا بالصدقة ولو مصحوبا بظلف محرّق..». اهـ
[6]- قال الجمل في حاشيته: «لو في مثل هذا المقام ليست لبيان انتفاء الشيء لانتفاء غيره بل لمجرد الربط» اهـ.
[7]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/296)
[8]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(8/353 )
[9] - أو مفعول مطلق نائب عن المصدر إن ضمّن (افترى) معنى كذب.،
[10] - انظر الحاشية رقم (1) في الصفحة 6.
[11] - بجعل الفعل ناقصا أو تاما.
[12] - أو ما يكون لنا أن نعود فيها في وقت من الأوقات إلا وقت مشيئة اللّه.. وهذا التقدير لا يصح في حق الأنبياء لأنهم معصومون في كل وقت.
[13]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر: مؤسسة الرسالة(1/296 )
[14]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/448)
[15] - الأيكة: الشجر الكثير الملتف.
[16]-الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة ( 7/251)
[17]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(9/5 )
[18] - في الآية (88) من هذه الصورة.
[19] - ولكن تفيد التوكيد.. وقال أبو حيان في البحر المحيط: وزعم بعض النحويين انها في موضع الظرف والعامل فيه لخاسرون والنون عوض من المحذوف والتقدير: إنكم إذا ابتعتموه لخاسرون، فلما حذف ما أضيف إليه عوض من ذلك النون... مثل التعويض في يومئذ وحينئذ ونحوه، وما ذهب إليه هذا الزاعم ليس بشيء لأنه لم يثبت التعويض والحذف في إذا التي للاستقبال في موضع فيحمل عليه هذا...»
[20]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 12 /565/ 14862 )
[21]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق( 9/10 )
[22]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 3/449 )
[23]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9 /10)
[24] - في الآية (91) السابقة.
[25]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 12/569 / 14865)
[26]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة(1/296 )
[27]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/11)
[28] - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي -دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت–لبنان(2/36)
[29]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/449)
[30]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة(1/296 )
[31]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق( 9/14 )
[32]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 12/572/ 14871)
[33]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي - نشر دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/14)
[34] - أو منصوب على نزع الخافض أي بمكان السيّئة، وذلك لأن الفعل بدّل إذا لحقت الباء أحد مفعوليه كان هو المفعول الثاني المتروك.
[35]-يجوز أن يكون مفعولا مطلقا نائبا عن المصدر بتضمين أخذناهم معنى بغتناهم.
أو هو دالّ على نوع المصدر أي أخذناهم أخذ المباغتة.
[36]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/297 )
[37]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي - نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق( 9/16)
[38] -أو اسم موصول في محل جر بالباء متعلّق ب (أخذناهم)وجملة كانوا يكسبون لا محلّ لها صلة الموصول والعائد محذوف.
[39]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3/451)
[40]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/298)
[41]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/17)
[42] - أو هو حال من المفعول أي غافلين ليلا، وقد يكون حالا من الفاعل أي متخفيا ليلا.
[43]-الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة (7/253)
[44]-انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 3/260)
[45]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/19 )
[46]-انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (3 /260)
[47]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان-دمشق( 9/20 )
[48] - لأن ما بعدها تعليل لمقدّر، وتقدير الكلام: أفأمنوا مكر اللّه.. إنهم واهمون لأنّه لا يأمن مكر اللّه إلّا القوم الخاسرون ويقول العكبري: «الفاء للتنبيه على أن العذاب يعقب أمن مكر اللّه».
[49] - انظر حديث رقم: 4801 في صحيح الجامع.
[50]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر:مؤسسة الرسالة(1/298)
[51]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق( 9/21)
[52] - يجوز أن يكون الفاعل ضميرا مستترا يعود على لفظ الجلالة.. ويصبح المصدر المؤوّل مفعولا به. كما يجوز أن يكون ضميرا يعود على ما يفهم من سياق الكلام أي أو لم يهد ما جرى للأمم السابقة. والمصدر المؤوّل مفعول.
[53]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 12 /578/ 14886 )
[54]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق( 9/22 )
[55] - يجوز أن يكون خبرا لاسم الإشارة وهو اختيار أبي حيان في النهر المادّ من البحر قال: «والقرى خبر ونقصّ جملة حالية نحو قوله تعالى فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا» وفي الإخبار بالقرى معنى التعظيم لها ولمهلكها كما قيل في قوله ذلك الكتاب، وفي قوله عليه السلام أولئك الملأ من قريش، ولمّا كان الخبر مقيّدا بالحال أفاد التقييد بالصفة».
[56] - أو هو حرف مصدري يؤوّل مع ما بعده بمصدر في محلّ جرّ، والباء سببيّة أي ما كانوا ليؤمنوا بسبب كذبهم من قبل.
[57] - أو اسم بمعنى مثل في محل نصب مفعول مطلق نائب عن المصدر لأنه صفته.
[58]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 12/581/ 14892)
[59] -جزء من حديث أخرجه مسلم برقم/ 5109- باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار
[60] -أخرجه البخاري برقم/ 1271- بَاب إِذَا أَسْلَمَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ هَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهَلْ يُعْرَضُ عَلَى الصَّبِيِّ، ومسلم برقم/4803- باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار
[61]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/452 )
[62]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي - نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/24 )
[63] - هذا إذا كان الفعل (وجد) متعديا لواحد.. وهو المفعول الثاني إذا كان متعدّيا لاثنين.
[64] - إن المخفّفة إذا باشرت الفعل وجب إهمالها، ولكنّ العكبري والزمخشري أعملاها، والاسم عند العكبري ضمير المتكلم، وعند الزمخشري ضمير الشأن.
[65]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة(1/298)
[66]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق( 9/25)
[67] - أو بمحذوف حال من (موسى) أي رسولا من بعدهم.
[68] - الباء سببيّة والمفعول محذوف أي ظلموا أنفسهم أو الناس أي الصدود عن الإيمان بسبب هذه الآيات.
[69]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/454 )
[70] - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي - دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت–لبنان(2 /38)
[71]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي - نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق( 9/26)
[72]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر: مؤسسة الرسالة( 1/299)
[73]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق( 9/28 )
[74] - في الآية السابقة، أو هو نعت لرسول في الآية السابقة.. أو هو خبر لمبتدأ محذوف تقديره أنا، والجملة مستأنفة.
[75] - أو مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو صفته.
[76] - بعض المعربين يجعل الجارّ (على) بمعنى الباء- وكذا جاءت قراءة أبيّ- وبهذا يضمّن حقيق معنى جدير.
[77] - أو متعلّق ب (جئتكم)، و(من) لابتداء الغاية.
[78]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3 /454 )
[79]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13/14/ 14908)
[80]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق( 9/29)
[81]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3 /454 )
[82]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/30 )
[83] - هذه الفاء زائدة لازمة عند الفارسيّ والمازنيّ وجماعة.. وبعضهم يجعلها للسببيّة المحضة دون العطف.
[84] - هي على القول المشهور حرف يأتي لمجرّد الربط.. وعند بعضهم ظرف للمكان، وعند آخرين ظرف للزمان.
[85]-انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر:دار طيبة للنشر والتوزيع ( 3/262)
[86]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9 /30)
[87]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/456)
[88]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق( 9/31)
[89]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3/455)
[90] - غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي، من مضر، أبو الحارث، ذو الرمة: شاعر، من فحول الطبقة الثانية في عصره. قال أبو عَمْرو بن العلاء: فتح الشعر بإمرئ القيس وختم بذيالرمة. وكان شديد القصر، دميما، يضرب لونه إلى السواد. أكثر شعره تشبيب وبكاء أطلال، يذهب في ذلك مذهب الجاهليين. وكان مقيما بالبادية، يحضر إلى اليمامة والبصرة كثيرا.
وقال الأصمعي: لو أدركت ذا الرمة لأشرت عليه أن يدع كثيرا من شعره، فكان ذلك خيرا له. وعشق " مية " المنقرية واشتهر بها.. توفي بأصبهان، وقيل: بالبادية.اهـ-نقلا عن الإعلام للزركلي مختصراً (5/124)
[91]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13/19/ 14923)
[92]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق( 9/31 )
[93] - إن كان الكلام الذي تلاها من كلام الملأ فهي للعطف، وإن كان من كلام فرعون- وهو الظاهر- فهي للاستئناف أي فقال: ماذا تأمرون، ويدلّ على ذلك قولهم بعد ذلك: قالوا أرجه...
[94]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/590)
[95]-الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة (7 /257 )
[96]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق( 9/31)
[97] - أو مبنيّ على حذف حرف العلّة إن كان الفعل معتلّا كما تشير كتب اللغة.
[98]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/456 )
[99]-انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (3/263 )
[100]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي - نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/31)
[101]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/456 )
[102]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(9/ 32)
[103] - أو ضمير منفصل في محلّ رفع توكيد للضمير المتّصل (نا).
[104]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة(1/ 299)
[105]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/456 )
[106]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق( 9/32)
[107]-الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة ( 7/258)
[108]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق( 9/32)
[109] - في الآية (113) من هذه السورة.
[110]- أو مفعول به بفعل محذوف تقديره: اختر إلقاءك.
[111] - في الآية (113) من هذه السورة..
[112]-الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة ( 7/259)
[113]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3 /456 )
[114]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان– دمشق(9/34 )
[115] - في الآية (113) من هذه السورة.
[116] - في الآية (113) من هذه السورة.
[117] - أو بمحذوف حال من فاعل جاؤوا.،
[118]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13 /27 / 14937)
[119] -أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي-دار الفكر للطباعة و النشر والتوزيع بيروت –لبنان(2/39)
[120]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/334 )
[121] - أجاز بعضهم أن تكون (ما) مصدرية، وهذا بعيد إذ كيف يتمّ تلقّف الإفك وهو والعائد محذوف أي يأفكونه.
[122]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/457 )
[123]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/36 )
[124] - أو حرف مصدري، والمصدر المؤوّل فاعل بطل.
[125]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13 /31 / 14949)
[126]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي–نشر دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/36 )
[127]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة(1/299 )
[128]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق( 9/36 )
[129]-انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 3/266)
[130]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق( 9/37 )
[131]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13/33/ 14953)
[132]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي - نشر دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق( 9/ 37)
[133] - أو هو عطف بيان لربّ، وأجاز الجمل أن يكون نعتا لربّ العالمين.
[134]-انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (3 /266)
[135]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/ 300 )
[136]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/38 )
[137] - أو هو متعلق ب (مكرتموه).
[138] - في الآية (118) من هذه السورة.
[139]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر: مؤسسة الرسالة( 1/300 )
[140]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3/458 )
[141]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/39 )
[142]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر-الناشر:مؤسسة الرسالة ( 13/34/ 14955)
[143]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق( 9/40)
[144]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13 /35 / 14956)
[145]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان– دمشق(9/40)
[146] - في الآية (123) من هذه السورة.
[147]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13/ 35 / 14956)
[148]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر: مؤسسة الرسالة(1/300)
[149]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/41 )
[150] - في الآية (109) من هذه السورة.
[151] - في الآية (123) من هذه السور.
[152] - أو واو المعيّة والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد واو المعيّة. والمصدر المؤوّل معطوف على مصدر مأخوذ من الكلام السابق أي: أو ذرّ-أي ترك-لموسى منك ووذر للالهة ولك منه.
[153] - في الآية (125) من هذه السورة.
[154]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3/459)
[155]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/300)
[156]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق( 9/44)
[157]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13 /42 / 14972)
[158]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر: مؤسسة الرسالة(1/300)
[159]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق( 9/45)
[160]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3/460)
[161]- هو جويبر بن سعيد أبو القاسم الأزدي البلخي المفسر، صاحب الضحاك. قال ابن معين: ليس بشئ. وقال النسائي والدارقطني وغيرهما: متروك الحديث.-انظر ترجمته في ميزان الاعتدال برقم(1593)
[162]-الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة ( 7/263)
[163]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/53)
[164]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر: مؤسسة الرسالة(1/300 )
[165]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق( 9/54)
[166] - في الآية (129) من هذه السورة
[167]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13 /47 / 14982)
[168]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة(1/ 301)
[169] - أضواء البيان للشنقيطي الناشر:دار الفكر للطباعة و النشر والتوزيع بيروت –لبنان( 2/39 )
[170]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/56)
[171] - ذلك أن الظاهر تعدّى إلى المفعول الثاني بوساطة الباء في قوله (تأتنا به).
[172] - أو متعلّق بحال من ضمير في به.
[173]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/301)
[174]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/57)
[175]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر:مؤسسة الرسالة(1/301)
[176]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/58)
[177] - أو هو حرف مصدريّ أي: بعهده عندك.
[178] - أو متعلّق بمحذوف حال من الضمير في (ادع)، أي ادعه متوسّلا بالذي عهد عندك.
[179] - أو بمحذوف حال من بني إسرائيل.
[180]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13 /70/ 15032)
[181]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/301)
[182]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق( 9/59 )
[183]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/301 )
[184]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/59)
[185] - يجوز أن تكون الفاء زائدة في (أغرقناهم)، والجملة حينئذ بدل من (انتقمنا).
[186]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/466)
[187]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/62 )
[188] - في الآية السابقة (136).
[189] - أي دمّرنا الذي كان مصنوعا من قبل فرعون.. وقد أجاز النحويون أوجها أخرى في إعراب هذه الآية منها: أ- أن يكون اسم كان ضميرا مستترا وجوبا تقديره هو يعود على فرعون، وفرعون الظاهر فاعل يصنع وعائد الموصول محذوف أي دمّرنا ما كان يصنعه فرعون..
ويجوز أن يكون فرعون الظاهر هو اسم كان وفاعل يصنع ضمير مستتر يعود على فرعون أي ما كان فرعون يصنعه.
ب- أن يكون (كان) زائدا و(ما) حرفا مصدريا أي دمّرنا صنع فرعون.. ذكره العكبريّ. ويصحّ أن تكون ما موصولة. ج- (كان) فعل ناقص اسمه ضمير الشأن و(ما) حرف مصدريّ وجملة يصنع خبر كان.
[190]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13/76/ 15042)
[191]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/466)
[192]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق( 9/63)
[193] - في الآية السابقة (137).
[194] - في الآية السابقة (137).
[195] - في الآية السابقة (137).
[196]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3 /467 )
[197]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13/80 / 15052)
[198]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/64)
[199] - أو خبر مقدّم للموصول بعده، والجملة الاسميّة من الموصول وصلته والخبر خبر إنّ. وكذلك (باطل) يجوز أن يكون خبرا، والمصدر المؤوّل مبتدأ، والجملة معطوفة على جملة الموصول وخبره.
[200] - أو موصول والعائد محذوف.
[201]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13/83/ 15058)
[202]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/ 302)
[203]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/65)
[204] -ويجوز أن يكون حالا ويجوز في التوجيهات التالية: (إلها) مفعول به (غير) حال من (إلها)- نعت تقدّم على المنعوت-.
[205]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3/468 )
[206]-الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة (7/274)
[207]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/66)
[208] - انظر إعراب الآية بتمامها في سورة البقرة الآية (49)
[209]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13/85/ 15061)
[210]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق( 9/68)
[211] - في الآية السابقة (141).
[212] - في الآية السابقة (141).
[213] - يجوز أن يكون مفعولا به إذا ضمّن فعل تمّ معنى بلغ.
[214]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر: مؤسسة الرسالة(1/302 )
[215]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/ 468)
[216]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13 /88 / 15070)
[217]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/68)
[218] - هذا بحسب الظاهر، ولكنّ المعنى أن فعل (أنظر) هو جواب شرط مقدّر والمعنى هيّئ لي سبيل الرؤية، فإن فعلت أو تمّ ذلك أنظر إليك.
[219]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر:مؤسسة الرسالة(1/302)
[220] - أخرجه أبو داود من حديث عبادة بن الصامت- رضي الله عنه- وتمام متنه" عن رسول الله –صلي الله عليه وسلم-قال: إني حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا. إن المسيح الدجال قصير أفحج جعد أعور مطموس العين ليست بناتئة ولا حجراء فإن ألبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور و أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا"- انظر حديث رقم: 2459 في صحيح الجامع.
[221] - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي-دار الفكر للطباعة و النشر والتوزيع بيروت –لبنان(2/40)
[222]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3/472)
[223]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق( 9/70)
[224]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/473)
[225]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق( 9/72)
[226] - جعله بعضهم بدلا من الجارّ والمجرور قبله (من كل شيء)، لأن محلّه النصب.
[227] - يجوز جعل اللام زائد للتقوية و (كلّ) منصوب محلّا مفعول به للمصدر (تفصيلا).
[228] - يجوز أن يكون الجارّ والمجرور حالا بمعنى خذها جادّا أو مجتهدا.
[229]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر: مؤسسة الرسالة( 1/302 )
[230]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13 /110/ 15116 )
[231]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/74 )
[232] - في الآية السابقة (145).
[233]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3/475 )
[234]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر:مؤسسة الرسالة(1/302 )
[235]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق( 9/76)
[236] - في الآية السابقة (146).
[237] - في الآية السابقة (146).
[238] - يجوز أن تكون حالا من فاعل كذّبوا بتقدير (قد)، وجملة يجزون خبر..
[239]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة(1/302)
[240]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3 /475 )
[241]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/78)
[242] - أو بدل من (عجلا) منصوب.. والمفعول الثاني محذوف تقديره إلها.
[243] - في الآية (146) من هذه السورة..
[244]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر:مؤسسة الرسالة(1/302)
[245] -أضواء البيان للشنقيطي الناشر:دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت –لبنان( 2/40)
[246]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/80 )
[247] - في الآية السابقة (148).
[248]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13 /118/ 15123)
[249]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3/476 )
[250]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي - نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/81)
[251] - في الآية السابقة (149).
[252] - أو منصوب على نزع الخافض، والأصل أعجلتم عن أمر ربّكم.
[253] - في الآية السابقة (149).
[254]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر-الناشر:مؤسسة الرسالة (13/120/ 15124)
[255] - انظر حديث رقم: 5373 في صحيح الجامع.
[256]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3 /476 )
[257]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/85)
[258]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3/477)
[259]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13/133/ 15146 )
[260]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 86)
[261] - إذا ضمّن (اتّخذوا) معنى عبدوا فالعجل مفعول به ليس غير.
[262] - أو متعلّق بمحذوف نعت لغضب.
[263] - أو متعلّق بكلّ من غضب وذلّة.
[264]-انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 3/285)
[265]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3/477)
[266]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13 /135/ 15147)
[267]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(9/ 87)
[268] - في الآية السابقة (152).
[269] - في الآية السابقة (152)
[270] - في الآية السابقة (152)
[271]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13 /137/ 15151)
[272]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 88)
[273] - في الآية (150) من هذه السورة.
[274] - أو متعلّق بمحذوف نعت لرحمة.
[275] - أو هي أصلية جاءت للتعليل، ومفعول يرهبون محذوف تقديره يرهبون عقابه، ويعلّق الجارّ ب (يرهبون) وقد يضمّن معنى يذعنون.
[276]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/ 302)
[277]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/ 90)
[278] - أجاز أبو البقاء العكبري إعرابه بدلا من قوم على ضعف، وقوم هو المفعول الأول، أمّا المفعول الثاني فمقدّر وفي تقديره تكلّف كما يتكلّف الرابط للبدل.
[279] - يجوز أن يكون اسم موصول في محلّ جرّ، والعائد محذوف، والجملة بعده صلة أي بالذي فعله السفهاء.
[280]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1 /302)
[281]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3/481)
[282]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/92)
[283] - أو متعلّق بمحذوف حال من الضمير المجرور في لنا، أو حال من حسنة- نعت تقدّم على المنعوت-،
[284]-انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 3/287)
[285]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/303)
[286]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي - نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 94)
[287] - أو في محلّ رفع خبر لمبتدأ بمحذوف وجوبا تقديره هم، وقد قطع عن النعت للمدح أو في محلّ نصب بفعل محذوف على المدح.
[288] - أو متعلّق ب (مكتوبا).
[289] - أو متعلّق ب (مكتوبا).
[290] - أو ضمير منفصل مبتدأ ثان خبره (المفلحون)، والجملة الاسميّة خبر المبتدأ (أولئك).
[291]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1 /305 )
[292]- يشير المصنف لأحاديث في السنة تفضح مخالفة اليهود لشريعتنا مثل حديث أنس بن مالك" أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى{ ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض }إلى آخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اصنعوا كل شيء إلا النكاح فبلغ ذلك اليهود فقالوا ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه.."إلي آخر الحديث-أخرجه مسلم برقم/455- باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله.
[293]-الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة (7/300 )
[294]- تفسير القرآن الكريم ـ لابن القيم )- ( 1/287)
[295]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 99)
[296] - أو هو في محلّ نصب مفعول به لفعل محذوف على المدح، ويجوز على ضعف أن يكون نعتا للفظ الجلالة.
[297] - يجوز أن يكون بدلا من محلّ (لا إله) إذ محلّه الرفع لأنه مبتدأ في الأصل.
[298] - يجوز أن يقطع للمدح فيكون في محلّ رفع خبر لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره هو أو في محلّ نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره أمدح.
[299]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13/170/ 15246)
[300] - أضواء البيان للشنقيطي الناشر: دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت–لبنان( 2/41)
[301]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3/491 )
[302]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي - نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/ 100)
[303]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/305)
[304]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي -نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/ 103)
[305] - إذا ضمّن (قطّعنا) معنى صيّرنا ف (اثنتي) يكون مفعولا ثانيا.
[306] - أنّث لفظ (عشرة) لأنّ التمييز المحذوف مؤنّث تقديره فرقة أو أمّة.
[307] - أو حرف مصدري، والمصدر المؤوّل معمول أوحينا بوساطة حرف الجرّ... وجملة اضرب صلة الموصول الحرفيّ.
[308] - وهي عاطفة عند بعضهم عطفت الجملة بعدها على جملة مقدّرة أي: ظلموا بكفرهم بتلك النعم وما ظلمونا بذلك.
[309]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/305)
[310]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 105)
[311]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13/178/ 15251)
[312]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 106)
[313] - والمفعول الثاني لفعل بدّل محذوف والتقدير: فبدّل الذين ظلموا منهم بالذي قيل لهم قولا غير..
[314]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/ 305 )
[315]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13 /179/ 15251)
[316]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 109)
[317] - يحتمل أن يكون متعلّقا بمحذوف حال.. أي لا تأتيهم شرّعا كذلك.
[318] - في الآية السابقة (162).
[319]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/306 )
[320]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 110)
[321] - في الآية (163) السابقة.
[322] - أو مفعول لأجله أي وعظناهم للمعذرة، وقيل هو مفعول به لفعل محذوف أي: قالوا نطلب معذرة.
[323]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3 /494 )
[324]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/111)
[325] - في الآية السابقة (163) من هذه السورة.
[326]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/494 )
[327]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13/199 / 15286)
[328]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 113)
[329] - يجوز أن يكون نعتا لقردة.. أو حالا من اسم كان... وانظر الآية (65) من سورة البقرة.
[330]-الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة ( 7/309)
[331]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9 / 111)
[332] - لأن الفعل (تأذّن) جرى مجرى القسم.
[333] - يجوز أن يتعلّق ب (تأذّن).
[334] - أو نكرة موصوفة... والجملة بعده في محلّ نصب نعت له.
[335]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/306 )
[336]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 114)
[337] - إ أضمّن (قطّعنا) معنى صيّرنا ف (أمما) مفعول ثان له.
[338] - قال الزمخشريّ: «معناه ومنهم ناس منحطّون عن الصلاح، ونحوه» ما منّا إلّا له مقام معلوم»، يعني ما منّا أحد إلّا له مقام معلوم يعني في كونه حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه...» اهـ.
[339] - في الآية (164) من هذه السورة.
[340]-انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 3/295 )
[341]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9 / 115)
[342] - أو حاليّة، والجملة بعدها في محلّ نصب حال.
[343] - ويجوز أن يكون مجرورا بلام التعليل- على رأي الزمخشريّ- قال: «ومعناه لئلّا يقولوا على اللّه إلّا الحقّ...» وقد فسّر ميثاق الكتاب بقوله: في التوراة من ارتكب ذنبا عظيما فإنّه لا يغفر له إلّا بالتوبة، هذا ويجوز أن يكون (أن) حرف تفسير يفسّر ميثاق الكتاب لأنه بمعنى القول و(لا) حرف نهي. والفعل مجزوم بحرف النهي.. والجملة لا محلّ لها تفسيريّة، ولذلك رسمت في المصحف (أن لا) منفصلة ويجوز في (الحقّ) أن يكون منصوبا على المصدر أي القول الحقّ.
[344]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13 /211/ 15313)
[345]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/499 )
[346]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 119)
[347] - في الآية السابقة (169).
[348] - في الآية السابقة (169).
[349]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/ 307 )
[350]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 121)
[351] - في الآية (169) من هذه السورة.
[352]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/ 308 )
[353]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13 /217 / 15330 )
[354]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 123)
[355] - في الآية (167) من هذه السورة.،
[356]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/307)
[357] -قلت: ومن هذه الاحاديث حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-عن النبي-صلي الله عليه وسلم-قال" إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان يوم عرفة و أخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال: { ألست بربكم قالوا بلى }. "- انظر حديث رقم: 1701 في صحيح الجامع.
[358] - أضواء البيان للشنقيطي الناشر: دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت – لبنان(2/42)
[359]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 124)
[360] - في الآية السابقة (172).
[361] - في الآية السابقة (172).
[362]-انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (3 /300 )
[363]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/ 308)
[364]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/125)
[365] - أو اسم بمعنى مثل في محلّ نصب مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو صفته أي تفصيلا مثل ذلك.
[366] - أي نفصّل الآيات تفصيلا كذلك التفصيل السابق.
[367] - في الآية (171) من هذه السورة.
[368]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13/252 / 15380)
[369]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 126)
[370]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/ 308 )
[371]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 129)
[372] - يجوز أن يكون زائدا، و(مثل) مجرور لفظا مرفوع محلّا خبر المبتدأ مثله.
[373] - في الآية (171) من هذه السورة.
[374]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/308)
[375] - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي-دار الفكر للطباعة و النشر والتوزيع بيروت– لبنان(2 / 44)
[376]- تفسير القرآن الكريم ـ لابن القيم )- ( 1/290)
[377]-انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 3/305 )
[378]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 130)
[379] - يجوز أن يكون (القوم) مبتدأ مؤخّر- على حذف مضاف أيضا- خبره الجملة قبله.
[380] - في الآية (176) السابقة.
[381]- انظر حديث رقم: 5426 في صحيح الجامع.
[382]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3 /512)
[383]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/ 308)
[384]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 131)
[385] - أو ضمير منفصل مبتدأ ثان خبره الخاسرون، والجملة الاسميّة خبر المبتدأ أولئك.
[386]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13/ 276/ 15442)
[387]-قلت(سيد مبارك):وكل الرواياتالصحيحة التي اطلعت عليها في كتب السنة لا يوجد فيها لفظ " نستهديه" فهي شاذة ولا تصح عن رسول الله-صلي الله عليه وسلم- وقال الألباني في الرد المفحم (1/5): بعض الخطباء وغيرهم يزيدون: " ونستهديه " أو غيره فيرجى الانتباه أن ذلك لم يرد ولا يجوز الزيادة على تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم.اهـ
[388]- انظر صحيح النسائي برقم(3277)، وصحيح المشكاة ( 3149 )، وخطبة الحاجة ص ( 19 - 29 )، والصحيحة ( 1483 ) للألباني وتمام متنه " علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة قال التشهد في الحاجة أن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ويقرأ ثلاث آيات. " واللفظ للنسائي من حديث ابن مسعود –رضي الله عنه-وانظر الهامش قبله للأهمية.
[389]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3/512 )
[390]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 133)
[391] - في الآية السابقة (178).
[392] - في الآية السابقة (178).
[393]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/ 309 )
[394]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3/514 )
[395]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/134)
[396]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/309)
[397] - أضواء البيان للشنقيطي الناشر: دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت – لبنان( 2/45 )
[398]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 135)
[399] - أو نكرة موصوفة في محلّ جرّ.
[400]- معاوية بن أبي سفيان: صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي أمير المؤمنين. ولد قبل البعثة بخمس سنين وقيل بسبع وقيل بثلاث عشرة. والأول أشهر. قال أبو نعيم: كان من الكتبة الحسبة الفصحاء حليماً وقوراً.
وعن خالد بن معدان: كان طويلاً أبيض أجلح وصحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكتب له وولاه عمر الشام بعد أخيه يزيد بن أبي سفيان وأقره عثمان ثم استمر فلم يبايع علياً ثم حاربه واستقل بالشام ثم أضاف إليها مصر ثم تسمى بالخلافة بعد الحكمين ثم استقل لما صالح الحسن واجتمع عليه الناس فسمي ذلك العام عام الجماعة. مات معاوية في رجب سنة ستين على الصحيح.-نقلاً عن الإصابة في معرفة الصحابة لابن حجر مختصرا وبتصرف (3/102)
[401] - انظر حديث رقم: 7287 في صحيح الجامع.
[402] -أخرجها مسلم برقم/ 3544-من حديث ثوبان- رضي الله عنه- باب قوله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق
[403]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/516)
[404]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 136)
[405]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13 /286/ 15460)
[406]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3/516 )
[407]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 138)
[408]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/310)
[409]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 139)
[410] - أجاز بعضهم أن تكون استفهاميّة مبتدأ، والجارّ (بصاحبهم) متعلّق بالخبر، و(من جنّة) حال.
[411]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/ 310 )
[412]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 143)
[413] - أو حال من العائد المحذوف.
[414] - أو هو أجلهم، وفاعل اقترب ضمير يعود على أجلهم من باب التنازع
[415]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13 /290 / 15461)
[416]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 144)
[417]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13 /291/ 15461)
[418]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/144)
[419] - أو مفعول مطلق نائب عن المصدر لأن معنى تأتيكم هو تبغتكم.
[420]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/310)
[421] - أخرجه البخاري برقم/ 6025- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين
[422] -أخرجه مسلم برقم/ 5252- باب قرب الساعة
[423]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3/519 )
[424]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/ 310 )
[425]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/146)
[426] - أو نكرة موصوفة، في محلّ نصب، والجملة بعدها نعت لها.
[427]-انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (3/310)
[428] - يشير المصنف لحديث عائشة- رضي الله عنها- الذي أخرجه مسلم برقم/ 1235- باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض -وتمام متنه " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملا أثبته وكان إذا نام من الليل أو مرض صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة قالت وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى الصباح وما صام شهرا متتابعا إلا رمضان "
[429]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3/524 )
[430]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/311 )
[431]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 148)
[432] - أو مفعول به بمعنى الجنين المحمول.
[433] - وهو نعت عن منعوت محذوف أي ولدا صالحا أو بشرا سويّا.
[434]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3 /524 )
[435]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/311)
[436]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 149)
[437]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/ 311 )
[438] - أضواء البيان للشنقيطي الناشر: دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت – لبنان(2/46)
[439]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 150)
[440] - أو نكرة موصوفة، والجملة بعده نعت له.
[441]-الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة ( 7/341)
[442]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/529 )
[443]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/151)
[444]-انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 3/314)
[445]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13 /391 / 15532)
[446]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 152)
[447]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13 /320 / 15532)
[448]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 154)
[449] - أو هي رابطة لجواب شرط مقدّر من مضمون الشرط الآتي أي إن كنتم صادقين في ما تدّعون... فادعوهم
[450]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1 /312 )
[451]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9 /155)
[452] - في الآية السابقة (194).
[453] - في الآية السابقة (194).
[454]-انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 3/315)
[455]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13 /322 / 15532)
[456]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 156)
[457]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/530 )
[458]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 160)
[459] - في الآية (194) من هذه السورة.
[460]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13/ 323/ 15532 )
[461]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(9/161)
[462] - في الآية السابقة (197).
[463] - في الآية السابقة (197).
[464]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/530 )
[465]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13 /325 / 15534)
[466]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/312)
[467]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 160)
[468]- عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العمري المدني، أخو أسامة، وعبد الله، وفيهم لين. وكان عبد الرحمن صاحب قرآن وتفسير، جمع تفسيرا في مجلد، وكتابا في الناسخ والمنسوخ. وحدث عن: أبيه، وابن المنكدر. روى عنه: أصبغ بن الفرج، وقتيبة، وهشام بن عمار، وآخرون. توفي: سنة اثنتين وثمانين ومائة.-انظر سير أعلام النبلاء للذهبي (برقم/94)
[469]- أخرجه البخاري برقم/4277- باب{ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين }
[470]- سعيد بن أبي عروبة مهران العدوي الإمام، الحافظ، عالم أهل البصرة، وأول من صنف السنن النبوية، حدث عن: الحسن، ومحمد بن سيرين، وأبي رجاء العطاردي، والنضر بن أنس، وعبد الله الداناج، وقتادة، وأبي نضرة العبدي، ومطر الوراق، وخلق سواهم.
وكان من بحور العلم، إلا أنه تغير حفظه لما شاخ، وأكبر شيخ له: هو أبو رجاء، وثقه: يحيى بن معين، والنسائي، وجماعة. قال يزيد بن زريع: سمعت سعيد بن أبي عروبة يقول: من لم يسمع الاختلاف، فلا تعده عالما.
قال أحمد بن حنبل: لم يكن لسعيد كتاب، إنما كان يحفظ ذلك كله. وقال يحيى وقال أبو حاتم: ثقة قبل أن يختلط، وكان أعلم الناس بحديث قتادة. قال عبد الصمد بن عبد الوارث، وغيره: مات ابن أبي عروبة في ست وخمسين ومائة.
قلت: توفي في عشر الثمانين.-نقلاً عن سير أعلام النبلاء للذهبي مختصراً (برقم/170)
[471]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3 /530 )
[472]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/ 313 )
[473]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 161)
[474] - أو بمحذوف حال من نزغ.
[475]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1 /313 )
[476] -أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي-دار الفكر للطباعة والنشر و التوزيع بيروت– لبنان(2/47 )
[477]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9 / 161)
[478] - في الآية السابقة (200).
[479]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3 /534 )
[480]-انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 3/318)
[481]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 161)
[482] - هذا الضمير يعود على الشياطين الذين ذكر جنسهم في الآية السابقة بلفظ المفرد.
[483] - ضمير الفاعل يعود على الشياطين أيضا.
[484] - هذا الضمير يعود على الكفار... والتقدير: وإخوان الشياطين تمدّهم الشياطين، وهذا الإسناد في الخبر جارّ على غير من هو له في المعنى، فالإمداد مسند إلى
[485] - يصح هذا التعليق في التوجيه الثاني- قول قتادة، إذا كان (في) للسببيّة أي بسبب غوايتهم.. ويجوز أن يتعلّق الجارّ بحال من الفاعل أو المفعول أي كائنين أو مستقرّين في الغيّ.
[486]-انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (3 /318)
[487]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 162)
[488]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/535 )
[489]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/ 313 )
[490]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 162)
[491] - في الآية (201 و203) من هذه السورة.
[492]-قلت "سيد مبارك"سيأتي بيان هذه المسألة في أحكام وفوائد السورة.
[493]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/314)
[494]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 163)
[495] - أو مصدر في موضع الحال بتأويل مشتقّ أي متضرّعا.
[496] - أجاز العكبريّ عطفه على (تضرّعا) مضمّنا إيّاه معنى مقتصدين.. وعلى كلّ حال فانّ الظرف فيه معنى الحال.
[497]- أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس ابن سليم بن حضار بن حرب. الإمام الكبير، صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو موسى الأشعري، التميمي، الفقيه، المقرئ.وهو معدود فيمن قرأ على النبي -صلى الله عليه وسلم- أقرأ أهل البصرة، وفقههم في الدين.
قال أبو أحمد الحاكم: أسلم بمكة، ثم قدم مع أهل السفينتين بعد فتح خيبر بثلاث، فقسم لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ولي البصرة لعمر، وعثمان، وولي الكوفة، وبها مات.-نقلاً عن سير أعلام النبلاء مختصرا وبتصرف(برقم/82)
[498] -أخرجه البخاري برقم/ 2770- باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير-وتمام متنه" كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنه معكم إنه سميع قريب تبارك اسمه وتعالى جده "
[499]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(3/538 )
[500]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/ 314 )
[501]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(9/ 165)
[502] - في الآية (201) من هذه السورة.
[503]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13 /353 / 15618)
[504] - انظر حديث رقم: 2648 في صحيح الجامع.
[505]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 3/539 )
[506]-قلت: الباطنية هي الفرق التي تنتسب إلى التشيع،وتزعم حب آل البيت وتتخذ من ذلك ستارا وغطاء لخداع المسلمين والباطنية اصطلاح عام يطلق على جمع من الطوائف والفرق المتعددة المتشعبة، وبينها قاسم مشترك هو تأويل نصوص الشريعة تأويلا باطنا يتوافق مع معتقداتهمالفاسدةوالقرامطة حركة باطنية هدامة تنتسب إلى شخص اسمه حمدان بن الأشعث ويلقب بقرمط لقصر قامته وساقيه وهو من خوزستان في الأهواز ثم رحل إلى الكوفة.، وكان ظاهرها التشيع لآل البيت والانتساب إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وحقيقتها الإلحاد والكفر، وقالالشهرستاني في الملل والنحل (1/192) ما مختصره: وأشهر ألقابهم: الباطنية، وإنما لزمهم هذا اللقب لحكمهم بأن لكل ظاهر باطنا، ولكل تنزيل تأويلا.
ولهم ألقاب كثيرة سوى هذه: فبالعراق يسمون: الباطنية، والقرامطة، والمزدكية. وبخراسان: التعليمية، والملحدة.اهـ
[507]-انظر يسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن لعبد الرحمن السعدي- نشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية (ص/179)
[508] -انظر أحكام القرآن للجصاص -( 6/301 )
[509]- تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين
[510] -انظر أحكام القرآن للجصاص -( 6/301)
[511] - الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- برقم (188)- باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها - ولفظه" جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال وقد وجدتموه قالوا نعم قال ذاك صريح الإيمان "
[512]- يشير المصنف لحديث مثل حديث مسلم وغيره برقم (4726) من حديث سليمان بن صرد – رضي الله عنه-باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شيء يذهب الغضب-ولفظه " استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقال الرجل وهل ترى بي من جنون "
[513] - يشير المصنف لحديث مثل حديث البخاري وغيره برقم (3034)- من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- باب صفة إبليس وجنوده ولفظه" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته "
[514]- اللقاء الشهري لابن العثيمين- دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية-رقم الدرس/49
[515] -انظر أحكام القرآن للجصاص -( 6 /302 )
[516]-منهاج السنة لابن تيمية (9/58)-نشرمؤسسة قرطبة
[517] -انظر أحكام القرآن للجصاص -( 6/306 )
[518] - أحرجه البخاري برقم/ 3170- باب قول الله تعالى{ ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب }
[519]-انظر شرح ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري للحديث (10/221)
[520]-انظر مجموع الفتاوي لابن تيمية-(15 /7 )-الناشر دار الوفاء
[521]- فتاوى نور على الدرب لابن باز-رحمه الله-السؤال الثاني والعشرون من الشريط (193).
[522] - الحديث أخرجه البخاري في أكثر من رواية في الباب -انظر باب إذا وكل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل
[523] -انظر موسوعة العلامة محمد ناصر الدين الألباني-الناشر: مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة، صنعاء – اليمن(8/79)
[524] -انظر أحكام القرآن للجصاص -(6/335 )
[525]-انظر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة- الناشر: دار العاصمة – الرياض(4/1518)
[526] -انظر أحكام القرآن للقاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي- (3/489)
[527]-انظر أحكام القرآن للجصاص -(6/299)
[528] -انظر أحكام القرآن للكيا الهراسي(3/131)- الناشر: دار الكتب العلمية بيروت
[529]-انظر تقريب التدمرية لابن العثيمين (ص/43)
[530]- أبو الحسن القمي، الفقيه الحنفي، إمام أهل الرأي في عصره بلا مدافعة. له مصنفات منها: كتاب " أحكام القرآن "، وهو كتاب جليل. وسمع: محمد بن حميد الرازي، ومحمد بن معاوية بن مالج، ومحمد بن شجاع الثلجي. وعنه: أبو بكر أحمد بن سعد بن نصر، وأحمد بن أحيد الكاغدي، وآخرون. وتخرج به جماعة من الكبار-انظر تاريخ الإسلام للذهبي برقم(241).
[531]- وهو المعروف بالجصاص وسبق الترجمة له.
[532]-انظر أحكام القرآن للكيا الهراسي(3/134)- الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت
[533]-انظر الضياء اللامع من الخطب الجوامع لابن العثيمين- الناشر: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد- الخطبة الثانية في بعض ما يحرم من اللباس
[534]- انظر القواعد الحسان في تفسير القرآن لعبد الرحمن السعدي- القاعدة الرابعة والعشرون: التوسط والاعتدال وذم الغلو (ص/68)
[535] --انظر مجموع الفتاوي لابن تيمية-( 1/86 )-الناشر دار الوفاء
[536]- انظر صحيح أبي داود ( 561 و 562 ) للألباني بلفظ" هل تسمع النداء قلت نعم قال ما أجد لك رخصة. "، ونحوه في صحيح مسلم برقم/ 1044 - باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء بلفظ" هل تسمع النداء بالصلاة قال نعم قال فأجب " ولفظ المصنف لم أجده.
[537]- أخرج البخاري وغيره نحوه من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-برقم/ 6683 - باب إخراج الخصوم وأهل الريب من البيوت بعد المعرفة -ولفظ البخاري" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء. "
[538]- يشير المصنف للحديثالذي أخرجه البخاريوغيره من حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه-برقم/ 610- باب فضل صلاة الجماعة
[539]- صحيح بلفظ" بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة "-انظر حديث رقم /2823 في صحيح الجامع.
[540] -انظر أحكام القرآن للجصاص -(6/307)
[541]-انظر أحكام القرآن للجصاص -( 6 /307 )
[542] - انظر شرح زاد المستنقع لمحمد المختار الشنقيطي-دروس صوتية مفرغة-المصدر موقع الشبكة الإسلامية-درس رقم/103
[543]-انظر كتاب كيف يجب علينا أن نفسر القرآن الكريم-للألباني-الناشر: المكتبة الإسلامية- السؤال الرابع-(1/17)
[544]- صحيح: أخرجه مسلم (598)، وأبو داود (821)، والنسائي (2/ 135)، والترمذي (312)، وابن ماجه (838) بألفاظ متقاربة.
[545] - أخرجه أبو داود (823) والترمذي (311) وحسنه الألباني في المشكاة-برقم/ 854-باب القراءة في الصلاة.
[546]- أخرجه الإمام أحمد (3/ 339)؛ وابن ماجه، (850) وصحح الألباني إسناده وانظر حديث رقم: 6487 في صحيح الجامع –قلت(سيد مبارك): والحديث مختلف في تحسينه وتضعيفه وضعفه كثيراَ من أهل العلم كما قال الشنقيطي وقال البخاري عنه في جزء القراءة خلف الإمام (21): «هذا خبر لم يثبت عند أهل العلم لإرساله وانقطاعه».وقال الحافظ ابن حجر في «الفتح» (2/ 242): «إنه ضعيف عند الحفاظ».قلت:والراجح ضعفه لأنه مرسل والمرسل من أقسام الضعيف، فلا تقوم به الحجة وإذا كان ضعيفا سقط الاستدلال به والله أعلم
[547]- أخرج مسلم نحوه برقم/ 603 –من حديث عمران بن حصين –رضي الله عنه-باب نهي المأموم عن جهره بالقراءة خلف إمامهولفظه "قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر أو العصر فقال أيكم قرأ خلفي بسبح اسم ربك الأعلى فقال رجل أنا ولم أرد بها إلا الخير قال قد علمت أن بعضكم خالجنيها"
[548] - انظر شرح زاد المستنقعلمحمد المختار الشنقيطي-دروس صوتية مفرغة- المصدر موقع الشبكة الإسلامية-درس رقم/40
[549] -أخرجاه في الصحيحين البخاري برقم/ 702- باب ما يقول بعد التكبير، ومسلم برقم/ 940- باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة
[550] - أخرجه البخاري برقم/ 647- باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب- من حديث أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- وتمام متنه" صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا "
[551] -انظر أحكام القرآن للجصاص -( 6 /341 )
[552]-أَبُو بَكْرة الثقفي، اسمه نفيع بْن مسروح. وقيل: نفيع بن الحارث ابن كلدة، وَكَانَ قد نزل يوم الطائف إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصن الطائف، فأسلم فِي غلمان من غلمان أهل الطائف، فأعتقهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان يقول: أنا مولى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد عد فِي مواليه، وَكَانَ مثل النصل من العبادة، حَتَّى مات.
وتوفي أَبُو بَكْرة بالبصرة سنة إحدى، وقيل: سنة اثنين وخمسين، وأوصى أن يصلي عَلَيْهِ أَبُو برزة الأسلمي، فصلى عَلَيْهِ. قَالَ الحسن البصري: لم ينزل البصرة من الصحابة ممن سكنها أفضل من عمران بْن حصين وأبى بكرة.-نقلاً عن الاستيعاب في معرفة الأصحاب مختصراً وبتصرف برقم/ 2877
[553] -أخرجه البخاري برقم/ 741- باب إذا ركع دون الصف
[554] - أخرجه البخاري(برقم/715 ) من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه - باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها - وتمام متنه" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد وقال ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع يصلي كما صلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثا فقال والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني فقال إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وافعل ذلك في صلاتك كلها "
[555] - سبق تخريجه
[556]-انظر مجموع فتاوي ورسائل محمد بن العثيمين-(12/ 496)
[557] -انظر أحكام القرآن للجصاص -(6/349)
[558] - أخرجه البخاري من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما –برقم/6971- باب قول الله تعالى{ وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير }
[559] -أخرج البخاري نحوه برقم/ 2770- باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه- ولفظه" كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنه معكم إنه سميع قريب تبارك اسمه وتعالى جده "
[560]-أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-برقم/ 4851- باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى وتمام متنه" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي وأنا معه حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منه وإن اقترب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن اقترب إلي ذراعا اقتربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة"
[561] --انظر مجموع الفتاوي لابن تيمية-(15 /33 )-الناشر دار الوفاء
[562]-انظر جامع العلوم والحكم بشرح خمسين حديثا من جوامع الكلم لابن رجب-الحديث الخمسون
[563] - أخرجاه في الصحيحين البخاري برقم/796 - باب الذكر بعد الصلاة، ومسلم برقم/ 919- باب الذكر بعد الصلاة
[564]- المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب من كبار الصحابة أولي الشجاعة والمكيدة. شهد بيعة الرضوان. كان رجلا طوالا، مهيبا، ذهبت عينه يوم اليرموك، وقيل: يوم القادسية. قال ابن سعد: كان المغيرة أصهب الشعر جدا، يفرق رأسه فروقا أربعة، أقلص الشفتين، مهتوما، ضخم الهامة، عبل الذراعين، بعيد ما بين المنكبين.
وكان داهية، يقال له: مغيرة الرأي. وقال الجماعة: مات أمير الكوفة؛ المغيرة في سنة خمسين، في شعبان، وله سبعون سنة. وله في (الصحيحين): اثنا عشر حديثا. وانفرد له البخاري: بحديث، ومسلم بحديثين-نقلاً عن سير أعلام النبلاء للذهبي مختصراً –(3/21)
[565] - أخرجه مسلم برقم/ 934- باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته
[566] - سبق تخريجه
[567]-انظر مجموع فتاوي ورسائل محمد بن العثيمين-(13 /247 )
[568] -أخرجه مسلم برقم/115- باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة
[569] -أخرجه البخاري برقم/ 1017- باب من لم يجد موضعا للسجود مع الإمام من الزحام ومسلم برقم/900- باب سجود التلاوة
[570]-محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، أبو عبد الله(150 - 204 هـ = 767 - 820 م): أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة.
وإليه نسبة الشافعية كافة. ولد في غزة (بفلسطين) وحمل منها إلى مكة وهو ابن سنتين. وزار بغداد مرتين. وقصد مصر سنة 199 فتوفي بها، وقبره معروف في القاهرة. قال المبرد: كان الشافعيّ أشعر الناس وآدبهم وأعرفهم بالفقه والقراآت. وقال الإمام ابن حنبل: ما أحد ممن بيده محبرة أو ورق إلا وللشافعي في رقبته منه. وكان من أحذق قريش بالرمي، يصيب من العشرة عشرة، برع في ذلك أولا كما برع في الشعر واللغة وأيام العرب، ثم أقبل على الفقه والحديث، وأفتى وهو ابن عشرين سنة. وكان ذكيا مفرطا. له تصانيف كثيرة.-الأعلام للزركلي مختصراً وبتصرف(6/26).
[571] -انظر أحكام القرآن للقاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي- (4 /77 )
[572] - وذلك لحديث صحيح اشار إليه ابن العثيمين- رحمه الله- في مصنفاته الأخرى والحديث أخرجه النسائي وغيره من حديث ابن مسعود- رضي الله عنه- قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل رفع ووضع وقيام وقعود وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم "-انظر صحيح سنن النسائي للألباني ( 1/ 164، 172) وصحيح الترمذي ( 2 / 34 ).
[573]-انظر تفسير العلامة محمد العثيمين لسورة الانشقاق-المصدر: موقع العلامة العثيمين
[574] -انظر أحكام القرآن للجصاص -( 26 /308 )
[575]- عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي، يأتي نسبه في ترجمة أخيه، أبو عبد الرحمن. أمه زينب بنت مظعون الجمحية. ولد سنة ثلاث من المبعث النبوي فيما جزم به الزّبير بن بكّار، قال: هاجر وهو ابن عشر سنين. وكذا قال الواقدي حيث قال: مات سنة أربع وثمانين. وقال ابن مندة: كان ابن إحدى عشرة ونصف. ونقلالهيثم بن عديّ عن مالك أنه مات وله سبع وثمانون سنة، فعلى هذا كان له في الهجرة ثلاث عشرة. وقد ثبت عنه أنه كان له يوم بدر ثلاث عشرة، وبدر كانت في السنة الثانية.
وأسلم مع أبيه وهاجر وعرض على النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم ببدر فاستصغره ثم بأحد فكذلك ثم بالخندق فأجازه، وهو يومئذ ابن خمس عشرة سنة كما ثبت في الصحيح.-انظر الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر رقم/ 4852 مختصراً.
[576] - أبو عبد الله نافع مولى عبد الله بن عمر، رضي الله عنهم؛ كان ديلمياً، وأصابه مولاه عبد الله بن عمر في غزاته، وهو من كبار الصالحين التابعين، سمع مولاه وأبا سعيد الخدري، وروى عنه الزهري وأيوب السختياني ومالك بن أنس، رضي الله عنهم. وهو من المشهورين بالحديث، ومنالثقات الذين يؤخذ عنهم ويجمع حديثهم ويعمل به، ومعظم حديث ابن عمر عليه دار. وقال مالك: كنت إذا سمعت حديث نافع عن ابن عمر لا أبالي ألا أسمعه من أحد؛ وأهل الحديث يقولون: رواية الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر سلسلة الذهب لجلالة كل واحد من هؤلاء الرواة. وأخبار نافع كثيرة؛ وتوفي سنة سبع عشرة، وقيل سنة عشرين ومائة، رضي الله عنه.-انظر وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان مختصراً برقم/756
[577] - انظر حديث رقم: 7726 في صحيح الجامع للألباني.
[578]- سبق تخريجه
[579]- ابن عبد البر محمد بن عبد الله التجيبيالإمام، الحافظ، المجود، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد البر التجيبي، الأندلسي، القرطبي. سمع من: عبيد الله بن يحيى بن يحيى، وأسلم بن عبد العزيز، ومحمد بن عمر بن لبابة، ومحمد بن محمد بن النفاح الباهلي، وطبقته بمصر، وسعيد بن هاشم الطبراني، وغيره بالشام، ورجع، ثم ارتحل في الشيخوخة.
فتوفي: بالشام بطرابلس، في سنة إحدى وأربعين وثلاث مائة. روى عنه: عمر بن نمارة الأندلسي، وأبو محمد عبد الرحمن بن عمر النحاس.-انظر سير أعلام النبلاء للذهبي برقم/ 280-(15/498)
[580] - انظر: «التمهيد» لابن عبد البر (6/ 379).
[581] -انظر أحكام القرآن للجصاص -( 6/312)
[582]-قلت (سيد مبارك): الحديث أخرجه الدار قطني في "السنن" "4/ 183-184"، والبيهقي في "الكبرى" "10 / 12-13"، وأبو نعيم في "الحلية" "9/ 17"، وغيرهم من طريق مكحول عن أبي ثعلبة الخشني مرفوعا.
وذكر ابن رجب-رحمه الله- في "جامع العلوم والحكم" (2/ 150): "أن الحديث له علتان:إحداهما: أن مكحولا لم يصح له السماع من أبي ثعلبة، كذلك قال أبو مسهر الدمشقي وأبو نعيم الحافظ وغيرهما.
والثانية: أنه اختلف في رفعه ووقفه على أبي ثعلبة، ورواه بعضهم عن مكحول من قوله، لكن قال الدار قطني في "العلل" (رقم 1170): "الأشبه بالصواب المرفوع"، قال: "وهو الأشهر". انتهي كلامه
قلت: وقد حسن النووي في "الأربعين النووية" –إسناده حديث( رقم 30 ) وايضاً في أذكاره (505)، وكذلك حسنه قبله الحافظ أبو بكر بن السمعاني – رحمه الله- وقال " هذا الحديث أصل كبير من أصول الدين وفروعه، قال: وحكي عن بعضهم أنه قال: ليس في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث واحد أجمع بانفراده لأصول الدين وفروعه من حديث أبي ثعلبة ".اهـ
وقد صححه ابن القيم في إعلام الموقعين (1/221) وابن كثير في تفسيره (1/405) وقال الألباني في تحقيق الإيمان لابن تيمية (43): حسن بشاهده وفي تحقيقه لرياض الصالحين" (1841) قال: " في إسناده انقطاع وضعفه لاختلاف إسناده وطرقه.وقال ابن حجر" في المطالب العالية" (3/271).: " رجاله ثقات إلا أنه منقطع.
والحاصل من كلام أهل العلم: أن أسانيد هذا الحديث لا تخلو من ضعف، ولكن يتقوي بطرقه وشواهده وما جعلنا نثبته هنا أن كثيراً من أهل العلم يستشهدون به لصحة تحسينه عندهم كابن العثيمين وابن تيمية وغيرهما ممن ذكرنا هنا وهم جهابذة في علم الحديث دراية ورواية والله أعلم وأحكم.
[583] -انظر صحيح سنن أبي داود للألباني برقم/ 3225، وانظر السلسلة الصحيحة (5 / 325)
[584] -انظر الشرح الممتع علي زاد ىالمستنقع لمحمد بن العثيمين-(15 /8 )
[585] -انظر أحكام القرآن للجصاص -( 6/313)
[586]-أخرجه مسلم من حديث ابن مسعود-رضي الله عنه- برقم/4957-باب غيرة الله تعالى - وتمامه: "لا أحد أغير من الله ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه "
[587] -انظر أحكام القرآن للقاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي- ( 4/4)
[588] -انظر أحكام القرآن للجصاص -( 6/314)
[589] - سبق تخريجه
[590] -انظر أحكام القرآن للكيا الهراسي(3 /140)- الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت
[591] -يشير المصنف لحديث كحديث وائل بن حجر –رضي الله عنه-الذي أخرجه النسائيوصححه الألباني في صحيح السنن برقم/ 1264 ولفظه" أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم جلس في الصلاة فافترش رجله اليسرى ووضع ذراعيه على فخذيه وأشار بالسبابة يدعو بها".
[592] -أخرج نحوه البحاري برقم/ 973- باب رفع الإمام يده في الاستسقاء بلفظ" كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء وإنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه "
[593] -انظر أحكام القرآن للجصاص -( 6/315)
[594] -أخرجه مسلم برقم/ 1686-باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها
[595]-انظر شرح رياض الصالحين لابن عثيمين-باب فضل الدعاء
[596]- انظر شرح رياض الصالحين لابن عثيمين-باب فضل السماحة في البيع والشراء
[597]-أخرجه البخاري من حديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما-برقم/ 1974-باب ما يكره من الخداع في البيع
[598] -انظر أحكام القرآن للقاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي- (4/11)
[599] -انظر أحكام القرآن للجصاص -( 6 /320 )
[600] - انظر العبودية لابن تيمية- الناشر: المكتب الإسلامي – بيروت(ص/103)
[601] - أخرجه البخاري برقم/ 3519- باب مناقب سعد بن معاذ رضي الله عنه
[602]- أخرجه البخاري برقم/ 2675- باب فضل الخدمة في الغزو –من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه وتمام متنه" خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أخدمه فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم راجعا وبدا له أحد قال هذا جبل يحبنا ونحبه ثم أشار بيده إلى المدينة قال اللهم إني أحرم ما بين لابتيها كتحريم إبراهيم مكة اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا "
[603] -أخرجه مسلم برقم/1104-باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها
[604] -انظر أحكام القرآن للقاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي- (4 /29 )
[605]-انظر مجموع فتاوي ورسائل محمد بن عثيمين-( 2/230 )
[606] -أخرجه البخاري برقم/ 6460- من حديث ابن عباس رضي الله عنهما- باب في الهبة والشفعة- ولفظه" العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه ليس لنا مثل السوء "
[607] - انظر حديث رقم: 1962 في صحيح الجامع.
[608] -أخرجاه في الصحيحين من حديث ابي هريرة-رضي الله عنه-البخاري برقم/3058-باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال،ومسلم برقم/4908-باب استحباب الدعاء عند صياح الديك
[609] - انظر صحيح غاية المرام ( 147 )، صحيح أبي داود ( 2534 ) للألباني ونحوه أخرجه البخاري( برقم/5060) وغيره بألفاظ متقاربة لما ذكره المصنف من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما - باب من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية -ولفظه" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو ضاريا نقص من عمله كل يوم قيراطان "
[610] --انظر مجموع الفتاوي لابن تيمية-( 32/259 )-الناشر دار الوفاء
[611] -أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي ذر-رضي الله عنه-البخاري برقم/ 336- باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء، ومسلم برقم/ -237 باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات.
[612] -انظر أحكام القرآن للقاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي- (4 /8 )
[613]-انظر شرح ثلاثة الأصول للعلامة ابن عثيمين(1/61)
[614] -انظر صحيحابن ماجة ( 3561 )، المشكاة ( 3575 )، الإرواء ( 2348 )للألباني
[615]- تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين
[616]- أبو داود سليمان بن الأشعث بن شداد الإمام، شيخ السنة، مقدم الحفاظ، أبو داود الأزدي، السجستاني، محدث البصرة. ولد: سنة اثنتين ومائتين، ورحل، وجمع، وصنف، وبرع في هذا الشأن.
قال أبو عبيد الآجري: سمعته يقول: ولدت سنة اثنتين، وصليت على عفان سنة عشرين، قلت: ماتفي شعبان، من سنة عشرين، ومات عثمان قبله بشهر. نقلاَ عن سير أعلام النبلاء للذهبي مختصراً(13/214)
[617]- الترمذي محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاكوقيل: هو محمد بن عيسى بن يزيد بن سورة بن السكن: الحافظ، العلم، الإمام، البارع، ابن عيسى السلمي، الترمذي الضرير، مصنف (الجامع)، وكتاب (العلل)، وغير ذلك.
اختلف فيه، فقيل: ولد أعمى، والصحيح أنه أضر في كبره، بعد رحلته وكتابته العلم. ولد: في حدود سنة عشر ومائتين. وقال ابن حبان في (الثقات): كان أبو عيسى ممن جمع، وصنف وحفظ، وذاكر.
وقال أبو سعد الإدريسي: كان أبو عيسى يضرب به المثل في الحفظ.
وقال الحاكم: سمعت عمر بن علك يقول: مات البخاري فلم يخلف بخراسان مثل أبي عيسى، في العلم والحفظ، والورع والزهد، بكى حتى عمي، وبقي ضريرا سنين، قال غنجار، وغيره: مات أبو عيسى في ثالث عشر رجب، سنة تسع وسبعين ومائتين بترمذ..-نقلاً من سير أعلام النبلاء للذهبي مختصراَ (13/270)
[618] -سبق تخريجه أنفاً
[619] -انظر أحكام القرآن للقاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي- ( 4/9 )
[620] -انظر النبوات لابن تيمية (ص/212)-نشر: أضواء السلف، الرياض، المملكة العربية السعودية
[621] -انظر أحكام القرآن للقاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي- (4/17 )
[622] -انظر أحكام القرآن للجصاص -( 6/319 )
[623] -أخرجاه في الصحيحين من حديث طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ-رضي الله عنه- البخاري برقم/44- باب الزكاة من الإسلام،ومسلم برقم/12- باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام
[624] -انظر أحكام القرآن للقاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي- ( 4/20)
[625] -أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- البخاري برقم/ 1253- باب وفاة موسى وذكره بعد، ومسلم برقم/ 4374- باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم
[626] -انظر أحكام القرآن للقاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي- ( 4/21 )
[627]-يشير المصنف لحديث كالذي أخرجه مسلم برقم/975 -باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة ويناله الحر في طريقه من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه – ولفظه"
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبردوا عن الحر في الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم "
[628] -انظر أحكام القرآن للجصاص -(6/321)
[629] -انظر إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان لابن القيم-نشر المكتب الإسلامي-بيروت(ص/34)
[630] - أخرجه البخاري برقم/323- باب قول الله تعالى{ فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه }
[631] -سبق تخريجه
[632]-انظر مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز -رحمه الله-باب وجوب عداوة اليهود والمشركين وغيرهم من الكفار(2/178)
[633]- أبو وائل. واسمه شقيق بن سلمة الأسدي أحد بني مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة. قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن أبي العنبس عمرو بن مروان قال: قلت لأبي وائل هل أدركت النبي. –صلي الله عليه وسلم-؟ قال: نعم وأنا غلام أمرد. ولم أره. وقال الفضل بن دكين وغيره: توفي أبو وائل في زمن الحجاج بعد الجماجم.
وقد روى أبو وائل عن عمر وعلي وعبد الله وأسامة بن زيد وحذيفة وأبي موسى وابن عباس وعزرة بن قيس. وأتى الشام فسمع من أبي الدرداء. وروى عن ابن الزبير وسلمان بن ربيعة. وحضر غزوة بلنجر مع سلمان بن ربيعة. وروى عن ابن معيز السعدي. وروى ابن معيز عن عبد الله. وروى أبو وائل أيضا عن مسروق وكردوس وعمرو بن شرحبيل ويسار بن نمير وسلمة بن سبرة وعمرو بن الحارث الذي روى عن زينب امرأة عبد الله. وكان ثقة كثير الحديث.- نقلاَ عن الطبقات الكبرى لابن سعد مختصراً برقم/ 1984
[634]-الحديث أخرجاه في الصحيحين البخاري - برقم/219- باب البول عند سباطة قوم، ومسلم برقم/402- باب المسح على الخفين
[635] -انظر أحكام القرآن للقاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي- (4/25)
[636] - حديث البطاقة اخرجه ابن ماجة ( 4300 ) وغيره من حديث عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- وفيه" إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة و تسعين سجلاكل سجل مثل مد البصر ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة و إنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا عبده و رسوله فيقول: احضر وزنك فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: فإنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة و البطاقة في كفة فطاشت السجلات و ثقلت البطاقة و لا يثقل مع اسم الله تعالى شيء. -وانظر حديث رقم: 1776 في صحيح الجامع. "
[637] - أخرجه أحمد في مسنده (5/287)؛ وابن أبي شيبة (12/ 113) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
[638] -أخرجه البخاري برقم/ 5927- باب فضل التسبيح
[639] -انظر شرح العقيدة السفارينية لابن عثيمين(1/436)
[640] - اخرجه البخاري برقم/ 2804- باب الحرب خدعة
[641]-انظر كيف يجب علينا أن نفسر القرآن الكريم للألباني (ص/20)-نشر: المكتبة الإسلامية
[642]-انظر مجموع فتاوي ورسائل محمد بن عثيمين-(1 /170 )
[643]- تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين –تفسير سورة ق
[644] -الحديث أخرجهمسلم برقم/176- باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده وتمام متنه" أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم أفيها أجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت على ما أسلفت من خير "
[645] --انظر مجموع الفتاوي لابن تيمية-( 21/282 )-الناشر دار الوفاء
[646] -أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه-البخاري برقم/ 3197- باب ما ذكر عن بني إسرائيل، ومسلم برقم/ 4822- باب اتباع سنن اليهود والنصارى
[647] - صحح الألباني إسناده وانظر صحيح ظلال الجنة ( 76 )، المشكاة ( 5369 )
[648] -انظر أحكام القرآن للقاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي- (4/14 )
[649] - محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد ابن الوليد بن عقبة بن الأزرق. أبو الوليد الأزرقي: مؤرخ، يماني الأصل، من أهل مكة. له (أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار - ط) جزآن –انظر الإعلام للزركلي (6/222).
[650] -سبق تخريجه انفاً حاشية (130)
[651] - انظراقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لابن تيمية-(2/117)
[652] -انظر أحكام القرآن للجصاص -(6/317)
[653] -أخرجاه في الصحيحين من حديث جرير بن عبد الله-رضي الله عنه –البخاري برقم/ 521- باب فضل صلاة العصر، ومسلم برقم/ 1002- باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما
[654] - صحيحسنن النسائي /1305 للألباني
[655]- دروس وفتاوى الحرم المدني لعام 1416هـ لابن عثيمين-قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية-الدرس رقم/1
[656]-انظر مجموع فتاوي ورسائل محمد بن عثيمين-(8 /44 )
[657] -انظر صحيح سنن الترمذي برقم/3076، والظلال ( 206 )، وتخريج الطحاوية ( 220 و 221 ) للألباني
[658] -أخرج أبو داود نحوه من حديث عبادة بن الصامت- رضي الله عنه-وانظر صحيح أبو داود رقم/ 4700- وصحيح الطحاوية ( 232 )، المشكاة ( 94 ) للألباني
[659] -أخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الله- رضي الله عنه-مسلم برقم/ 4781- باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، والبخاري برقم/ 6105- باب في القدر
[660] -انظر أحكام القرآن للقاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي- (4 /34 )
[661] - أخرجه البخاري برقم/ 2969-باب ذكر الملائكة وتمام متنه" إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار "
[662]-انظر أحكام أهل الذمة لابن القيم-نشر: دار ابن حزم -بيروت-باب فصل الخلاف في خلق الأجساد قبل الأرواح أو العكس
[663]-انظر تقريب التدمرية لابن العثيمين (ص/104)
[664]- القول السديد شرح كتاب التوحيد (ص/165- نشر وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد- المملكة العربية السعودية
[665] -أخرجه مسلم برقم/ 4835- باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها
[666] -انظر صحيح الترغيب للألباني (1822)والسلسلة الصحيحة(1/ 337)
[667]-انظر المنهاج شرح صحيح مسلم بن حجاج للنووي حديث رقم/ 4836- باب اتباع سنن اليهود والنصارى
[668]- الوليد بن مسلم أبو العباس الدمشقي، مولى بنى أمية. أحد الاعلام، وعالم أهل الشام. قال أحمد: ما رأيت في الشاميين أعقل منه. وقال ابن المديني: هو رجل أهل الشام، وعنده علم كثير.
وقال أبو مسهر: الوليد مدلس، وربما دلس عن الكذابين. وقال دحيم: مولده سنة تسع عشرة ومائة.
وقال أبو حاتم: صالح الحديث. قال إبراهيم بن المنذر: قال لي حرملة بن عبد العزيز الجهني: نزل على الوليد ابن مسلم قافلا من الحج، فمات عندي بذى المروة.
قالوا: مات في المحرم سنة خمس وتسعين ومائة بها.-نقلاً عن ميزان الاعتدال في نقد الرجال
للذهبي مختصراَ برقم/ 9405.
[669] - سبق تخريجه
[670]- جزء من حديث أخرجه مسلم برقم/131- من حديث عبد الله بن مسعود-رض الله عنه- باب تحريم الكبر وبيانه وتمام متنه" عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة قال إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس"
[671] -تقدم تخريجه
[672] --انظر مجموع الفتاوي لابن تيمية-( 22/482 )-الناشر دار الوفاء
[673]- والحديث أخرجه البخاري وغيره بالمعني الذي ذكره المصنف برقم/ 4203- باب قوله{ إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب }.
[674] -انظر أحكام القرآن للقاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي- ( 4/57 )
[675] -انظر أحكام القرآن للجصاص -( 6 /326 )
[676]-انظر شرح العقيدة السفارينية لابن عثيمين(ص/128)
[677] -انظر أحكام القرآن للجصاص -(6/331 )
[678] -أخرجه البخاري من حديث ابي هريرة- رضي الله عنه –برقم/ 6021- باب التواضع- وتمام الحديث" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته "
[679] --انظر مجموع الفتاوي لابن تيمية-( 16/209 )-الناشر دار الوفاء
[680] - أخرجاه في الصحيحين، مسلم برقم/ 5359- باب في سورة براءة والأنفال والحشر،والبخاري برقم/ 4503 - باب{ الجلاء } الإخراج من أرض إلى أرض.
[681]-قلت: " سيد مبارك" وثبت ذلك من حديثجابر بن عبد الله الأنصاري قالقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر وأعطيت الشفاعة ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة "-أخرجه مسلم برقم/810
[682]- سماك بن الوليد الحنفي اليمامي المحدث، أبو زميل الحنفي، اليمامي، نزيل الكوفة. روي عن: ابن عباس، وابن عمر، ومالك بن مرثد.وعنه: سبطه؛ عبد ربه بن بارق الحنفي، ومسعر، والأوزاعي، وعكرمة بن عمار، وشعبة. وثقه: أحمد، وابن معين. وقال أبو حاتم، وغيره: صدوق، لا بأس به.-انظر سير أعلام النبلاء للذهبي(5/249)
[683]- أخرجه مسلم برقم/3309-باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم
[684] - أخرجه الثعلبي في الكشف والبيان، والزمخشري في تفسيره الكشاف،وغيرهما والحديث موضوع. انظر الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة لمحمد بن علي الشوكاني باب فضائل القرآن (ص 363).
[685]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(10/167)
[686]- مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري أبو زرارة المدني روى عن أبيه وعلي وطلحة وعكرمة بن أبي جهل وعدي بن حاتم وابن عمر وعاصم ابن بهدلة والزبير بن عدي والحكم بن عتيبة وسفيان بن دينار التمار وعمرو بن مرة وغطيف ابن اعين وغيرهم.
وذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل المدينة وقال كان ثقة كثير الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال عمرو بن علي وغيره أحد مات سنة ثلاث ومائة.
قلت: وقال العجلي تابعي ثقة وقال البخاري في الصغير لم يسمع من عكرمة ابن أبي جهل وقال البيهقي في المدخل حديثه عن عثمان منقطع.
قلت: ووقفت في كتاب المصاحف لابن أبي داود على ما يدل على صحة سماعه منه.-انظر تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر برقم/ 306-باب من اسمه مصعب
[687]- قال المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى–رحمه الله- في الصحيح المسند من أسباب النزول (ص/ 96 ) ما نصه: هذا حسن صحيح وقد رواه سماك عن مصعب بن سعد أيضا. الحديث أخرجه مسلم مطولا كما سيأتي في سورة العنكبوت إن شاء الله ومختصرا ج12 ص53 و54 وأخرجه أبو داود ج3 ص30 و31 والطيالسي ج1 ص239 وابن أبي حاتم ج3 ص222.
والحاكم ج2 ص132 والبيهقي ج6 ص229 وابن جرير ج9 ص173 وأبو نعيم ج8 ص312 وصححه الحاكم وأقره الذهبي.
[688]- تنبيه "للشيخ مقبل-رحمه الله-قال: حديث عبادة بن الصامت من طريق مكحول عن أبي أمامة ومكحول لم يسمع من أبي أمامة، وفي بعض الطرق التصريح بالواسطة بينهما وهو أبو سلام ممطور وفي بعضها ليس فيها مكحول كما عند الإمام أحمد في بعض الطرق من غير طريق مكحول، لكنها من طريق أبي سلام ممطور الحبشي وهو لم يسمع- قلت"الشيخ مقبل" هذا اعتمادا على ما في تهذيب التهذيب من قول ابن أبي حاتم عن أبيه ثم وجدت تصريحه بالتحديث في صحيح مسلم ج1 ص553 بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.- من أبي أمامة لكن الحديث له شاهد وهو ما رواه الحاكم وأقره الذهبي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال يوم بدر: "من قتل قتيلا فله كذا وكذا" أما المشيخة فثبتوا تحت الرايات وأما الشبان فتسارعوا إلى الغنائم فقالت المشيخة للشبان: أشركونا معكم فأنا كنا ردءًا لكم ولو كان شيء لجئتم إلينا، فأبوا، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأنزل الله عز وجل: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} ج2 ص221.
وأخرج أبو داود ج3 ص29 وابن حبان ص431 كما في موارد الظمآن والحاكم في المستدرك ج2 ص29 وابن حبان ص431 كما في موارد الظمآن والحاكم في المستدرك ج2 ص132 و221 و326 وصححه في الثلاث المواضع، وابن جرير ج9 ص171 والبيهقي ج6 ص291، وصححه الحاكم وأقره الذهبي. وابن كثير ج2 ص284 وزاد نسبته إلى النسائي1 وابن مردويه كل هؤلاء أخرجوا عن ابن عباس نحو حديث عبادة. ولا تنافي بين السببين إذ لا مانع أن تكون الآية نزلت في الجميع والله أعلم.
[689]- علي بن صالح بن حي أبو الحسن الهمداني الإمام، القدوة، الكبير، أبو الحسن. حدث عن: سلمة بن كهيل، وعلي بن الأقمر، وسماك بن حرب، وعدة. كان طلبه للعلم هو وأخوه معا، ومات كهلا قبل أخيه بمدة. وثقه: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين كما قدمنا في سيرة أخيه، قلت: وكانا مقرئين مجودين للأداء. تلا علي على عاصم، ثم على حمزة. وتصدر للإقراء، فقرأ عليه: عبيد الله بن موسى، وغيره. ولعلي حديث واحد في صحيح مسلم، في حسن الخلق. مات: سنة أربع وخمسين ومائة.-نقلاً عن سير أعلام النبلاء للذهبي مختصراَ وبتصرف(7/317)
[690] - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي - دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت ( 2/48 )
[691]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/315 )
[692]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(10/169)
[693] - في الآية (1) من هذه السورة.
[694]- أم الدرداء الصغرى هجيمة الحميرية الدمشقية، السيدة، العالمة، الفقيهة، هجيمة. وقيل: جهيمة، الأوصابية، الحميرية، الدمشقية، وهي أم الدرداء الصغرى. روت علما جما عن: زوجها؛ أبي الدرداء. وعن: سلمان الفارسي، وكعب بن عاصم الأشعري، وعائشة، وأبي هريرة، وطائفة.
وعرضت القرآن وهي صغيرة على أبي الدرداء، وطال عمرها، واشتهرت بالعلم والعمل والزهد.-نقلاً عن سير أعلام النبلاء للذهبي مختصراَ(4/277)
[695]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(4 /11 )
[696]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(10/ 170)
[697] - في الآية (1) من هذه السورة.،
[698] - في الآية (1) من هذه السورة.
[699]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(4 /12 )
[700]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(10/170)
[701] - أو ضمير منفصل مبتدأ ثان خبره المؤمنون، والجملة الاسميّة خبر أولئك.
[702] - أو مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو صفته أي المؤمنون إيمانا حقّا.
[703] - أو متعلّق بمحذوف نعت لدرجات.
[704]- عبد الله بن محيريز بن جنادة بن وهب القرشي الإمام، الفقيه، القدوة، الرباني، أبو محيريز القرشي، الجمحي، المكي. حدث عن: عبادة بن الصامت، وأبي محذورة المؤذن زوج أمه، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبي سعيد الخدري، وطائفة.
واسم زوج أمه: سمرة، ولا أعلم أحدا ذكر محيريزا في الصحابة، والظاهر أنه من الطلقاء. وكان من العلماء العاملين، ومن سادة التابعين. وعن الأوزاعي، قال: من كان مقتديا، فليقتد بمثل ابن محيريز، إن الله لم يكن ليضل أمة فيها ابن محيريز مات: في دولة الوليد.-نقلاً عن سير أعلام النبلاء للذهبي مختصراً (4/494)
[705]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13/389/ 15696)
[706]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/171)
[707] - أو متعلّق بفعل أخرجك أي أخرجك بسبب الحقّ الذي سيظهر.
[708] - يجوز أن يتعلّق الجارّ بمحذوف مفعول مطلق أي ثبتت الأنفال ثبوتا كإخراجك بالحقّ.. وثمّة أوجه أخرى في تعليق الجارّ وجعلها أبو حيّان في البحر خمسة عشر وجها منقولة عن المفسّرين منها:- تعليقه بمفعول مطلق عامله أصلحوا أي أصلحوا ذات بينكم إصلاحا كإخراجك من بيتك، وفيه التفات من خطاب الجماعة إلى خطاب المفرد. ب- أو بمفعول مطلق عامله أطيعوا أي أطيعوا اللّه ورسوله كإخراجك من بيتك بالحقّ أي طاعة محقّقة. ج- أو بمفعول مطلق عامله يتوكّلون أي يتوكّلون توكّلا كإخراجك. د- أو هو صفة ل (حقّا) من قولهم هم المؤمنون حقا أي حقا كإخراج
ç- أو بمفعول مطلق عامله كارهون أي هم كارهون كراهية كإخراجك...
وقد ردّ أبو حيّان كلّ ذلك فقال: «... وقبل تسطير هذه الأقوال في البحر ولم يلق بخاطري منها شيء رأيت في النوم أنّي أمشي مع رجل أباحثه في الآية فقلت له: ما مرّ بي شيء مشكل في القرآن مثل هذا ولعلّ ثمّ محذوف يصحّ به المعنى وما وقفت فيه لأحد من المفسّرين على شيء طائل، ثمّ قلت له: إن ذلك المحذوف هو نصرك واستحسنت أنا وذلك الرجل هذا التخريج ثمّ انتبهت من النوم وأنا أذكره...» إلخ.
[709]-انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 3/327)
[710]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/172)
[711]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/315)
[712]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/174)
[713]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13 /398 / 15719 )
[714]-تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(4 /16 )
[715]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(10/ 175)
[716]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13/408/ 1573)
[717]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/177)
[718] - أو متعلّق بفعل تودّون.
[719]- قال المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى–رحمه الله- في الصحيح المسند من أسباب النزول (ص/ 99 ) ما نصه: الحديث أخرجه مسلم ج12 ص84 و85 والترمذي وقال حسن صحيح غريب ج4 ص111 و112 وعزاه الحافظ ابن كثير ج2 ص286 لأبي دواد وقال: وصححه علي بن المديني، وابن أبي حاتم ج3 ص230، وابن جرير ج9 ص189.
[720]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/ 316 )
[721]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/179)
[722] - أو مفعول لأجله، والفعل متعدّ لواحد.
[723] - يجوز عطفه على (بشرى)-بكونه مفعولا لأجله-وقد جرّ باللام لاختلال شرط النصب.
[724]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/316)
[725] -قلت يشير المصنف-رحمه الله-لتفسيره للآية (126) من سورة آل عمران وهي قوله تعالي {وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} فقال ما مختصره: {وما جعله الله إلا بشرى لكم} الهاء للمدد، وهو الملائكة أو الوعد أو الإمداد، ويدل عليه" يمددكم" أو للتسويم أو للإنزال أو العدد على المعنى، لأن خمسة آلاف عدد-وانظر تفسيره للآية (4/198)- نشر: دار الكتب المصرية - القاهرة
[726]-الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة ( 7/371 )
[727]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/180)
[728] - في الآية (7) من هذه السورة.
[729] - أو من المفعول الأول أي ذوي أمان على حذف مضاف.. ويجوز أن يكون مفعولا لأجله.
[730] - في الآية (1) السابقة.
[731] - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي -دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت–لبنان( 2/51)
[732]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة(1/316)
[733]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/180)
[734] - في الآية (11) من هذه السورة ويجوز أن يكون متعلّقا ب (يثبّت).
[735] - أجاز بعضهم نقل (فوق) عن الظرفيّة وجعلها مفعولا على السعة، وقد ردّ ذلك أبو حيّان.
[736]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(4 /25 )
[737]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/316 )
[738]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/181)
[739] - أو هي تعليليّة عند من يجعل الجزاء محذوفا، فالجملة بعدها تعليل لهذا الجزاء أي: من يشاقق اللّه ورسوله يعاقبه فإنّ اللّه شديد العقاب.
[740]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(4 /26 )
[741]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/182)
[742] - في الآية السابقة (13).
[743] - يجوز أن يكون (ذلك) خبرا لمبتدأ محذوف تقديره الأمر أو العقاب.
[744] - هي جواب لأمر مقدّر عند أبي حيّان أي تنبّهوا فذوقوه.
[745] - في الآية السابقة (13).
[746] - ويجوز أن يكون في محلّ نصب مفعولا به لفعل محذوف تقديره اعلموا.
[747]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13 /433 / 15794 )
[748]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/183)
[749] - أو مفعول مطلق لحال محذوفة أي زاحفين زحفا.
[750]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/317)
[751]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/185)
[752] - يجوز ان يكون مبنيّا لأنه أضيف الى ظرف مبنيّ وهو (إذ).
[753] - التنوين هنا تنوين عوض، فهو عوض من جملة محذوفة أي يوم إذ لقيتموهم.
[754] - أي ومن يولّهم ملتبسا بأية حال إلّا متحرّفا... وإن لم يقدّر ذلك لم يصحّ دخول (إلّا) لأن الشرط موجب لا منفيّ.. وبعضهم يجعل (متحرّفا) مستثنى من الموليّن أي ومن يولّهم.. إلّا رجلا متحرّفا قاله الزمخشريّ.
[755]- قال المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى–رحمه الله- في الصحيح المسند من أسباب النزول (ص/ 100) ما نصه: الحديث أخرجه الحاكم ج2 ص327 وقال صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي وابن جرير ج9 ص201 وعزاه الحافظ ابن كثير ج2 ص295 إلى النسائي وابن مردويه مع من ذكرنا ثم قال: وهذا كله لا ينفي أن يكون الفرار من الزحف حراما على غير أهل بدر وإن كان سبب نزول الآية فيهم كما دل عليه حديث أبي هريرة المتقدم من أن الفرار من الزحف من الموبقات كما هو مذهب الجمهور والله أعلم.
[756]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 4/27)
[757]- قلت" سيد مبارك ": وسيأتي تفسيره-رحمه الله-لقوله تعالي { الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ..الآية (66) من هذه السورة وهو المقصود بقوله هنا" وسيأتي في آخر السورة تقييدها بالعدد" حتي يحيط القاريء بمقصوده ويفهم مراد المصنف والله المستعان
[758]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/317 )
[759]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13 /441 / 15816)
[760]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/186)
[761] - وجملة الفعل المقدّرة معطوفة على جملة الاستدراك: لكنّ الله رمى.
[762]- أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الطبراني؛ كان حافظ عصره، رحل في طلب الحديث من الشام إلى العراق والحجاز واليمن ومصر وبلاد الجزيرة الفراتية، وأقام في الرحلة ثلاثاً وثلاثين سنة، وسمع الكثير، وعدد شيوخه ألف شيخ، وله المصنفات الممتعة النافعة الغريبة منها المعاجم الثلاثة: " الكبير " و " الأوسط " و " الصغير " وهي اشهر كتبه، وروى عنه الحافظ أبو نعيم والخلق الكثير.
ومولده سنة ستين ومائتين بطبرية الشام، وسكن أصبهان إلى أن توفي بها يوم السبت لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ستين وثلثمائة، وعمره تقديراً مائة سنة، رحمه الله تعالى، وقيل إنه توفي في شوال، والله أعلم-نقلاً عن وفيات الاعيان لابن خلكان مختصراً (2/407)
[763]- حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد الأسدي ابن عبد العزى بن قصي بن كلاب، أبو خالد القرشي الأسدي. أسلم يوم الفتح، وحسن إسلامه. وغزا حنينا والطائف. وكان من أشراف قريش، وعقلائها، ونبلائها. وكانت خديجة عمته، وكان الزبير ابن عمه وولد قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة. وقال البخاري في (تاريخه): عاش ستين سنة في الجاهلية، وستين في الإسلام. قلت: لم يعش في الإسلام إلا بضعا وأربعين سنة. قال ابن مندة: ولد حكيم في جوف الكعبة، وعاش مائة وعشرين سنة. مات: سنة أربع وخمسين.-نقلاً عن سير أعلام النبلاء للذهبي مختصراً(3/44)
[764]- قال المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى–رحمه الله- في الصحيح المسند من أسباب النزول (ص/ 101) ما نصه: قال الهيثمي في المجمع ج6 ص84 سنده حسن، وأقول: لعله يقصد أنه حسن لغيره. وإليك رجال الإسناد محمد بن يزيد الأسفاطي، قال أبو حاتم: صدوق. وإبراهيم بن يحيى الشجري، قال أبو حاتم: ضعيف، ووثقه ابن حبان والحاكم، وقال أبو إسماعيل الترمذي: لم أر أعمى قلبا منه، قلت له حدثكم إبراهيم بن سعد فقال حدثكم إبراهيم بن سعد فهذا جرح مفسر فهو ضعيف.
ووالده وهو يحيى بن محمد وعباد الشجري، قال أبو حاتم ضعيف. وذكره ابن حبان في الثقات. قال الحافظ في التهذيب بعد هذا، قلت وقال الساجي في حديثه مناكير وأغاليط وكان فيما بلغني ضريرا يلقن ا. هـ. من تهذيب التهذيب. وموسى بن يعقوب الزمعي مختلف فيه الراجح فيه أن يصلح في الشواهد والمتابعات. وأما عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان فمن رجال الجماعة وهو ثقة.
وأما أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة فقال الزهري كان من علماء قريش. ا. هـ مختصرا من تهذيب التهذيب، وأما شيخ الطبراني وهو أحمد بن ما بهرام وفي المعجم الصغير أحمد بن الحسين بن ما بهرام فلم أتمكن من البحث عنه. وقلنا إن الهيثمي لعله حسن الحديث من أجل ما له من الشواهد والمتابعات؛ لأنه قد عقبه بقوله: وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لعلي: "ناولني كفا من حصى" فناوله فرمى به وجوه القوم فما بقي أحد من القوم إلا امتلأت عيناه من الحصباء فنزلت: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} الآية. ثم قال رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. وقد روى الحاكم ج2 ص327 عن سعيد بن المسيب عن أبيه أنها نزلت لما رمى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أُبَيّ بن خلف وقال هذا حديث على شرط الشيخين، وأقره الذهبي.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله ج2 ص229 بعد عزوه إلى الحاكم عن سعيد بن المسيب والزهري وهذا القول عن هذين الإمامين غريب أيضا جدا ولعلهما أرادا أن الآية بعمومها تناولته لا أنها نزلت فيه خاصة كما تقدم ا. هـ
[765] - انظر حديث رقم: 3702 في صحيح الجامع.
[766]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(4/30 )
[767]- تفسير القرآن الكريم ـ لابن القيم )- ( 1/297)
[768]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة(1/317)
[769]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/187)
[770] - أو هو خبر لمبتدأ محذوف تقديره (الأمر) ذلكم.
[771] - وقال الزمخشريّ هو معطوف على (ليبلي) في محلّ جرّ.. وقال العكبريّ هو خبر لمبتدأ محذوف تقديره الأمر إنّ اللّه موهن
[772]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13/449 / 15830)
[773]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/189)
[774] - يجوز أن يحمل الفعل معنى تنفع أو تجدي، فيعرب (شيئا) مفعولا مطلقا نائبا عن المصدر أي لا تغني عنكم فئتكم أيّ إغناء أو شيئا من الإغناء.
[775] - يجوز أن يكون المصدر المؤوّل خبرا لمبتدأ محذوف تقديره: الأمر أنّ اللّه مع المؤمنين... والجملة الاسمية لا محلّ لها استئنافيّة.
[776]- عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري الشيخ، أبو محمد العذري، المدني، حليف بني زهرة.
مسح النبي -صلى الله عليه وسلم - رأسه، فوعى ذلك وقيل: بل ولد عام الفتح، وقد شهد الجابية. فلو كان مولده عام الفتح، لصبا عن شهود الجابية. حدث عن: أبيه، وعمر بن الخطاب، وجابر. وليس هو بالمكثر. حدث عنه: الزهري، وأخوه؛ عبد الله، وعبد الله بن الحارث بن زهرة.
وكان شاعرا، فصيحا، نسابة. قال خليفة بن خياط، وغيره: توفي سنة تسع وثمانين.-نقلاً عن سير أعلام النبلاء للذهبي مختصراً(3/503)
[777]- قال المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى–رحمه الله- في الصحيح المسند من أسباب النزول (ص/ 102 ) ما نصه:
الحديث أصله في المسند ج5 ص431 وليس فيه نزول الآية وأخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي وعزاه الحافظ ابن كثير في التفسير ج2 ص296 للنسائي في التفسير وأخرجه الواحدي في أسباب النزول.
[778] - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي-دار الفكر للطباعة و النشر والتوزيع بيروت –لبنان(2/51 )
[779]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(4 /33 )
[780]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13/455 / 15849)
[781]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/192)
[782]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/318 )
[783]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/193)
[784]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13/485/ 15852)
[785]-الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة (7 /388)
[786]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/194)
[787]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1 /318)
[788]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 4/34 )
[789]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/195)
[790] - أو بمحذوف حال من (خيرا).
[791]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/318 )
[792]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/196)
[793] - في الآية (20) من هذه السورة.
[794] - يجوز أن يكون الضمير هو ضمير الشأن.
[795]- أَبُو سَعِيد بْن المعلى. قيل اسمه رافع بْن المعلى بْن لوذان بْن المعلى وقيل الحارث بْن المعلى. وقيل أوس بْن المعلى. وقيل: أَبُو سَعِيد بْن أوس بْن المعلى. ومن قَالَ هُوَ رافع بْن المعلى فقد أخطأ، لأن رافع بْن المعلى قتل ببدر. وأصحّ مَا قيل- والله أعلم فِي اسمه- الحارث بْن نفيع بْن المعلى بْن لوذان بْن حارثة بْن زيد بْن ثعلبة من بني زريق الأَنْصَارِيّ الزَّرْقِيّ. أمه أميمة بنت قرط بْن خنساء، من بني سلمة. له صحبة، يعد فِي أهل الحجاز روى عنه حفص بْن عَاصِم، وعبيد بْن حنين. توفي سنة أربع وسبعين، وَهُوَ ابْن أربع وستين سنة.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: لا يعرف فِي الصحابة إلا بحديثين: أحدهما عِنْدَ شُعْبَةَ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فَنَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ آتِهِ حَتَّى قَضَيْتُ صَلاتِي،..... الْحَدِيثُ-نقلاً عن الاستيعاب في معرفة الأصحاب لعبد البر برقم (2995)
[796]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(4/35 )
[797]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/318 )
[798]- تفسير القرآن الكريم ـ لابن القيم )- (1/298)
[799]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(10/197)
[800] - لا يقرّ البصريون جواز توكيد المضارع المسبوق ب (لا) النافية، ويؤوّلون مثل هذه الآية أنّ الفعل هو جواب لقسم مقدّر، والجملة لا محلّ لها، وهذا القسم نعت لفتنة، والفعل هنا مؤكّد للضرورة.. هذا الكلام تأباه النصوص العربيّة العالية الأسلوب كالقرآن، إذ يجوز تأكيد الفعل المنفيّ ب (لا). هذا.. ويجعل بعضهم الفعل في محلّ جزم ب (لا) الناهية، والكلام محمول على المعنى أي لا تدخلوا في الفتنة، فإنّ من يدخل فيها ينزل عليه جزاء عام.. والجملة في محلّ نصب مقول القول لمقدّر هو نعت لفتنة أي: فتنة مقولا فيها لا تصيبنّ... والنهي في اللفظ للمصيبة وفي المعنى للمخاطبين.
[801] - يجوز أن يكون مفعولا مطلقا نائبا عن المصدر بكونه صفة له أي إصابة خاصّة.
[802]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/319 )
[803] - زينب بنت جحش بن رئاب بن أسد بن خزيمة أمها أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم، عمة النبي صلى الله عليه وسلم، كانت من المهاجرات، تزوجها بالمدينة بعد سنة ثلاث من الهجرة وهي أول نسائه لحوقا به صلى الله عليه وسلم، توفيت سنة عشرين من الهجرة، كانت قبله تحت زيد بن حارثة يعلمها كتاب ربها وسنة نبيها، ثم زوجها الله منه من فوق سبع سموات بشهادة جبريل، كانت أواهة كثيرة الخير، والصدقة، وصولة لرحمها، بذولة لمالها، طويلة اليدين بالصدقة، تفتخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله عز وجل زوجها إياه، أولم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وليمة أشبع المسلمين فيها خبزا ولحما، وفي شأنها ووليمتها نزلت آية الحجاب، صلى عليها عمر بن الخطاب، ودخل قبرها أسامة بن زيد، ومحمد بن عبد الله بن جحش، وعبد الله بن أبي أحمد، ومحمد بن طلحة بن عبيد الله، وأول من صنع لها نعش الجنازة، ودفنت بالبقيع-نقلاً عن معرفة الصحابة لابي نعيم الاصبهاني مختصراً(6/3223)
[804] - أخرجه مسلم برقم/ 5128- باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج
[805] - انظر صحيح سنن الترمذي برقم/ 2168 - وصحيح الجامعبرقم: 1973 للألباني.
[806] - النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الأمير، العالم، صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وابن صاحبه، أبو عبد الله - ويقال: أبو محمد - الأنصاري، الخزرجي، ابن أخت عبد الله بن رواحة. شهد أبوه بدرا. وولد النعمان: سنة اثنتين؛ وسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم - وعد من الصحابة الصبيان باتفاق.
قال سماك بن حرب: كان النعمان بن بشير -والله - من أخطب من سمعت. قيل: إن النعمان لما دعا أهل حمص إلى بيعة ابن الزبير، ذبحوه. وقيل: قتل بقرية بيرين، قتله خالد بن خلي بعد وقعة مرج راهط، في آخر سنة أربع وستين -رضي الله عنه –نقلاً عن سير أعلام النبلاء للذهبي مختصراَ(3/411).
[807] - أخرجه البخاري برقم/ 2313- باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه- وانظر صحيح سنن الترمذي برقم/ 2173 للألباني
[808]-الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة ( 7/391)
[809]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/201)
[810] - هذا رأي الزمخشريّ وقد ردّه أبو حيّان فقال: فيه التصرّف في إذ بنصبها مفعولة وهي من الظروف التي لا تتصرّف إلّا بأن أضيف إليها الأزمان... اه. وقال ابن عطيّة (إذ) ظرف لمعمول الفعل اذكروا تقديره: واذكروا حالكم الكائنة أو الثابتة إذ أنتم قليل، ولا يجوز أن تكون ظرفا لا ذكروا، إنّما يعمل اذكروا في إذ لو قدرناه مفعولا.
[811]-انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 3/347)
[812]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 4/40 )
[813]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/202)
[814] - في الآية (20) من هذه السورة.
[815] - أو هي واو المعيّة، والفعل بعدها منصوب ب (أن) مضمرة وجوبا بعدها، والمصدر المؤوّل معطوف على مصدر متصيّد من النهي السابق أي لا يكن منكم خيانة للّه والرسول وخيانة لأماناتكم
[816] - في الآية (20) من هذه السورة.
[817]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/ 319)
[818]- حاطب بن أبي بلتعة وهو ابن عمرو بن عمير بن سلمة، رسول رسول الله إلى المقوقس ملك الإسكندرية، يكنى أبا محمد، حليف بني أسد، شهد بدرًا، ومات سنة ثلاثين، وهو ابن خمس وستين سنة. روى عنه: جابر بن عبد الله، وابن عمر، وابنه عبد الرحمن.- معرفة الصحابة لابن منده(ص/371)
[819] -أخرجه البخاري برقم/ 2851- باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة والمؤمنات
[820]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 4/41 )
[821]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/203)
[822] - في الآية (26) من هذه السورة.
[823] - في الآية (24) من هذه السورة.،
[824]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(4/42 )
[825]-تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -مؤسسة الرسالة(1/319)
[826]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/205)
[827] - في الآية (20) من هذه السورة.
[828] - أو بمحذوف مفعول به ثان لفعل جعل المتعدّيّ المفعولين
[829]-انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (3 /349)
[830]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13 /487 / 15935)
[831]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/206)
[832] - في الآية (29) السابقة.
[833]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/ 320)
[834]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/208)
[835]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 13 /502 / 15976)
[836]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(4 /46 )
[837]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/209)
[838] - في الآية (30) من هذه السورة.
[839] - أو هو حال من معنى الحقّ أي الثابت من عندك- العكبريّ.
[840] - أو هو نعت لحجارة في محلّ نصب.
[841]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(4/47 )
[842]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(10/ 211)
[843]- قال المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى–رحمه الله- في الصحيح المسند من أسباب النزول (ص/ 102 ) ما نصه: الحديث أعاده ص379 من طريق شيخه محمد بن النضر أخي شيخه أحمد في الحديث السابق وأخرجه مسلم ج17 ص139 وابن أبي حاتم ج3 ص242 والواحدي في أسباب النزول.
[844]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر: مؤسسة الرسالة( 1/320)
[845]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/211)
[846]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/320 )
[847] -أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي-دار الفكر للطباعة و النشر والتوزيع بيروت– لبنان(2 /53 )
[848]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/213)
[849] - أو متعلّق بالصلاة لأنه مصدر.
[850]-انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (3 /355 )
[851]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/320 )
[852]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(10/215)
[853] - أو متعلّق بمحذوف حال من حسرة- نعت تقدّم على المنعوت-.
[854]- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (13/529 / 16055)
[855]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(10/216)
[856] - أو متعلّق بالفعل جعل، أو بمحذوف حال إذا كان الفعل متعدّيا لواحد.
[857] - في الآية (36) من هذه السورة.
[858] - أو هو مبتدأ خبره الخاسرون، والجملة الاسميّة خبر المبتدأ أولئك.
[859]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع(4 /54 )
[860]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(10/217)
[861] - يجوز أن يكون (ما) نكرة موصوفة، والجملة نعت لها في محلّ رفع.
[862]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1/321)
[863]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 4/55 )
[864]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة الإيمان–دمشق(10/218)
[865] - يجوز أن يكون الفعل ناقصا و(الدين) اسمه و(للّه) خبره... وانظر الآية (193) من سورة البقرة.
[866] - يجوز أن يكون الفعل ناقصا و(الدين) اسمه و(للّه) خبره... وانظر الآية (193) من سورة البقرة
[867] - أو هو اسم موصول أو نكرة موصوفة، والجملة بعده إنا صلة وإمّا نعت والعائد محذوف.
[868]-أخرجه البخاري من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما-برقم/24- باب{ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم }، ومسلم برقم/31- باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله
[869] -أخرجه البخاري برقم/120- باب من سأل وهو قائم عالما جالسا، ومسلم برقم/3525- باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله
[870]- تفسير القرآن العظيم لابن كثير-الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 4/56 )
[871]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-دار الرشيد مؤسسة الإيمان –دمشق(10/220)
[872]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي-الناشر:مؤسسة الرسالة( 1 /321 )
===========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

معاني

فهرس معاني الكلمات 001 الفاتحة ► 002 البقرة ► 003 آل عمران ► 004 النساء ► 005 المائدة ► 006 الأنعام ► 007 الأعراف ► 008 الأنفال ► 009 التوب...